كانت ليال شاردة الذهن منذ أن عادت من العمل قبل وقت العشاء. وحتى بعد أن جلست لتتناوله مع عائلتها؛ بقيت على شرودها ولم تأكل شيئًا، حتى شعرت براحة يد والدتها التي وضعتها على جبهتها وهي تقول بقلق:
«حبيبتي هل أنتِ مريضة أو شيء من هذا القبيل؟ أنتِ لا تعجبينني هذه الأيام.»
تعلم أنها أصبحت تشرد كثيرًا في الآونة الأخيرة، ومما زاد الأمر سوءًا وزادها إحباطًا، أن نورا حينما سألتها ليال عن فياف قد ظنتها تقصد فرقتها الموسيقية الآسيوية المفضلة، والتي اشتهرت حديثًا، وقد كانت تُدعى: «فاي-إف»، وبقيت تتحدث عنهم لساعة متواصلة دون توقف، دون أن تستفيد ليال شيئًا. تنهدت بعد أن رأت أنها زادت عائلتها قلقًا، فتركت ملعقتها -التي كانت ممسكةً بها طوال الوقت- جانبًا، لتقول بضيق:
«أنا بخير يا أمي. الأمر فقط أن هناك ما يشغل بالي بالفعل هذه الأيام. حاولتُ تناسي الموضوع إلا أن العكس يحدث، رأسي تدور كالعجلة من فرط التفكير في ذلك.»
ابتسم والدها بهدوء وهو يسألها بلطف بعد أن أدرك مشكلتها:
«قُولي لي، من أنتِ؟»
استغربتْ من السؤال، لكنها أجابته في النهاية وهي تهز كتفيها:
«ليال رشيد البحيري.»
عاد ليسألها مجددًا:
«وماذا بعد؟»
عقدت ليال حاجبيها بتفكيرٍ وهي تحاول الوصول لمقصد أبيها، حتى اتسعت ابتسامتها وهتفت بحماسةٍ لحظة فهمها للأمر:
«أنا صحفية، ودور الصحفيين كشف المجهول وإزالة الستار عنه رغم كل الظروف. إننا الباحثون عن الحقيقة!»
ونهضت من على العشاء تجري نحو غرفتها وهي تقول:
«شُكرًا لك أبي!»
«ليال ماذا عن طعامكِ؟!»
هتفت والدتها، ليوقفها زوجها قائلًا بابتسامة وهو يراقب اختفاء ليال بعد صعودها الدرج:
«اتركيها الآن، عليها أن تستكشف أمرًا مهمًا.»
أدارت عيناها له وهي تقول بعتاب خفيف:
«لم يُفسدها أحدٌ غيرك.»
ليقول متفاجئًا بنبرة تستنكر الاتهامات الموجهة له:
«ماذا.. أنا؟!»━━━━━━ ◦ ❖ ◦ ━━━━━━
فتحت ليال حاسوبها المحمول وهي تفكر من أين تبدأ تحقيقها المستقل، فأخذت بضعة أوراق ملونة وخربشت بعض الأشياء عليها. لديها بالفعل معلومات أساسية لا بأس بها، خاصةً بعد أن راجعت ما التقطته من صور وتسجيلات صوتية. اسمه، هيئته، ملامحه، دورة اليوم، الأليكسو، الوفد الذي يفترض أنه أتى معه، مقالات وكالات الأخبار الأخرى، وأخيرًا حكايته المزعومة. كل ذلك كان نقطة انطلاقها لتبدأ بحثها على شبكة الإنترنت، مدفوعةً بتصميمها على إشباع فضولها النهم.
بدأت بأخبار الدورة ذاتها، وتنقلت سريعًا بين المقالات في المواقع المختلفة لوكالات الأنباء، آملةً أن أحدهم سيذكر شيئًا يخصه ولو بشكل عارض. وبعد أكثر من ساعة من البحث المستمر، تراجعت للوراء مُسندة ظهرها على الكرسي بتعابير غير مُصدِّقة؛ إذ كانت جميع المقالات التي عثرت عليها -دون استثناء- تتحدث عن الدورة بشكل عام ومختصر دون الخوض في أية تفاصيل. حينها تذكرت الإعلاميين الذين حضروا الدورة وردود أفعالهم بعد أن فجّر ذاك الرجل قنبلته. كانوا وكأنهم قد عادوا للحياة، وأخذتهم الحماسة أكثر مما أخذتها هي حتى، وتسابقوا في طرح الأسئلة وملأوا القاعة بضجيجهم، فأين ذهب كل ذلك؟!
انتقلت تبحث على موقع الأليكسو نفسه، إلا أن النتيجة كانت ذاتها في قسم الأخبار. فتشت الموقع كله حتى عثرت على رابط يحمل العنوان (قاعدة بيانات المجلس التنفيذي والمؤتمر العام)، وهناك وجدت قائمة تحمل جميع الدورات والاجتماعات التي قامت بها المنظمة منذ تأسيسها. تركت تلك الخاصة بالمجلس التنفيذي وفتحت التي تخص المؤتمر. وعلى رأس تلك القائمة؛ تربعت دورة اليوم وعليها رمزٌ صغير لقفل، ليظهر عائقٌ جديدٌ أمامها بعد أن ضغطت عليها:
أنت تقرأ
فَيَافٍ
Aléatoireحكومات جاحدة، وحقائق مخفية، وشعوب غافلة، وأسرار غامضة تُريد من يكتشفها.. رحلةُ المصيرِ ومغامرةُ الحياةِ والموتِ على وشك أن تبدأ! -بأنامل فريق السّحر.