- إنه ميت...لقد قتلته يا يزن.
نطقت حور بتلك الجملة بعد أن اقتربت من الشاب وتأكدت من توقف قلبه عن الخفقان.
تسمر يزن في مكانه ولم يقوَ على الحركة، وعلى عكس الشاب ظل قلب يزن يخفق بقوة حتى كاد يخرج من بين أضلاعه، ولم يوقظه شيء من هذه الحالة التي ظل بها لبعض الوقت إلا صياح حور وهي تقول:" لقد قتلته يا يزن... لم يرد قتلي بل كان مجرد اختبار ليتأكد من أننا لن نهرب"
صاح يزن هو الآخر وقال:" بلا لقد أوشك على قتلك، لم يكن مجرد اختبار"
- قتل الفتى لم يكن بالشيء الصائب يا يزن... لقد ارتكبت جريمة.
صاح يزن غاضبا:" لقد فعلت ذلك لأنه كاد أن يقتلك... لقد قتلته من أجلك"
اشتعل غضب حور وبالنبرة المرتفعة ذاتها التي كان يتحدث بها يزن قالت:" لا تلقي بالأمر على كاهلي فأنا لم اطلب منك مساعدة ولم أحتاج لها من الأساس لقد أخبرتك أنه كان مجرد اختبار"
- لقد كنت مستسلمة تماماً ولم تحاولي حتى دفع السيف بعيداً
تابعت بعدها بضيق:" كان من المفترض أن أقف واشاهده وهو يشق عنقك"
ثم امتطى حصان أسود كان لأحد رجال بلقيس وسار به دون أن يتفوه بشئ.ظل حور ويزن يسيران في طريقهما في صمت تام حتى غربت الشمس معلنه عن انتهاء يوم آخر قضاه يزن في هذا الكابوس الذي يأبى أن ينتهي.
وبعد أن اختفت الشمس تماماً وحل الظلام توقف يزن وفارق الصمت الذي كان رفيقهما منذ شجارهما وقال بجمود:" أظن اننا يجب ان نستريح ونكمل سيرنا في الصباح"
ثم أشار إلى منطقه خاليه من الصخور والشجيرات وقال:" هذا مكان جيد لنبقى به"
هزت حور رأسها نفياً وقالت:" لا أظن ذلك"
- إن كان هذا مكان سيئ إذا ما هو أفضل مكان في رأيك؟
صمتت حور وظلت تنظر حولها لتبحث عن المكان الأفضل، ولكن قبل أن تهتدي إلى تلك البقعة قال يزن بلهجة صارمة:" لم تجد مكان أفضل ...صحيح؟ ...لذا توقفي عن العناد ولنمضي الليل في المكان الذي اخترته"
ربط كلا من يزن وحور الحصانان في شجرة قريبة ثم احضر يزن بعض الحطب وتولت حور مهمة اشعاله ثم ألقيا بجسديهما على الارض دون أن يأبها بصلابتها أو اتساخها أو أي شيء واستغرقا في النوم.مر بضع ساعات من الليل وبعدها استيقظت حور من نومها لتجد يزن جالسا بقرب النار المشتعلة يحملق بها دون أن يتحرك أو يرمش بعينه حتى، فاقتربت منه وقالت بتعجب:" متى استيقظت!"
رد بامتعاض:" لم أنم إلا لبعض دقائق فقط"
- لماذا!
- لا يكف عقلي عن العمل وكلما أوشك على النوم يوقظني ببعض الأفكار السيئة.
ربتت حور على كتفه ورسمت ابتسامة رقيقة على شفتيها وقالت:" يمكنك التحدث إلي إن أردت"
صمت يزن لوهله ثم قال:" لقد قتلت شاباً اليوم يا حور...لقد انهيت حياته في غمضة عين"
اختفت الابتسامة من وجهها واوشكت على التحدث ولكن اوقفها يزن وهو يقول في ضيق:" إن اخبرتني أن ما فعلته خطأ فادح لا يغفر وأنك لم تحتاجي إلى مساعدتي لأن الشاب لم يرد قتلك، فأنا اعلم ذلك ولست في حاجة إلى سماعه مرة أخرى"
نظرت حور إلى عينا يزن الزرقاوان الباردتان التي تنافي تماماً شعلة النار التي مازال يحدق بها ثم قالت:" ماذا كان سيحدث إن لم تقتل ذلك الشاب؟"
- لا شيء.
- بلا كان سيقتلني ثم سيقتلك وحينها لن يشعر هو بلحظة ندم كما تفعل أنت.
- ولكنك أخبرتني أنه كان مجرد اختبار.
- كان مجرد افتراض... افترضه لأنني شعرت بالذنب القاتل لأنك فعلت ذلك من أجلي واخبرتك بالأمر لأشعر أنني لست السبب وانت هو المخطئ.
ثم قالت بعد ان ترقرقت عيناها بالدموع:" كان علي فعل شيء حيال الأمر... لو دفعته أو ضربته ثم هربت معك لكان حياً يرزق الآن"
ثم تساقطت دموعها وقالت:" انت لست المذنب بل أنا.. انا حقاً اسفة" واجهشت بعدها في البكاء.
شعر يزن بالحيرة فهو لا يعرف كيف يهدئ من روعة من يبكي فمنذ صغره وهو يكره البكاء ولا يبقى مع شخص يبكي في نفس المكان ابداً حتى أنه لا يتذكر متى آخر مرة ذرفت له دمعة.
ظلت حور على حالتها وظل يزن صامتا تماماً ينظر إليها نظرات خاطفة بين الحين والآخر وحسب، حتى شعر أن من الفظاظة أن يتركها تبكي ويجلس هو دون فعل أي شيء حيال الأمر، فاقترب منها قليلاً وأزال خصلة من شعرها الأسود كالليل من حولهما قد سقطت على وجهها ثم قال بهدوء:" البكاء لن يفيد... لقد حدث ما حدث وانتهى الأمر ولا نستطيع تغيره"
وعندما وجهت نظرها إليه تابع حديثه قائلاً:" لم تبذلي انت أي جهد لمقاومته وأنا أول ما فعلته هو قتله ولم أحاول منعه بأي طريقة أخرى لذا كلانا مذنب.... ولكنك قلتِ من قبل أنه كان سيقتلنا إن تركناه"
مسحت حور الدموع الساقطة على وجنتيها وقالت:" ولكن..."
قاطعها يزن وقال:" أنتهى الامر ولن نتحدث به مرة أخرى... وإن شعرنا بالذنب فهذا أمر طبيعي ولكن يجب ألا يؤثر على ما سنفعله فيما بعد...اتفقنا؟"
- اتفقنا.
وبعد لحظات من الصمت نظر يزن إلى حور مرة أخرى وقال بعد أن ظهرت على وجهه ابتسامة واسعة:" أتعلمين... أتمنى أن يبدو الجميع مثلك عندما يبكون...فقد كنت في غاية الجمال"
حاولت حور إخفاء ابتسامتها التي ظهرت رغماً عنها، ولكنها لم تسطع منع غمازتيها التان انحفرتا على وجنتيها، فنظر يزن في عينيها وقال:" فلتظلي مبتسمة دائما فهذا أفضل"
اوشكت حور على الرد ولكنها شعرت فجأة بوخز في رقبتها فتأوهت وحاولت اخبار يزن ولكنه شعر بنفس الشيء هو الآخر ثم بدأت رؤيتهما تصبح مشوشة أكثر فأكثر حتى فقدا الوعي.
أنت تقرأ
تريكوت
Fantasyنظر يزن إلى الحجر ثم أمسكه بحذر ليجد كلمة غريبة كُتبت بخط يصعب قراءته، ولكنه حاول تهجئتها بصوت عالٍ :" تر...يك...وت" ، ثم قراءها كاملتاً قائلاً :"تريكوت". في تلك اللحظة شعر بألم شديد في رأسه.... ثم في جميع أنحاء جسده.... ثم فقد وعيه ولم يشعر بشيء ب...