الفصل الرابع والعشرون

315 17 3
                                    

( بعض التكهنات بوابات جحيم .. ! )
******
" لست بحاجة إلى دعوة .. انا هنا "
رباه ما هذه الوقفة ولما ينظر إليهم هكذا ؟!!
يا الله ليس مرة أخرى .. !
خطى صخر نحوهم بخطوات رتيبة ثم وقف جوار بكر مغمغمًا لزوجته بسؤال يحمل بين طياته استهزاء خفي :
" هل تحتاجين وجودي في شيء ؟!! "
ابتسمت رغدة بتوتر وهي تلاحظ ذبذبات الغضب التي تصدر منه بينما وضح بكر وقد شعر بدوره بضيق صخر :
" لقد كنا نمزح "
ابتسم صخر ابتسامة صفراء واضحة للجميع ثم عقب على حديث بكر بكلمة واحدة كالجليد جعلت الجميع ينظر إليه بانفعالات مختلفة :
" رأيت "
نظر له بكر باستكشاف وشعوره السابق عن كون صخر لا يستسيغ وجوده يزداد داخله أكثر خاصةً في تلك اللحظة التي جعلها صخر ثقيلة على الجميع بصمته المُحرِج لهم وتلك النظرة التي يرميهم بها ..
نظرة خاوية في ظاهرها لكنه يستطيع أن يرى أن ورائها أمر آخر لكنه لم يستطع تحديد كنهه !
ابتسم بكر ابتسامة متكلفة محاولًا إنهاء الصمت الخانق الذي فرضه عليهم هذا المريب فقال له بجدية :
" هل وصلتك دعوة لحفل افتتاح شركة الأغذية الجديدة التابعة لمجموعة سيف الدين الوهابي ؟!! "
اومئ له صخر بعجرفة دون أن يكلف نفسه برد السؤال ليغمغم بعدها إلى رغدة بنبرة جافة آمرة :
" لقد تأخرنا ... انهضي لنغادر "
رفعت رغدة حاجبيها باستنكار لأسلوبه الآمر الذي يستخدمه معها أمام الجميع بينما اكفهر وجه بكر وفي عقله يدور سؤال واحد ..
إذا كان هذا اسلوب معاملته لها أمامهم فكيف إذاً يعاملها حين ينفرد بها بمنزله ؟!!
نظرت وصال وعهد بتعجب وقلق بينما رفعت جزاء حاجبًا مستنكرًا متمتمة بسبة في سرها لهذا الجلف عديم الذوق .
" هيا "
نهضت رغدة بوجه مقلوب ثم خطت معه عدة خطوات لتغمغم بعدها بشكل مفاجئ وكأنها تذكرت أمرًا ما :
" انتظر اريد أن أسأل جاسم عن شيء "
" اي شيء ؟!! "
سؤاله الجاف جعلها ترد عليه بنفس الأسلوب فقالت من بين أسنانها :
" شيء بيني وبينه "
نظر لها صخر بطرف عينه بينما لم تنتظر هي وطلبت من جاسم أن ينفردا لتسأله بعدها بشكل مباشر :
" لما لم تخبرني أن صخر تم سجنه من قبل ؟!! "
ارتفع حاجبي جاسم وكأنه كان غير متذكر لهذا الأمر ليرد عليها بعدها :
" لقد كان هذا منذ عامين أو اقل على حسب ما اذكر وقد تم تلفيق تهمة له وإثبات براءته .. لم يتم الحكم عليه من الأساس "
" لكنـ...... "
قاطعها جاسم متجهمًا :
" لكن ماذا ؟!! .. هل تظنين يا غبية أنني قد اتركك لمجرم ؟!! .. السوق كله تقريبًا كان يعلم بأمر المشاجرة التي وقعت بين عزام وصخر و عراك الأيدي الذي حدث بينهما لينتهي الأمر بتلفيق تهمة أغذية فاسدة لكن تم إثبات براءته من تلك التهمة تمامًا وانتهى الأمر بعدها "
همهمت رغدة بصوت خفيض :
" لكن كان يجب أن تخبرني .. لقد ذُهلت حين علمت بالأمر صدفة و الأمر ضايق صخر "
هز جاسم كتفيه بجهل ثم عقب :
" لا اعلم .. الأمر لم يكن بتلك الأهمية لنا لأننا كنا نعلم ببراءته من هذا الأمر والتي اُثبتت لاحقًا مما جعل الموضوع وكأنه شيئًا لم يكن لهذا لم يأتي ببالنا أن نفتح الموضوع مرة أخرى "
تنهدت رغدة ثم همهمت بخفة وهي تتحرك ناوية المغادرة :
" حسنًا .. قدر الله وما شاء فعل "
أوقفها جاسم ثم سألها بحذر :
" هل أنتِ سعيدة معه ؟!! .. هل يضايقك هو أو أي أحد من عائلته بأي شكل ؟! .. أخبريني ولا تقلقي "
ابتسمت له رغدة تطمئنه ثم قالت :
" انا بخير .. لا تقلق عليّ "
قربها جاسم منه ثم عانقها بدفء وغمغم قبل أن يخرجا :
" انا موجود دائمًا لأجلك ، تذكري هذا دائمًا "
اتسعت ابتسامة رغدة وقبّلت وجنته الخشنة بخفة ثم خرجا ليجدا صخر واقفًا مع جدها بوجه متجهم نافذ الصبر وكأنه يعد اللحظات ليرحلا .
تحرك نحوها فور أن لمحها ثم ودعا الجميع وغادرا تاركين وراءهم بعض النظرات المتعجبة و أخرى مستنكرة .
****
وفي السيارة حل الصمت كضيف ثقيل في طريق العودة ..
هذا الصمت الذي كان يتخذه صخر وسيلة لتخفيف غضبه سابقًا والذي أصبح الآن اثقل من اي وقت مضى فهو ينتظر فقط أن تنطق تلك التي تجلس جواره بكلمة حتى ينفجر بها ويُريها أنها تزوجت رجلًا لن يقبل أبدًا أن تجمعها اي علاقة بحبيب القلب القديم !
وهذه المرة لو جادلته سيُريها وجهه الآخر حتى تكن على بينة بما ينتظرها عندما تخالف أوامره كما سبق و فعلت اليوم .
و جواره تجلس رغدة بدم فائر من أسلوبه الذي عاملها به أمام أفراد عائلتها وكأنه تعمد فعل ذلك أمامهم .. !
هل جن ؟؟!
كيف يسمح لنفسه أن يحرجها هكذا وكأنها لا قيمة لها ؟!
زفرت رغدة بغضب مكتوم يزداد بمرور الوقت ليصلا أخيرًا إلى المنزل فتنزل رغدة اولًا وتصفع باب السيارة بقوة ثم تدلف إلى المنزل بخطوات سريعة غاضبة بينما دلف صخر في اثرها بملامح مغلقة فتمتمت إيمان بالبسملة وهي تحدق في وجه رغدة التي صعدت إلى غرفتها دون حرف ثم ابنها الذي يبدو على وشك فقد أعصابه فتغمغم له أمام نظرات سندس المتعجبة :
" ماذا بكما ؟!! "
" لا شيء يا امي " 
قالها وهو يتبع خطوات الهانم الغاضبة ليدلف إلى غرفتهما فيجدها قد بدأت في فك أربطة حذائها بحركات عصبية فيتمتم آمرًا بصوت مغلق وهو يغلق الباب خلفه :
" هي كلمة ولن أكررها ، ممنوع الكلام مع ابن عمك من جديد "
وكأنه ضغط على الزناد إذ هتفت رغدة وهي تنطلق نحوه كالطلقة :
" ولك عين تأمرني من جديد بعد احراجك لي أمام الجميع ! .. انت كيف سمحت لنفسك أن تتحدث معي بتلك الطريقة ؟!! "
التمعت شرارات الغضب في عيني صخر قائلًا بصوت جهوري :
" و انت ِ كيف سمحتِ لنفسك بتخطي اوامري ؟!! .. ألم آمرك سابقًا بأن تقللي من التعامل معه قدر الإمكان ام انكِ لم تستطيعي مقاومة اشتياقك لحبيب القلب القديم ! "
كانت رغدة على وشك أن تخبره بأنه ليس له أن يأمرها من الأساس لكن جملته الاخيرة نزلت فوق رأسها كقذيفة فأخرستها تمامًا وجعلت عيناها تتسع بصدمة مهولة !
رباه من أين له أن يعرف بهذا الأمر ؟!!
هل أوشت له سندس بمشاعرها القديمة ؟!!
لا ، مستحيل أن تفعلها
سندس لم تفعل بها ذلك !
سندس صديقتها الوحيدة التي ائتمنتها على سرها القديم ..
سرها الذي كان جزء من رحلة بحث طويلة عن انتماء ظنت أنها ستحظى به حين ترتبط ببكر !
هذا الانتماء الذي لم تتذوق طعمه إلا بين ذراعيّ هذا الرجل الذي يقف أمامها بملامح قاسية ..
هذا الرجل الذي شكك في سلوكها منذ لحظات ..
هذا الرجل الذي تركت لمشاعرها العنان بصحبته فشكلت من ملامح علاقتها به الكثيييييير و الكثيييييير من علاقات أخرى لم تحظى بها !
جعلت منه حبيب وصاحب وأب وأخ وفي النهاية يرميها بتهمة كتلك ..!
حين طال صمتها التوت شفتيه متسائلًا بسخرية قاسية ظنًا منه أنه قد الجمها بمعرفته بما يدور معها  :
" ماذا بكِ ؟!! .. هل فاجأتك معرفتي بأمر مشاعرك المثيرة للشفقة ؟!! "
ارتسم الغضب فوق ملامح وجهها التي تحولت لأخرى لتهدر رغدة بعنفوان رافضة إهانته لها :
" لا تتخطى حدودك معي وإياك أن تظن انـ.... "
فيقاطعها صخر وهو يمسك بمرفقها بقوة هادرًا من بين أسنانه :
" إياكِ أنتِ أن تظني أنني سأسمح لكِ  بإهانتي بهذا الشكل من جديد .. ابن عمك المحترم وضع يده عليكِ  وأنتِ كنتِ تبتسمين له كأنكِ في انتظار المزيد "
حاولت رغدة تخليص مرفقها من بين أصابعه بينما تصرخ بغضب شديد تزداد حدته بعد كل جملة يتحفها بها أكثر :
" احترم نفسك .. أنا لم أهينك بأي شكل من الأشكال ، بل أنت من أهنت نفسك وأهنتني بأسلوبك الوقح مع أهلي وضغطك على يدي بتلك الطريقة المفضوحة حتى كدت أن تكسر لي أصابعي لمجرد أنني تحدثت مع بكر وها أنت تختتم الأمر بشكك في سلوكي وتصرفاتي واتهامي في أخلاقي كأنك أحضرتني من الشارع "
" لا ترفعي صوتك عليّ "
" وأنت إياك أن ترفع يدك عليّ من جديد "
جذبها صخر من يدها متمتمًا بنبرة مرتفعة :
" هل تنكرين مشاعرك القديمة ؟! .. هل تنكرين أنكِ انتظرتِ  لأعوام حتى يراكِ ويرتبط بكِ ؟!! .. هل تنكرين أنه أحرق قلبك حين تركك في النهاية غير عابئًا بكِ وارتبط بحبيبته الأخرى ؟!! "
وكأن غضبها الشديد يمدها بطاقة قوة مفاجئة جعلتها تتمتم بصوت قوي :
" نعم ولا  "
التمع الغضب في حدقتيه ومع ذلك لم تبالي رغدة واستطردت بقوة وبأس :
" نعم .. لا أنكر أنني قضيت مراهقتي كلها تقريبًا أحمل مشاعر خاصة ناحيته ولا أنكر أنني انتظرته أن يراني طوال تلك الفترة بل وفرضت مشاعري عليه في كثير من الأحيان أيضًا ..لكن قلبي لم يحترق حين اختار جزاء وارتبط بها لأنني من قبلها علمت بطريقة أو بأخرى أن عقلي الصغير ابتدع كذبة حبي له كحل أخير حتى .... "
صمتت كارهةً أن تظهر أمامه كمتسولة لمشاعر عائلتها لكن شفافيتها فضحتها أمامه كالعادة فبهت بعضًا من غضبه و كاد أن يتحدث لولا أن أمه التي فاض بها من أصواتهم المرتفعة ففتحت الباب بشكل مفاجئ وهدرت به حين وجدته يشد على مرفقها بغضب شديد ويكاد يكسره :
" صخر .. هل جننت ؟!! .. اتركها في الحال "
تركها صخر دون أن يحيد بعينه عنها وهي في المقابل لم تتنازل وتنكس رأسها رغم ألم ذراعها وكأنها تثبت له أنها لم تخطئ بشيء بينما استطردت إيمان بغضب شديد من ابنها خاصةً حينما دلكت رغدة ذراعها بألم فسحبتها ورائها جوار سندس :
" هل فقدت عقلك أم أنك تظن أن لا أحد سيقف لك ؟!! .. إياك أن تعيدها يا صخر وإلا والله سأخبر بنفسي رجال عائلتها وأنت رأيتهم بنفسك يشبهون البغال وقت الغضب "
نظر صخر لأمه باستنكار بينما تمتمت رغدة بضيق موجهةً حديثها إلى حماتها :
" أمي من فضلك أنا أهلي ليسوا بغال "
التفتت لها إيمان ثم أوضحت :
" لم أقصد المعنى الحرفي للكلمة .. ثم أنا أدافع عنكِ هنا "
لوحت رغدة بلا بأس بينما غمغم صخر بكلمات غاضبة متفرقة ثم ترك المكان وغادر أمام نظراتهن المتباينة فقالت سندس محاولةً التخفيف عن رغدة وهي تربت فوق كتفها :
" لا تحزني سيـ....... "
قاطعتها رغدة وهي تنظر لها باتهام وخذلان فسألتها بوضوح غير عابئة بوجود حماتها :
" من أين يعلم أخاكِ بأمر بكر يا سندس ؟؟ "
اتسعت عينا سندس بصدمة ثم نظرت إلى أمها لتتمتم رغدة بنبرة مكتومة جافة غير منتظرة أي رد منها :
" المفترض أن لا أحد غيرك يعلم بهذا الأمر "
هتفت سندس دافعةً التهمة عن نفسها :
" لا أعلم .. انا لم أخبره بأي شيء ، أقسم بالله "
ألقت رغدة نظرة خاطفة على حماتها التي لا يظهر عليها أي اندهاش وكأنها تعلم بدورها عن فحوى حديثها ثم تمتمت بخيبة أمل خصت بها سندس وهي تستدير لتخرج ملابس مريحة حتى ترتديها و كأنها تعلن عن رغبتها في الاختلاء بنفسها لبعض الوقت :
" لا بأس يا سندس ، لا بأس "
راقبتها إيمان بملامح هادئة ثم أشارت لسندس بأن تتركها الآن ثم قالت لها قبل أن تغادر بدورها :
" يا ابنتي نحن جميعًا متأكدين أن قلبك لم يميل إلا لزوجك .. فلا تعيري أي حديث آخر أهمية "
دمعت عينا رغدة ثم همهمت ساخرة بصوت خافت مكتوم :
" حسنًا .. لن أعير شكه بي أهمية "
ابتأست إيمان وأدركت أن حديثها الآن لن يجدي نفعًا فتركتها ونزلت لتجلس رغدة على طرف الفراش متشبثة بملابسها بحزن ثم مالت بخفة واغمضت عينيها تاركة لدموعها الحرية في أن تسيل بصمت دون أن يشهدها لتظل على هذه الحالة لدقائق طالت وطالت إلى أن رن هاتفها برقم جاسم فأدركت أن القادم لا يُبشر بالخير .
****
نزلت إيمان ثم جلست جوار سندس التي كانت تنظر أمامها بشرود وحاولت أن تتصل بابنها الذي غادر المنزل في فورة غضبه لكنه لم يجيب هاتفه فألقت الهاتف بغيظ شديد ثم نظرت إلى البائسة الأخرى التي تجلس جوارها ثم سألتها بضيق :
" هل اتصلت ِ بزوجك ؟!! "
" لا "
همهمت بها سندس بلا تركيز فزفرت إيمان بغضب ثم قالت :
" كنت أود أن اقول أن هناك عين اصابتكما لكن طبعك أنتِ وأخيكِ يمنعني من رمي التهمة على أي شيء آخر "
نظرت لها سندس بحزن أوجع قلبها فجذبتها إيمان وجعلتها تضع رأسها على فخذها ثم بدأت تداعب شعرها بخفة شديدة فيما تسألها بنبرة هادئة وإن كانت تخفي ورائها حزن عميق على حال أولادها :
"  إذا كان قلبك يؤلمك لأجله لما لم تتصلي به ؟!! "
أغمضت سندس عينيها وفرت منها دمعة مختنقة ثم همهمت معترفة بعد لحظات بصوت كسير :
" لأنني أؤذيه "
قطبت إيمان بعدم فهم لكنها همهمت بقلب مثكل :
" وابتعادك عنه و تركك له في محنته لا يؤذيه ؟!! "
ابتسمت سندس ابتسامة مُرة ثم غمغمت :
" أذى عن أذى يفرق "
لتستطرد بعدها بخفوت شديد وقلبها ينزف كدموعها التي وجدت طريق حريتها أخيرًا فهطلت مدرارًا على وجنتيها :
" ليتني لم أوافقه على إتمام الزفاف ، ليتني ظللت بمنفاي اتجرع كأس هزيمتي بمفردي "
دمعت عينا إيمان على حال ابنتها لكنها لم تظهر ضعفها وقالت ببأس شديد :
" أنتِ تؤذين نفسك قبل أن تؤذينه يا سندس ،هو اختارك حرير جنته لكن أنتِ تصرين على أن تكوني شوك أيامه "
اعتلت المرارة نبرتها وهي تهمهم :
" أرأيتِ ! ... لذلك أريده أن يخرج من حياتي "
فتقارعها امها رغم قسوة الأمر :
" روحك ستخرج وراءه "
نشجت سندس واعتدلت فيما تغمغم بألم :
" اي روح يا أمي ؟!! .. أنا روحي مهترئة ، ملوثة بشوائب الماضي الذي لن اتخطاه أبدًا .. وفي كل مرة أظن فيها أنني هزمت مخاوفي يلعب معي الزمن لعبة الساحر ويخرج لي من قبعته ما يُثبت لي أنني أضعف بكثير من أن أكمل معه أو حتى أن مع غيره ، عطب روحي أكبر بكثير مما تتخيلون "
لتميل بعدها وتخلع عنها ساقها الاصطناعية و بانكسار شديد لون نبرتها همهمت وهي تشير إليها :
"هل  تلك هي أنا يا أمي ؟! .. هل هذا ما بقي من سندس المنصوري الفاتنة التي كانت تُدير الرؤوس أينما تذهب ؟!! "
طالعتها إيمان بحزن شديد ينخر قلبها ألمًا على طفلتها بينما همست سندس بحرقة لا تنتهي :
" بت مسخًا يزدري الناس النظر إليه، أو في أفضل الأحوال مضرب للمثل بالصمود مع لمحة شفقة تمر في الأعين على حال الشابة الجميلة التي فقدت ساقها في ربيع عمرها "
" ارضي بقدرك يا سندس الذي وفر لكِ البدائل بينما غيرك لا يستطيع "
غمغمت بها إيمان لتصدمها سندس الاي هتفت دون سابق إنذار :
" وهل هذا قدر يرضي أحد ؟!! "
اتسعت عينا إيمان وحدقت في ابنتها التي استطردت ببكاء قوي :
" استغفر الله العظيم .. استغفر الله العظيم "
استغفرت إيمان بدورها ثم قالت بصوت قوي :
" ألا ترضين بقدرك ؟!! .. أتعترضين على اختبار ربك يا سندس ؟!! "
كادت سندس أن ترد لكن إيمان قاطعتها قائلة بتقريع :
" انظري حولك قليلًا وستعلمين أنكِ  محظوظة عن غيرك وأن الله اختار لكِ أن تحملي ما بطاقتك أن تحملينه ، كل إنسان له نصيب من الوجع في هذه الدنيا يا سندس .. هناك خالتك سميحة التي فقدت فلذة كبدها ولا تعلم له طريق ، وهناك لقاء التي أمضت سنوات تحاول فيها الانجاب وحين حدث أخيرًا فقدت طفلها وزوجها في يوم واحد ، وهناك تلك المسكينة التي تبكي في الأعلى .. تذوقت معنى اليُتم منذ طفولتها رغم إقامتها في منزل قاطنيه كلهم من دمها ، و لديكِ بِشر نفسه يتيم آخر سُرقت طفولته أمام عينيه وبيد من ! .. أمه التي حملته ذنب سوء اختيارها وفقدها لطفلها على يد خسيس لا يعرف عن الله شيئًا "
صمتت إيمان قليلًا ثم تمتمت بصوت هادئ ممتلئ باليقين :
" كلنا مبتلون يا ابنتي وعلى قدر صبرك ورضاكِ بقسمتك سيلهمك الله الراحة وسعة الصدر ويزيد من رضاكِ عن نفسك وأنا هنا لا أزايد و لا ألقي على مسامعك محاضرة مملة على العكس أنا أحذرك من أن تظلين على نقمتك وسخطك فتخسرين كل شيء تباعًا وخالتك سميحة أكبر مثال على ذلك .. اختبارها الله في ولد فنقمت وبغبائها خسرت البقية "
تنهدت سندس بألم فتمتمت إيمان وهي تربت على وجنتها بمحبة :
" تعلمي مما يدور حولك يا ابنتي وسترين بنفسك أن لطف الله بنا كان كبير .. أجل خسرتِ ساقك لكنك تستطيعين الحركة بمفردك ، تطعمين نفسك ولا تحتاجين إلى أحد في الخلاء .. أنت ِ لستِ عاجزة كما يصور لكِ شيطانك يا سندس ، فاستهدي بالله ولا تدمري حياتك وحياة من يحبك اكثر من روحه .. خسارتك لبِشر لن يعوضها أي شيء "
تنهدت سندس بثقل ثم ارتدت ساقها الاصطناعية من جديد ونهضت لتربت إيمان على ذراعه تحثها بمحبة :
" اتصلي به يا ابنتي واسترضيه "
تحركت سندس نحو غرفتها وهي تفكر بحديث امها مرارًا بينما أمسكت إيمان بهاتفها تحاول الاتصال بصخر مرة أخرى دون نتيجة لتهمهم بتوعد وهي تنهض بدورها حتى تتفقد رغدة :
" حسنًا يا صخر ، حسنًا يا ابن بطني .. سأشق بطنك فور أن أراك على أعمالك السوداء هذه "
****
( عقلي الصغير ابتدع كذبة حبي له كحل أخير حتى .... )
( عقلي الصغير ابتدع كذبة حبي له كحل أخير حتى .... )
( عقلي الصغير ابتدع كذبة حبي له كحل أخير حتى .... )
جملتها الأخيرة ترن في أذنيه دون توقف وكأنها لعنة تطارده فتشقيه !
نبرتها المقهورة التي لونت كل حرف تفوهت به تكويه وتفتت قلبه بين قمة الحزن لأجلها وقمة الغضب منها .. !
أجل هو غاضب ولا يستطيع تخطي الأمر ..
قد يظنه البعض معتوه أو مختل لكن لا عقله ولا قلبه يتقبلا ذلك الجزء من ماضيها !
كان يريدها له وكفى ..
كان يود أن يلعب دور الأول في كل شيء !
الصاحب الأول ، الحبيب الأول
المشاعر الأولى من كل شيء تترك بصمتها في أرواحنا مهما أنكرنا الأمر وهو أراد أن تكون بصمته هو من تزين كل جزء من ذكرياتها لكن ذلك اللعين سرق منه تلك الهبة .
والآن تستنكر منه طلبه في قطع علاقتها به !
لا والله .. وذلك البارد عديم الدم لن يسمح له أن يتحدث معها إلا في أضيق الحدود .
طن هاتفه من جديد برقم أمه فلم يجيب لتأتيه بعدها رسالة غاضبة منها وكأنها تتوعد طفل في العاشرة :
( حسنًا لا ترد ، في النهاية ستعود إلى هنا .. لنا بيت يجمعنا يا صخر افندي )
لم يتمالك صخر نفسه وابتسم على وعيد أمه لتصله رسالة أخرى فيفتحها ليجدها عبارة عن صورة له هو وزوجته اُلتقطت لهما أثناء مغادرتهما لبيت عائلة الغانم مساء اليوم !
لم يحتاج صخر إلى أكثر من هذا ليصله فحوى الرسالة ..
أنه مُراقب هو ورغدة !
زفر صخر بضغط ثم بعث بالصورة إلى الرجل الذي كلفه السيد بِشر الذي لا يثق به بمهمة البحث وراء هذا الأمر ورافقها ببضعة جمل غاضبة حتى يُسرع الرجل قليلًا قبل أن يتمادى هذا القذر الذي يترصده ويؤذي أيًا من أفراد عائلته .
بعد عدة دقائق وأثناء عودة صخر إلى المنزل رن هاتفه برقم الرجل الذي كلفوه بمهمة البحث وراء مترصدهم فاستقبل المكالمة ليأتيه صوت الرجل قائلًا بعملية :
" سيد صخر .. أعتقد أننا وصلنا لبداية خيط جيدة وقريبًا جدًا سنجلب لك من يبعث لك تلك الرسائل "
زفر صخر وتمتم من بين أسنانه بعقل مشغول مع تلك التي تركها باكية في المنزل :
" حسنًا .. أخبرني بالمستجدات أولًا بأول "
ليغلق معه المكالمة هاتفًا بتهكم :
" أنت وما تجلب لنا يا بِشر ، قال خيط قال .. على الله تعلق أقدامكم   بطرف الخيط وتنكسر رقبتكما وأنتهي منكما في يوم واحد "
ليزيد بعدها من سرعته حتى يعود إلى بيته في أسرع وقت وعقله لا يسعفه بأي طريقة لمراضاة زوجته الصغيرة التي مؤكد ستحيل حياته جحيمًا على ما قاله لها .
*****
( اشتقت إليك )
( كيف حال عمك الآن ؟!! )
( أنا آسفة )
مسحت سندس الرسالة كسابقتيها وقذفت الهاتف بقنوط ..
ماذا عليها أن تقول لتسترضيه ؟!!
كيف تجعله ينسى آخر جملة تفوهت بها فجعلته يتركها ويغادر كما لم يفعل من قبل ؟؟!
تبًا لها ولسانها الذي يضعها في اسوء المواقف ..!
أمسكت بالهاتف مرة أخرى ثم نظرت إلى رقمه للحظات لتغمض بعد ذلك عينيها وتضغط على زر الاتصال فيطول الرنين إلى أن انتهى دون رد !
تجمدت يدها الممسكة بالهاتف على أذنها لبضعة لحظات ثم ابتلعت ريقها بتوتر نافية الشعور الذي يراودها ثم لتثبت لنفسها أنه غاضب لا أكثر عاودت المحاولة مرة أخرى لكن أيضًا ... لا رد !
ماذا عليها أن تفعل ؟!!
هل تذهب إليه ؟!!
اللعنة على ضعفها الذي يستفحل بداخلها حينما يختفي بِشر عنها للحظات !
قد يكون نائم ، قد يكون الهاتف على الوضع الصامت .. قد لا يكون بمفرده ولا يستطيع الرد الآن لكن على الأقل ليرسل لها رسالة يطمئنها بها عليه .
مؤكد هناك ما يشغله عنها الآن وسيعيد الاتصال بها فور أن يرى المكالمات الفائتة على هاتفه .
هكذا اخبرت نفسها وهي تستلقي على فراشها لتذهب بتفكيرها بعد ذلك إلى رغدة وكيف ستجعلها تصدق أنها لم تخبر صخر بأمر بكر الذي لا تعلم هي حتى هذه اللحظة كيف وصل إليه !
زفرت بغم شديد مدركةً أن رغدة لن تمرر هذا الأمر تحديدًا مرور الكرام وأن صمتها الذي يظنه البعض ضعفًا ينقلب في لحظة ما إلى شيء آخر أكثر قسوة ..
قد تؤذي صخر بكلماتها دون أن تشعر ..
وقد تقرر هجره وتغادر المنزل بعد اسبوعين أو اكثر بقليل من الزفاف !
يا الله ما هذه الدوامة !!!
" أين أنت يا بِشر ؟!! "
همهمت بها سندس بألم وهي تغلق عينيها بحزن بينما أصابعها متشبثة بهاتفها بانتظار الرد من حبيب روحها الذي زحف إليه اليأس منها كما يبدو .
****
( بعد قليل )
دلف صخر إلى غرفته حامدًا ربه على عدم رؤية أمه له أثناء دخوله إلى المنزل لتقع عيناه عليها وهي غافية فوق الفراش بوضع مائل غير مريح بالمرة ..
اقترب منها بخطوات حذرة فرأى أثر كحل عينيها الذي سال على وجنتيها مع دموعها فغار قلبه في صدره وهو الذي رأى بنفسه كيف توهجت تلك العينين قبل ساعات من الآن عندما زارت أهلها اللذين احتفوا بوجودها وكأنها غابت عنهم لأعوام وليس أسابيع !
رأى بأم عينه فرحتها التي كانت لا تسعها والتي تحولت لبكاء مرير بعد شجارهما الذي حطم بينهما شيئًا لا يدري كيف سيصلحه وهو لازال على رأيه في تقييد علاقتها مع ابن عمها .
جثى على عقبيه وجهه قريبًا جدًا من وجهها الغافي الحزين حتى لفحته أنفاسها الدافئة فمرر سبابته بنعومة شديدة على ملامحها كما يحب أن يفعل دائمًا ثم همهم بخفوت بالغ :
" أنا غاضب جدًا يا هريرة ولا أعلم كيف سأسيطر على هذا الغضب الذي يشتعل داخل رأسي في كل مرة أراه فيها حولك "
زفر بضيق وملامحها المنحنية بحزن تنبت في قلبه الكمد ثم يستطرد باعتراف وهو يمرر ظهر أصابعه على وجنتها الناعمة :
" اعترف أنني ربما بالغت وربما قسوت عليكِ ولم اختار العبارات الصحيحة لوصف الأمر لكن ..... "
صمت بعجز لبعض الوقت ثم تذكر نظرتها إليه والتي اعتلاها الخذلان وخيبة الأمل كما لم يحدث من قبل فاغتمت ملامحه وهو يغمغم :
" للأسف قدري ُمصر أن يُعري اسوء عيوبي أمامك يومًا بعد يوم ومع ذلك أنا سأظل متشبث بكِ وبقربك مني "
ثم مال يطبع قبلة دافئة طويلــــــــة على وجنتها التي يشوهها بقايا الكحل الأسود ليدفن بعدها أنفه في رقبتها فتتململ رغدة في نعومتها قليلًا ثم تفتح عينيها ببطء لتجده على هذا الوضع فتبتعد عنه بحدة وهي تنظر إليه نظرة خاوية ضربت قلبه ..
حاول أن يمسك بها مهمهمًا بصوت هادئ :
" رغدة أنا...... "
فتقاطعه وهي تسحب يدها منه بحدة شديدة :
" لا تقل أي شيء وابتعد عني "
امسك بها صخر عنوة قائلًا بصوت جاد :
" اسمعيني أولًا "
رفضته من جديد وأبعدته عنها مغمغمة بغضب شديد :
" ماذا سأسمع بعد ؟!! ... قلت ابتعد عني "
زفر صخر بضيق ثم هدر بعصبية وهي مستمرة في محاولاتها للإفلات منه :
" اهدأي "
انتفضت وسكنت حركتها تمامًا لكنها نظرت له بعينين غائمتين بالألم والخذلان فزفر بضغط ثم همهم بصوت اهدئ محاولًا امتصاص فورة غضبها :
" رغدة ، أنا أعلم أنني أغضبتك لكن قدري موقفي من فضلك أنا...... "
قاطعته رغدة مغمغمة بصوت مختنق بالبكاء المكتوم :
" أنا لا أحب بكر "
ارتفع حاجبيه بتأثر وعقب :
" أعلم "
" ولم أحبه فيما مضى "
صمت صخر فتمتمت رغدة بنفس الطريقة التي تجعله يكره نفسه لأنه أحزنها :
" ليس من حقك أن تعاقبني على شعور اعتراني وأنا طفلة صغيرة ولا من حق سندس أن تخبرك بشيء خاص للغاية كهذا "
زفر صخر بضغط ثم عقب :
" أنا لم أكن أعاقبك وسندس لم تخبرني بأي شيء "
التوت شفتيّ رغدة بسخرية وعدم تصديق فاستطرد صخر موضحًا الأمر :
" حين رأتك أمي أول مرة أرادت خطبتك لي وأخبرت سندس بالأمر محاولةً الاستفسار عنكِ وعن عائلتك، ولأن سندس لم تكن ترغب في كشف هويتك ظنًا منها أنني قد أعاقبها لصداقتكن همهمت بتلك المعلومة اللعينة دون أن تدرك أنني كنت موجود وأنصت إلى كل حرف يُقال عنك "
ذرفت رغدة دمعة فمسحها صخر بإبهامه ثم جلس أمامها على الفراش مكملًا حديثه بابتسامة شاردة لذكرى رؤيته لها للمرة الأولى أثناء عيد مولد سندس :
" وقتها كان الفضول يقتلني لمعرفة هوية القصيرة التي سكبت العصير على معطفي المفضل ثم ارتعبت وفرت فور أن رأتني وكأنني وحش سيلتهمها "
حاوط وجنتيها بكفيه ثم تمتم أمام عينيها بصوت قوي :
" ومنذ ذلك اليوم التصقت جملتها برأسي رغمًا عني واستنكرتها وكأنني بشكل ما كنت أشعر أنكِ ستكونين خاصتي ذات يوم "
أخيرًا همهمت رغدة بصوت خافت وهي تحدق في عينيه :
" كل هذا لا يعطيك الحق في اتهامي بشيء كهذا ، أنت .... "
قاطعها صخر متمتمًا بنبرة حارة :
" أنا أحبك وأغااااااااااار عليكِ بشدة وأكره فكرة أنني لا ألعب الدور الأول في حياتك من كل شيء "
ليستطرد بانفلات وهو يرى اتساع عينيها المصدومة مما تسمعه :
" أجل أغار لهذه الدرجة وأكثر .. أغار حينما تخبريني أن هناك أمر خاص بينك وبين اخيكِ وأنا لا أعرفه، وأغار حين تخبرني سندس أنكِ تهوين صناعة الحُلي وأنا لا أدري عن الأمر شيئًا، وأموت غيرة عندما تفلتين نفسك من يدي وتهرعين لرجال عائلتك فور أن تريهم .... وأغار فور أن تبتسمين له هو بالأخص ابتسامة عابرة أو حتى تردين تحية ألقاها عليكِ ،تضرم بي النيران وأنا أفكر في انكِ رأيتِ هذا الرجل يومًا فارسًا لكِ حتى وإن كانت مجرد أفكار طفولية لا قيمة لها الآن "
اقترب منها صخر حتى اختلطت انفاسهما وهمهم أمام شفتيها بحرارة شديدة وتملك أشد :
" أنت ِ لي أنا، تهرعين لي أنا ، تتشبثين بي أنا .. أنا أمانك وسندك وداعمك الأكبر "
اقتطف قبلة منها ثم تمتم بين شفتيها بخفوت شديد جدًا وهو يحاول فرض هيمنته عليها :
" أنا حُبك الأول والأخير ولن أقبل بأقل من هذا أبدًا "
لكنها صعقته حين وضعت كفيها كحاجز بينهما وتمتمت برفض صريح قوي :
" ابتعد عني يا صخر "
تجمد جسده أمامها لتستطرد رغدة بنفس القوة :
" ما فعلته معي أمام أهلي لا تغفره بضعة قبلات .. و أنا لم أسامحك على اهانتك لي "
حدق فيها صخر بصدمة جعلت الحروف تتجمد على شفتيه لتكمل بغضب مكتوم :
" لم تتساءل منذ عدت عن ردة فعل عائلتي على اسلوبك معي أمامهم ويسعدني أن أخبرك أن وصال التي أهنتني أمامها وأمام غيرها قد أخبرت جاسم بما حدث بعد مغادرتنا واتصل بي بعدها وتكبدت جهدًا كبيرًا في إقناعه أن كل شيء على ما يرام رغم أن لا شيء بيننا على ما يرام "
ظل على صمته يستمع إليها بتركيز منتظرًا سماع نتيجة المكالمة ولم يطل انتظاره إذ همهمت رغدة بصوت غاضب مكتوم :
" وإلى الآن لا أعلم كيف سأفسر طريقة تعاملك معي هكذا أمامهم دون أن أظهر نفسي أمامهم بمظهر عديمة الكرامة التي تتقبل اهانتها بصدر رحب "
" أنا أخبرتـ ..... "
قاطعته ودموعها بدأت تتكاثف داخل عينيها :
" أنا أستطيع تفهم كل كلمة تفوهت بها منذ وصولنا ، لكني لا أستطيع أبدًا تجاوز ما فعلته أمامهم "
كاد أن يتكلم من جديد لكنها باحت بما يجول داخلها بصوت مختنق وكأنها تكتم بكائها :

عدو في المرآة  .. الجزء الثاني من سلسلة قلوب تحت المجهر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن