الفصل الثامن عشر

1.9K 177 4
                                    

- أسمعوا بقى؛ أحنا هنعمل نفسنا عيانين، ليه بقى؟ عشان ندخل لنوح العنبر ونعرف نهربه.
حقًا أبهرتهم بذكاءها، ابتسم سفيان على ذكاءها الخارق هذا ثم هتف وهو يصفق لها بإعجاب مزيف:
ـ لا لا هايل بجد! وبدل ما كنا عايزين نهرب واحد ندور على اللي يهربنا كلنا، تصدق شكلك فاهم يا نصّة!
هُنا وأنفجر جميعهم ضاحكين، حقًا لا يعلموا هل يضحكوا على ما يحدث أن يحزنوا على حال نوح والذي وصل له!
توقفت أسيل عن الضحك، تبدلت ملامحها وغيّم على وجهها الحزن، رفعت وجهها لهم وقالت بأسى.
ـ أنا عندي فكرة، بس خايفة!
نظروا لها أثنتيهم بحماس، تكلم سفيان وسأل سريعًا:
ـ قولي يا أسيل.
تنحنحت ثم بدأت في سرد خطتها لهم:
ـ أحنا نجيب لبس عمال نظافة، ونحاول ندخل في الخفى وسطهم، وبما أننا هنكون لابسين زي عمال النظافة يبقى هنعرف ندخل العنابر، وقتها ندور على نوح، ولما نلاقي نلبسه بالطو أبيض ويخرج معانا على أنه دكتور، وأنت تكون مستنينه برا بالعربية، ونخرج كلنا ونهرب.
نالت الخطة أعجاب ليلى بشدة! سقفت لها بحماس وهي تهتف وتقول.
ـ الله عليكِ يا ست، فكرة هايلة.
ـ بجد حلوة؟
ـ طبعًا يا بنتي!
ـ خلاص يبقى نتكل على الله.
وهكذا تبخر قلق أسيل من خطتها، بينما سفيان فنظر لهم بغباء بسبب تفكيرهم السطحي هذا وهتف قائلًا.
ـ أنتوا هبل يا جماعة؟
نظروا الفتيات لبعضهم وتسألوا في صوتٍ واحد:
ـ ليه؟
ـ فين باقي التفاصيل؟ يعني هتلبسوه دكتور، حلو جميل، هتجيبوا اللبس منين؟ محدش هيشوفكم وأنتوا خارجين؟ الموضوع مش سهل!
ـ اللبس هشتريه بمعرفتي ملكش دعوة، بقولك إيه مفيش حل تاني! خلاص أنا هنفذ الخطة دي.
هكذا هتفت أسيل بقتناع شديد، بينما سفيان فنهض من مكانه وترجل نحو الباب وهو يقول:
ـ اللي يريحكم بقى، شوفي هتنفذي أمتى وبلغيني، أنا عايز أروح أنام.
نهضت أسيل وليلى وتابعوه نحو الباب، وقبل أن ترد أسيل عليه كانت ليلى تقول هي الأخرى وهي تخرج من الباب:
ـ وأنا كمان هروح، مش قادرة خلاص.
ـ خلاص روحوا أنتوا، وأنا هنام ساعة وهروح أشتري الحاجة.
ـ يلا سلامات.
غادر سفيان ومعه ليلى، بينما أسيل فترجلت نحو فراشها بتعب وأستلقت عليه بملابسها، لم يمر عليها دقائق حتى سبحت في بحر الأحلام!

                        *******************
بينما زين فكان عاد لمنزل يامن من جديد.
طرق الباب عدة طرقات حتى فتح له، ومع فتحه للباب هتف قائلًا دون مقدمات.
ـ مساء الخير أنا عايز أتجوز.
ـ مالك؟
هكذا سأله يامن وهو يعقد جبينه ويفصح له الطريق لكي يدخل.
ترجل للداخل وجلس على الأريكة.
ترجل نحوه يامن وجلس بجانبه وهو يسأله من جديد:
ـ أنت بتهزر؟
ـ لا، عايز أتجوز، أشمعنا أنت؟
ـ تعالي يا ليان شوفي المجنون دهه.
هكذا صاح على ليان لكي تأتي.
أتت على صوته بالفعل، نظرت لزين ثم سألت:
ـ في إيه؟
ـ عايز أتجوز، أشمعنا أنا؟!
هكذا هتف بتذمر كطفل صغير.
بينما ليان فعقدت جبينها وهتفت بحنق هي الأخرى.
ـ هو أنتوا أفتكرتوا الجواز لما أخويا أختفى!
أشمعنا أخويا؟! أنا عايزة أخويا، حد يجبلي نوح بدل ما أروح فيكم في داهية هااا.
هكذا هتفت بتهجم ممزوج بالتذمر الطفولي.
نظر لها زين ببساطة وهتف قائلًا لها:
ـ ما هو مشي وعرفنا مشاعرنا! أصلًا مش بعيد يرجعلنا بمراته ولا حاجة، المهم أنا عايز أتجوز، البنت أتدني رقم أختها باين، أعمل إيه بقى؟
هكذا سأل بجهل، بالطبع لم يقول لهم أصل حكايتها؛ فتعمد قول إن ذلك الرقم هو رقم شقيقتها.
نظرت ليان لزين بغيظ بسبب كلماته ثم هتفت بحنق:
ـ يعني إيه يرجعلي بمراته يعني؟؟ ولّا أسكت ومتغظنيش! أنا أخويا مش هيتجوز غير وأنا معاه عشان أفرح بيه، ده لو عملها من ورايا كنت هديت الدنيا على دماغه.
لاحظ يامن غضبها، ضمها له وقال مشاكسًا أيها:
ـ يا ستي بس هو يرجع! لحسن ده شكله هيتحشر جوه!
ـ هو لو خطتنا فشلت هيحصل إيه؟
هكذا سألت ليان بقلق وهي تنظر له، بينما يامن فبعد عنها قليلًا، نظر لزين ثم تنحنح وهتف قائلًا في قلق هو الأخر:
ـ ده لو قفشوه إنه بيستهبل! ده... ده هيتشلوّح!
ـ أحيه! أحنا عملنا إيه في نوح؟!
هكذا هتفت وهي تضرب على خديّها! بينما زين فنظر لهم بملل ثم هتف قائلًا:
ـ يعني هتيجوا معايا أتقدم للبت ولا لاء؟
نظرت له ليان بغيظ ثم هتفت:
ـ يا بني ما تتصل بِ أختها وتاخد معاد!
ـ أتصل عادي؟
سخر يامن منه قائلًا:
ـ أومال هتتصل ومش عادي؟! مش هي اللي سبتلك الرقم برضه!
ـ آه.
هكذا هتف ببساطة، بينما ياامن فأغتاظ منه أكثر، فصاح فيه قائلًا وهو يضربه في كتفيه:
ًـ أنت هتشلني! ما تتصل يا عم.
ـ لا اتكسف، أتصل أنت، هو مش أنت أخويا الكبير؟
ـ يا عم وأنا مالي! هو أنا أعرفها؟
ـ بس منك ليه بس.
هكذا صاحت فيهم ليان بعصبية، مدت يدها لزين وهي تقول:
ـ هات الرقم، هكلمهالك.
ـ بجد؟
هكذا هتف بفرحة، خرّج الورقة وقدمها لها سريعًا وهو يقول:
ـ خدي.
ـ لما يجيلي مزاج بقى هبقى أتصل.
ـ ما تخلصي يا ليان بلاش رخامة!
هكذا هتف بحنق من أفعالها، بينما يامن فلكزه في كتفيه وهو يهتف:
ـ ما تكلم مراتي عدل ياض!
ـ ما تخلصوا أنتوا هتذلوني؟
هكذا هتف بحنق، بينما الأخرين فضحكوا عليه بعدما سخروا مِنه، نظرت له ليان ثم خرجت هاتفها وطلبت رقم تمارا.
                        *******************
ـ يا عم أنت أسمع بس!
ـ بس صداع بقى، كلت دماغي!
هكذا دفع ذلك الممرض نوح إلى غرفته.
فبعدما تأكد الضابط أنه يُهذئ بالكلام وإنه مختل عقليًا بسبب حديثه معه حوّله لمشفى العباسية للأمراض النفسية والعقلية.
وبعد الكشف عليه من طقم الأطباء تحوّل رسميًا لتلك المشفى!
فللأختبار العقلي يتم من خلال عدة اسئلة يطرحوها على المريض، ونوح كان يعلم ماذا يفعل بالضبط!
فهذا هو هدفه، أن يتم تحويله لهُنا لكي يتخلص من ذلك المعتقل الذي ظن إنه سيموت فيه!
ولكن مهلًا، من الواضح أن المعتقل كان أرحم له! فهو تخيل أن سيحجز في غرفة بمفرده، ليس في عنبر بهِ عشر فراش وعشرة من المرضى! عشر مرضى نفسيّن يجلس معهم في نفس الغرفة!
عندما يأتي أي أحد من طقم التمريض يحاول أن يتحدث معه لكن بلا فائدة، لا أحد يعطيه فرصة للتحدث من الأساس.
قُفِل باب العنبر في وجهه كالعادة، ترجل نحو فراشه بيأس وجلس عليه، كان يريد أن يفكر كيف سيخرج من هنا، لكن لم يعطيه أحد فرصة لكي يختلس التفكير مع حاله، أقترب منه أحدى المرضى وجلس بجانبه، كان ينظر حوله كأنه يطمئن أن لا أحد يراه ثم هتف قائلًا:
ـ تيجي معايا مشوار؟
تعجب نوح من حديثه، نظر حوله هو الأخر ثم نظر له وسأل:
ـ مشوار لفين؟
اقترب من أذنه أكثر وهمس:
ـ للمطبخ.
لم يفهم ماذا قال! عقد حاجبيّه وسأل بتعجب:
ـ نعمل إيه في المطبخ؟!
ـ هنعمل فشار.
ـ فشار!
نظر حوله من جديد، أقترب منه لكي لا أحد يسمعه وقال بجديّة شديدة:
ـ بص، أنا مظبط كل حاجة، الحلة موجودة، والبوتجاز كمان، حتى الولاعة جبتها، مش فاضل غير الفشار! تعالى معايا يلا.
ختم كلامته وهو ينهض ويمسك يد نوح لكي يتحرك معه، وعلى الرغم أن نوح لم يفهم منه شيء لكنه نهض معه بالفعل، كان سيترجل نحو الباب لكن أوقفه ذلك الشاب الذي كان يتحدث معه، كان شاب طويل القامة، ونحيف الجسد، ذو وجه طويل واصلع.
أوقفه يده وهي تسحبه نحو عدة شباب يقفون في صف واحد بجانب بعضهم، أشار في إتجاهّم وقال وهو ينظر لهم:
ـ أنت رايح فين؟ من هنا.
ـ مش قولت هتروح المطبخ!
شهق الأخر بصدمة! علِت الصدمة ملامح وجهه وهتف بتعجب شديد:
ـ أنت فاكر المطبخ برا!
عقد حاجبيّه ورد ساخرًا:
ـ أومال جوّه!
ضحك ذلك الشاب على كلماته ثم هتف قائلًا:
ـ أنت شكلك عبيط وعلى نياتك، تعالى تعالى وأنا هوريك المطبخ.
ظن نوح أن ذلك المخبول على حق، ونسى تمامًا إنه مكذوب! جاء في ذهنه أن يوجد مطبخ سري في العنبر، وبدأ الأمل يداعب قلبه وهو يفكر أن كان ذلك المطبخ من الممكن يكون فيه نافذة يستطيع أن يهرب منها، لكن تبخرت كل ذلك الأمال عندما وقف ذلك الشاب أمام هؤلاء الشباب ثم هتف قائلًا:
ـ أعرف بمطبخي البسيط.
تقدم من أول شاب فيهم، كان يقف على جهة اليسار ثم قال:
ـ بوتجاز بيه.
أشار على الثاني وقال:
ـ الولاعة بتاعتنا.
ربت على كتف ثالثهم وهتف:
ـ الحلة.
ـ الزيت، وخلي بالك ده أغلى زيت.
ـ طبعًا مش هننسى الملح.
ـ غطا الحلة عشان الطرطشة واللسوعه.
هكذا أنتهى من تعريفه بكل الشباب! عاد له ثم وقف بجانبه وابتسم وهو يربت على كتف نوح ويقدمه لهم ببتسامة عريضة قائلًا:
ـ جبتلكم الفشار يولاد.
تهليل! تعالت أصوات التهليل والهتاف بفرحة عارمة من الشباب! بينما نوح فكان غير مستوعب ماذا يحدث!
لكنه فاق على صوت ذلك الشاب وهو يتقدم من شاب أخر الذي سبق وقال أنه يدعى "الحلة" وقف أمامه وشبك كفتي يداه في بعضهما وقال وهو يوجه حديثه لنوح:
ـ يلا يا فشار، تعالى نط في الحلة بسرعة.
ـ مالك؟
بالتأكيد نوح ظنهم إنهم يمزحون، لم يعلم إنهم جدوّن جدًا! أشاح بيده بملل في الهواء ثم أستدار وترجل نحو فراشه.
بينما الأخر غضب! نظر للشباب بعصبية ثم هتف قائلًا:
ـ هاتولي فشار الكلب ده!
وفي غمضة عين كان الشباب يجذبون نوح من ملابسه ويقدموه لصديقهم! أما نوح فكان يحاول أن يتخلص منهم وهو يصرخ ويستنجد بأي شخص! ولكن دون فائدة.
ـ يا عم سبني أنت عبيط؟ سبني بقولك.
ـ أخرص، كده مش عايز تنط في الحلة؟
ـ أنط فين يا عم؟ اسمع بس.
مسكوه ورغمًا عنه أوقفوه أمام صديقهم، كان ينظر له وهو يضيق عينه، نظر له  بتقيّم ثم سأله:
ـ أنت هربت ليه؟ مش عايز تنط في الحلة ليه؟
كان يتحدث بجديّة شديدة، من الواضح أن لا مفر! لذلك قرر أن يجَريه في الحديث لكي ينهي ذلك العبث.
ـ عشان هلزق في الحلة، يرضيك ألزق في الحلة؟
هكذا هتف نوح وهو ينظر حوله بخوف! شهق الأخر فازعًا، وضع يده على فمه بصدمة وهو يقول!
ـ تلزق وأنا موجود!
وضع يده على كتفيّ نوح ثم واصل بهدوء:
ـ مش أنا قولتلك عندنا زيت؟ خايف ليه بقى أنك تلزق؟ ده الزيت نوعه غالي أوي، ونضيف.
ـ أسمع طيب، أستنى لبكرا وأنا هجيبلك شوية كراميل ونيجي نعمل الفشار، جربت الفشار اللي بالكراميل؟
لمعت عيون الأخر بحماس، نظر له ثم أجاب سريعًا وهو يهزّ رأسه بالنفي.
ـ لا مجربتوش، وده بيكون حلو بقى؟
من الواضح أن حديث نوح راق له! ابتسم نوح بأتساع ورد عليه بتأكيد:
ـ ده بيكون تحفة، بيكون لونه أصفر كده وحاجة خيال، الواد كراميل هيجي بكرا، هجيبه ونعمله سوا، أتفقنا؟
نظر له ثم أومأ برأسه بموافقة ومد يده له وهو يأكد عليه قائلًا:
ـ أتفقنا يا فشار، هستناك بكرا أنت وكراميل.
ابتسم نوح وصافحه بحرارة وهو يقول:
زي الفل، بكرا بقى.
وهكذا نجح نوح في التخلص منهم! ركض سريعًا نحو فراشه، أستلقى عليه وألتف جيدًا بذلك الغطأ وهو يتمتم قائلًا لحاله:
ـ منك لله يا أسيل، منك لله.
                      *******************
ـ ممكن أتكلم معاكِ شوية.
كانت تلك جملة والد تمارا صديقة بحر، وصل اليوم من سفره هو وزوجته بعدما أخذ زين معاد معه لخطبة بحر.
بعدما حدثت ليان تمارا في الهاتف أعطتها رقم والدها، وأخبرتها أن لابد أن زين يتحدث معه لكي يأخذ معه معاد.
وبالفعل أتصل بهِ وأخذ مِنه معاد، واليوم هو موعدهم.
كانت تمارا تساعد والدتها في تحضير الطعام في المطبخ، بينما بحر فكانت في غرفتها بعدما أنتهت من أرتدأ ملابسها.
جاء سامر وطلب من بحر أن يتحدث معها، أعطت له إذن الدخول، جلسوا سويًا على الأريكة، كانت بحر محرجة منه بشكل غير طبيعي؛ فتلك المرة الأولى التي تتعامل معها مع شخص في سن والدها! أو.. أو مع عائلة بالتحديد! فكل معاملتها كانت في نطاق العمل فقط، لا تعلم كيف العائلات يتعاملون مع بعضهم! فقط ترى المسلسلات، هؤلاء الممثلين وهم يتعاملون مع بعضهم في أطار عائلي متماسك، ولكن لم ترى ذلك التماسك على أرض الواقع قط!
كانت تجلس أمامه وتفرك في يدها بتوتر، سمعته وهو يقول لها إنه يريد أن يتحدث معها، رفعت رأسها له وقالت:
ـ طبعًا، أتفضل.
ـ أنتِ متأكدة من أختيار؟ يعني حاسه أن ده الأختيار الصح؟
لم تفهم كلماته، ماذا يعني الأختيار الصحيح؟
عقدت ملامحها بعدم فهم وسألت:
ًـ يعني إيه؟
ابتسم ببساطة، ربت على ظهرها بحنان وأردف:
ـ الأختيار الصح يا بنتي يعني أختيارك لشريك حياتك، هل أنتِ شايفه إنه مناسب ليكِ؟ تفكيره متوافق معاكِ؟ ولا دماغك في حتة وهو في حتة تانية خالص؟
شوفتي عيوبه؟ أو.. أو أكتشتفتي عيوبه؟ قدرتي تتعاملي معاها؟ وعارفه أن العيوب دي هتعرفي تتأقلمي معاها؟
عرفتي حياته ماشية أزاي؟ حياته مناسبة لحياتك؟ هتعرفي تمشّي نفسك عليها؟ قريب من ربنا؟ ولا بعيد وهيبعدك معاه؟
كل دي اسئلة لازم تعرفي أجابتها، ولازم تسأليها لنفسك.
ابتسمت وعقلها شرد منها، كيف أن تلك النصائح التي من المفترض أن تسمعها من أقرب الأشخاص لها؛ تسمعها الآن ومن شخص لا يربطها بهِ أي صلة!
كلماته محقه، وهي لم تفكر في كل ذلك الأشياء؛ لذلك بدأت تفكر فيها بجديّة، ولكن مهلًا؛ فهو لا يوجد بهِ عيوب، هي مَن بها كل العيوب! وهو مَن تقبل كل ذلك العيوب بكل صدرًا رحب!
هو يحب العِناد قليلًا، ولكنها هي تعلم كيف تذيب ذلك العناد، يحب المزاح وهو خفيف الظل، وتلك تكون أهم ميزة في شريك حياتها، يحب التجارب الجديدة وتجربة كل الأشياء الجديدة، مثلها تمام! والأهم من كل ذاك وذات؛ إنه يحبها رغم كل ما علمه عنها! ليس على رجل شرقي أن يقبل أن يتربط بفتاة دون نسب، ولكنه هو قبل ذلك!
فاقت من شرودها هذا على صوت سامر وهو يلوح لها أمام عينيها.
نظرت له وقالت والابتسامة على وجهها:
ـ مكنتش بفكر في كل الحاجات دي، لكن مع كلامك سرحت شوية وبدأت أفكر فيها، لقيت نفسي عارفه أجابة كل حاجة، عرفاها ومتقبلّها كمان، زي ما هو عرف عيوبي كلها وأتقبلها، مع أن عيوبي مش سهلة أبدًا يا عمي أبدًا.
نهت كلماتها وعينيها ترقرقت بالدموع، لمح تلك الدموع في مقلتيها، ربت على كتفيها وأردف:
ـ عايزك تعرفي أن مفيش حد وحش، وإنك جميلة، رغم أي شيء مريتي بيه أو عايشاه أو شوفتيه في حياتك فأنتِ برضه جميلة، أوعي تقللي من نفسك قدامه، ولا تحسسه إنه عمل فيكِ جميلّة مثلًا، لازم دايمًا يكون شايفك غالية، وإنك ماسة نادرة وتعب عشان يوصلك كمان، أوعي تنسي الكلام ده يا بنتي، عشان دايمًا يفضل صاينك ومحافظ عليكِ ويشيلك جوه عيونه.
نهض من مكانه وواصل:
ـ هروح أنا أشوفهم بيعملوا إيه لحد ما تخلصي لبس، وهندهلك أختك من برا.
ابتسمت له بأمتنان، نهضت هي الأخرى ومسحت عينيها ثم هتفت:
ـ شكرًا بجد على كل حاجة.
ابتسم لها وهو يتحسس خديها برفق، تركها وغادر الغرفة، بينما هي فجلست في مكانها وواصلت تفكير في حديثه.
                        *******************
كان ثلاثتهم يقفون أمام المشفى المنشودة.
فاليوم موعد تنفيذ خطتهم، بعد عدة أيام أتصلت بهم أسيل وقالت لهم أن التنفيذ غدًا، وإن كل شيء أصبح جاهز.
وبالفعل تحركوا جميعهم، والأن هم يقفون أمام المشفى!
كانت ليلى ترتجف من الخوف، بينما أسيل فكانت تنظر للعُمال وتتذكر ذلك المخزن الذي دخلته وخرجت منه بإعجوبه.
نظرت لسفيان الواثق من حاله وقالت بتوتر يغلب على نبرة صوتها.
ـ ما تعالوا يا جماعة ندور على حل تاني، أنا بقيت بخاف من الأماكن دي!
حملق فيها سفيان غير مستوعب بماذا تهرتل! وبعصبية طفيفة رد عليها قائلًا:
ـ هي مش دي شورتك من الأول يا بت؟ وبعدين جمدي قلبك كده، الواد هيروح في شربة مياة بسببك.
تذكرت نوح وكم المصائب التي حدثت له بسببها وبسبب تفكيرها، عاد حماسها من جديد، وقالت لحالها أنها لابد أن تنتشله من تلك المصيبة التي وضعته فيها.
مسكت الحقيبة التي بها أغراضهم وقالت وهي تتقدم من باب المشفى:
ـ يلا يا رجالة، مفيش وقت للتفكير، الواد هيكون بفتيك بسببهم.
ابتسم سفيان ثم قال لها:
ـ هستناكم في العربية.
وبالفعل تركهم وترجل نحو سيارته، أما هي وليلى فترجلوا سويًا لباب المشفى.
وبدأت خطتهم.
تقدمت أسيل ومعها ليلى للمشفى وطلبت منهم مرحاض لأن ليلى تعاني من الفشل الكلوي ولابد أن تستخدم المرحاض في الحال.
وافق الموظف ووصف لهم مكان المرحاض.
دخلوا للمشفى التي كان بها مرضى وأطباء من كل لونٍ،
كان المرحاض في الدور الأول بجانب الدرج، دخلوا سويًا ثم ترجلت كل منهم داخل مرحاض صغير خاص، دخلت فيه بسرعه وهي تقول لليلى بإنها تُسرع، غلقت الباب جيدًا وقبل أن تبدل ملابسها رأت حقيبة سودا بجانب الحوض.
نظرت فيها وكان به زي لعمال النظافة الذي يعملون في المشفى!
ضربت على جبينها وهي تتمتم هامسة لنفسها:
ـ أحيه ده شكل لبسهم لونه غير اللي أنا جبته! بس دول بتوع مين!
هكذا سألت حالها ولكنها خمّنت أن أحدى العاملات نست ملابسها وهي تبدلها، على أي حال أرتدت هي تلك الملابس سريعًا وخرجت من المرحاض، كانت ليلى أيضًا خرجت من مرحضها وهي ترتدي الملابس التي جلبتها لها،
نظرت لها سريعًا ثم هتفت قائلةً لها:
ـ أدخلي الحمام تاني بسرعة، طلع لون لبسهم بمبى مش لبني زي ما جوجل قالنا! جوجل كان هيودينا في داهية.
أرتعبت الأخرى من حديثها؛ فهي بالفعل رأت العمال يرتدون ملابس من اللون الوردي ولكن الأمر لم يشغل بالها من الأساس!
نظرت لحالها برعب ثم هتفت سريعًا:
ـ يعني نعمل إيه دلوقت؟ الخطة باظت؟
ـ لا لا، خليكِ هنا وأنا هعمل حاجة وأجيلك بس متتحركيش من مكانك.
لم تعطيها فرصة للرد، رحلت عنها سريعًا، خرجت من المرحاض وهي تنظر حولها بتوتر، لم يلاحظها أحد، حمدت ربها وكانت وجهتها لصندوق الكهرباء، قررت أنها تفصل الكهرباء عن المشفى وتدخل غرفة الملابس وتسرق منها زي لليلى.
ولحسن حظها عثرت على تلك الصندوق بالفعل!
تهللت ملامح وجهها، وسريعًا ضغطت على جميع الأزار حتى أنقطعت الكهرباء.
نظرت حولها لكي تتأكد أن لا أحد رأها، ثم ترجلت في خطوات سريعة للطابق الأول؛ فهي خمّنت أن غرفة الملابس ستكون في الدور العلوي.
بدأت تنظر على جميع الغرف وتقرأ اللافتات المكتوبة عليهم، بالتأكيد سيكون مكتوب عليها أي شيء يدل على هواية تلك الغرفة.
وبالفعل عثرت عليها! كان مكتوب عليها غرفة خاصة بالعاميلات.
سمّت الله ودخلت للغرفة، كانت تدعي ربها أن تكون الغرفة فارغة، ولكن حدث عكس ذلك.
وعند دخولها سمعت صوت أحدهم تصيح عليها بصوت عالٍ نسبيًا:
ـ مين دخل؟
أحيه!

يتبع..
#الفصل_الثامن_عشر
#رحلة_عبر_الزمن
#NORA_SAAD

رحلة عبر الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن