ـ أيوا يا كريمة.
ـ أنتِ فين يا مصيبة؟
قلقلت الأخرى بسبب نبرة كريمة! فتحت مكبر الصوت ونظرت لنوح بقلق ثم أجابت:
ـ أحنا في الطريق، في إيه؟
ـ البوليس هنا وقالب عليكِ الدنيا يا أسيل، من الصبح رايح جاي عليكِ وعماله أتصل بيكِ مقفول، أنتِ هببتي إيه؟
كانت أسيل على وشك البكاء! نظرت لنوح ثم خبطت على وجهها وهتفت قائلة:
ـ تصدق بقى أحية!
عَلِت نبرة كريمة من جديدة، وبقلق يتطاير من عينيها صاحت عليها قائلة:
ـ ما تنطقي حصل إيه؟ عملتي إيه يا أسيل؟
نظرت أسيل لنوح ثم أردفت:
ـ أكيد الكارنيهات يا كريمة، الكارنيهات اللي دخلنا بيها المخزن، كان كارنية باسم نوح عبد الرازق تقريبًا، وده اسم ملوش وجود.
صمتت أسيل،؛ فسمعت الأخرى تسألها:
ـ وبعدين؟
ـ والتاني كان باسمي كامل.
ـ يا نهارك اسود! أنتِ مجنونة!
هكذا صرخت كريمة في سماعة الهاتف، بينما الأخرى فبعدت الهاتف عن أذنها ووضعت يدها على وجهها وبدأت في البكاء، كل شيء ينقلب عليها دون مقدمات! ماذا فعلت لكل هذا؟ أخذ نوح الهاتف وتحدث هو مع كريمة بهدوء بعض الشيء قائلًا:
ـ اللي حصل حصل يا كريمة، نعمل إيه دلوقت؟
صمتت كريمة للحظات، ولكنها هتفت سريعًا قائلة:
ـ أنتوا متجوش البيت دلوقت خالص، أختفوا شوية.
نظر نوح لأسيل ثم هتف بتردد:
ـ بس... بس أنا محتاج أرجع البيت عشان أخد الحاجة اللي أسيل جمعتها، كل حاجة بقت جاهزة خلاص!
صمتت مرة أخرى، ثوانٍ من الصمت حتى هتفت قائلة:
ـ يبقى مفيش غير حل واحد، أنتوا ترجعوا متنكرين.
ـ متنكرين أزاي؟
ـ نقاب، ألبسوا نقاب يا نوح، ولما توصلوا تطلعوا على السطح على طول، متدخلوش شقة أسيل خالص.
كانت أسيل تستمع لحديثهم في صمت، راق لها أقتراح كريمة، رفعت وجهها ومسحت دموعها وقالت وهي تأخذ الهاتف من يد نوح:
ـ روحي يا كريمة أفتحي شقتي، هتلاقي في أوضة النوم حاجات كتير، هاتيها كلها وطلعيها على السطح، عشان نوح يركب الآلة بتاعته بقى ونخلص.
ـ طب وبعد ما يركب الآلة يا أسيل؟ هيحصل إيه؟ ما برضه البوليس هيفضل يدور عليكِ!
ـ بعدين يا كريمة، بعدين نبقى نفكر، المهم دلوقت نرجع نوح لحياته، روحي أنتِ دلوقت.
وبالفعل أغلقت المكالمة، نظرت لنوح ثم هتفت:
ـ يلا عشان نجيب اللبس.
ـ بس كريمة عندها حق يا أسيل! هتعملي إيه؟
ابتسمت له بثقل ثم قالت:
ـ متشتغلش بالك دلوقت، هتتحل.
*******************
ولكن في مكانٍ أخر، كانت ليلى تجلس في غرفة عيادة طبيبتها النفسية، كانت تجلس على المقعد المخصص لها وتحكي لها عن أخر أخبارها، كانت فريدة تستمع لها والابتسامة لا تفارق ثغرها، كانت تستمع لها دون أن تدوّن حديثها كما كانت تفعل دائمًا، أنتظرتها فريدة حتى أنتهت من سرد كل شيء ثم قالت لها:
ـ على فكرة يا ليلى أنا عندي ليكِ خبر حلو.
ـ خير يا دكتور؟
أقتربت ليلى منها بجسدها ثم هتفت بحماس:
ـ إيه هتتجوزي؟
ضحكت فريدة عليها، نظرت لها وهي تعدل نظارتها وتقول:
ـ لا يا ستي مش هتجوز! لكن أنتِ خفيتي خلاص، وأحب أقولك أنك أتعافيتي من الوسواس القهري.
ـ بجد!
هكذا هتفت غير مصدقه ما سمعته! ابتسمت لها فريدة وهتفت قائلة:
ـ أيوا بجد، وجودك دلوقت مبقاش ليه أي لازمة، أنتِ بقيتي بتقدري تتحكمي في تصرفاتك، وأحنا موقفين العلاج من شهر تقريبًا، والنتيجة كويسة جدًا، دلوقت بس أقدر أقولك أنك فعلًا قوية، إنك قدرتي تتغلبي على مرضك تبقي بجد قوية يا ليلى، بس خدي بالك.
توترت الابتسامة التي كانت على ثغرها، وبقلق بعض الشيء سألت:
ـ إيه؟
مسكت قلمها وبدأت أن تعبث بهِ بعشوائية ثم رفعت وجهها وقالت:
ـ محدش بيقدر يتعافى من الوسواس بشكل نهائي، يعني ممكن مثلًا يمر عليكِ وقت تكوني متضايقة، فتحسي أن الأشخاص اللي بتحبيهم ممكن يروحوا منك فالموضوع يذيد معاكِ ويبدأ يدخلك في أكتئاب، كل ده ممكن يحصل معاكِ في فترة من الفترات، ولكن لازم تكوني عارفة إن ده مش حقيقي، وأن ده هوس مش أكتر، وكل ده عادي جدًا، حتى لو حصل، هنقدر نتغلب عليه، صح؟
ابتسمت لها ليلى من جديد بإتساع، أومأت لها برأسها ثم هتفت بمشاعر مُشتتة:
ـ يعني كده مش هشوفك تاني يا دكتور؟
ابتسمت لها بهدوء وهتفت:
ـ طبعًا هنشوف بعض يا ليلى، أنا أغلب المرضى بتوعي بكتسبهم أصدقاء بعد ما بيتعالجوا، أحنا هنفضل صحاب، أي وقت عايزة تكلميني هتلاقيني موجودة، حتى لو أحتاجتي في يوم تتكلمي معايا في جلسة طبية تعالي طبعًا مفيش مشكلة، بس المهم إنك بقيتي كويسة دلوقت، وإنك خلاص مش محتاجة طبيب نفسي في حياتك.
ـ شكرًا، شكرًا يا فريدة على كل حاجة.
وخُتم ذلك المشهد اللطيف بعناق حار بينهما.
*******************
كانت كريمة في غرفة نوم أسيل، خرّجت كل شيء من أسفل الفراش كما قالت لها ووضعتها في صندوق كرتوني كبير، حملت الصندوق وترجلت نحو الباب وهي تدعي ربها أن تلك الدقائق تمر بسلام، ولكن قلبها وقع في قدمها عندما سمعت صوت جرس المنزل يصدح! ولكنها طمئنت حالها بأن بالتأكيد ليس الشرطة، إذا كانت الشرطة، هل سترن الجرس أولًا؟ بتأكيد لا، أقتربت من الباب بهدوء وسألت بنبرة خافتة:
ـ مين؟
ـ أنا حبيب يا أسيل.
فتحت له فور سماعها صوته، لم تدخله المنزل، فقط دفعته بعيدًا عن الباب لكي تخرج هي والصندوق الذي تحمله ثم غلقت الباب وهي تقول له:
ـ جيتلي من السما يا حبيب، كنت هموت من الرعب، تعالى معايا وأنا هفهمك.
عقد حاجبيه بتعجب ثم نظر للصندوق وسأل:
ـ إيه ده؟ وجيباه من شقة أسيل ليه؟
ـ يا عم هفهمك، بس أمسك.
نهت كلماتها وهي تضع الصندوق بين يداه، بالفعل حمله وترجل معها لغرفة نوح، وقفت وفتحت الغرفة التي أخذت مفتاحها من صاحب العقار بحجة أن نوح فقد المفتاح ويريد شيء هام من الغرفة، ولكن شقة أسيل فهي تمتلك نسخة من المفتاح؛ فأسيل كانت أعطتها نسخة لأنها كانت خائفة أن يحدث لها شيء وهي وحدها، ولم يشعر بها أحد!
دخلت كريمة الغرفة وأشارت لحبيب أن يدخل، أخذت منه الصندوق ووضعته على الأريكة ثم خرجوا من الغرفة، ترجلوا نحو السور ووقفوا بجانبه، وقبل أن يتفوه حبيب بشيء قالت كريمة:
ـ هفهمك يا حبيب كل حاجة، أسيل دلوقت مع نوح، كانوا بيجيبوا حجر طاقة، ونجحوا إنهم يجيبوه، لكن اللي مكنوش عاملين حسابه أن أسيل البوليس يدور عليها بسبب الكارنيه المضروب، اللي عملته ودخلت بيه المخزن.
ـ يعني إيه؟؟؟
هكذا سأل حبيب بقلق وعدم أستوعاب لكل ما يحدث لتلك الحمقاء! نظرت كريمة على المارة أمامها ثم هتفت قائلة:
ـ قولتلهم يجوا متنكرين عشان يعرفوا يدخلوا البيت، ونوح محتاج الأدوات اللي جبتها دي عشان يركب الآلة بتاعته، بس أسيل! أسيل برضه لسه في نفس الدوامة!
ـ أنا هخدها معايا اسكندرية يا كريمة، تبعد خالص عن هنا وحوارات هنا.
نقلت نظرها له ثم هتفت ساخرة:
ـ وتفتكر هترضى بسهولة كده يا حبيب؟
تنهدت بأسى ثم قالت:
ـ يا عيني عليكِ يا بنتي.
*******************
ولكن في مكانٍ أخر، وبالتحديد في منطقة عباس العقاد، كانت رهف وسامر يتمشون في شوارع عباس العقاد لكي يختاروا فستان العرس؛ فهُم حددوا موعد عقد قراءنهم، والعرس أول الشهر الجديد، أي بعد أسبوعين من اليوم، لذلك بدأوا في تجهيز كل شيء، وأيضًا في أختيار فستان العروس.
كانت رهف تقف أمام كل معرض وتنبهر بشكل الفساتين، ولكن لم تختار آي واحد حتى الأن، بعد مدة وقفت امام فستان زفاف يشبه فساتين الزفاف التقليدية بعض الشيء، ولكنه كان بدون أكمان وضيق من عند الخصر ومرصع بالفصوص الفضية التي تعطيه جمالًا أيضافيًا، كان فستان ملكي بحق.
وقفت أمامه وهي تنظر له بنبهار ثم دارت بجسدها ونظرت لسامر وقالت:
ـ شوف... شوف ده يا سامر، حلو أوي صح؟
كان الأخر ينظر لها بجهل، ضيق عيناه ثم هتف:
ـ أيوا يا حببتي جميل، بس خير ماله؟
ـ جميل هدخل أقيسه.
هتفت بها وهي تترجل داخل المعرض، بينما سامر فمسكها من ساعديها سريعًا وهو يقول لها:
ـ أستهدي بالله بس، تقيسي إيه؟ ده شبه مفيش فستان يا روحي!
ـ مالك يا سامر ده كَبّ، عادي يعني!
هتفت بها بتذمر شديد، بينما هو فتنهد ونظر للسماء ثم قال لها:
ـ طب تعالي نقعد في أي مكان نتكلم شوية ونرجع تاني للفستان.
ـ طيب يا سامر.
هتفت بها بتذمر، وبالفعل ترجلوا سويًا نحو مقهى بالقرب من المعرض.
نظر لها بعدما طلب لها شيء تشربه، بينما هي فكانت تنظر له بحنق بسبب ما فعله، كان يعلم إن حديثه لم يروق لها، نزلت المشروبات على الطاولة وهي مازالت ملامح وجهها عابثة، نظر لها ثم هتف قائلًا:
ـ ممكن أفهم أنتِ متضايقة ليه؟
ـ عشان الفستان كان عجبني يا سامر، ومرضتش حتى تخليني أقيسه!
وبتفهم وهدوء قال لها:
ـ وتقيسيه ليه وأنتِ مش هتشتريه؟
ـ ومشتريهوش ليه إن شاءالله؟
ـ عشان يا حببتي عريان أوي، وأنا مش هسمح لمراتي إنها تلبس حاجة ملفتة بالشكل ده، وأنتِ أكيد مش هترضي أن حد يقول عليا كلمة مش كويسة، ولا أنا هستنى لما حد يقول في ضهري شوف ملبس مراته إيه؟ وسايب الناس تتفرج على جسمها!
كانت رهف تستمع لكلماته وهي مشتته، كلماته محقه لكنها ليست في وقتها على الأطلاق!
كانت تنظر له بتذمر، شعر بتذمرها هذا، مسك يدها برفق ثم واصل:
ـ ولا أنا غلط؟
وبحنق هتفت قائلة:
ـ طب يعني الفستان كان حلو!
ـ بس في غيره كتير حلو، بس ميكنش عريان أوي كده يارهف، هنروح دلوقت ونشوف فساتين تانية، وأنا متأكد إننا هنلاقي كتير حلو، أي رأيك؟
تبخر تذمرها، ابتسمت له برفق، ضغطت على يده بحنان ثم هتفت:
ـ على فكرة أكيد أنا مش هرضى أني أسمع كلمة تشوه رجولتك، وأكيد أنا مقدرة غيرتك عليا، ويلا يا سيدي نشوف باقي الفساتين.
نهت كلماتها وهي تنهض من مكانها، ابتسم لها ونهض هو الآخر، بسط لها يده حتى مسك يدها وترجلوا سويًا نحو المعارض من جديد.
وبعد مدة وقفت رهف أمام معرض أخر، أخذت تنظر بعينيها على الفساتين حتى أستقرت بنظرها على فستان يشبه ذلك الفستان الذي كان يعجبها من قبل، ولكن كان هذا بأكمام تصل لنصف ذراعها من الشيفون المرصع بالفصوص، وأيضًا ضيق من عند الخصر ومرصع بالفصوص مما جعله أكثر جمالًا، ولكن كان التُل الذي يعطي له ذلك الشكل الكبير كان أكثر هدوءًا وصُنع من قماش أقل وزنًا مما جعله يروق لها أكثر وأكثر.
نظرت له بنبهار ثم بدلت نظراتها نحو سامر وهتفت:
ـ حلو أوي ده، أيه رأيك؟
ابتسم لها هو الأخر ثم هتف وهو ينظر للفستان:
ـ جميل أوي، تعالي قيسيه.
وبالفعل دخلت لكي ترى المقاس وأنتهى اليوم بشراءها لذلك الفستان، ثم واصلت حجز مستلزمات العرس.
*******************
ولكن دعنا نعود مرة أخرى لليلى، كانت خرجت من العيادة وتتمشى في شوارع وسط البلد، ولكن جاءها أتصال من سفيان! حقًا تردد قبل أن تجيب عليه، ولكن في نهاية الأمر ردت عليه بالفعل! مَثّلت إنها نست ما قاله لها في أخر مقابلة، وكان حديثها معه طبيعي، بينما هو فكان متعجب من تصرفاتها! على أي حال فهو قال لها إنه يحتاج أن يراها في المقهى الذي يجلسون عليه دائمًا، وبعد تردد وافقت وقالت له إنها أتيه.
حقًا لا تعلم نهاية ما تفعله، هو أعترف لها عن حبه، إذن لماذا هربت؟ أليس ذلك ما كانت تريده؟ إذن لماذا عندما أصبح الشيء بين يدها أصبحت متردده لهذه الدرجة؟ لماذا هربت من أمامه كالفأر الذي يهرب من مصيدة؟ هل حبه لها مصيدة؟
بعد وقت كانت وصلت للمقهى، كان سفيان وصل منذ وقت، تقدمت من الطاولة ببتسامة مهزرزة على ثغرها، حيّته ثم جلست امامه، شبكت يدها على سطح الطاولة ثم سألت:
ـ خير يا سفيان، في حاجة؟
وبتهكم أجاب عليها الأخر قائلًا:
ـ هو أنتِ ليه بتعملي كده؟ ليه عاملة نفسك عبيطة؟ وليه هربتي مني؟ لو مش موافقة عرفيني بس بلاش شغل العيال ده!
كانت ليلى تستمع لكلماته دون تعقيب، فقط خبطت بيدها على وجهها ولم تنطق، أخذت نفس عميق وقبل أن تتفوه بشيء كان يواصل هو قائلًا:
ـ هو أنتِ خايفة أكون مش واثق في مشاعري زي ما حصل قبل كده يا ليلى؟
توتر قليلًا، لكنه واصل بتلعثم:
ـ صدقيني أنا المرة دي متأكد من مشاعري، مش بلعب بيكِ يا ليلى ولا بضيع وقت زي ما ممكن يجي في بالك، أنا والله بحبك، وعايز ادخل للبيت من بابه، من فضلك أديني فرصة، فرصة واحدة أثبتلك فيها مشاعري.
حقًا كان فمها يكاد أن يلامس الأرض! هل هو فكر في كل هذا؟ هل تقسم له إنها أتفه من كل ذلك، وأنها لم تفكر في كل تلك الأشياء من الأساس! وأن أكبر مشكلة لديها إنها خائفة ليس إلا!
خرجت من تلك الدوامة على صوت سفيان وهو يقول لها بأسى:
ـ واضح أنك واخدة قرارك، مش عايز أضغط عليكِ يا ليلى، بعد أذنك.
نهى كلماته وهو ينهض من مكانه، بينما هي فمسكت ذراعه سريعّا وهتفت قائلة دون أن تشعر:
ـ سفيان أنا بحبك!
لم يصدق أذنه، جلس من جديد وهو يحملق فيها غير مستوعب، بينما هي فأشاحت برأسها للجهة الأخرى وهي تشعر أن وجنتيها أنصهرت من شدة الخجل، كانت تدعي الله أن يشق الأرض لكي تبتلعها وتخلص من ذلك الموقف!
شعر بخجلها، ولكن كل ما فعله إنه مسك كف يدها برقة وقال لها:
ـ بجد يا ليلى؟ يعني... يعني في مشاعر من ناحيتك ليا؟
ابتسمت له برفق، ربتت على كف يده ثم تنهدت وهي مُثبته مقلتيها على عيناه ثم هتفت بقلبٍ عاشق:
ـ بحبك من زمان يا سفيان، من ساعة ما قولتلي إنك بتحب أسيل!
ـ لا لا، والله ما بحبها، أنا اللي مكنتش مدرك ده!
هكذا نفى سريعًا، أومأت له برأسها بهدوء ثم قالت:
ـ حسيت بكده يا سفيان، حسيت بحبك عشان كده أتجرءت وأعترفتلك بحبي!
قلبه يخفق بشدة، يشعر إنه على وشك القفز من بين ضلوعه من شدة السعادة، وبعيون تتراقص قال لها:
ـ طب خديلي معاد مع مامتك، عايز أجي أتقدملك في أسرع وقت، ويمكن نتجوز مع رهف.
ختم حديثه وهم الأثنين يضحكون برفق، كانت الأخرى سعيدة بشكل غير طبيعي، حقًا اليوم كان مركز بالسعادة! قبل ساعات عُلِمت إنها تعافت، والأن الشخص الذي قلبها دق له يطلب يدها للزواج، ولأول مرة تشعر أن الدنيا تبتسم لها!
ابتسمت له بتساع وهتفت قائلة:
ـ تعرف أن رهف بتجيب فستان فرحها دلوقت؟
ابتسم لها ثم غمز لها بمشاكسة وقال:
ـ عقبال فستانك يا جميل.
خجلت الأخرى، ضربته على يده ثم سحبت يدها منه بخجل، تذكرت شيء هام لم تخبره بهِ، نظرت له بحماس ثم قالت:
ـ صحيح نسيت اقولك.
ابتسم لها برفق، وضع يده أسفل ذقنه وسأل:
ـ نسيتي إيه؟
وبحماس أجابت عليه:
ـ انهاردة الدكتورة قالتلي إني أتعافيت من الوسواس القهري يا سفيان! مبقاش عندي خلاص.
لاحظ السعادة التي كانت على وشك القفز من مقلتيها! ابتسم بتساع وبنفس حماسها قال:
ـ طب هايل بجد، مبروك، أنتِ أشطر لولي أصلًا، والمرض ده مكنش مشكلة أساسًا بس تعافيكِ منه أنجاز حقيقي.
حقًا شجعها وكإنها ابنته! كلماته راقت لها كثيرًا، ابتسمت له برفق وقالت:
ـ شكرًا بجد.
وبلفتة رقيقة منه بسط يده لها حتى وضعت كف يدها في يده، طبع قبلة رقيقها على كفها وهتف:
ـ ده شكرًا إنك قبلتي تكوني في حياتي.
خجلت من جديد، سحبت يدها بهدوء، وبتوتر غيّرت مجرى الحوار وقالت:
ـ أ.... أحنا بقالنا كتير مشوفناش أسيل ونوح، تعالى نروح لهم؟
ابتسم لها وقال:
ـ يلا، بس أستني نتصل بيهم نشوفهم في البيت ولا لاء.
أومأت له بالموافقة، وبالفعل خرجت هاتفها وأجرت أتصال بأسيل، دقائق معدودة حتى جاءها الرد.
ـ إيه يا سيلو، فينك؟
.....
ـ مع سفيان، في إيه؟
.....
عقدت جبينها متعجبة من نبرتها، نظرت له ثم قالت:
ـ طيب حاضر، بس في إيه
....
طيب طيب، باي.
كان الأخر لم يفهم شيء، وبتعجب سأل:
ـ في إيه؟
كانت ملامحها مشدودة، وبستفهام قالت:
ـ معرفش، بس أسيل بتقولي روحي حالًا أنتِ وسفيان البيت عندي، وأطلعي على أوضة نوح هتلاقي كريمة فوق، خليكم معاها لحد ما أجي، وبعدين قالتلي هقفل دلوقت!
تعجب الأخر، نهض وهو يضع النقود على الطاولة ويقول:
ـ ممكن تكون في مشكلة، تعالي نروح نشوف في إيه.
وبالفعل نهضوا من مكانهم وترجلوا سويًا نحو منزل أسيل.
*******************
ولكن عند أسيل ونوح، كانا أثنتيهم وصلوا لأقرب منطقة من منزل أسيل، ولكن أسيل وقفت السيارة عند محل ملابس نسائي ثم هبطت من السيارة هي ونوح بعدما دفعت له الأجرة كاملة.
وقف نوح أمام المحل وبستياء هتف:
ـ هو لازم حوار النقاب ده؟
وعلى مضض أجابته أسيل قائلة:
ـ يعني البوليس قالب علينا الدنيا، وحضرتك هربان من العباسية، ولسه بتسأل! يلا يا نوح الله يرضى عليك.
وبالفعل دخلا الأثنين للمحل وأشتروا الملابس، ولكن نظر لها نوح بستفهام ثم سأل:
ـ ودلوقت هنلبس فين؟ أكيد مش في الشارع.
ـ تعالى بس وأسكت.
هكذا هتفت وهي تُشير لسيارة أجرة وكانت توقفها، أخبرته عن وجهتها ثم أنطلق بهم.
*******************
بينما يامن؛ فبعدما غلق المكالمة مع نوح بدل ملابسه سريعًا وأتصل بزين أخبره إنه سيقابله عند منزل دكتور عبد الغني،
وقبل أن يغادر المنزل وقفته ليان وهي ترتدي ملابس خروج وتقول له:
ـ أنا جاية معاك.
وبحنق نظر لها ثم هتف:
ـ تيجي فين بس يا ليان!
ـ مش هسيب أخويا يا يامن، يلا مفيش وقت.
كان لا يمتلك وقت للجدال معها، أخذها وبالفعل تحركوا نحو منزل دكتور عبد الغني، كان منزله يقترب من منزل يامن، دقائق قليلة وكانا يقفان أسفل العقار، دقائق أخرى حتى جاءهم زين.
بعد السلامات وتعجب زين من وجود ليان ترجلوا سويًا لمنزله، رحب بهم وجلسوا جميعهم في ردهة منزله، بالطبع عرفه يامن على ليان إنها شقيقة نوح وزوجته، رحب بها كثيرًا ثم سألهم ماذا يشربون، ولكن يامن أوقف حركته عندما قال له:
ـ أسمع بس يا دكتور، أحنا محتاجينك في حاجة مهمة.
عقد جبينه بتعجب، جلس من جديد موجهًا حديثه ليامن ثم سأل:
ـ حصل إيه؟ وصلتوا لحاجة جديدة؟
ابتسم له زين وقال:
ـ دلوقت نوح وصل لكل المُعدات اللي حضرتك طلبتها، إيه اللي بعد كده؟
ابتسم لهم ثم هتف:
ـ طب هايل، دلوقت فاضل التركيب، هو ركبهم؟
ـ لا.
هكذا أجابه يامن، نظر لهم عبد الغني وقال:
ـ وصِل لحجر الطاقة؟
ـ أيوا.
نهض عبد الغني من مكانه وأنتقل ليجلس على الكرسي المجاور لهم، ربت على كتفي يامن وقال:
ـ عظيم، كده فاضل أهم خطوة، وهي إني أفهمه ازاي يظبط البوصلة في إتجاة زاوية القمر، بحيث إنها تكون بدرجة... على البعد....من سطح القمر، عشان ميتنقلش لأي زمن تاني، لازم ياخد باله من الحاجات دي كويس.
حقًا كان ثلاثتهم ينظرون له بفم يكاد يلامس الأرض، بالطبع لم يفهموا حرفًا واحدًا مما قاله! أستشف دكتور عبد الغني إنهم لم يفهموا منه شيء؛ لذلك ابتسم وقال:
ـ متقلقوش، لما يقرر إنه يركب المعدات أتصلوا بيا وهقابلكم وهفضل معاه على الخط لحد ما يركب كل حاجة صح.
هكذا طمئنهم، ابتسم له يامن بتساع ثم هتف:
ـ وهو محتاج المكالمة دي دلوقت يا دكتور، ينفع أتصل بيه دلوقت؟
ـ مفيش مشكلة.
هكذا هتف ببساطة، ابتسموا جميعهم ثم أتصل يامن بنوح، ولكن لم يأتيه الرد، حاول عدة مرات ولم يأتي بفائدة! ولكن في أخر مكالمة وقبل أن يفقد الأمل كنسل عليه نوح! رفع يامن وجهه لهم ثم هتف قائلًا:
ـ واضح أنه بيعمل حاجة، ممكن نستنى شوية وهو أكيد هيكلمنا، عشان هو أكّيد عليا أروحلك، هو في مشكلة يا دكتور لو أستنينا شوية؟
ـ تنوروا طبعًا.
وبالفعل ظلوا الشباب جالسين مع دكتور عبد الغني وبدأوا يتسامرون في أي شيء حتى يتصل بهم نوح.
*******************
وقفت السيارة الأجرة عند عقار، نظر نوح لذلك العقار بتعجب وسألها:
ـ هو إيه ده؟
ـ بيت ليلى يا نوح، هندخل المدخل نلبس النقابات ونستنى شوية وبعدين نخرج ناخد تاكسي ونطلع على عندي في البيت.
نظرت له بتحذير ثم واصلت:
ـ ومن ساعة ما نخرج من بيت ليلى لحد ما نوصل بيتي مسمعش صوتك عشان منتفضحش، سامع؟
أومأ لها بالموافقة دون تعقيب، وبالفعل دخلوا للعقار ولبسوا الملابس النسائية، وبعد وقت ترجلوا للخارج، رهلت أسيل سريعًا لكي تخرج من ذلك الشارع، ونوح كان خلفها، رأت سيارة أجرة أتيه عليهم، أشارت لها ووقفتها فورًا، ركبت هي ونوح ثم أعطت للسائق العنوان وأنطلقت السيارة.
بعد وقت ليس بالكثير كانت السيارة تقف أمام عقار أسيل، وبهدوء هبطت أسيل ونوح من السيارة بعدما أعطت للسائق الأجرة، وبنفس ذلك الهدوء صعدت للأعلى دون حديث، وفور وصلها لسطح العقار رأت الجميع ينتظرها، كريمة وحبيب وسفيان وليلى، لم تستطيع التمالك، فقط رهلت على كريمة وأستقرت في أحضانها.
نظر نوح لهم وسأل سريعًا وهو يخلع ذلك النقاب:
ـ فين الحاجة؟
رد عليه حبيب مُشير إلى الغرفة:
ـ عندك في الأوضة.
وبالفعل ترجل نحو الغرفة لكي يخرج المُعدات للخارج ويبدأ في تركيبها.
بينما كريمة فخرجت أسيل من حضنها وسألتها بلهفة:
ـ مالك؟ أنتِ كويسة؟
ـ كويسة يا كريمة.
هكذا هتفت أسيل وهي تمسح دموعها.
بينما ليلى فأقتربت منها وبتعجب قالت:
ـ أومال في إيه؟
ـ الموضوع بيخلص يا جماعة! الحكاية بتخلص خلاص!
ختمت جملتها المُبهمة بالنسبة لهم مع خروج نوح وفي يده المُعدات، وضعها على الأرض وأجرى أتصال لأصدقاءه، وفي نفس الدقيقة كانوا يظهرون أمامه على الشاشة، أعطى يامن الساعة لدكتور عبد الغني، وبعد التحية بدأ أن يشرح له كيفية تركيب المُعدات، وأسيل كانت تنظر له وهي تائهة، ولكن جميعهم كانوا لا يفهمون ماذا يحدث!
أقترب حبيب منها، كانت تقف تراقب نوح والدموع في عينيها، مسكها حبيب من معصمها وبعد بها عن نوح، وقفها أمامه ثم سألها بحدة:
ـ ممكن أفهم في إيه؟ مالك مش على بعضك ليه؟ والبوليس اللي بيدور عليكِ ده هتعملي فيه إيه؟ ودلوقت نوح هيرجع لحياته، وحضرتك؟؟
كان صوته عاليًا، أنضمت لهم كريمة وليلى وسفيان، كانوا جميعهم واقفين منتظرين رد أسيل، بينما أسيل فكانت غير قادرة على التفكير، كل ما فعلته إنها جلست على الأرض وهبطت دموعها، نظرت لهم والدموع تغرق وجهها ثم هتفت:
ـ عايز يخدني معاه! أعترفلي بحبه، وعايز يخدني معاه!
ابتسم لها سفيان وقال:
ـ طب ده جميل، روحي معاه يا أسيل، وفعلًا نوح بيحبك، كل تصرفاته بتقول كده.
لم تعقب أسيل، فقط وضعت كف يدها على وجهها وأجهشت في البكاء، بينما ليلى فكَزيت على ركبتيها وربتت على شعرها بحنان ثم قالت والدموع تلمع في عينيها:
ـ روحي معاه يا أسيل، أنتِ بتحبيه.
بينما حبيب فنظر لها وهتف قائلًا:
ـ متفتكريش أن مفيش حل قدامك غير ده يا أسيل، لو مش عايزة أنا مش هسيبك، الموضوع هيتحل حتى لو ههربك وتيجي تعيشي معايا في أسكندرية، اللي يريحك هو اللي هنعمله.
أضافت كريمة أيضًا وقالت:
ـ أوعي تفكري إنك محظورة بين أختيار واحد، كل حاجة متاحة حواليكِ، لكن أنتِ عايزة إيه؟ مش أنتِ بتحبيه يا أسيل؟
ـ بحبه يا كريمة لكن...لكن أزاي؟
![](https://img.wattpad.com/cover/304050115-288-k742079.jpg)
أنت تقرأ
رحلة عبر الزمن
Fantasyكانت تعيش بمفردها في منزلها، لا يوجد لها أحد غير رفيقة دربها وخطيبها، ولكن في لمح البصر تغيّر كل شيء! بين ليلة وضحاها أصبحت مسؤلة عن شخصٍ لا تعرف مَن هو، ومن أين ظهر لها! هل يوجد أناس يظهرون في الحياة من العدم هكذا؟ أم تلك خدعة منه لكي يتسلسل لها وي...