«فلتطلقوا سراحي حالًا! أخرجوني من هنا أيها الحقراء الحثالة!»
صرخ بها بأعلى صوته وهو يكاد يحطم باب الحجرة المعدني الموصد من شدة ضربه عليه، لكن أحدًا لم يجبه -كعادتهم في الأيام الماضية منذ أن جلبوه إلى هذا المكان الغريب- واستمر هو بالضرب والصراخ حتى استنفد كل طاقته -كعادته في الأيام الماضية أيضًا-. أسند رأسه على المعدن البارد مغمضًا عينيه بشدة. عليه أن يخرج من هنا مهما حصل وبأسرع وقت ممكن؛ فهو لا يعلم بعد ما قد حصل لهما، ولها هي على وجه الخصوص، وظل يدعو باستمرار أن يكونا بخير.
كان قد حاول الفرار أكثر من مرة لكن جميع محاولاته تكللت بالفشل، فهذا المكان كما بدا له في إحدى مرات هروبه مزود بنظام أمني يتضمن أبوابًا صلبة محكمة ورجال أمنٍ كثرٍ موزعين هنا وهناك. ابتعد عن الباب وهو يزفر بغضب، ليسير باتجاه السرير الكبير ويرمي بنفسه عليه. كان قد فحص كل شبر من هذه الحجرة، وكل شبر من الحمام المتصل بها، عله يعثر على منفذ يهرب منه؛ لكنه لم يعثر حتى على فتحة صغيرة واحدة يمكن لنملةٍ النفاذ منها.
فقط ما أمر هذا السجن الغريب؟ لقد كان مستعدًا للأسوأ من قبل أي جهة تعادي أهدافه، إلا أن هذه الحجرة الفاخرة بحمامها الكبير، ووجبات الطعام الثلاث الكبيرة المتنوعة التي كانت تقدم له، وغيار الملابس الجديدة المطوية والموضوعة على إحدى الطاولات يثيرون جنونه. فهل توجد خلية سجن فاخرة كهذه على وجه الأرض؟ هل هو نظام سجن جديد يطبقونه؟ بل في أي دولة هو الآن؟
لقد أخذوه على حين غرة.. فهو لا يتذكر شيئًا سوى أنه بعد خروجه من القاعة وهو مُحاطٌ بأمن المبنى، تملص منهم ومن كل شخص قابله في طريقه، ليمشي في ممر منعزل بعيدًا عن الصخب ورأسه مشغول بكثير من الأمور. هو يعلم أنه قد أخذ خطوة متهورة، لكنها كانت الحل الوحيد أمامه، وسبق وأن اتخذ بعض الإجراءات الاحتياطية. لقد عَيَّن بعض الحراس الشخصيين بسرية، وكان بعضهم قد اختلط مع الأمن وبقوا يراقبون الأوضاع. سار في الممر حتى دخل من باب سلم الطوارئ، ثم صعده ليصل إلى السطح بعد أن شعر أنه يحتاج إلى بعض الهواء النقي. وصل إلى سور السطح واستند عليه وذهنه في مكان آخر، وكل ما شعر به بعدها هو شيء يغطي فمه وأنفه، ثم ظلامٌ حالك يلتف من حوله.
لم يعلم كم مضى عليه وهو غائب عن الوعي، ليستيقظ بعدها ويجد نفسه في هذه الحجرة الغَريبة. اختلطت عليه الأيام واختلط ليله بنهاره فيها؛ فقد كانت خالية من النوافذ، ولا يوجد بها شيء يدله على الوقت. إلى جانب أنه كان لا يجد ما يفعله بداخلها، مما زاد مرور الوقت عليه بُطئًا.
لم يحدّثه أحد منذ مجيئه، ولم يدخل عنده أحد سوى الذين يوصلون له الطعام وهم مدججون بالأسلحة، وكانت هذه للحقيقة هي الطريقة الوحيدة التي استطاع بها تنفيذ محاولات هروبه الفاشلة. ولعلها كانت أيضًا الطريقة الوحيدة التي امتلكها لتقدير الوقت بعض الشيء.
ففي أول الأمر؛ ورغم أن جسد يزن لم يكن بمزحة مع طوله وامتلاكه لعضلات يظن من رآها أنه من أولئك الذين يتعاطون المنشطات رغم تناسقه، ورغم أنه لم يكن مقيدًا بأية طريقة؛ إلا أنه كان هنالك شخصان فقط يوصلان له طعامه، فاستطاع التغلب عليهما بسهولة وأفقدهما وعيهما، خاصة وأنهما لم يستخدما أسلحتهما بجدية مما أثار استغرابه أكثر. خرج من تلك الحجرة حاملًا أحد تلك الأسلحة، وتخطى عدة أبواب معدنية كانت مفتوحة لحسن حظه، ثم قطع ممرًا طويلًا متلفتًا حوله دون أن يقابله أحد، حتى وجد درجًا يقود للأعلى فصعده بحذر. لكنه وعند نهايته؛ وجد مجموعة من عشرين شخصًا على الأقل يحيطون به وهم يوجهون أسلحتهم نحوه. وقبل أن يبادر بأية ردة فعل؛ شعر بلسعة مفاجئة على جانب رقبته. وضع يده عليه ليجد إبرة مخدرة من تلك التي يطلقونها على الحيوانات في البرية لتخديرها، فشعر بغضب عارم. إلا أنه سرعان ما اختفى شعوره باللسعة وتبع ذلك دوار خفيف ازداد تدريجيًا. حاول الصمود ورفع مُسرِعًا السلاح الذي يحمله مصوبًا على الذي أمامه مباشرةً وضغط الزناد، لكن ولصدمته كان فارغًا من الذخيرة. شعر فورًا بلسعات أخرى في أماكن متفرقة من جسده جعلته يبدأ بالترنح في مكانه. وقبل أن يفقد آخر ذرات وعيه؛ رآهم يفتحون الطريق لشخص متشحٍ بالسواد وهو قادمٌ باتجاهه، وكان ذلك آخر ما رآه قبل أن يهوي فاقدًا الوعي.
ومنذ ذلك الحين؛ كانت مجموعة كاملة تحضر لجلب الطعام. كان يحاول في كل مرة التغلب عليهم، خاصةً بعد أن أدرك من أفعالهم السابقة أنهم لا ينوون إيذائه مطلقًا رغم بقائهم على حذرهم، لكن قانون الكثرة تغلب الشجاعة جاء في صالحهم، لكن ذلك لم يمنعه عن تكرار المحاولة المرة تلو الأخرى مطلقًا. كانوا فقط وكأنهم يحاولون حبسه لأجل الحبس لا أكثر ولا أقل. وسؤال جديد يُضاف لقائمة أسئلته المُعلقة؛ لماذا؟ لماذا يتكبدون كل هذا العناء لإبقائه هنا فقط؟
بقي مستلقيًا على السرير وهو يحلل جميع الأحداث التي مرت عليه منذ وصوله إلى هنا حتى الآن، لعله يَخرُجُ بشيءٍ من كل هذا الجنون. كان قد استلم وجبته الثالثة لليوم قبل مدة، فحاول الهرب كعادته، لكنهم تكاتفوا عليه ومنعوه بعد شيء من الجهد دون إيذائه، ليخرجوا مسرعين ويحكموا إغلاق الباب المعدني خلفهم، ولينهض بعدها عن الأرض فاكًا عقدة الحبل غير المحكمة عن ذراعيه وقدميه والتي كان غرضها تعطيله فقط. لم يكن يتناول الوجبات البائسة التي يجلبونها له فورًا، بل يتجاهلها حتى يفتك به الجوع، ثم يتناولها مضطرًا وهو يتجرع كل لقمة منها بمرارة مذكرًا نفسه أنه يحتاج طاقته كاملةً ليهرب من هنا، ولم يكن فيها شيء بائسٌ أبدًا سوى كونها قد قُدِّمت إليه من سجانيه، وكونها أحد أثمان حريته. قدَّر أن الليل قد سبق وحل منذ فترة، وهم لن يفتحوا الباب بعد الآن حتى الغد. زفر بحدة ودخل إلى الحمام ليغسل وجهه، ثم عاد وجلس بالمقلوب على أحد الكراسي الخشبية المبطنة الموجودة بالحجرة بعد أن جعل ظهر الكرسي مواجهًا للباب واستند بذراعيه عليه. بقي يحدق بالباب بعمق، حتى رآه ينفتح فجأة على غير العادة، لينجلي من خلفه جسدان جعلا من عيني يزن تتسعان على مصراعيهما، فقفز من على الكرسي مُتجهًا لهما وهو يهتف قائلًا بتفاجؤ وقلق:
«سمر! .. مصطفى!»
أمسك بيدي سمر وهو يفحصها بعينيه من قمة رأسها وحتى أخمص قدميها. كان القلق ينهشه وفي رأسه ألف سيناريو محتمل لظهورهما هنا؛ فأطلق سيل أسئلته بكلماتٍ متقطعة وهو ينظر تارة لوجهها وتارة لوجه مصطفى الواقف خلفها قائلًا:
«أأنتما بخير؟ ماذا تفعلان هُنا؟! مهلًا قبل ذلك، هل آذوكما وهم يجلبونكما إلى هُنا؟ وهل…»
وتتالت الأسئلة بينما لم يُصدِر أيُّ من سمر ومصطفى أدنى ردة فعل، حتى سحبت سمر يديها من يديه وهي تشيح برأسها عنه. أخذت خطوتين إلى الوراء مُبتعدة وهي تجيبه بهدوء:
«إننا بخير، لم يؤذنا أحد.»
استغرب فعلتها فعزا الأمر لكونها غاضبة منه، فزفر بارتياحٍ سرعان ما اختفى عندما تذكر أن المشكلة الكبرى لا تزال قائمة.
«لم تخبراني بعد ما الذي تفعلانه هنا، لا تقولا لي أن هؤلاء الأوغاد اللعينيين يريدون حبسكما أيضًا وتهديدي بكما؟! سوف أقتلهم، لا مجال لصبري عليهم بعد الآن!»
اضطرمت نارٌ في عينيه بمجرد أن فكر بالأمر، فاتجه مباشرة نحو الباب ونيته بتحويل هذا المكان إلى مذبحة صارت واضحة عليه وضوح الشمس في الظهيرة.
«يزن انتظر!»
هتف بها مصطفى الذي نطق أخيرًا بعد أن كان صامتًا طوال الوقت، لكن يزنًا لم يسمعه وعقله مشغول بالتفكير بأبطئ وسيلة تعذيب ممكنة، قبل أن توقفه سمر فاصلةً بينه وبين الباب وهي تصرخ عليه قائلة:
«هؤلاء الأوغاد اللعينون هم نحن أيها الأحمق الجاهل!»
تجمد يزن في مكانه ناظرًا لسمر التي أخفضت رأسها للأرض وعلامات الاستفهام قد أخذت موضعها فوق رأسه. أبعد ناظريه عنها إلى الرئيس -مصطفى- الواقف دون حراك، والذي لم يتجرأ أيضًا على وضع عينيه بعيني يزن الذي قال بعد أن أطلق ضحكة قصيرة وهو لا يزال تحت تأثير الصدمة:
«إذن، أنتِ تقولين أنكِ من سجنني هُنا كالكلب المشرد؟! لا انتظري، أنتما من فعلها معًا.»
قالها باستهزاء مشيرًا إليهما بسبابته بعدما وقعت عينيه على مصطفى الذي حاول أن يقول شيئًا، إلا أن يزن أخرسه عندما أعطاهما ظهره متجهًا إلى أقصى الغرفة ويداه موضوعتان فوق رأسه بغير تصديق. أخذ يذرع الغرفة ذهابًا وإيابًا بنفس الوضعية، حتى توقف فجأة ناظرًا إليهما بنظرات زادتهما وجعًا؛ نظرات جمعت عتابًا ولومًا شديدًا، وغضبًا أشد. قطع المسافة الفاصلة بينهم بسرعة وصوت أنفاسه الهائجة يعلو أكثر فأكثر. كان يشبه قنبلة موقوتة على وشك أن تنفجر في أية لحظة، وقبل أن تنفجر فعلًا، سارعت سمر بالقول:
«لقد فعلنا هذا من أجلك صدقني!»
كانت تلك أصدق نبرة يمكن لإنسان أن يعبر بها عن مشاعره، لكن قنبلتها الموقوتة تلك لم تكن بالمزاج الرائق لتدقق في صدق النبرات، ولا لتفكر في الأسباب المنطقية الممكنة والمحتملة خلف كل ما حدث؛ ولذا انفجرت فورًا.
«كيف؟! أخبراني فقط كيف سولت لكما نفساكما بوضعي بمثل هذا الموقف برمته؟!! وأيًا كانت أسبابكما.. فهل فكرتما كيف سأشعر بعد كل ذلك كالآن؟!»
«يزن اهدئ..»
قالها مصطفى، ليقاطعه فورًا وصوته العالي يزداد علوًا:
«أهدئ؟! كيف أهدئ وقد علمت أن السبب في اختطافي وحبسي بهذا المكان اللعين طوال الأيام الماضية هو زوجتي العزيزة والرجل المحترم الذي لطالما اعتبرته بمقام والدي؟!»
نطق مصطفى قائلًا بتردد:
«يزن نحن فقط أردنا أن نحميك، ماذا كنا لنفعل لو أنهم تمكنوا منك؟ كيف سنتمكن من العيش مع علمنا بأخذهم لك؟ وكيف سننهي أمر المملكة المنسية وحدنا؟ نحن معًا في هذا الأمر حتى النهايـ...»
ليصرخ يزن مقاطعًا:
«لا تقل (نحن)! ما تفعلانه الآن لايندرج تحت مفهوم (نحن) بتاتًا. حبسكما لي هُنا هو أكبر دليل على أنكما تعملان أنتما الاثنان فقط وليس نحن!»
كان له كامل الحق في أن يغضب ويثور، لكنه لم يعطهما الفرصة لقول كل ما يريدان قوله، فصرخت فيه سمر هي الأخرى لتقول بعد أن بلغ صبرها حدوده:
«وهل تركت لنا خيارًا آخر؟! أخبرناك ألا تتسرع في كشف أمر فياف لأننا غير مستعدين بالكامل بعد، لقد كدت تنسف مجهودنا كله طوال السنوات الفائتة بلحظات تسرعك تلك!»
«بل ترددكما هو ما كان سيفسد الأمر خاصة أنتِ سمر! لو استمررنا بطريقتكما فلا أمل من حل لغز فياف إطلاقًا. لقد أيقنت مؤخرًا أننا نحن الثلاثة وفوقنا أسامة لا نكفي لحله ولا للوصول إليها أبدًا!»
احتدت عينا سمر أكثر بعد قوله ذاك، لتنفعل أكثر وهي تقول بغضب من رأسه اليابس:
«أولئك الأشخاص ليسوا بشيء تستهين به يزن. لقد كانوا خلفك بالفعل أيها الأحمق! لو تأخرنا في تنفيذ خطتنا هذه لكنت الآن بين أيدي أتباعهم بالفعل!»
«أعلم عن ذلـ…»
«لا! لا تعلم عنه شيئًا ولهذا أنت أحمق! هل تظن أنه بمجرد تعيينك بعض الحراس الشخصيين أنك ستكون بمأمن منهم؟! لقد اتصل بي جاسوسي لديهم وأخبرني أنهم تحركوا فور علمهم بما كنت تفعله في تلك الدورة! لقد نشروا رجالهم هناك بالفعل بسرعة البرق ولقد هربناك دون إثارة الشكوك بصعوبة بالغة!»
كان عاقدًا حاجبيه بشدة، لكن بدا أنه يقلب ما قالته في عقله فقد صمت تمامًا، ليصمتا بدورهما أيضًا. كانا يراقبانه كالصقر آملين أن يخمد غضبه ويتفهم ما قد قاما به وأنه كان يؤذيهما قبل أن يؤذيه.
شاهداه وهو يتحرك بصمت ليجلس على السرير ناكسًا رأسه وعيناه مغلقتان وهو يزفر بحرقة، فنظرت سمر لمصطفى الذي بادلها النظرات القلقة بدوره. شعرت برغبة في الاقتراب منه، فتحركت بتردد وجلست بجواره بصمت وهي لا تدري إن كان ما تفعله صحيحًا في هذه اللحظة أم لا، ولم تعلم إن كان عليها مواساته وهي السبب فيما حدث له حتى الآن. هل تبقى بجواره صامتة؟ هل تغادر مع مصطفى ويتركانه ليختلي بنفسه؟ خشيت إن تحدثت أن تزيد الأمر سوءًا، فآثرت الصمت. نظرت إليه بعيون تلتمع حزنًا وهي ترى حالته التي لا تسر، وبقيت جالسة هناك لفترة طويلة تتأمل سكونه الغريب. كان يبدو وكأن الموت قد استولى على جسده. لم يغير من وضعيته تلك ولم ينطق بحرف مطلقًا، فلم تتحمل أن تتركه هكذا لوقت أطول. اقتربت منه حتى التصقت به، ومدت ذراعيها محتضنة إياه بقوة وهي تهمس في أذنه بصوت مختنق:
«يزن، يكفي أرجوك، لا تعذب نفسك وتعذبني معك هكذا..»
لم يتجاوب معها يزن، ولم يتحرك قيد أنملة، فاستمرت تقول وقد بدأت دموعها بالانهمار:
«حسنًا لقد كنت مخطئة، أنا آسفة، لا يمكن لشيء أن يبرر ما فعلناه. كان علي القدوم في أقرب فرصة وتفسير كل شيء لك، وقد كان يمكن للأدلة الجديدة أن تنتظر أكثر..»
نظر لها يزن غير مصدق وهو يرى دموعها التي لا يتذكر أنه شهدها قبلًا، فلطالما كانت ذات شخصية قوية صارمة لا يمكن لشيء أن يهزها بسهولة، فهل كان هذا الموقف كافيًا ليهزها لهذه الدرجة؟ هل هي تبكي بسببه وعليه الآن؟ رق حالها له، فتنهد رافعًا ذراعه بهدوء محتضنًا إياها بدوره. ألصقت وجهها بصدره، ودموعها التي زادت بعد تجاوبه معها أخيرًا قد أخذت تبلل ملابسه. أخذ يربت على رأسها، وتركها تبكي حتى شعر أنها هدأت. أبعدها عنه بهدوء متأملًا وجهها الأحمر وعينيها المتورمتين، فرفع كفه واضعًا إياه على خدها وإبهامه تمسح دمعة بقيت معلقة على رموشها. تنهد مجددًا وهو يقول مازحًا بعد أن ابتسم مرغمًا على الشكل الذي أصبح عليه وجهها:
«لم أعلم قبلًا أنكِ تبدين بهذا الجمال وأنتِ تبكين، أريني دموعكِ هذه كثيرًا من الآن فصاعدًا.»
عبست من مزحته الحمقاء، فهي تكره حقًا أن تخرج دموعها هكذا، وتخشى أن يراها أحد أيًا كان وهي تبكي. إلا أن الراحة غمرتها وهي ترى أن مزاجه قد صار أفضل. دفعته بخفة للوراء وهي تنعته بالأحمق، إلا أنه أعادها إلى حضنه مجددًا وهو يقول بهدوء:
«صحيح أن ما فعلتماه كان خاطئًا، ولا أزال غاضبًا قليلًا، إلا أنني مخطئ بدوري. لقد عانيتِ الكثير بسببي أيضًا، أنا آسف على كل شيء.»
لم تقل سمر شيئًا وهي تتشبث بحضنه أكثر. لقد ضرب الوتر الحساس، فقد كان محقًا في قوله أنها قد عانت الكثير. لقد أرغمت نفسها على ادعاء القوة طوال الفترة الماضية، وقد احتاجت شجاعة منقطعة النظير لتخبر مصطفى عن خطتها بإخفاء يزن دون علمه ولتقنعه بمساعدتها ومن ثم تنفيذها، وتبعات كل ذلك. لقد بذلت مجهودًا جسديًا ونفسيًا كبيرين خاصة وأنها كانت في سباق مع الزمن حينما علمت متفاجئة أن يزن ظاهر في بث مباشر وهو يتحدث عن فياف. صحيح أنهما تشاجرا قبلًا على نفس الموضوع، إلا أنها لم تعلم بمخططاته ولم تتوقع أن يفعلها حقًا. وكان ما أوصلها لأقصى درجات خوفها أن جاسوسها في الأمم المتحدة قد اتصل بها فورًا مخبرًا إياها عن تحرك أولئك الأشخاص حيث يتواجد زوجها. وهكذا لم يكن لديها رفاهية التفكير بخطة مغايرة خاصة مع عناد يزن الذي يُضرب به المثل. كانت تظن أنها ستتمكن من مواجهته محاربة إياه بسلاح المنطق بعدها، إلا أنه حطم أسلحتها جميعًا بطريقة ما وانتهى بها الأمر باكية.
«ما هي الأدلة الجديدة التي ذكرتيها آنفًا؟»
قالها بجدية قاطعًا لحظات السكينة بينهما، فرفعت سمر رأسها من حضنه واعتدلت في جلستها لتجيبه قائلة بنفس الجدية:
«البوابة الرئيسية؛ لقد وجدناها أخيرًا.»
ولم يلحظ أحدهما مصطفى الذي اختفى من الغرفة منذ فترة.━━━━━━ ◦ ❖ ◦ ━━━━━━
![](https://img.wattpad.com/cover/331306388-288-k71798.jpg)
أنت تقرأ
فَيَافٍ
Randomحكومات جاحدة، وحقائق مخفية، وشعوب غافلة، وأسرار غامضة تُريد من يكتشفها.. رحلةُ المصيرِ ومغامرةُ الحياةِ والموتِ على وشك أن تبدأ! -بأنامل فريق السّحر.