الفصل العاشر

2.4K 205 1
                                    

- قولي يا درش، هي خطبتك أتجننت ولا أيه؟
عقد الأخر حاجبيّه بتعجب، فهو لم يخبر أحد إنه فسخ خطبته من أسيل، مسك كوب الشاي وأحتسى  مِنه القليل ثم سأل إسلام:
ـ ليه يعني؟
- أصل يابني لقتها بتتصل بيا وبتسألني على عنوان مخزن..... أنت متخيل أن دماغها فوتت وفاكرة إنها ممكن تدخل المخزن ده!
لم يفهم مصطفى حرفٍ واحد من مما قاله، ولكن قبل أن يسأله عن ماذا قالت له أسيل بالضبط كان صوت رنين هاتفه يعلن عن وجود أتصال، ألتقط الهاتف من على الطاولة الصغيرة التي أمامه وكان رقم صديقه عمر، عقد جبينه بتعجب لأنهم لم يتحدثوا معًا منذ فترة كبيرة، ولكن في نهاية الأمر فتح المكالمة وبدأوا بالسلامات على بعضهم، ثم قال له عمر:
ـ كنت عايز أقولك حاجة يا مصطفى.
ـ خير يا عمر؟
تنحنح الأخر ثم أردف:
ـ أصل خطبتك اتصلت بيا انهاردة وطلبت مني طلب غريب.
عقد حاجبيّه بتعجب، نظر لإسلام ثم سأل:
ـ  طلب أيه؟
ـ طلبت أني أضربلها كارنيهات عُمال نظافة لمخزن تابع للجيش!
تذكر حديث إسلام، رفع حاجبيّه وسأل بتعجب:
ـ والكارنيهات دي باسم مين بقى؟
ـ باسمها هي واسم نوح عبد الرازق!
ـ نعم! نوح؟؟؟
هكذا هتف متعجبًا من حديثه، تنحنح سريعًا وهو يعقد حاجبيّه ثم هتف:
ـ أنت بتقول أيه؟ طب متعرفش ليه؟
-لا هو ده كل اللي قالته ليا، وأنا مفهمتش منها حاجة أصلًا!  أنت متعرفش حاجة عن الحوار ده ولا أيه؟
حُرج الأخر فحمحم ثم قال له:
ـ آه، أصل يبني أحنا فركشنا أصلًا.
ثم بدأ في سرد قصة وهمية لسبب إشكال الخطبة، وبعد إنتهائه من تلك المكالمة كان عقله شارد، يُفكر سبب إستعمالها لتلك البطاقات!
وفي نفس الوقت شيطانه يُحضر طريقة لهم لكي ينتقم من نوح أشد الإنتقام؛ فهو لم ينسى أن ذلك الشخص هو السبب الرئيسي لإشكال خطبته من أسيل!
                        *******************
مَر اليوم عليهم جميعًا.
أستيقظت أسيل بحالتها الكاسلة كالعادة، ولكنها تذكرت إن اليوم لابد أن تأخذ أجازة من حبيب لها ولنوح لكي يبدأوا تلك الرحلة الغامضة!
نفضت الغطأ من على جسدها وترجلت نحو المرحاض، أخذت حمام دافئ ثم خرجت ونشفت شعرها بذلك الجهاز الصغير.
بدلت ثيابها بتيشرت أزرق قطني مُريح وسروال من اللون الأسود، ومعهم حقيبتها الصغيرة.
أنتهت أخيرًا وترجلت نحو الباب، وقبل الهبوط لأسفل تذكرت نوح وإنه منذ أمس وهو مختفي!
وهي حقًا قالقه عليه بشدة بسبب تلك الحالة التي كان بها.
لم تفكر كثيرًا؛ فغيرت إتجاهها وصعدت بدلًا من هبوطها للأسفل.
بعد الصعود لعدة طوابق أخيرًا وصلت لتلك الغرفة.
وقفت أمامها وهي تلتقط أنفاسها من أثر الدرج ثم طرقت على الباب.
لم يأتيها الرد مباشرةً، ولكن بعد عِدة طراقات فُتح لها الباب.
كان شعره عبثي لأقصى درجة، وملامحه ناعسة بشكل لطيف!
رفعت له حاجبها ثم إستنكرت منه قائلة:
ـ والله؟ على أساس إن معندناش شغل وكده!
تجاهل حدثها وترجل نحو الأريكة وهو يقول لها:
ـ مش رايح، ومش هغور في حتة غير لما أشوف طريقة أرجع بيها لأختي!
قال كلماته بعصبية طفيفة، لكن أسيل فتفهمت الموقف وأكتفت إنها تقول له وهي تكتف ساعديّها أمام صدرها:
ـأنا مش ساكتة يا نوح على فكرة، بحاول بكل الطُرق، وأكيد في حل متقلقش.
ابتسمت ثم واصلت:
ـ سلام، وهاخدلك أجازة من مستر حبيب.
ختمت كلماتها وهي تغلق الباب خلفها وتهبط للأسفل.
كان قلبها ينبض بشكل ملحوظ، لا تريد أن تخبره عن ما يدور في رأسها، وما تُخطط وتُجهز له لكي لا يتعلق بشئ من الممكن أن يُفسد في أي لحظة!
لا تريد أن تعطهي أمل ثم تسلبه مِنه.
لذلك قررت إنها ستحتفظ بكل التفاصيل؛ حتى كل شيء يكتمل.
خرجت هاتفها وأجرت مكالمة لليلى صديقتها، سألتها أين هي وأخبرتها أنها وصلت الشركة للتو، أغلقت معها المكالمة وأخذت سيارة أجرة مُتجهة لمقر الشرِكة.
                        *******************
وصلت أخيرًا للشركة، وقبل أن تلتقط أنفاسها كان يقف حبيب فوق رأسها عاقد ساعديّه خلف ظهره، وينظر لها من أسفل نظرته.
ابتسمت كالبلهاء وهي ترفع يدها وتضعها عند مقدمة رأسها في تحية مِنها له، وهي تهدف قائلة:
ـ كبيرنا وكبير الشركة منور.
رفع حاجبه لها ثم سأل:
ـ هي الساعة معاكِ كام يا أسيل؟
نظرت على يدها سريعًا ثم هتفت وهي تبتسم نصف ابتسامة:
ـ معيش!
إتجه بنظره نحو ساعة الحائط ثم هتف وهو يشير عليها:
ـ شايفة الساعة كام؟ ليه متأخرة نص ساعة؟؟؟
أرتفع صوته في أخر كلماته، فبدأت الأعيون تتعلق عليهم، زاغت عينيها عليهم بإحراج ثم أقتربت مِنه وهي تهمس له بحرج:
ـ وحيات أمك أخر مرة، بلاش تفرج عليا الشركة انهاردة.
خبط بيده على وجهه بنفاذ صبر ثم سأل:
ـ أومال فين البيه التاني؟ مجاش ليه هو كمان.
ابستمت من جديد ثم هتفت وهي ترجع خطوة للخلف:
ـ تعبان وبيموت والله يا حبيب، ده أنا... أنا يعني.
نظرت لزملائها والذين ركزوا في عمالهم  وكأن ما حدث للتو شيء أعتادوا عليه.
رجعت بنظرها نحو حبيب ثم همست له بخوف:
ـأصل يعني هو... هو أنا عايزة أجازة لينا لمدة أسبوع أو أتنين كده.
قالتها ثم بعدت عنه لخطوات، بينما الأخر فخبط كف على كف بنفاذ صبر، ثم صاح فيها:
ـ هو حد قالت إنكم في جنينة مول؟؟ أنتِ ليه مش مقتنعة أنها شركة محترمة! أجازة لأسبوعين يا جاحدة! يا بت ده مكملش أسبوع شغال، يروح ياخد اجازة أسبوعين! أنتِ حد قالك أن الشركة دي ملهاش صاحب!
وكالعادة تعلقت العيون عليهم من جديد، بينما أسيل فكانت مع كل كلمة يقولها لها تبتعد خطوة للخلف وهو يقتربها مرة أخرى حتى ألتصقت في الحائك!
مسكها حبيب من ملابسها ثم هتف لها بتوعد:
ـ هو أنتِ حد مسلطك عليا يا بت؟؟
هزت رأسها بلا بخوف وهي تنظر له بتوسُّل أن يتركها.
فهي شكلها العام أمام الموظفين أصبح مُلطخ بالطين!
نظر لها بشر ثم هتف:
ـ بقولك أيه، أنا مش عايز أشوف خلقتك تاني هنا، أتفقنا؟
قالها وهو يفلت يده من ملابسها ثم أعطاها ظهره وترجل بعيد عنها، بينما هي فرهلت نحوه سريعًا وهي تصيح عليه بأن ينتظر.
لم يعطيها أهتمام، وهي لم تيأس.
كان مُتجهًا لمكتبه وهي خلفه تصيح عليه، وصلت للمكتب ودخله وغلق الباب خلفه بعصبية.
وصلت لباب المكتب تزامنًا مع غلق الباب في وجهها، لم تكترث للباب الذي دُفع في وجهها، فقط طرقت على الباب وبالتأكيد لم تنتظر إذن مِنه لكي تدخل.
فدخلت من حالها وهي تهتف عليه قائلة:
ـ يا حبيب أسمعني طيب.
يا حبيب مش كده أنا بجري وراك الشركة كلها يجدع!
جلس على مكتبه ثم رفع رأسه لها وخبط بكلتا يداه على الطاولة بعنف.
أتنفضت الأخرى وأبتلعت لسانها.
بينما هو فهتف بعصبية:
ـ كلتي دماغي، ما قولتلك يا ستي أنا مديكم أجازة مفتوحة عايزة أيه تاني؟
ابتسمت من جديد ثم أقتربت من المكتب وجلست على سطحه وهي تقول له بدلال:
ـ يعني وفقت على الأجازة يا عسل أنت؟
نظر لها ببلاه ثم هتف بستنكار:
ـ والنبي يختي؟ بتثبتيني كده؟
رمشت له برموشها الطويلة وهي مُثبته عينيها عليه ثم أردفت:
ـ حصل بصراحة، وأنت بتتثبت أهو.
ضحك عليها ثم سأل بجدية:
ـ الأول تقوليلي البيه عايز ياخد أجازة ليه؟ وحضرتك كمان معاه!
توترت قليلًا من سؤاله؛ فهي لم تعتاد على الكذب عليه.
وأيضًا لا تريد أن تُحكي له حكايته التي لم يصدقها أحد من الأساس.
وقبل أن يكتشف إنها تُداري عليه شيء كانت تهتف هي وتقول:
ـ عايز يخلص ورق عشان الجيش والسفر، وهتمرمط معاه من السفارة للقسم للأماكن اللي هنروحها، وأكيد مش هيعرف يعمل حاجة لوحده، وكمان قولت أريح أعصابي شوية عشان حاسة أني تعبت شوية.
من الواضح من ملامح وجهه إنه لم يقتنع بما تتفوه بهِ.
عقد ملامحه بتعجب ثم رفع إحدى حاجبيه وهو يقول لها:
ـ والله!
رفعت كتفيها ببراءة ثم قالت:
ـ والله.
ابتسم نصف ابتسامة ثم هتف:
ـ ماشي موافق على الأجازة مع أن كل اللي قولتي مكلّش معايا بربع جنية، بس ماشي هعديها لحد ما تيجي وتحكيلي، أتفقنا؟
هزت رأسها سريعًا بالموافقة وهي تُزين شفتيها ابتسامة عريضة.
نهضت سريعًا وأتجهت له لكي تقبلّه  وهي تهمس له ممتنة:
ـ ربنا يخليك يا حبيب بجد.
ربت الأخر على ظهرها بحنان وهو يبتسم لها ثم قال:
ـ يلا على شغلك بقى.
لوحت له ثم هتفت وهي تتجه للباب:
ـ فوريرة.
ثم أنطلقت على مكتبها لكي تبدأ عملها.
وفور وصولها لمكتبها كانت تقترب منها ليلى وتسألها عن ماذا كان يُجرى.
نظرت أسيل نحو مكتب حبيب ثم قالت لها:
ـ في البريك هحكيلك عشان حبيب لو لمحنا بنتكلم فيها خصم شهرين.
                        *******************
أما في الخارج، كانت ليلى تجلس مع سفيان يتناقشون ماذا يتناولون على الغداء.
سند سفيان بمعظمه على مكتبه ثم سألها للمرة المئة تقريبًا.
ـ يعني بيتزا ولا برجر يا ليلى؟
حكت في رأسها بتوتر، لا تعرف كيف تقول له إنها لا تحب أكل الشارع لإنه بالتأكيد غير نظيف بالمرة!
مسكت القلم وعبثت بهِ بعشوائية ثم زفرت ببطئ، أخيرًا تشجعت وقررت أن تقول له ما يخفها.
ـ مش بحب أكل من برا يا سفيان.
أكيد مش نضيف، وأنا.. وأنا بتوتر من قلة النضافة، بتعصبني، مش بكون مرتاحة، تاكل معايا سندوتش جبنة؟
هكذا ختمت حدثها بتوتر وهي تمد يدها بشطيرة الجبنة، عقد الأخر حاجبيّه بتعجب، مد يده وأخذ منها تلك الشطيرة وهو يقول لها ببعض من المرح لكي لا يحرجها:
ـ عارف أنا الناس الإنفه دي، هاتي يستي سندوتش الجبنة بدل ما نقعد بالجوع.
ثم تعالت ضحكاتهم سويًا.
حقًا كانت أكثر من سعيدة، لم يسخر مِنها، لم يتعجب من تصرفاتها، بل مُتفهم كل تصرف عجيب يصدر مِنها، عكس جميع من حولها!
بعد دقائق أنضمت لهم أسيل، أخذت من يد ليلى شطيرة جبنة وتلتهم منها قطعة كبيرة في فمها، لكن ظهر على وجهها ملامح الأمتعاض ثم هتفت:
ـ جبنة! كل يوم جبنة، زهقت مش كده يا ستي.
ضحك عليها سفيان ثم هتف:
ـ شكلها هتعلمنا نكون بيتوتين ومناكلش من برا؟ زيها يا أسيل.
أخذت قطمة أخرى من الشطيرة وهي تجلس بجوار ليلى ثم هتفت بعتراض:
ـ لا معلش، أنا بحب أكل الشارع ومحدش يقدر يحوشني عنه.
نظرت لها ليلى بتذمر ثم سحبت من يدها الشطيرة وهي تهتف وتقول لها:
ـ  يبقى مالك ومال الجبنة بتاعتي يا رخمة؟
ـ لا ده تصبيرة لحد ما الأوردر يوصل أصلًا.
وبعد عِدة مناقاشات لا فائدة لها استأذن مِنهم سفيان لكي يُجيب على الهاتف.
كانت ليلى تتابعه بشكل ملحوظ بعينيها، لحظت أسيل نظرات ليلى لسفيان، نكزتها في ذراعها ثم صاحت عليها:
ـ هو في إيه!
توترت الأخرى، أشاحت بوجهها بعيدًا ثم تمتمت بتوتر:
في إيه؟ مفيش حاجة.
ابتسمت أسيل بأتساع، مسكت ذراعها ثم صاحت عليها بفرحة ظهرت على ملامح وجهها:
ـ  بت...هو في حاجة مخبياها عني صح؟؟
ابتسمت بتوتر، مسكت خصلة من شعرها ووضعتها خلف أذنها، هزّت رأسها بمعنى نعم ثم قالت بصوت خافت وهي تنظر لأثره:
ـ أنا.. أنا شكلي مُعجبه بسفيان يا أسيل.
ضحكت الأخرى غير مصدقة ما وقع على مسامعها، سقفت بحماس وهي تستدير لها ثم نزلت عليها بسيّل من الاسئلة وكأنها في تحقيق.
ـ أيوا بقى ياسطا، قوليلي، حصل أمتى؟ وأزاي؟ وحاسه بإيه؟ وهو حاسس بإيه؟ قالك حاجة ولا لسه في مرحلة التلميح؟
ضحكت ليلى على صديقتها، وهي تضع يدها على فمها سريعًا لكي تصمت، نظرت لها أسيل بتذمر، وقبل أن تعترض كانت ليلى تقول لها:
ـ أهدي عليا، هو مفيش حاجة أصلًا، أنا بس حاسه أني معجبه بيه مش أكتر.
عقدت حاحبيها بعدم فهم ثم سألت:
ـ يعني مفيش حاجة لسه حصلت؟! أومال معجبه بإيه يا خايبه!
خجلت من سؤالها، فركت في يدها بتوتر ثم هتفت قائلة:
ـ يعني... بحب أتعامل معاه، هو مختلف، مش بيستغرب من أي حاجة بعملها، هو فاهمني، حاسه إنه متقبلني بكل لخبطتي، شكلي هبدأ أحبه، بس هو معملش أي حاجة تدل على إنه معجب بيا أصلًا!
نظرت لها بتركيز، ثم هتفت بجدية:
ـ إيه مش معجب دي؟ بنتنا ألف واحد يتمناها، وهيحبك غصب عنه يسطا مش بمزاجه، وحده وحده بقى ونحط الخطة يسطا.
تحمست ليلى، شعرت إنها تهللت من كلماتها، وببتسامة تكاد أن تشك وجهها هتفت قائلة:
ـ بجد؟ يعني هنعرف؟
-ايوا يا ستي بس أخلص الأول من حوار نوح، أسمعي بقى اللي ناوية أعمله مع حكاية نوح عشان بقالي كتير مش عارفه أحكيلك.
ضربت على رأسها وهي تتذكر أمر نوح، ثم هتفت قائلة:
ـ  أيوا صح، هتعملي إيه؟
ثم بدأت في سرد كل شيء وصلت له، وأيضًا عرضت عليها أفكارها، وما بدأت في تنفيذه.
                        *******************
ولكن في مكانًا بعيد كل البُعد عن ذلك الأجواء.
نهضت ليان من فراشها، كانت الأرض تدور أسفلها، فَهي منذ عدة أيام لا تعرف عددها وهي حبيسة لتلك الغرفة.
فمنذ أخر شجار ووالدها يتجانبها، فقط يبلغها أن الطعام في الخارج ثم يتركها ويُكمل ما يفعله.
ولكن اليوم قررت إستغلال أن والدها طوال اليوم خارج المنزل، وقررت إنها ستخرج لكي تبحث على أي طريقة للخروج من ذلك الفخ الذي يجهزه لها والدها.
ترجلت نحو المرحاض، أخذت حمام ساخن لعله يُهداء لها أعصابها، أنتهت في دقائق ثم خرجت من المرحاض، بدلت ملابسها سريعًا وصففت شعرها بعشوائية ثم غادرت المنزل.
وهي على الدرج أجرت مكالمة ليامن، أخبرته إنها تحتاجه، وإنها في أمسُّ الحاجة له.
قلق عليها الأخر، غلق معها المكالمة وهو ينهض من مكانه على الفور ويقول لها أن تنتظره في ذلك المقهى الذين أعتادوا أن يتقابلوا فيه.
خمسة عشر دقائق وكان يامن في المقهى.
بحث عن ليان بعينه حتى رأها تجلس على طاولة في ركن في أخر المقهى.
كان أمامها مناديل ورقية كثيرة، وعينيها شبه مُنتفخة من أثر البكاء، وأنفها التي تصبغت باللون الأحمر وأذنها أيضًا.
سحب كرسيًا وجلس أمامها وهو يهتف قائلًا لها:
ـ مين مات عندك؟
هُنا وزاد نحيبها أكثر، بدأت تتنحب وصوت شهقاتها يعلو أكثر.
فزع يامن من حالتها، نهض وهو ينظر لعيون الناس التي بدأت في رصدهم، أقترب منها وهو بربت على ظهرها برفق ويقول لها:
ـ اهدي يا ليان، حصل إيه؟
حاولت أن تُهدأ نفسها، ومع كلمات يامن تمالكت أعصابها ومنعت دموعها في الهبوط من جديد.
حمد ربه إن واصلة البكاء هذا قد أنتهت، أو هو كان يظن ذلك!
جلس أمامها وسألها من جديد ماذا حدث؟
تنهدت ثم قالت له بيأس:
ـ  أنا الدنيا قفلت في وشي يا يامن، معرفش كلمتك ليه! بس لقيت نفسي بفكر فيك أنت، أبويا عايز يجوزني مازن، مازن الأصغر مني، مازن اللي معرفش عنه حاجة أصلًا، على حسب كلام أبويا يبقى كده فاضل على الفرح 4 أيام تقريبًا.
نوح بعيد عني، مش عارف يعملي حاجة، وأنا هنا قصاد أبويا ولا حول ليا ولا قوة، تعبت، حاسة أن المعبد بيتهدّ فوق دماغي، محتاجة نوح، هو... هو على طول بيحل مشاكلي، هو اللي بيتصرف، أول مرة يختفي وتبقى المشاكل دي كلها فوق دماغي لوحدي!
كانت تسرد له كل شيء حدث معها وتعرّي مشاعرها أمامه ودموعها تهبط من مقلتيها، غير قادرة على التماسك، بينما هو فكان يستمع لحدثها وعروقه تنفُر بغضب، فقط كل ما يسيطر على رأسه الآن هو أن يذهب لوالدها و يتشاجر معه!
تكونت قطرات العرق على جبينه، كان يضغط على يده بعنف لعله يسيطر على غضبه.
لم يستطع، كل محاولاته باتت بالفشل، خبط على الطاولة التي أمامه بعصبية وهتف بستنكار:
ـ هو أبوكِ ده بيفكر أزاي؟؟ أزاي كل اللي في دماغه شكله وبس، طب وعياله! وبنته! طب أبنه اللي داخل على شهر وميعرفش عنه حاجة! بجد مفكرش فيه أبدًا! ولا فكر أن ممكن يكون حصله حاجة!
قابلت الأخرى كلماته بسخرية، ضحكت ثم أردفت: بيفكر في مصلحته وبس، مصلحته اللي فاكرها أهم مننا، اللي فكرها هتحمينا، هو.. هو ميعرفش إنه هو ملوش علاقة بينا، أنا من يوم أمي ما ماتت ونوح هو كل ما ليا، لولا وجود نوح في حياتي كان زماني هربت منه من زمان! هو عمره ما سألني أنتِ رايحة فين، أو مالك إيه اللي مفرحك؟ أيه اللي مزعلك! ميعرفش أنا مين صحابي، هو ميعرفش أني مريت بمرض الأكتئاب ولولا نوح كان زماني مُنتحرة! هو ميعرفش عني أي حاجة في أي حاجة يا يامن، ودلوقت جاي يتحكم في حياتي، جاي دلوقت يدمرها بكل بساطة، هو أنا عملتله إيه؟ أنا.. أنا كل اللي كنت عايزاه إنه يحسّ بيا، يفتكر إن عنده ولاد، بس.. بس مكنتش عايزة كل ده يحصل!
ختمت كلماتها وهي تضع يدها على وجهها وتبكي من جديد، دخلت في نوبة من البكاء الهستيري، والأخر يجلس أمامها عاجز، لا يعلم ماذا يفعل من الأساس!
هُنا وقد قرر أن يلغي عقله، لا مكان للتفكر مجددًا، كل شيء ينهار حوله، وهو يقف في المنتصف مقيد اليديّن ويشاهد ما يحدث فقط!
لذلك؛ وبدون أي مقدمات، هتف يامن قائلًا:
ـ ليان تعالي نتجوز، تعالي نهرب ونتجوز، أنا مش هسمح لوالدك يهدّ حياتك بالشكل ده!
                        *******************
دعنا ننتقل لمكان أخر.
كانت ليلى أنتهت من عملها وعادت لمنزلها.
إتجهت لغرفتها كالعادة، ولكن الغريب أن كانت رهف تجلس على فراشها تبكي وتتنحب، صوت بكائها وصل لأذن ليلى، أرتعبت على شقيقتها، أقتربت منها وهي تلقي حقيبتها بعشوائية على الفراش وتسألها بِلهفة:
ـ مالك يا رهف؟ حصل إيه؟
شعرت الأخرى أن تلك هي القشة التي أرسالها لها الله لكي تمسك فيها، أرتمت في أحضانها دون تفكير وزاد بُكائها.
بينما ليلى فلم تفهم شيء، ظلت تربت على ظهرها وهي تسألها ماذا حدث.
بعد وقت ليس بالقليل هدأت رهف قليلًا.
أقتربت منها ليلى ومسحت لها بواقي الدموع بأنامها وهي تسألها بحنان:
ـ مالك يا رهف؟ حصل إيه يا حببتي أحكيلي؟
نظرت للسقف وهي تحزم قرارها، ثوانٍ مرت عليهم في صمت، كانت تفرك في يدها بتوتر شديد، تنهدت ثم هتفت قائلة:
ـ هحكيلك، هحكيلك عشان حاسة أني بغرق ومش عارفه أعمل إيه.
نظرت لها ليلى والقلق يتسرب لقلبها وقالت:
ـ سمعاكِ يا رهف، أتكلمي.
لركت في يدها من جديد، أخذت نفسًا ثم بدأت في سرد كل شيء حدث معها منذ البداية.
ـ الحكاية بدأت لما أتعرفت على خالد من خلال.....
سردت لها كل شيء حدث معها، منذ تعرفها على خالد حتى إبتزازه لها، كانت الأخرى لا تصدق ما تسمعه، هل حقًا من وقعت في ذلك الفخ الساذج هي شقيقتها الكبيرة!
تلك الشقيقة التي تتميز بالعقل والرذانة كما يقول الكُل عليها!
كانت رهف مُطأطأة الرأس، دموعها تنهمر في صمت.
بينما ليلى، فكل ما فعلته إنها كورت راسها بين يدها وصمتت هي الأخرى.
ولكن بعد صمت دام لدقائق، رفعت ليلى وجهها لها ثم هتفت قائلة:
ـ ماما لازم تعرف بالمصيبة دي يا رهف.
حملقت فيها رهف دون تصديق، ثم هتفت قائلة لها:
....

يتبع...
يمساء العناب😹❤
رحلتنا هتبدأ واللي جاي كله حمادة تاني خالص.
عايزة رأيكم في السرد والأحداث.
تفتكروا مصطفى هيعمل إيه بعد ما عرف الحاجة اللي طلباها أسيل.
ـ تفتكروا خطة أسيل هتنفع؟
ليلى هتقول لمامتها؟ ولا هيكون إيه رد فعلها؟
ـ ليلى معجبه بسفيان، تفتكروا العلاقة دي أصلا تنفع؟
هستنى تواقعاتكم ورأيكم وسلام❤
#رحلة_عبر_الزمن
#الفصل_العاشر
#NORA_SAAD
يتبع...

رحلة عبر الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن