جحر الشيطان
الفصل الخامس عشر
ندى ممدوح فايدوَقفت ( خديجة) أمام المشعل تعد العشاء للجميع، لم يكن هُنالك غيرها، وبينما هي تعد وتقلب ما أمامها، ظهرت ( وعد) بغتة خارج المطبخ على مقعدها بمقلتين تقدح شرارًا و وجهًا يطفر غضبًا، حدقت في النار المشعلة اسفل الإناء فإذا بنار مهيبة مخيفة ترتفع فـ تلقائيًا أندفعت ( خديجة) مصعوقة من هول ما رأت متقهقره للوراء حتى اوشكت على السقوط على ظهرها لولا تمسكها بحافة الطاولة، بسملت تلقائيًا فـهدأت النار حتى توارت تمامًا وكأن شيئّا لم يكن... قامت وما زال بصرها معلق على الموقد أمامها فـ اطفئت الشعلة سريعًا و ولت هاربة متوجسة خوفًا وقد ظنت أنها تتوهم ذلك او خُيل لها، ظلت عيناها زائغة طيلة الوقت، تتلفت يمنى ويسر في وجل، وجُل ما في نفسها أنها تتخيل فقط، رغم أن مظهرُ النيران وهي ترتفع حتى كادت أن تلامس السقف لا يبرح ذهنها، راحت تطمئن فؤادها وتتلو بعضًا من الذكر الحكيم لتُسكن روعها الهائج.. ومر باقي الليل في سلام.
🍂 اللهم إني أعوذُ بك من عذاب القبر، وفتنته، وظلمته، و وحشته🍂
كان القلق يتآكل من شِغاف قلبها بشدة، بل يلتهمه إلتهامًا لكنها كـ العادة لا تبوح لأحد، وكيف تبوح وهي خرساء، كحياتها الخرساء تمامًا حتى الألم باتت تخرسه في فؤادها وتجمحه بداخلها، حين يفيض قلبها ألمًا وينبضُ بالأوجاع تهرع إلى لوحاتها وفرشاتها والوانها فترسم ألمها عساه يبرح فؤادها لكنه كـ الغراء يظل ملتصقًا مهما حاولت نزعه، فـ الحزن يبقى مقيمًا داخل الفؤاد لا يُبرح مكانه مهما جار عليه الزمن...
وعبر نافذة غرفته كان يرتكن بجنبه على حافتها عاقد الساعدين مرتخي الرأس إلى الجدار يتأملها دون ملل كأنها لوحة بديعة صعب إبداعها مرةٌ أخرى، يتبسم قلبه ويُزهر مع كل حركةٌ، همسةٌ، إلتفاتةٌ منها فتفعل في قلبه فعل السحر او أشد وتأخذ قلبه المتيم بها....
وما زال على حاله من تأملها المشدوه، حين هتف فيه ( مالك) في مشاكسه حينما دخل ولم يشعر به وأمسك به يتأمل ( ملك) :
- يا جدع ارحم قلبك بقا .. والله حرام.
أُجفل ( معاذ) مضطربًا وتبسم في توتر مردفًا :
- في إيه يا عم؟ وبعدين في حد يدخل على حد كدا ؟
قال ( مالك) وهو ينظر للأسف ويده على منكب ( مُعاذ) :
- عشان في حد فقد عقله ممكن مش منتبه للباب ولا اللي بيخبط وعقله في جهة تانية خالص مالص.
ضربه ( مُعاذ) على صدره يدفعه للدخل وهو يهتف في جدية :
- طب أبعد يا خفيف يا خفيف.
سقط ( مالك) متعثرًا من إثر دفع ( معاذ) على الاريكة ودون إنتباه اندفع الآخر فوقة وقبل ان يتدركا نفسيهما او ما حصل وهم على وضعهما المضحك حيثُ مالك جالس وفوقة معاذ بكامله، انطلقت ضحكات خالد وعاصم، وابتدر خالد قائلًا وهو يضرب كف بكف متحسرًا :
- اي ده اموت وأعرف الدنيا جرى فيها إيه ، مش مكسوفين من نفسهم وانتوا بتعملوا كدا!
تبادلا مالك ومعاذ النظر في دهشة وإلتفتا إلى عاصم الذي قال في أسف وهو يربت على كتف خالد. :
- هي الدنيا كدا يا بني مفيهاش أمان حتى مع الصحاب.
توبة استغفر الله دول عايزين طلقتين في نفوخهم جبولنا العار چبر يلمهم.
أنتفض معاذ مبتعدًا وكذلك مالك الذي اسرع نحو الفراش وامسك بالوسائد يلقيها عليهم قائلًا في غيظ :
- بتقول ايه يا زفت إنت؟ چبر (قبر) يلمك وحدك.
تلقفا الشابين الوسائد وهم يقهقها، وتقدم خالد وهو يقول في جدية:
- هو انتوا كنتوا بتعملوا إيه؟
غمز له مالك وقال مازحًا :
- تيجي أقولك؟
اومأ خالد موافقًا وأقترب بأذنه من فم مالك الذي صرخ في صوت عال، جعل خالد يقفز في مكانة وهو يسد اذنه دافعًا إياه للخلف بـ إذدراء.
وبعد إنخراطهم في الضحك والمزاح الشافي للفؤاد، جلسا على فراش معاذ يتهامسون..
علا رنين جوال خالد ورفعه في عجل وهو يرد على حمزة الذي طلب منه الحضور لأمر عاجل هو و عاصم، فغادرا عى الفور..
تنهد مالك وهو يستلقى مشبكًا كفيه خلف رأسه قائلًا :
- يا رب ترجع دارين بخير، أنا خايف اوي عليها وعلى خالتوا عائشة.
- وأنا كمان.
قالها معاذ وهو يحذو حذوه، وتابع داعيًا في تمنى :
- يا رب يرجعها لينا بخير ويحفظها من كل سوء...
أمن ( مالك) على دعاءه في تضرع، وقال فجأة في مكر :
- تعرف يا مالك ؟ انا في وحدة هنا بحبها حب يا بني ميتوصفش واحلى حاجة فيها انها مش بتتكلم وبتحب الرس.... آه آه ايدك يا غبي..
صرخ بها ( مالك) منتفضًا حين أنقض عليه ( معاذ) من ملابسه ثائرًا في وجهه يهتف في غضب جلي :
- أياك يا مالك إلا ملك أنت سامع والله انا....
قاطع كلماته ضحكات ( مالك) وهو يعتدل جالسًا يضرب كف بكف، وقال في حسرة من بين ضحكاته ويهز رأسه في أسف :
- يا عيني على الحب لما يبهدل صاحبه، يا ابني كنت عاقل جرالك إيه الله يحرقك، إلا ملك مين .
قهق بملئ فيه وقال :
- ملك دي اختي يا غبي، الحب عمل فيك آيه، عقلك اتلسع خالص ما شاء الله.
دلك ( معاذ) مؤخرة عنقه في حرج وبسمةٌ بلهاء، فوضع ( مالك) كفه على منكبه وقال وبصره معلق ببصر مالك :
- مينفعش تحب حد من غير ما تقرب من الشخص ده وتعرف اللي في قلبه ليك عشان متتوجعش، حاول تتقرب منها يا معاذ واعرف إذا بتكن لك حاجة ولا لأ، أنت كنت اقرب حد ليها ويمكن ما زال فــ متعلقش نفسك في حبال دايبة ممكن توقعك في اي لحظة، أحسم مشاعرك يا معاذ وشوف مشاعرها.
صمت معاذ مفكرًا وكلمات مالك تدور وتتقلب في ذهنه، وخيم عليهما السكون، قاطعه صوت معاذ يقول في تردود :
- في رايك احاول أبين لها ؟
رد عليه مالك في بساطة :
-طبعًا يا بني هتستنى إيه؟ انت ما شاء الله بتشتغل وتصرف على نفسك من صغرك و شاب وحليوة وشقتك وبتجهزها من تعبك ومهندس قد الدنيا اثبت نفسك رغم صغر سنه، هتنتظر إيه عايزين نفرح بيك يا خويا.
لوى معاذ فمه في سخرية من كلماته فرفع مالك حاجبه دهشة وغمغم :
- إيه يا خويا مش عجبك كلامي.
هم معاذ أن يجيبه فأخترق جلستهما صوت لمياء وهي تدخل ممسكة بصنية محملة بمشروبات وبضع شندوتشات لهم تقول في حنق:
-لا مش عجبه ولا في حاجة عاجبه.
وضعت الصنية في عنف أجفلهما وقالت :
-خدامة ابوكم عملتلكم العصير والسندوتشات يارب ما تعجبكم زي ما انتوا مش عاجبني.
رمقتهما في سخط وهي تغادر في إكبار، لم يتمالك اي منهم الرد إذ ظل بصريهما معلق في إثر ذهابها قبل ان ينظرا لبعضهما في بلاهة ويقول مالك في تعجب :
- هي البت دي مالها بينا كدا بتعاملنا كدا ليه كأننا عدوينها.
مط معاذ شفتاه وهو يهز كتفيه علامة عدم المعرفة وشوح بكفه قائلًا وهو يلتقط الصنية يضعها في حجرة :
-سيبك يا عم منها هي على طول كده.
- غريبة اوي، البت دي لازمها تربية.
دفعه معاذ بالسندوتش في صدره مغمغمًا :
-متحترم نفسك يا عم انت خُد كل وانت ساكت.
قضم مالك من السندوتش على مضض وقال :
- إيه البيت اللي الواحد ميعرفش يهزر فيه ده؟
وتابع وهو ياخذ قضمة اخرى :
- ليه سدين نفسي على الأكل دايمًا كدا اكل فين يعني؟
حدجه معاذ في بلاهة قبل ان يقهق عليه في غلب ويتابعه وهو ياكل واحدًا تلو الأخر....

أنت تقرأ
جحر الشيطان (ما زال للعشق بقية)
Mystery / Thrillerما بين العشق والأنتقام، ستقع هي أسيرة ستطوته في جحرٍ الخروج منه مستحيل فكيف ستعافر لتنجو من براثنه