الفصل الحادي والعشرون: لا شيء سيكون بخير

2.8K 125 51
                                    


كانت تعلم أن وقتا قد مر على أخذ رائد لأبنائها وإبعادهم عنها إنما عجزت عن تقديره فقد بدا لها أن هذا حدث منذ الأزل. اختفى الضوء خلف جفونها المغلقة ببطء بينما تفارق الشمس السماء في الخارج وفي لحظة ما قام أحدهم بإنارة المصباح الجانبي، لكنها لم تفتح عينيها لمعرفة هويته، فلم تكن مهتمة.

إنها عاجزة عن الحركة وبالكاد يمكنها التنفس، أطرافها ثقيلة جدا حد أن شكت في قدرتها على التقلب وتساءلت إن كان هذا شعور من يرقد في الإنعاش.

أفراد عائلتها ظلوا يلجون ويغادرون غرفتها دون انقطاع، يتفقدونها باهتمام وهم يتهامسون بخفوت ظنا منهم أنه لا يمكنها سماعهم؛ ربما ظنوها نائمة لكنها لم تنم قط وتشك في أن تستطيع أن تغفو ثانية.

صرخات رواد تتردد في أذنها مرارا وتكرارا حتى سحبت ذراعها بعنف تسد أذنها في المرفق؛ إنما عبثا، لا زال بإمكانها سماعه وصورة عيناه المهتاجتان تعانقان عينيها العاجزتين وهو يركل ويصرخ طبعت على جفونها تأبى التلاشي.

أخيرا وبمعجزة ربانية، تلاشى كل شيء ليحتل البياض ما عداه. فراغ، فراغ لا متناهي كما لو أنها تطفو بين اليقظة والنوم.

"لن أزعجك.. ولكن سأظل هنا معك صغيرتي" طفا صوت والدها فوق فقاعة الفراغ عقبه صوت حفيف شيء ثقيل يقع على السجادة وتنهيدة عميقة يطلقها والدها لدى جلوسه.

ثم سكن كل شيء ثانية.

أصوات اقتربت لتختفي ثانية وأحدهم قام بإبعاد شعرها عن وجهها لكنها لم تتحرك قيد نملة. لين تلوت بقلق ثم استكانت أخيرا وظل بطنها ينقبض بين الحين والآخر لكنه لم يؤلمها لذا تجاهلت ذلك.

"أتمنى لو كان آدم هنا" همست يارا المستلقية جوارها بهدوء.

لم تدر رنيم إن كان الحديث موجها لها أم لا.. لكنها لم ترد. فهي لا تريد آدم.. لا تريد والدها الذي لم يفارق غرفتها أو والدتها الجالسة عند طرف الفراش تمسد قدميها. هي لا تريد يارا أو ابراهيم أو خالتها وزوجها اللذين زاراها لفترة قصيرة وغادرا بعدها لا شك خجلا وانزعاجا كون من يعتبرانه أعز من ابنهما قد فعل هذا بها.

العلاقات في عائلتها غريبة جدا؛ وتساءلت أحيانا كيف يراهم العالم الخارجي.

والدتها وخالتها مرتبطتين ببعضهما أكثر من التوائم حتى.. وقد انتقلت هذه الرابطة المتينة لتجمع بين زوجيهما الغريبين قبل زواجهما، فصارا أنسابا وجيرانا وأخوين أكثر من أصدقاء.

وهكذا نشأت هي وآدم وابراهيم وعلي وعمر.. الابن الآخر الذي كفلته خالتها وزوجها.. معا منذ الطفولة في بيتين متقابلين لم يغلق باب أحدهما يوما في وجه الآخر. فشعروا وتصرفوا وكأنهم إخوة رغم اختلاف مظاهرهم كليا حتى بينها هي وأخواها الحقيقيين. وعلى مر السنين، التقطوا تعابير الوجه ولغة أجساد الكبار مما عزز أوجه التشابه بينهم. إنما يارا ورائد، انضما إليهم عندما أوشك معظمهم أن يكبر. صحيح أنهما يعتبران منهم، لكنهما لم يشاركاهم مرحلة الطفولة وتفاصيل الماضي ولم تتشكل بينهم نفس رابطة الأخوة التي جمعتهم. لعل هذا كان أفضل نظرا لكونها حامل من رائد، وابراهيم ويارا؛ حسنا.. لا تدري كيف تصف علاقتهما ولكن هناك شيء يحدث بينهما.. أمر على وشك الانفجار.. إنما لا أحد منهما يتحدث عن ذلك.

زواج على ورقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن