الفصل الثامن والعشرون

275 14 1
                                    

وكيف تكون مالك القلب و ذابحه ؟!! )
***
" ماذا ؟!! .... هل تذكرتني يا أبن الأكابر ؟!! "
التمعت عينا صخر بإدراك والأصوات تتداخل في عقله فيسمع نفسه يهدر بجنون ..
" اياك أن ترفع سلاحك وإلا قسماً بالله سأقتلك ثم افجر رأسه "
" و تقتل نفسك و حلوتك معنا ؟!! "
قالها الرجل بسخرية و هو يهم برفع سلاحه فقست عينا صخر و قال بنبرة سوداء و هو يضغط على الزناد :
" كما تشاء "
ليطلق على صدره الرصاص بكل برودة اعصاب وسط هتافات السائق التي لا تُعد و لا تُحصى بكل الألفاظ النابية ..
رباه هذا الرجل ... !
هذا رجل عزام الذي ضربه و أفقده الوعي في السيارة أثناء نقله هو ورغدة من المخزن ..
هذا الرجل هو من سرق سلاحه ثم أطلق به النار على الآخر الذي حاول تهديده !
ضيق صخر عينيه بعدم فهم ثم همهم بتشوش :
" ما هذا ؟!! "
ليجنح فكره لأقرب استنتاج فيسأل الرجل بتحفز :
" هل عزام من بعثك ؟!! .. ألن يكتفي هذا الـ***** "
لكن هزة رأس نافية مع ابتسامة الرجل الساخرة التي ناقضت هيئته المهلهلة من فرط ما فعله به بِشر كانت خير إجابة ليهمهم الرجل بصوت متقطع وقد نال منه التعب :
" عزام باشا لا دخل له هذه المرة ... لكن العين بالعين والسن بالسن و البادي اظلم "
أمسك صخر بتلابيب الرجل يجره إليه ويهز جسده هادرًا بجنون :
" ما الذي تهذي به ايها المريض ؟!! .. أي عين وأي سن ؟!! .. ماذا فعلت لك بحق الله حتى تحاول قتل أهل بيتي ؟!! "
رفع الرجل عينيه إلى صخر وكز على أسنانه قائلًا بمقت اسود :
" قتلت أخي "
ضيق صخر عينيه بعدم استيعاب ليصرخ الرجل بحرقة :
" حارث .. اخي الذي سرقت سلاحي وافرغته في صدره ثم رميته على قارعة الطريق كأنه كلب لا يسوى شيئًا .. لقد كان اخي "
كز صخر على أسنانه قائلًا بغضب شديد :
" أخاك من بدأ و رفع سلاحه علينا اولًا ثم ..... "
قاطعه الرجل بنفس الصراخ :
" كان يهددك فقط ... لم يكن ليخالف أوامر عزام باشا أبدًا .. الأوامر كانت تنص على ابقائكما على قيد الحياة وعدم التعرض لكما بأي أذى لكن انت ....... "
صرخ صخر يقاطعه بدوره وهو ينهال عليه ضربًا :
" انا كنت احمي نفسي وزوجتي أيها المعتوه .. عن أي مبرر تبحث انت ؟!! "
استمر صخر في ضرب الرجل إلى أن حاول بِشر ابعاده بحدة وهو يغمغم بصوت منفعل :
" كفى ستقتله "
وبالفعل استطاع بِشر إبعاده رغم مقاومته العنيفة بينما يستطرد قائلًا بملامح شامتة :
" لا تقلق لقد اعترف عليه الآخر الذي حاول الهائنا به سابقًا فور أن أعطيته مبلغ يساوي ضعف المبلغ الذي أعطاه إياه هذا الحقير كما أن كاميرات المراقبة التي تخص المحل المقابل للبيت قد قامت بتصوير كل شيء بدءًا من تحركاته المريبة أمام المنزل في أوقات متفاوتة وانتهاءً بقذفه لزجاجات المولوتوف الحارقة على البيت "
ليجثو بِشر على عقبيه من جديد هاتفًا من بين أسنانه :
" هذا معناه انك ستتعفن داخل جدران السجن بتهمة الشروع في قتل "
ليأتي من ورائهم صوت جاسم الغانم فيلتفت الجميع :
" وصدقني أيامك في السجن ستكون من اسوء ما يكون و سأحرص على التأكد من ذلك بنفسي "
" ما الذي تفعله هنا ؟!! "
لم يعير جاسم همهمة صخر المتعجبة اهتمامًا بينما يقول بصوت مخيف وهو يتحرك فوق رأس الرجل ببطء كقابض الأرواح :
" كل صرخة ألم أطلقتها ستطلق انت أمامها ألف صرخة استغاثة وألم ، كل لحظة رعب اختبرتها في وسط ذلك الحريق ستدفع ثمنها آلاف اللحظات التي ستمر عليك بلا نوم من شدة الرعب ، يدها التي أُصيبت سيكون جسدك بأكمله هو ثمنها "
راقبه صخر بعينين ضيقتين وهو يستطرد بصوت خافت جدًا لكنه أصاب الرجل برجفة واضحة أمام الجميع :
" لقد وقعت شهادة وفاتك حين زججت برغدة الغانم في حساباتك .. فلا تلوم إلا نفسك "
****
بعد عدة دقائق كان يخرج ثلاثتهم من المخزن ليتمتم صخر بشكل مفاجئ :
" هل تركت رغدة بمفردها في المستشفى ؟!! "
رفع جاسم حاجبًا متهكمًا ثم رد بسخرية :
" أولم تفعل أنت ؟؟! "
كز صخر على أسنانه ثم قال بغيظ :
" لقد تركتها في عهدة أخيها ... كيف تتركها بمفردها وتأتي ورائي ؟!!  "
كاد جاسم أن يرد عليه ليقاطعهما بِشر هادرًا :
" كفى ، توقفا عن الشجار .. الا تملون ؟!! ... انتم تؤذون رغدة بتلك الطريقة "
" وما دخلك انت بها ؟!! "
" وما دخلك انت بها ؟!! "
خرج السؤال الغيور منهما في صوت واحد وهما ينظران إلى بِشر بعدائية ليضرب بِشر كفًا بكف و يهمهم بصوت مرهق وهو يتحرك نحو سيارته :
" انا سأعود لأهل بيتي .. انا لا أدري ما الذي يجعلني اقف و اتحدث معكما من الأساس "
هتف صخر في إثره :
" أخبرهم أنني سآتي برغدة واعود "
من جديد استفزه جاسم قائلًا بلؤم خافت معتمدًا على معرفته بطباع أخته جيدًا :
" هذا إن وافقت رغدة على العودة معك "
نظر له صخر نظرات حادة و داخله يموج بسؤال واحد ..
( أليست غاضبة منه دون شيء ؟!! ... إذًا لما لا يشفي غليله ويضرب هذا المتعجرف وغضب بغضب ! )
****
دخل بِشر إلى منزل والدته فوجد الجميع يجلسون بانتظاره في صالة المنزل عدا فضة التي لازالت ترفض الخروج من غرفتها رافضة رفضًا قاطعًا أن يراها أحدهم بتلك الإصابات التي تحتل ملامح وجهها وذلك الضعف الذي مازال يؤثر عليها بشكل عام .
نهضت سندس فاستقبلها يضمها إليه ومشاهد ليلة الأمس تُعاد على عقله بالتتابع فينتفض جسده استجابة لقلقه عليها ويظهر القلق في صوته الذي نال منه الإرهاق الشديد :
" كيف حالكن الآن ؟!! "
غمغمت سندس بصوت خافت :
" انا بخير لكن أمي لم تنام منذ الأمس "
زفر بِشر ثم دلف إليهن ملقيًا التحية على مأمون ولقاء ثم أمه وفداء ليميل بعدها و يلثم رأس إيمان التي تجلس على مقعد منفرد ويظهر عليها الإعياء الشديد ثم يغمغم بصوت حنون :
" كيف حالك يا أمي ؟!! "
ربتت إيمان على وجنته بخفة ثم ردت بصوت فقد مشاكسته :
" بخير طالما انتم بخير يا ولدي "
لثم بِشر كفها ثم قال :
" لا تقلقي يا أمي .. لقد بدأنا في ترميم المنزل وسأحرص أن يعود لوضعه السابق في اقرب بل وأفضل مما كان أيضًا "
هزت إيمان رأسها بهدوء فهمهم بِشر :
" صخر ذهب إلى ...... "
قاطعته إيمان زافرة بإرهاق :
" لقد اتصل وأخبرني .. المهم أنه و زوجته بخير "
ربت بِشر على كتفها ثم تحرك ورمى جسده فوق اقرب مقعد يشعر كما لو أنه يحمل هموم الدنيا بأكملها على كاهله فربت مأمون على كتفه بدعم بينما غمغمت سميحة بإشفاق :
" اذهب لترتاح قليلًا في غرفتك .. انت لم تنام منذ ليلتين وأنت ِ أيضًا يا إيمان جلستك هذه لن تُعيد لكِ ما فقدتيه ، ادخلي و ارتاحي قليلاً في غرفتي "
أيدها مأمون قائلًا :
" أجل .. ولا تقلق على أمور الترميم ، سأذهب انا وأتابع الأمر مع الرجال "
أيدت سندس الفكرة فأمسكت بكف بِشر تسحبه معها إلى غرفته بينما نهضت لقاء تفعل المثل مع خالتها إيمان التي قاومت لبعض الوقت ثم استسلمت بعدها بضعف جعل الجميع يشعر بالضيق الشديد لأجلها .
اما بِشر فقد رمى جسده على الفراش يئن من فرط الإرهاق ثم سحب سندس يضع رأسها فوق صدره ثم يعبث بخصلات شعرها بشرود دام لبعض الوقت قبل أن يهمهم بصوت شديد التعب شديد الخفوت :
" شكرًا لك ِ يا حرير الجنة "
قطبت سندس ثم سألته بخفوت :
" على ماذا ؟!! "
فيجيب بنفس النبرة وكأنه يسقط عنوة تحت سلطان النوم :
" لأنك أخذتي مكاني في غيابي ولم تؤذي فضة "
زفرت سندس ثم همهمت بخفوت شارد رافضة أن تكسر الهدوء المحيط بهم :
" لقد تأذت جدًا "
أصدر بِشر همهمة مؤيدة وغط في نوم عميق بينما أكملت سندس بشرود :
" لكنها لازالت صامدة بشكل غريب يثير الإعجاب والتوجس في الوقت ذاته ، لا أصدق أنني اقول لك هذا لكني ... قلقة عليها "
حينما لم يعقب بِشر بشيء رفعت رأسها قليلاً فوجدته قد استسلم تمامًا لسلطان النوم والارهاق قد نال منه تمامًا فقبلت موضع قلبه ثم ربتت على صدره وقد آلمتها هيئته الآن وليلة الأمس حين دلف راكضًا إلى المنزل وقد ظن كما الجميع أنها قد تؤذي فضة أو تتسبب لها في حرج علني ليقف على الباب يحدق فيهن وهن يجلسن متجاورتين في غرفة علي بقلق لم يمكنه من التفوه بحرف فظل ينظر اليهن بتحفز لبعض الوقت ثم استرخى قليلاً حين تمتمت فضة بسخرية :
" أنظر ملأ عينيك لأنك قد لا ترى هذا المشهد مرة أخرى ، واضح أن حالتي كارثية لدرجة جعلت سندس تشفق عليّ وتتركني على قيد الحياة بعد أن تزوجت منك "
وقتها لمعت عينيه بنظرة امتنان لها لن تنساها قط ..
كما لو أنه كان ينتظر منها السيء ثم تفاجئ بشيء آخر !
هل كانت أنانية غير ناضجة وليست على قدر المسؤولية لدرجة جعلت الجميع يقلق من ردة فعلها لهذه الدرجة ؟!!
لدرجة أن يترك بِشر كل شيء ويأتي مهرولًا حتى ينقذ فضة من براثن جنونها !
خرج منه تأوه خافت أثناء نومه فقبلت سندس موضع قلبه ثم ربتت على صدره مهمهمة بخفوت شديد وهي تغلق أبواب عقلها عن التفكير وتستسلم بدورها إلى سلطان النوم :
" أعدك بأن لا أكون همًا اخرًا تحمله على كاهلك من الآن فصاعدًا .. أعدك أن تفتخر بي "
*****
تبادل صخر التحية مع الحاج صفوان وعبد الحميد الغانم بينما عينيه المجهدتين تبحث عن ضالته دون جدوى وبعد دقائق طويلة استفسر فيها الجميع عما حدث والمسؤول عنه سأل صخر بهدوء وثقة :
" أين رغدة ؟!! "
فأجابه عبدالحميد :
" تركتها وصال في غرفتها لترتاح قليلًا .. الأمر لم يكن هينًا عليها "
كاد صخر أن يتحدث لكن قاطعه صوت صفوان الموبخ له هو وجاسم :
" وسيادتكما تركتماها تعود بمفردها واختفيتم دون أن تخبرونها عن وجهتكم "
أشار صخر إلى جاسم ودافع عن نفسه مغمغمًا :
" انا تركتها في عهدته .. هو من قرر أن يتبعني و تركها بمفردها في المستشفى "
قطب جاسم ثم قال بتحفز للشجار :
" هل ستُلقي عليّ الذنب الان ؟!! "
كاد صخر أن يرد لكن صفوان هدر فيهما وهو يضرب الأرض بعصاه :
" اصمتا "
صمت الاثنين احترامًا له فأشار إلى صخر بعصاه قائلًا بملامح مغلقة :
" انت .. ستنهض الآن وتدخل إلى زوجتك و تفعل المستحيل حتى تسترضيها "
ثم أشار إلى جاسم بالمثل قائلاً بقرف :
" وأنت ... ستتوقف عن شجارك مع كل من تراه والا والله سترى مني ما لم تراه قط لأنني سئمت منك ومن مشاحناتك التي لا تنتهي "
قطب جاسم شاعرًا بالإحراج بينما حاول صخر إخفاء ابتسامته الشامتة لكن صفوان رآها فهدر فيه :
" ما الذي تنتظره ؟!! .. قم هيا "
نهض صخر وذهب حيث غرفة زوجته ثم طرق الباب وفتحه ثم اغلقه وراءه في وجه الجميع فالتوت شفتي جاسم بضيق وهو يكاد الفضول يقتله ليعرف ما سيدور بالداخل .
وفي الداخل وجدها صخر تنام بمفردها على جانبها وتعطيه ظهرها فنادها برفق لكنها لم تجيبه ..
زفر بضغط ثم التف حول الفراش إلى أن أصبح بمواجهتها فوجدها تكتم شهقات بكائها في وسادتها فاغتمت ملامحه وتأوه باسمها كارهًا أن يراها في تلك الحالة ثم اقترب منها بخفة وحاول التربيت على رأسها لكنها ابعدت رأسها عن أصابعه فور أن شعرت بها لكنه كان أكثر عنادًا منها فأمسك بكتفيها عنوة يُجلسها على الفراش ثم اخذها في حضنه رغم مقاومتها لتغمغم رغدة بصوت باك مكتوم في صدره :
" ارحل من هنا "
جمدت نظرة عينيه لكنه كان أدرى الناس بما تمر به فعاد يشتم جاسم في سره من جديد لأنه تركها بمفردها في المستشفى ثم غمغم بصوت دافئ :
" لن ارحل بدونك "
ارتجف جسد رغدة بين ذراعيه من البكاء ثم قالت بغضب وهي تحاول التحرر منه :
" وانا لن أعود معك أبدًا "
زفر صخر ثم سحبها إلى صدره بقوة أكبر وهو يسألها بشعور حارق بالذنب :
" ألهذه الدرجة آذيتك يا هريرة ؟!! "
ثم تخرج منه همهمة خافتة وكأنه يخاف نطق السؤال بصوت واضح :
" هل كرهتنني ؟!! "
وكان الرد على سؤاليه بكاء مرير بين ذراعيه طال لدقائق لتهمهم بعدها بنبرة متقطعة :
" اتــ...ــركــ...ـنـي هــ...ـنا "
  تلقائيًا وبمجرد نطقها للأمر اشتدت ذراعيه حولها بينما استطردت هي بألم وصوت شديد الخفوت :
" انا اريد البقاء هنا "
أبعدها صخر قليلًا حتى ينظر إلى عينيها ثم غمغم بصوت خشن ووجه رسم الغضب ملامحه :
" هل تهجريني يا رغدة ؟!! "
ذرفت دموع أخرى دون أن ترد بشيء مما زاد من الفجوة بينهما فمسح صخر الدموع عن وجهها ثم قال بصوت مهادن :
" ألن تتحدثي معي حتى ؟!! .. تخبرينني مثلًا عن سبب قرارك بترك المنزل ليلة الأمس لولا ما حدث "
حلق الصمت عليهما للحظات طويلة ثم همهمت بغضب دفين تراكم داخلها طوال الأيام الماضية :
" لأنني أكره ما تفعله بي "
ارتفع حاجبي صخر ثم دمدم بصدمة ألمت به :
" ما الذي أفعله بكِ بحق الله ؟!! ... تتحدثين وكأني اعذبك ! "
كزت رغدة على أسنانها بسخط ثم ردت :
" تتجاهلني .. تنأى بنفسك عني .. تستخف بي و تهمش وجودي "
ارتفع حاجبيه من جديد ثم غمغم وهو يشير إلى نفسه مرددًا بذهول واستنكار :
" انا فعلت كل هذا ؟!! "
ضربت رغدة يده التي كانت تمسك بها ثم قالت :
" أجل فعلت .. تبًا لك انا كل بضعة أيام اُفاجئ بمعلومة جديدة وشديدة الخصوصية عنك علنًا مما يجعل الجميع يستهزئ بي ... ماذا تُسمي هذا غير قلة تقدير و استهانة ؟!! "
اطبق صخر فكيه ثم رد عليها :
" أسميه ظروف زواج مختلفة عن العادي .. أسميه إثنين قُدر لهما أن يتعارفا بعد الزواج وليس قبله لأنهما و يا للمفاجأة لم يحظيا بخطبة كما الناس الطبيعية "
كادت رغدة أن تتحدث لكنه قاطعها قائلاً بضيق :
" ولا تنكري انك ما أن تسألي عن شيء حتى اجيبك بكل صراحة "
" بعد ما اكون فُضحت بجهلي لزوجي أمام الآخرين "
قالتها بلا لحظة تردد فضرب صخر كفًا بكف وهو يدمدم بعصبية :
" يا ابنة الناس .. انا أيضًا لم أكن أعرف الكثير عنكِ ومع ذلك لم افتعل كل تلك الدراما لأجل هذا الأمر "
رفعت له رغدة حاجبًا متهكمًا ثم قالت بصوت خفيض :
" والله ! ... وماذا عن ما فعلته حين علمت بأمر بكر ؟!! "
وكأنها أطلقت شياطينه إذ هدر فيها بعصبية مفرطة وهو يمسك بمرفقها :
" احترمي نفسك يا رغدة وإياك ِ أن تذكري هذا الأمر من جديد "
لم يهزها غضبه قيد أنملة فأشارت له رغدة ثم همهمت بانتصار :
" وها هو الأمر لازال يضايقك حتى هذه اللحظة "
كز صخر على أسنانه ثم شتم بخفوت ليغمغم بعدها محاولًا كظم غيظه :
" افهمي يا غبية .. هذا الأمر مختلف "
هزت رغدة رأسها رفضًا ثم قالت :
" لا .. شعورك بالغضب الآن لا يختلف عن شعوري وقت علمت بخطبتك السابقة بتلك الطريقة "
زفر صخر بعصبية ثم نهض كاتمًا ألم ظهره فيما يقول :
" بالله عليكِ هذا ليس وقت شجار على هذا الأمر .. الا ترين ما نحن فيه يا رغدة ؟!! ... ما هذا العته ؟!! "
كشرت رغدة ثم قالت بصوت غاضب :
" وها أنا ارحمك من عتهي واطلب منك أن تتركني هنا وترحل "
كاد صخر أن يقذفها بأقرب شيء تطاله يده لكنه حكم عقله قليلًا ليجد أن وجودها هنا تلك الفترة افضل لها وله .. !
فهي يجب أن تريح اعصابها وتهدأ تمامًا في بيئة تألفها ..
وهو عليه أن يهتم بترميم المنزل قبل أن يقرر أخذها معه ..
كما أنه سيكون من السخافة وجودهم جميعًا في بيت خالته هذه الفترة  .
لكن أيضًا كيف يتركها ؟!!
كيف يعود إلى بيت لا تسكنه الهريرة ؟!!
زفر صخر ثم غمغم مضطرًا بصوت جامد وهو ينظر إليها من علو :
" حسنًا يا رغدة كما تشائين .. سأتركك هنا وسط عائلتك لبعض الوقت إلى أن ينتهي ترميم المنزل "
كادت رغدة أن تتحدث لكنه قاطعها مكملًا بغيرة وتملك :
" شيئًا آخر .. إياكِ أن تتحدثي معك المدعو بكر ، وإياك ِ أن لا تهتمي بجرحك أو تهملي علاجك وإياك ِ أن تخرجي من المنزل دون أذني "
نظرت له رغدة بعدم رضا لكنها صمتت ووافقت على أوامره ليصمت صخر بعدها تمامًا ثم ظل واقفًا ينظر لها لدقائق بعدم رضا عن قراره بتركها هنا في هذا المنزل ثم زفر بضيق شديد واقترب منها بخطوات سريعة غاضبة وقبّل جبهتها قائلًا بأمر :
" اعتني بنفسك حتى اعود واستردك "
رفعت رغدة عينيها إليه ثم همهمت بصوت خافت متبرم بعد أن انبها ضميرها على قسوتها معه رغم أنه ألقى نفسه في النيران من أجلها :
" وأنت أيضًا اعتني بنفسك وبظهرك "
( تعالي معي لنضمد جروح بعضنا البعض )
غمغم بها قلبه لكن لسانه ظل على صمته بينما عيناه تأكلها اكلًا بنظراته ليطبع قبلة أخيرة على رأسها ثم يغادر الغرفة بخطوات سريعة قيل أن يطيع قلبه فيأخذها معه رغمًا عن أنفها وأنف الجميع .
راقبت رغدة رحيله بعينين دامعتين ثم نظرت إلى بطنها و ربتت عليها هامسة لسرها الصغير :
" لعل ابتعادنا قليلاً يكون الحل "
******** 
كعادته يقف في ابعد نقطة ويراقب الوضع ..
مخه يسجل كل ما يدور ويحلله ليجد ثغرة يستفيد بها حين يقرر التحرك ..
راقبها تنزل من سيارة والدها بمفردها ثم تتحدث إليه قليلًا لينطلق والدها بسيارته بينما ترمق هي سيارة الضابط الذي يتبعها أينما ذهبت بنظرة خاطفة ..
نظرة اُضيفت لنظرات أخرى رآها منها لذلك الضابط فاستنتج أن ما يجمع بينهما أكثر حميمة وخصوصية مما يظن الجميع ..!
صعدت لقاء إلى منزلها فراقب معتصم لدقائق طويلة ثم خرج من السيارة واغلقها ثم تحرك مبتعدًا بشكل غير ملحوظ ليبدأ بتنفيذ خطته .
وبعد وقت كان يركب دراجة نارية تابعة لأحد مطاعم البيتزا الشهيرة ،تغطي القبعة معظم ملامح وجهه ثم يتوقف أمام باب البناية السكنية التي تقطنها لقاء وينزل حاملًا علبة بيتزا ويدلف نحو هدفه .
دقائق معدودة وكان آخر كان قد أدخله إلى البناية سابقًا بملابس مدنية يخرج مرتديًا ملابس المطعم ويغطي وجهه بنفس القبعة ثم يأخذ الدراجة النارية ويغادر أمام عينا معتصم المراقبتين عن بُعد ..!
أما آل فقد طرق الباب بكل هدوء و حذر وبعد أقل من دقيقة كانت لقاء تفتح له لتجده أمامها مبتسمًا بعفوية مريبة فيما يتمتم :
" مرحبًا "
صرخة استغاثة حاولت لقاء إطلاقها لكن كتمها آل بكفه ثم ازاحها ودلف إلى المنزل فيما يقول بصوت جليدي :
" اخرسي واهدئي إن كنتِ لا تريدين الموت "
رفست لقاء بقدميها وحاولت التملص منه لكنه همهم جوار أذنها مهددًا وهو يهز جسدها بغضب :
" قلت اهدئي ... انا هنا لمساعدتك "
نظرت له لقاء بعينين دامعتين مرتعبتين لكنه لم يهتز وغمغم بعملية وسرعة :
" إذا لم تهدئي لن استطيع شرح الأمر لك .. انا هنا لحمايتك "
شعر آل أن مقاومتها بدأت تقل فقال محاولًا جذب انتباهها :
" سأتحدث معك لدقيقتين اخبرك فيهم كيف تتفادين محاولة قتلك التي ستتم في الغد فور خروجك من النيابة لذا أصمتي "
هزت لقاء رأسها عدة مرات برعب لكنه لم يثق بها تمام الثقة فنظر إليها قليلًا ثم أبعد كفه عن فمها بتردد فصرخت لقاء باسم معتصم لكنه قتل محاولتها في مهدها وكتم صوتها من جديد فيما يقول بغضب :
" كنت أعلم انكِ غير مأمونة الجانب "
ليخرج بعدها شريط لاصق ويكمم فمها به ثم يستخدم ذراعيه في إغلاق قيد حديدي حول ذراعيها ليُجلسها على اقرب مقعد بعد أن أتم مهمته فيما يقول زافرًا براحة :
" الآن نستطيع التحدث بهدوء "
اخرج سلاحه ثم جلس على المقعد المقابل لها وقال حين رأى نظرتها الخائفة نحو السلاح :
" هذا لحمايتك "
بكت لقاء بعجز مدركة أنها لو تحركت انشًا واحدًا تجاه الباب لن يتوانى هذا المختل عن إطلاق النار عليها ..
تكلم آل بعد لحظات قائلاً باختصار وبرودة اعصاب مريبة :
" أنت ِ تعلمين بالطبع أن مهمة تصفيتك كانت مهمتي "
اتسعت عيناها برعب منه ومن برودة أعصابه لكنه استطرد بلا مبالاة :
" تلك هي أول مهمة قتل أُكلف بها و لقد قررت إلغائها بل وحمايتك أيضًا "
نظرت له لقاء بتكذيب صارخ فغمغم آل :
" ستعلمين قريبًا سبب تراجعي لكن كل هذا لا يهم الآن .. ما يهم هو تلك التفاصيل التي سأخبرك عنها الآن والتي يجب أن تتبعيها غدًا بالحرف الواحد "
مازال عدم التصديق يلون محياها فقال بصوت ضائق وانجليزيته تحضر بقوة :
" اسمعي .. هذا الأمر ليس مجالًا للتسلية وإذا لم تنفذي ما سأخبرك به الآن لن تعيشي حتى لتري نتيجة الأمر ، والآن .. هل ستعطيني انتباهك حتى أغادر ؟!! .. آه و بالمناسبة .. اخبري السيد روميو القابع أسفل شرفتك أنه سيموت بدوره إن لم يجد شيئًا يلتهي فيه غير هذه القضية "
لمح التردد في نظراتها ثم هزت رأسها ببطء شديد فزفر آل ثم بدأ بإخبارها عن كل ما ينتظرها في الغد بالتفصيل الممل ثم ختم حديثه قائلًا بتحذير ساخر :
" تذكري أنني لا اعطي نصائح مجانية كل يوم .. إن اردتما الحياة فعليكما بتنفيذ ما قلت أو لتتقابلا لاحقًا في العالم الآخر "
لينهض بعدها ثم يغادر المكان تاركًا إياها تتصرف كما تشاء مع قيدها والشريط اللاصق الذي يكمم فمها .
تحركت لقاء نحو هاتفها بعينين باكيتين حامدة ربها أنه لم يقيد ذراعيها للخلف ومع ذلك تحكم فيها رعبها الشديد منه فلم تتجرأ على إزالة اللاصق عن فمها طوال مدة وجوده ..
أزالت الشريط اللاصق عنها وامسكت بهاتفها تستنجد به كما فعلت الليلة الماضية ببكاء أوقع قلبه بين قدميه فركض على الدرج كالمجنون بينما فتحت هي الباب ببعض الصعوبة ليقف معتصم أمامها مبهوتًا يحدق في قيد معصميها بصدمة لترتفع نظراته إلى دموعها التي تغرق وجهها معلنةً أنه فشل في حمايتها مرة أخرى .
***
في اليوم التالي خرج معتصم بوجه مقلوب من مبنى النيابة بعد أن أخلى وكيل النيابة سبيل أحد المتهمين ببعض الضمانات ..
زفر بغضب مدركًا أن الأمر هذه المرة لن يصب في مصلحة لقاء ولا حتى في مصلحته ..
فبعد أن أدلت لقاء بأقوالها والتي تضاربت قليلاً مع أقوالها السابقة وكأن التهديدات التي تتعرض لها قد بدأت تؤتي بثمارها وتشوش عقلها مما جعلها تتوتر أمام المحقق أكثر من مرة بل وتتلجلج في بعض الأحيان .
ركب معتصم سيارته وعقله ينتقل لأمر المدعو آل الذي تحدثت عنه ..
ذلك الغريب الذي هاجمها و ارعبها في بادئ الأمر ثم تحول فجأة وساعدتها لتفادي محاولة قتل محققة كانت ستكون هي ضحيتها اليوم .. !
فلولا تحذيرات هذا الرجل والتي لا يدرك سببها حتى هذه اللحظة لكانت لقاء الآن ميتة هي ووالدها بنفس الطريقة التي مات بها زوجها .
اغمض عينيه بضيق شديد وقلبه يضرب صدره بقوة كلما تذكر تلك اللحظة التي تأكد فيها من صدق المدعو آل حينما أخبره أحد رجاله أنه تم وضع قنبلة داخل سيارة الشاهدة ..!
وقتها فعل معتصم المستحيل حرفيًا حتى يصل لها واتصل بوالدها يحذره من استخدام السيارة ليذهب إليهم بسيارته الخاصة ويقلهم بنفسه بينما تابع رجاله عملهم وقاموا بإبطال مفعول القنبلة التي كانت ستنفجر ذاتياً فور تشغيل السيارة .
ضرب المقود بضيق ثم بحث عن علبة سجائره فلم يجدها فقرر أن يتوقف على أحد جوانب الطريق حتى يشتري غيرها لكنه صعق بأن مؤشر لعبتهم قد استدار إليه بدوره فافسدوا مكابح سيارته ..
شتم معتصم بعنف وحاول السيطرة على أعصابه لكنه كان بحاجة لأن يلف بسيارته للاتجاه المعاكس فحاول قدر إمكانه أن يسيطر على الأمر وعقله يعمل بلا توقف ليفلت الأمر منه في ثوان معدودة فترتطم سيارته بسيارتين آخرتين ثم تنقلب عدة مرات ليبدأ بفقد الشعور بما حوله تدريجيًا لكن عقله أبى أن يستسلم قبل أن يسمع صوتها لمرة أخيرة على الأقل فأمسك بهاتفه يتصل بها بينما سادت الفوضى خارج سيارته ليأتيه صوتها الحبيب بعد لحظات كانت من اطول ما يكون عليه فيتمتم باسمها بصوت شديد الخفوت ثم يهمس بنبرة متقطعة :
" حبـ...ـيـبـ...ـتي "
شعرت لقاء بشيء خاطئ خاصة مع تلك الأصوات الصارخة الفوضوية التي تشوش على صوته البعيد فنادت اسمه برعب ليهمس هو من جديد :
" اعتني بأمـ....ي ولمـ....ار "
لا .. لا ليس مجددًا !
لن تُعايش هذا العذاب مجددًا ..
لن تفقده هو الآخر بهذه الطريقة البشعة .. !
صرخت لقاء باسمه والأصوات المحيطة به تعلو أكثر وأكثر بينما اختفى صوته هو تمامًا لتسقط أرضًا بعينين شاخصتين بعد أن تناهى إلى سمعها صوت غريب يقول :
" لا حول ولا قوة الا بالله ... لقد توفي "

عدو في المرآة  .. الجزء الثاني من سلسلة قلوب تحت المجهر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن