٨: هل تذكر؟

562 41 9
                                    

في قصر "آل راغب" بالتحديد في المكان الملحق بالقصر ، كان "أدهم"مستلقي على فراشه بهدوء ، جسد بلا روح ، حياة بلا حياة ، ظل يحدق في سقف الغرفة، يتأمله تارة و ينظر لصدره العاري الذي يشوبه بعض الندوب تارة آخرى ، يحاول أن يستذكر أي شيء ، لعله يستريح من ذلك التخبط الذي يعيش به ، و لكنه لم يتذكر ، لم يرغب عقله بإسترجاع أي شيء عن حياته الماضية كأنها لعنة ستصيبه إذا تذكرها ، شرد في ما هو عليه الآن و في "أدهم" ذلك الإسم الذي أصبح إسمه ، لقد إعتاد عليه و إعتاد على عائلة "صابر" ، تلك العائلة التي تبهره كل مرة بقوة إيمانهم و الطيبة النابعة في قلوب كل فرد منهم ، لقد أحبهم بحق ، لم يشعر معهم بأنه عالة عليهم ، لم يشعر سوى برأفتهم بتلك الغربة التي تنهش روحه كلما إختلا بنفسه ، لقد أرسلهم له الله ليكونوا سببا لخروجه من الظلمات إلى النور ، حتى و لو كان نورا وهميا لكنه يظل نورا يؤنس وحدته و يشغل فراغه.

صوت طرق على الباب كأنه إيقاع ، أخرجه من دوامة أفكاره ، علم من طريقة الطرق من الطارق ، من قبل حتى أن يجيب عليه و يأمره بالدلوف ، فُتح الباب بواسطة "مروان" ذلك المشاغب العاقل كما لقبه هو، كان "أدهم" مازال مستلقي على الفراش بصدره العاري ، إقترب منه "مروان" و هو يمازحه:دوما حبيبي.

نظر له بحنق زائف: يا بني بقى ارحمني من الإسم ده.
ضحك الأخر مجيبا: بدلعك يا أخي ده أنت رخم أوي.

_ أرغي يا مروان و قول عايز إيه

ضحك على دهاء القابع أمامه قبل أن يقول: تفهمني يا دوما....أنا جاي أقولك إلبس و آجهز علشان في واحد صاحبي معزوم عندنا النهاردة على الغدا و هاخده أنا و وليد و نخرج خروجه حلوة و أنت هتيجي معانا.

لا يعلم لما داهمة شعور بأنه سيكون ضيفا ثقيل عليهم في ذلك اللقاء ، لذلك قرر أن يرفض: لأ أنا مش هقدر يا مروان روحوا أنتوا.

تجاهله "مروان" كأنه لم يسمع شيء ثم إستقام قائلا: طيب يا دوما هستناك برا لحد ما تخلص لبس بقى متتأخرش علشان مزعلش منك.

خرج من الغرفة تحت نظرات "أدهم" المندهشة ف "مروان" قد إتخذ القرار بمرافقته لهم و لا مفر من الرفض ، مسح على وجهه بكسل ليذهب معهم حتى لا يحزن صديقه لإنه يعلم بأنه يشعر بضيق عندما يُشعره هو بأنه ثقيل عليهم لذلك تنهد ثم إستقام، واقفا أمام خزانة ملابسه ، ينتقي منها ما يناسبه كي يرتديه ، مرت عشرة دقائق، حتى خرج من غرفته ليجد "مروان" بإنتظاره كما قال سابقا ، نظر له بإنبهار على هيئته الجذابة و أطلق صفيرا عاليا كدليل على إعجابه بهيئته ثم قال: ده ايه الشياكة دي يا دوما و الله لو وليد أخويا كان بنت كنت جوزتهولك.

ضحك عاليا على حديثه ، فلو سمعه "وليد" الآن لجعله "مروانة" و ليس "مروان" ، و لكن حظه جيد بأنه لم يأتي.

إتجها سويا نحو القصر نظرا لمكوث "أدهم" في الملحق الخاص بالقصر ، دلفا من البوابة حيث وجد "شهيرة" جالسة تحتسي قهوتها و تقرأ إحدى الكتب بوقار ، ما إن رأتهم حتى إبتسمت لهم بحنان و حيت "أدهم" : عامل إيه يا حبيبي.

أهل و لكن.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن