15

132 11 0
                                    

نظر عمران إلى الحارس وصاح بغضب:" كيف حدث ذلك! لقد تركت صادق ليراقبهما"
فقال الحارس باضطراب شديد:" السيد صادق لم يكن هناك هو الآخر"
أعتلى الغضب وجه يعقوب وصاح قائلاً:" هذا الخائن الخسيس"
ولكن على عكسه ظهرت ابتسامة هادئة على وجه عمران ثم نظر إلى يعقوب وقال:" كلا...إنه ليس خائناً بل إنه أكثر شخص مخلص رأيته"
قطب يعقوب حاجبيه بتعجب وقال:" كيف؟"
-ألم تخبره أنك تريدهما أحياء؟
-نعم
-لذلك لمجرد تفكيري في قتلهما ساعدهما هو على الهرب مني.
فتنهد يعقوب وقال:" حسناً يا عمران فلتذهب أنت للإمساك بالشاب والفتاة واحضر صادق معهما وأنا سأبقى لأن لدي اعمال أخرى لأقوم بها"
-حسنا.
وقبل أن يخرج عمران من الغرفة اوقفه يعقوب مرة أخرى وقال:" ولكن تذكر انني اريدهما احياء"
فاكتفى عمران بابتسامة تهكمية ثم خرج مع الحارس.

  جلس صادق بجانب يزن ووضع الحقيبة التي تحتوي على الماء والطعام والاعشاب بجانبه ثم ساعد يزن لينهض قليلاً ويرتشف بعض الماء وبعدها سأله يزن بصوت يكاد يكون مسموعا:" هل أنت صادق الذي أخبرتني حور أنه سيأتي بالعلاج؟"
نظر صادق إلى حور بتعجب فقالت:" لقد اخبرتك أن حالته تسوء؟
فابتسم صادق ليزن وقال:" نعم أنا"
ثم اخرج سكيناً صغيراً يحمله وقربه من شعله النار، فسألته حور بارتباك:" ما الذي تفعله يا صادق؟"
اجابها صادق بلا مبالاة:" أسخن السكين"
-نعم اعلم.. ولكن ماذا ستفعل به؟
-سأكوي جرح يزن... هذا هو الحل الوحيد الآن.
فقالت بنبة قلقة:" ولكن..."
بتر صادق حديثها وسألها بلهجة صارمة:" هل تريدين تركه ليموت؟"
فنظرت إلى يزن الذي كان بينه وبين الموت خطوات صغيرة ثم عادت النظر إلى صادق وقالت:" حسنا فلتفعلها"
تأكد صادق من سخونة واحمرار السكين ثم قال لحور:" ضعي أي قماشة في فمه لا نريده أن يكشف مكاننا بصراخه"
فقطعت حور جزء صغير من قميص يزن ووضعتها في فمه، وبعدها ابعد صادق السكين من شعلة النار ووضعها مباشرة على جرح يزن.
شعر يزن بألم حاد في جميع أنحاء جسده وضغط على القماشة التي وضعتها حور في فمه بكل قوته محاولاً إلا يصرخ حتى أزال صادق السكين ورمى به بعيداً ثم اخرج بعض الأعشاب التي اتى بها ووضعها بين كفيه ثم سحقهم ووضعهم على جرح يزن.
نظرت حور إلى يزن الذي كان مستلقي في هدوء تام وكأن شيء لم يحدث ثم نظرت إلى صادق وقالت بترقب:" هل سيصبح بخير الآن؟"
-يجب فقط أن يستريح وليأكل ما احضرته من طعام ويشرب الكثير من المياه حتى يعوض ما فقده من دماء
ثم ابتسم وقال:" سأذهب لأستلقي قليلاً وسنتحرك من هنا مع شروق الشمس"
ثم ابتعد عنهما بعض الشيء وافترش الأرض لينام.
في الصباح استيقظ يزن، كان يشعر بتحسن كبير فنهض ليجلس ثم نظر حوله ليجد صادق قد استيقظ قبله أما حور فكانت نائمة بعمق.
نظر يزن إلى حور نظرة طويلة متأملاً وجهها ذو الملامح الدقيقة وشعرها الغجري الذي تتناثر خصلاته على وجهها بطريقة عشوائية.
من قبل كان يراها كأي فتاة أخرى ليست قبيحة ولكنها ليست فائقة الجمال أيضاً، أما الآن فهناك شيء ما قد تغير إنه يراها مميزة حتى ملامحها البسيطة المألوفة أصبحت بالنسبة له شيء رائع لم يرَ مثله من قبل.
استيقظت حور لتجد يزن ينظر إليها بهذه الطريقة فقطبت حاجبيها بتعجب وقالت:" هل أنت بخير؟"
أيقظ سؤال حور يزن من شروده فابتسم وقال:" نعم...أنا آسف"
-لا عليك
ثم قالت مترددة:" هل لي بسؤال؟"
-بالطبع
-هل تتذكر أي مما كنت تهذي به ليلة أمس؟
فابتسم ابتسامة جانبية وقال:" نعم... وكنت أعني كل كلمة قلتها"
ابتسمت حور بخجل فقال يزن:" يا إلهي كم أحب تلك الابتسامة"
فاتسعت ابتسامتها أكثر وكالمعتاد آثرت أن يكون الصمت رداً على ما قاله.
عندما لاحظ صادق استيقاظ كلا من يزن وحور ذهب إليهما وقال بلهجة صارمة:" يجب أن نذهب الآن ... لقد علم عمران غيابنا بلا شك"
فقال يزن:" إلى أين سنذهب؟"
-إلى قصر الملك
-أنا ممتن لك كثيراً لإنقاذك حياتي ولكنني اعلم أنك انقذتني لتسلمنا إلى الملك احياء.... لذا انا آسف ولكن لن نأتي معك.
ضحك صادق ضحك قصيرة ساخرة ثم قال:" قدومكما معي ليس باختيار، وأنا قادر على اخذكما رغماً عنكما ولكنني أعلم أن قصر الملك هو وجهتكما من الأساس لذا سأوفر لكما رحلة آمنة من دون متاعب"
ثم ربت على كتف يزن وأردف قائلاً:" لا تقلق الملك يعقوب ليس سيئاً مثل عمران فهو سوف يتحدث معكما حديثاً ودي ليسألكما بعض الأسئلة عن الحجر"
نظر يزن إلى حور التي اومأت له بالموافقة فعاد لينظر إلى صادق وقال:" حسناً سنأتي معك"
ثم قال بذعر:" الحجر!"
ونظر حوله عدة مرات ثم وجه حديثه لحور قائلاً:" أين تركنا الحصان الذي كنت امتطيه؟"
قطبت حور حاجبيها بتعجب وقالت:" ما دخل الحجر بالحصان؟"
-لقد اخفيت الحجر أسفل سرج الحصان وإذا فقدنا الحصان فقد فقدنا الحجر.
حينها تحدث صادق وقال:" لا تقلق لقد احضرت الحصانين حتى نستطيع التنقل بهما... لقد كانا في نفس المكان الذي تركتماهما فيه"
تنفس يزن الصعداء ثم قال:" شكرا لك يا صادق لقد أنقذتني مرة أخرى"
فابتسم صادق وقال:" لقد ربطتهما قريباً من هنا... سوف اذهب لأحضرهما"
عندما ابتعد صادق نظرت حور إلى يزن وقالت:" لماذا يهمك كثيراً أمر الحجر؟"
-إنه حجر يستخدم للسفر عبر الزمن بالتأكيد سيفيد بطريقة ما.
-رأي وجيه
ثم نظرت إلى جرح يزن وقالت:" هل مازال يؤلمك؟"
-بالطبع ولكن أفضل من ذي قبل.
وقبل أن تتحدث مرة أخرى رأت صادق وقد أحضر الحصانين فأسرعت لتحتضن حصان أسيل، وبعدها اتجه يزن إلى الحصان الأسود قبل أن يلاحظ أحد اختفاءه لعدة دقائق، ثم اخرج الحجر الذي كان يخفيه أسفل السرج.
حينها مد صادق يده إلى يزن وقال:" سلمني الحجر"
فقبض يزن على الحجر بقوة وقال:" لا... الحجر سيبقى معي حتى نصل إلى قصر الملك"
فزفر صادق بضيق ثم قال:" حسنا أياً كان"
ثم أردف:" سأمتطي حصان وامتطيا انتما الآخر وسأتقدمكما لأنني اعرف الطريق"
وبالفعل امتطى صادق الحصان الأسود وامتطى يزن وخلفه حور حصان أسيل وبدأوا في السير.
مع الرياح الشديدة والسرعة التي يسير بها يزن كانت تشعر حور بأنها ستسقط من على ظهر الحصان بين الحين والآخر فتتمسك بقميص يزن وتجذبه للخلف قليلاً لتستقر في جلستها مرة أخرى، ولكن مع تكرار الأمر أكثر من مرة توقفت حور عن فعله خشية من أن يكون يزن قد سئم من الأمر، ولكن عندما لاحظ يزن أنها كادت تسقط عدة مرات ولم تتمسك به أو بأي شيء آخر قال لها بصوت مرتفع حتى تستطيع سماعه من وسط أصوات صهيل الحصان وخطوات أقدامه:" فلتتشبثي بي إن أردتِ حتى لا تسقطي"
-ألا يزعجك الأمر؟
-لا يزعجني أي شيء خاص بكِ... فكل شيء خاص بكِ جميل.
فاحمرت وجنتيها خجلاً وقالت:" حقاً؟"
وقبل أن يجيبها يزن أشار صادق لهما ليصمتا ثم همس قائلاً:" هنا يقبع الهاربون، إنهم يمشطون المنطقة كل صباح، يجب ألا نصدر أي ضجة"
وفور نطق صادق لهذه الجملة أوقف يزن الحصان بغتة حتى كادت حور تسقط من على ظهره ثم قال بارتباك:" اشعر بدوار شديد فلنتوقف لوهلة"
  فقال صادق بنبرة جادة:" بالطبع لا فلنمر من هذه المنطق بأمان أولا"
ولكن تجاهله يزن وترجل من الحصان وقال:" لن يحدث شيء إن توقفنا لثواني فقط"
ثم سار بعض الخطوات إلى الأمام وتوقف لمدة قصيرة ثم عاد مرة أخرى ليمتطي الحصان ويسير به.
حينها قالت حور بغضب:" هل جننت! دوار بسيط يجعلك تعرض حياتك للخطر!"
فقال:" أنا لم أشعر بأي دوار إنها مجرد عذر لأتوقف قليلاً"
ظهر على وجه حور التعجب وقالت:" لماذا؟"
ولكن عندما لاحظ يزن انتباه صادق لحديثهما قال:" سأخبرك لاحقاً"                                                          وبعدها لم يبقَ إلا الصمت بين ثلاثتهم.

بعد ابتعاد يزن وحور وصادق عن المكان الذي يقبع بها الهاربون، خرج بعض من رجال بلقيس لتمشيط المنطقة وخلال بحثهم في المكان رأى أحدهم شيئاً لامع بالقرب من أحد الأشجار فاقترب منه وامسكه ليكتشف ماهية هذا الشيء.
كان هاتفاً محمولاً ولكن بالنسبة له كان قطعة معدنية غامضة تحمل العديد من الاحتمالات، فحمله بحذر وذهب به إلى بلقيس.
وعندما وصل الرجل إلى بلقيس انحنى لها والقى عليها التحية باحترام ثم سلمها الهاتف وهو يقول:" وجدت هذا الشيء بالقرب من حدودنا يا سيدتي"
امسكت بلقيس الهاتف ونظرت إليه بتمعن وظلت تعبث به حتى ضغطت على أحد أزراره لينير أخيراً.

تريكوتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن