الفصل الرابع

356 20 1
                                    

الفصل الرابع
( وكأن كل طرقي تؤدي إليكِ ..! )
******
" بالله عليك يا ابني ، بالله عليك أتركه "
حاول صخر الوصول إليه لكن إيمان كانت تحشر نفسها بينهما حشرا لينتزع بِشر عينيه انتزاعا عن روحه التي تنفر من مجرد النظر إليه و يحيل انتباهه إلى صاحبه الغاضب قائلا بصوت هادئ لكنه حاد كنصل سكين :
" لا تظن أنك ترهب بي شعره يا صخر ، فحين يصل الأمر إلى خُطبة زوجتي أنا من سينقلب إلى مجرم مختل لا يرحم أحدا "
" خطبتي !! "
همست بها سندس بشفتين جافتين و علامات عدم الفهم تعلو وجهها ليتخطى بِشر صاحبه بكل تجاهل و عنجهية ثم يقف أمامها قائلا بملامح صلبة لا تلين :
" آن وقت الحديث يا سندس "
سندس من جديد !
رفعت سندس عينيها إليه بتحدي ليرتج قلبه شوقا إليها لكنه تحكم في انفعالاته ثم مال إليها جالسا على عقبيه متناولا الساق الصناعية و هم بإلباسها إياها لتهدر هي بصوت خفيض و قلبها يأن وجعا و كأنها فقدت ساقها للتو بسببه :
" إياك أن تقترب "
رفع إليها مقلتيه مجردا إياها من وهم قوتها المزعومة بلمحة واحدة ليميل برأسه من جديد و يكمل ما بدأه دون اكتراث باعتراضاتها و تحركاتها النافرة لينهي مهمته بقبلة اعتذار فوق ركبتها .. !
أزاحت سندس كفيه من فوق ركبتها بخشونة ثم انتفضت واقفة فور أن انتهى تتجاهل تلك الرجفة التي أصابتها إثر ما فعل لينهض هو الآخر واضعا كفيه في جيوبه مكررا حديثه بهدوء كارثي :
" يجب أن نتحدث يا سندس "
نظرت له سندس بمقت و همت بالصعود إلى غرفتها ليمسك هو ذراعها بقوة قائلا بصوت مرتفع وهو ينظر إليها نظرة اربكتها للحظة :
" بعد اذنك يا خالتي سأنفرد بزوجتي قليلا "
كاد صخر أن يطيح بكل شيء و يلقيه خارجا خاصةً مع نبرة التحدي التي نطق الأخير حروفه و كأنه يخبره أن وجوده من عدمه لا يفرق معه لكن أمه و كالعادة كبلته بجسدها الضعيف و ناصرت بِشر الذي لم يفلت ذراع سندس رغم محاربتها المستميتة للمسته :
" ادخلا إلى مكتب صخر و تحدثا "
نظر صخر إلى أمه بعتب بينما صرخت سندس كالمجنونة و بِشر يسحبها سحبا وراءه كالعنزة ليدخلها إلى مكتب صخر بصعوبة و يغلق الباب عليهما بالمفتاح أمام نظرات صخر الرافضة لكل ما يحدث .
" بالله عليك ِ ماذا تفعلين يا أمي ؟!! "
قالها صخر وهو يبعد ذراعي أمه عنه لتهتف إيمان بحزم مفاجئ :
" أعيد لأختك عقلها "
نظر لها صخر بغير رضا لتدمع عيناها بضعف ناقض قوة حديثها :
" اختك اختارت أن تلقي كل ما حدث على عاتق بِشر و نحن ساعدناها حين تجنبنا التحدث معها و محاسبتها على ما فعلته ، لذا اختارت أن تلعب دور القاضي و الجلاد و نسيت أنها مذنبة مثلها مثله .. بِشر أخطأ و هو لا ينكر ذلك لكن سندس تنكر حقيقة أنها أخطأت من الأساس "
زفر صخر بغير اقتناع فأمه لطالما كانت حليفة بِشر الأولى خاصة ً بعد الشرخ العظيم الذي حدث بين بِشر و أمه بعد انفصالها و عودة زوجها لوطنه مصطحبا معه علي فكانت هي له الأم التي عوضته عن أفعال أمه معه ..
أخرجته أمه من أفكاره حين استطردت و هي تمسح دمعتها :
" أتركه معها قليلا لعله يصلح ما أفسده ، اتركهما يتحملا نتيجة أفعالهما سويا .. يجب أن تواجه أختك نفسها بما فعلت حتى تستطيع أن تخرج من تلك الحفرة التي سقطت بها "
تنهد صخر ثم ربت على كتفها قائلا بضيق :
" كما تشائين يا أمي ، أنا فقط خائف أن يكون قد فات الاوان "
هزت رأسها بحماس بسيط و ردت عليه بطفولية كانت لتضحكه في وقت آخر :
" طالما الحب موجود اذاً لم يفت الأوان "
نظر لها صخر بيأس من مسار أفكارها الوردي ليتركها بعدها و يخرج إلى الحديقة متمتما :
" لا شيء سيجلب نهايتنا غير أحلامك الوردية يا أماه "
**********
( في غرفة المكتب )
جلست سندس على الأريكة تلهث من فرط مقاومتها له لتهتف بعدها بكل الغضب الذي يسكن قلبها :
" طلقني ، أوقف هذه المهزلة و طلقني "
نظر لها بِشر للحظات دون رد منتظرا أن تهدأ قليلا فاستفزها صمته و صرخت دون تعقل :
" ألا تملك كرامة ؟! .. قلت لك طلقني ، ألقي اليمين الآن "
في لحظة تبدلت نظرته لأخرى حارقة ثم عاد لهدوئه المدروس و باغتها صافعا إياها بحديثه الهادئ :
" سأطلقك يا سندس "
الجمها هدوئه و صمتت لبرهة تستوعب جملته البسيطة التي زلزلت أرضها ..
برهة انقسمت فيها لنصفين ..
نصف يصرخ فرحا لأنه أخيرا سيحصل على انتقامه و حريته و يتخلص من هذا العذاب الذي تحيا به ..
و نصف آخر يصرخ أيضا لكن كمدا و انكسارا ..!
نصف يدرك جيدا أن رحيل بِشر معناه نهايتها و بدايته الجديدة ..
بداية مع أخرى ...... كاملة !
أخرى سينفذ معها كل ما اتفقا عليه يوما ..
اخرى سينجب منها أربعة  ..
أخرى سيختبر معها رياضة القفز بالمظلات ..
أخرى ستتنفس عطره ..
ستتذوق حلاوة قربه ..
أخرى ستجني كل شيء و هي ستبقى محصلتها .. صفر ..!
صفر على اليسار لا قيمة له ..
بلى هي تدرك جيدا أنه لو لم يكن لها نصيب مع بِشر لن يكون لها مع غيره لأنها و بكل بساطة لن تستطيع تجاوزه أبدا .
كانت سندس تهيم في أفكارها غافلة عن عيناه التي تقرأ كل ما يدور بداخلها لتظهر ابتسامة سخرية حزينة على وجهه محاها ليستطرد بصوت متحشرج :
" سأطلقك يا سندس ، لكن لدي شرط "
خرج صوتها مهزوزا و كأنها تحارب لتلملم شتات نفسها :
" ماذا ؟!! "
فيكتف هو ذراعيه متمتما بغموض :
" ستزفين لي و تبقين في بيتي لمدة عام كامل "
كشرت سندس برفض تلقائي للفكرة ثم تمالكت نفسها و قالت من بين أسنانها :
" و ما الذي يجبرني على القبول بهذا ؟!! .. و إن كنت ستطلقني حقا لما ننتظر لعام ؟! .. لما لا تفعلها الآن و تنهي الأمر ؟!! "
جلس بِشر قبالتها ثم غمغم بجدية :
" لا يعلم الكثيرين بعقد قراننا لذا سيكون من الغريب انتشار أمر طلاقنا ... أنا أرى أن الزفاف هو أسلم حل "
احتدت نظرات سندس رفضا و كادت أن تتحدث ليدرك هو ما أوشكت على قوله فيكمل بهدوء يتخذه طبعا وقت الغضب :
" فكري في الأمر جيدا يا سندس، عام إضافي على ذمتي تقضينه في بيتي و ينتهي بعدها كل شيء "
تحكم فيها كبريائها من جديد فقست نظراتها و قالت :
" و أنا لست موافقة ، لن يُغلق علينا باب واحد "
نهض بِشر من مكانه و رفع كتفيه بقلة حيلة مصطنعة ثم قال :
" معناها لا طلاق سيتم يا ابنة خالتي ، لا الأن و لا بعد مائة عام "
نهضت سندس تقف أمامه الند بالند فلمعت نظراته بعشق وأد ظهوره في مهده  و استطرد ببرود :
" و لا تحلمي بأمور المحاكم فلن تحكم لكِ اي محكمة بالطلاق لأنك ببساطة لا تملكين أي سبب مقنع و انا عن نفسي سأقول أنني متمسك بكِ و بشدة "
جزت سندس على أسنانها تود لو تصفع وجهه المستفز لتسأله بعد لحظات طويلة بغيظ :
" ماذا تريد يا بِشر ؟!! .. إلى أي شيء تسعى ؟!! "
كاد لسانه يزل و يخبرها بمسعاه الحقيقي لكنه تجلد قائلا بصوت اجش :
" أسعى لإنهاء ما بيننا بطريقة صحيحة يا سندس "
سندس .. سندس .. سندس !
لما لا يتوقف فحسب .. !
أنهى بِشر حديثه و فر من أمامها هاربا قبل أن يضعف و يجذبها بين أحضانه ليروي شوقه إليها الذي يرديه قتيلا في اليوم مائة مرة ..
قلبه يحترق و يتحطم شوقا لها لكنه لُعن ببقائه بعيدا عنها
هو الذي أوشك على التهام التفاحة المحرمة فكان عقابه طرده من قلب جنته و مكوثه في جحيم فراقها و مقتها ..
رباه يا حرير الجنة .. هل كان التخلي سهلا لهذا الحد ؟!!
حين فتح الباب وجد خالته تنظر تجاهه بترقب فابتسم لها مطمئنا ثم اقترب منها و عانقها هامسا بدفء :
" اشتقت اليك ِ يا أمي "
ربتت إيمان على ظهره بقلب متألم على حاله و حال ابنتها ثم همهمت بصوت مبحوح :
" مر عليّ يا بِشر من وقت لآخر ،انت ابني و يؤلمني ابتعادك عني "
قبّل بِشر رأسها معتذرا عن غيابه ثم تركها و رحل بينما وقفت سندس مكانها تلملم شتات نفسها التي بعثرها وجوده و عطره .... و اسمها المجرد من بين شفتيه ..!
**********
( بعد عدة أيام )
" أفهمني فقط ما الذي تغير بك منذ ذلك اليوم الذي أوصلت فيه أبي الى القرية ؟!! "
زفر خالد بضيق ثم كرر حديثه السابق بصبر يُحسد عليه دون أن تحيد عينيه من على الطريق أمامه :
" يا لقاء أنتِ تعرفين ما يحدث ، بالله عليك ِ ارحميني من تحقيقاتك قليلا "
تنهدت لقاء بقنوط وهي تمسد على بطنها ببطء لتسأله بعد لحظات بهمس :
" أأنت متأكد أنه لم يجّد أي شيء في تلك القصة ؟!! "
جز خالد على أسنانه دون رد و داخله يلعن اللحظة التي تورط فيها في تلك المصائب .. !
رغم أنه يدرك أن ما يفعله هو الصواب لكنه يدرك أيضا إنه لا يخاطر بنفسه فحسب .. !
بل الخطر يحوم حوله و حول عائلته بالكامل ..
أمه و إخوته ..
لقاء و طفلهما ..
كل من يحيط  به أصبح في دائرة الخطر ..!
رباه من أين ظهرت له تلك المصيبة ؟!!
فمنذ ذلك اليوم الذي اطلع فيه على الأوراق و البيانات اللعينة ثم اختفت و كأنها لم تكن و هو يبحث خلف السيد عبد الخالق بضراوة إلى أن توصل إلى بعض الأوراق التي تدينه ..
بالطبع اختفت البيانات التي رآها سابقا ً لكنه بحثه أسفر عن كوارث أخرى ..
لكن و لحظه العثر عبد الخالق بدأ الشك يغور في صدره تجاهه فبات تعامله معه غير مريح على الاطلاق و كأنه هو الآخر قد وضعه بدوره تحت عينه ..
تلميحاته مريبة ..
نظراته أغرب ..
حتى حديثه الأبوي الذي اتخذه سابقاً منهجاً للتعامل بينهما اختفى تماماً كأنه لم يكن قط ..!
كل هذا يهون .. كل هذا لا يهم
الكارثة الكبرى التي تكاد تجعله يعيد النظر في الأمر برمته هو حديث عبد الخالق معه اليوم و الذي ساده التحذير المبطن خاصة ً تلك الجملة التي علقت برأسه حين أخبره أن عليه أن يهتم بعمله فقط فهو شاب في مقتبل العمر و لديه أسرة يعتني بها ..
وهو ليس من الغباء و لا الحمق الذي يجعله لا يفهم بواطن حديثه ..
الرجل يهدده بشكل رسمي و إن كان حديثه مراوغ مثله ..!
هل عليه أن يتراجع ؟!!
هل يغض بصره عن الأمر برمته ؟!!
فإن كان لا يخاف على نفسه فماذا عليه أن يفعل بلقاء و طفلهما و أمه و إخوته ..!
و من قبل كل هذا ماذا يفعل مع ضميره الذي سيبقى يؤنبه إلى آخر لحظة في عمره إذا تعامى عن الأمر و ضلل نفسه ؟!
رباه ما هذه الدوامة التي سقط فيها دون سابق إنذار ؟!!
انتبه خالد على يد لقاء التي امتدت تحتضن كفه بتوتر حين ازدادت سرعته فابتسم لها يبثها طمأنينة لا يملكها و هدئ سرعته قليلا :
" انت تدرك أنني معك و بجوارك دائماً و تستطيع اخباري بكل ما يؤرقك .. أليس كذلك ؟! "
التفت لها خالد و ابتسم بعينين تفيضا بالعشق ثم رفع كفها إلى فمه يلثمه بهدوء و عاد إلى قيادته فيما يهمهم غافلاً عن عينا لقاء التي توقفت عند سيارة معينة للحظات ثم استغفرت ربها بقلب مثكل :
" لا حرمني الله من وجودك حولي يا ام لولو "
غافلا تماماً عن شرودها الذي سُحبت إليه مجبرة حاول خالد تغيير الجو المشحون بينهما فضغط على المسجل أمامه ليصدح صوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد مرتلا عدة آيات من سورة البقرة إلى أن أتى قوله تعالى  (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)
فتنهد من جديد و عقله رغما عنه يعطيه إشارة ربه فزفر مستغفرا و داعيا الله أن تمر أيامه القادمة على خير بعد أن تجاسر و خبئ نسخة من الأوراق التي عثر عليها هذه المرة منتظرا الوقت المناسب لتسلميها إلى الشرطة.
***********
( في الجامعة )
كعادتها تقف في زاوية لا تُرى تنتظر رحيل صخر حتى تظهر نفسها إلى سندس ..
سندس التي انقطعت اخبارها تماما منذ ليلة عيد ميلادها
بعد أن أغلقت هاتفها و حسابها الشخصي على الانترنت أيضا و اختفت تماما ..!
زفرت رغدة بضيق و قلقها على سندس يزداد حين طال مكوثها في سيارة صخر أكثر من المعتاد فاضطرت إلى التحرك تجاه البوابة قليلا حتى ترى ما يحدث بشكل أفضل ليباغتها ظهور لؤي الشناوي أحد أكثر الشباب عبثا في الجامعة  ملقيا عليها بعض عبارات الغزل الوقحة ..
فالطبع مركز والده عزام الشناوي يخوله بفعل ما يريد دون رادع !
اضطربت رغدة و تحركت بغير هدى مبتعدة عن طريقه بقلق
و حين لمس لؤي ضعفها قرر أن يزيد جرعة العبث وقد أعجبته اللعبة فلحق بها ضاحكا بخطوات متأنية أرسلت الرجفة في أوصالها و قد غاب عن ذهنها تماما طلب المساعدة من أفراد الأمن ..
" بتروي يا حلوة .. لن ينفعك الهرب في شيء .. في اي صف أنتِ ؟!! "
تسارعت خطوات رغدة لتجد نفسها بعد عدة لحظات تقف أمام سندس التي تحدق فيها بتعجب وقلق من حالتها الغريبة فتمسكت رغدة بها بخوف عفوي بينما سألتها سندس بحذر :
" ماذا بكِ ؟!! .. ما هذا الحال ؟!! "
ألقت رغدة نظرة خاطفة مرتجفة على لؤي الذي ابتسم لضعفها الواضح و وقف بتحدي على بُعد خطوات منها غافلاً تماما عن صخر الذي يتابع الموقف من بعيد لتنظر رغدة مرة أخرى إلى سندس هامسة بضيق :
" إنه يتبعني منذ وقت "
نظرت سندس بدورها إليه ثم سألتها بتلقائية :
" و لماذا لم تذهبي إلى أفراد الأمن ؟!! "
هزت رغدة رأسها و تشتت نظراتها بتوتر ففهمت سندس أن صاحبتها قد أثر قلقها من الموقف البسيط على تفكيرها كالعادة فهتفت من بين أسنانها بغيظ منها :
" يا الله منك يا رغدة ، بحق الله كيف سيجرؤ على التعرض لكِ داخل أسوار الجامعة ؟!! .. ألا تفكرين ! "
همهمت رغدة بتعثر و ضيق من الموقف بأكمله :
" لم يخطر الأمن ببالي يا سندس ؟!! "
عضت سندس شفتيها بغيظ ثم أمسكت ذراعها قاصدين مبنى الأمن ليتحرك لؤي بدوره خلف الدمية التي أعجبته لكن صخر وصل إلى الفتيات بشكل ما و باغتهن سائلا سندس بنية واضحة للشجار مشيرا برأسه :
" هل يضايقكن هذا ؟!! "
حين لاحظ لؤي وجود صخر و تلك الشرارات التي تندلع من عينيه ابتسم باستخفاف لكنه انسحب بعد أن ألقى نظرة أخيرة إلى رغدة بينما شهقت رغدة بخفوت لتلكزها سندس خفية فيما تتمتم ببعض التوتر لتلملم الموقف :
" لا يا صخر .. صديقتي فقط ترهب الزحام لهذا توترت قليلا "
نظر صخر إلى رغدة التي شحب وجهها و تشتت نظراتها بتوتر من وجوده و تحديقه بها ليسأل مرة أخرى بصوت قوي و كأنه يرغب بسماع صوتها :
" هل انتن بحاجة إلى أي شيء ؟!! "
ظلت رغدة على صمتها و ردت عليه سندس مطمئنة إياه :
" ولا أي شيء "
أخيرا أفرجت عنها مروجه الخضراء و نظر إلى سندس قائلا بهدوء :
" اعتني بنفسك "
فتبتسم له الاخيرة بدفء و هي تومئ له ليعود بعدها إلى رغدة قائلا بمجاملة جافة :
" فرصة سعيدة "
ثم يتركهن و يعود إلى سيارته منطلقا بها إلى عمله دون أن يلتفت إليهن مرة أخرى .
بعد ذهاب صخر التفت سندس إلى رغدة تسألها ببوادر غضب :
" بحق الله اخبريني عن شيء واحد لا تهابينه .. ! "
كشرت رغدة شاعرة بالإهانة بعد أن بدأ اضطرابها يختفي رويدا رويدا ثم قالت بامتعاض :
" لقد توترت حين لحق بي  "
ضحكت سندس بسخرية قاسية ثم صححت لها من بين أسنانها :
" بل هلعت حين لحق بكِ و هلعتِ حين رأيتِ صخر و هلعتِ ذلك اليوم في الحفل "
زمت رغدة شفتيها رافضة توبيخ سندس لتهتف بعدها بطفولية كارثية لا تناسب الموقف وهي تهم بتركها :
" حسنا فهمت و لن استغيث بكِ من جديد "
أوقفتها سندس و قد فاض بها الكيل من طفولية رغدة و ُجبنها المقيت ليتحركن إلى الداخل بعد أن طالت وقفتهن في مكان دخول الطلاب :
" انتظري هنا .. هل أقول لك ِ ذلك حتى تغضبين كالأطفال ؟!! .. يا رغدة استوعبي قليلا لوجه الله ، يجب أن تكوني أنت ِ مصدر قوتك .. هذا الحثالة اتبعك حين لاحظ خوفك منه ، توترك يجعلك فريسة للأنذال و يشوش أفكارك تماما "
لوت رغدة شفتيها بضيق ثم لوحت قائلة بلا مبالاة اصمتت بها سندس :
" حسنا .. حسنا فهمت وجهة نظرك "
ارتفع حاجبي سندس لتتمتم من بين أسنانها :
" و الله لن تفهمي شيء أبدا طوال عمرك  "
لحسن الحظ لم تسمعها رغدة لكنها سألتها بعد عدة لحظات حين وصلن لمكان جلوسهن المفضل :
" لما اختفيتِ اليومين الماضيين ؟!! .. هل كل شيء على ما يرام ؟! "
زفرت سندس بضيق ثم تمتمت بعد لحظات :
" لقد تعبت قليلا .. ارهقني الحفل فتعبت "
حدقت فيها رغدة قليلا ثم باغتتها سائلة بلا حذر :
" هل هذا التعب يخص ذلك الرجل ذو الشعر الطويل الذي رأيته أكثر من مرة ينتظر خروجك من الجامعة "
في وضع آخر كانت سندس لتردعها عن الكلام في هذا الأمر لكن تشتتها الذي أصيبت به منذ ما حدث جعلها تتمتم دون وعي تقريبا :
" إنه زوجي "
شهقة رغدة و نهوضها المفاجئ اعادا لها انتباهها لتعي لما تفوهت به فتشتم بِشر سرا بينما هتفت رغدة بذهول :
" أنت ِ تزوجتِ ؟!! .... متى ؟!! "
زفرت سندس بقنوط ثم شدت رغدة تجلسها جوارها من جديد فيما تقول باختصار شديد :
" أنا متزوجة منذ ثلاثة أعوام أو أكثر "
ازداد ذهول رغدة فهي كانت تظن أنها تعرف كل شيء عن صديقتها لتكتشف اليوم أنها حمقاء لا تدرك عنها أي شيء ..
تمتمت رغدة بغباء و هي تنظر لأصابع سندس :
" لكنك لا ترتدي محبس "
نظرت لها سندس بطرف عينيها دون رد لتهتف رغدة بعدم تصديق وهي تنهض من جديد :
" لا تقولي ... عُرفي .. ! "
نظرت سندس حولها بصدمة بعد أن لفتت تلك المتخلفة الأنظار اليهن بشهقاتها المستمرة ثم عادت بنظرها الى رغدة و تكلمت من بين أسنانها بنبرة عدوانية :
" اقسم بالله إن لم تجلسي الآن و تتوقفي عن فضحي سأفتح رأسك يا رغدة ... ما هذا الغباء ؟!! "
تلفتت رغدة حولها و أنبت نفسها حين لاحظت بالفعل بعض النظرات الفضولية لكنها كانت أكثر فضولا منهم جميعا فاقتربت بجلستها من سندس و تمتمت بسرية مضحكة :
" اخبريني .. كيف تزوجتما ؟!! .. هل الورقة معك ام تركتيها له ؟!! "
اتسعت عينا سندس بذهول من مسار أفكار تلك الغبية التي تجلس جوارها فسبتها و قالت :
" يا اغبى خلق الله بِشر زوجي على سنة الله ورسوله "
رمشت رغدة قليلا ثم سألتها دون هوادة :
" و اهلك يعلمون ؟!! "
عدت سندس للعشرة سرا تمنع نفسها بمعجزة من ضربها ثم اخذتها على قدر عقلها و أجابت :
" أجل يعلمون "
زفرت رغدة براحة مضحكة ثم صمتت للحظات تقلب الأمر برأسها لتسألها بعد لحظات بتعجب :
" في هذه الحالة أين محبسك ؟!! .. و لما يقف زوجك بعيدا مثل المتحرشين ؟!! "
زمت سندس شفتيها من هذا التحقيق ثم قالت لتنهي الموضوع :
" لأنني أريد الطلاق و لا تسألي أكثر من ذلك "
صمتت رغدة مرغمة و عقلها يكرر الأمر مع نفسه دون توقف ..
لتهمس في النهاية بصوت غير مسموع :
" ما هذا الجنون !! "
**********
" سيد صخر .. السيد عبد الحميد الغانم يريد محادثتك "
طلب صخر من مساعدته تحويل المكالمة إليه ثم أبعد أوراق عمله و صفى ذهنه قليلا ليستقبل بعدها المكالمة بترقب ليأتيه صوت عبدالحميد الوقور :
" السلام عليكم يا صخر "
صخر دون ألقاب .. !
شيء غريب .. هو ليس معتاد على هذا القرب من السيد عبد الحميد بالأخص !
احتفظ بتساؤلاته لنفسه و رد السلام بهدوء ليدخل عبد الحميد في الموضوع مباشرة كعادته قائلا باختصار :
" الحاج صفوان يرغب بلقائك إن كنت لا تمانع "
لم يتعجب صخر بل اتسعت ابتسامته بمكر و ثقة وقد أدرك أن عرضه قد نال استحسان الحاج صفوان و إلا لما يطلب رؤيته ..!
من جديد احتفظ صخر بأفكاره و قال بنبرة عادية :
" بالتأكيد يسعدني مقابلة الحاج في اي وقت "
ساد الصمت للحظات تكلم فيها عبد الحميد مع شخص آخر ليعود إلى صخر قائلا :
" حسنا .. هل يناسبك عصر اليوم ؟!! "
لم يرغب صخر في تأخير الأمر ، فكل لحظة تمر يزداد خطر انكشاف أمر الاندماج و هو يريد أن يكون الخبر مباغتا و صادما للشناوي و من معه ليربك تحركاتهم قليلا فيما يخصه و يبعدهم عن طريقه خاصة ً و مشروع القرى السياحية الذي يرغب في الحصول عليه بدأت أخباره تتسرب إلى منافسيه .
طلب صخر من عبد الحميد أن ينتظر لدقيقتين ثم عبث بهاتفه يتأكد من فراغ مواعيده ثم عاد إليه قائلا بصوت صلب :
" لا مشكلة ، سأكون عندكم في الرابعة عصرا بإذن الله "
******
( عصرا )
( ما تبطل تمشي بحنيه ما تبطل تمشي بحنيه ليقوم زلزال ..
ليقوم زلزااااال ..
ليقوم زلزااااال ..
كعب الغزال يا متحني بدم الغزال
كعب الغزال يا متحني بدم الغزال )
طرقت جزاء على باب الحمام و هي تهتف بصوت مرتفع حتى يصل صوتها إلى نجم الحفل المُقام في الداخل :
" يا بكر باشا .. يا سيد بكر ، أنت يا فنان انجز و ألقي التحية على جمهورك و اخرج ، أنت تستحم منذ نصف ساعة و أكثر "
دقائق بسيطة و وجدته يخرج عليها بمنشفته العريقة التي يلفها حول جذعه بينما يجفف وجهه و شعره بأخرى اصغر حجما فيما يتمتم بحنق مصطنع :
" اخرج .. أخرج .. أخرج و ها أنا خرجت ، نعم ! .. ماذا تريد الكونتيسة ؟!! "
أنهى حديثه و هو يرمي إليها المنشفة الصغيرة فالتقطتها جزاء و ردت عليه بتهكم :
" انزل و قل هذا الحديث لجدك ، هو من يريدك "
زفر بكر ثم فتح خزانة الملابس يبحث عما يرتديه و هو يدندن بنفس اللحن الذي كان يغنيه في الداخل لتضع جزاء المنشفة التي تمسك بها على الكرسي فيما تسأله باستغراب :
" أخبرني أولا عن هذا المزاج الرائق رغم أنك في العادة تعود من العمل صارخا من الجوع بمزاج عكر "
ارتدى بكر سرواله ثم التفت إليها قائلا بمكر :
" هل تعلمين أولا من الضيف الذي يستعجلني الحاج صفوان للنزول قبل وصوله ؟!! "
هزت جزاء رأسها نفيا فاقترب منها بكر بخطوات بطيئة مراقبا كل لمحة منها كعادته فيما يقول بصوت خافت و كأنه يفضي لها بسر حربي :
" صخر المنصوري "
للحظة توترت نظراتها و الاسم يضرب عقلها بما فعلته منذ فترة طويلة نسبيا فتتعلق عيناها بعيني بكر الذي خمن ما تفكر به فقال :
" لا تقلقي .. أنا هنا "
قطبت جزاء بحيرة دامت للحظات ثم سألته بترقب :
" لما سيأتي ؟!! "
" اغلقي لي ازرار القميص "
" عفوا ؟!! "
سألته جزاء بتشتت فتعود ابتسامته العابثة تزين ملامح وجهه ثم يكرر طلبه من جديد بهمس خافت و هو يشير لملابسه :
" القمييييييص .. سأمرض هكذا .. الجو بارد "
تأففت جزاء ثم شدت جانبي القميص ببعض العنف فيما تقول بغيظ :
" أنجز و توقف عن العبث "
فيلعب لها حاجبيه ثم يميل خاطفا قبلة منها و يرد بمرح :
" أمرك يا غزال "
ألقت إليه نظرة حادة قابلها بأخرى ضاحكة ثم بدأ حديثه الجاد أخيرا قائلا ببساطة :
" باختصار شديد صخر المنصوري يعرض الشراكة علينا ، يريد أن يدمج مجموعته بمجموعتنا "
اتسعت عينا جزاء بعدم فهم ترجمته حروفها حين سألت :
"  لماذا ؟!! .. ما الذي حولّه من أكبر منافس إلى صديق ؟! "
ابتسم بكر لها و امسك بقبضتيها التي مازالتا تشد جانبي قميصه و كأنها أمسكت بلص غسيل فيما يقول بغموض :
" الخوف "
كشرت جزاء ثم تمتمت :
" لا تكلمني بالألغاز "
تركها بكر و استدار يمشط شعره فيما يقول :
" ببساطة يا غزال هناك مجموعة من المستثمرين قد وضعوا صخر و شركته برأسهم و يرغبون بالاستحواذ على نسبة من أرباح الشركة السنوية دون وجه حق .. نوع من انواع المشاركة الغير ودية و في نفس الوقت هذه المجموعة بدأت تحوم حول شركتنا أيضا "
رفعت جزاء حاجبيها للحظات ثم همهمت تقاطعه بخفوت :
" أجل لقد سمعت بعض الكلام يخص هذا الأمر لكن نسيت أن أسألك "
اومأ بكر بتفهم و تجنب ذكر شكه في انهم سبب الحادث الذي أوشك على الوقوع لأمين منذ عدة أيام ثم أكمل حديثه وهو يضع عطره :
" المهم .. صخر يريد دمج المجموعتين لأنه ببساطة بمفرده ومن حوله مجرد موظفين يسهل شرائهم كما انه مسؤول عن امه و أخته و إذا حدث شيء له مرة أخرى سيصبحن بمفردهن تماما لذا تجنبا لكل تلك الأشياء سينضم صخر إلى مجموعتنا و يصبح شريك لنا "
كتفت جزاء ذراعيها و سألته مرة أخرى :
" و ما الذي سنستفيد به منه ؟!! "
ابتسم بكر بخبث يجيده ثم أجابها :
" أولا صخر عقله يزن بلد و هذه فرصة لاستغلال أفكاره .. ثانيا و هذا الأهم بضعة أسماء معينة من المساهمين في شركته سيقوون موقفنا للغاية ضد تلك المجموعة "
هزت جزاء رأسها بتفهم ثم تمتمت باستنتاج :
" يعني مثل التحالف "
التفت لها بكر من جديد قائلا بمشاكسة :
" عليكِ نووووووور ، ما شاء الله سريعة البديهة من يوم يومك "
كادت جزاء ترد على استخفافه بما يناسبه لكن قصي اقتحم الغرفة مثل العاصفة هاتفا :
"  جدي الصغير يقول انزلا الآن احسن لكما "
زفر بكر ثم أمسك قصي من ياقة قميصه هاتفا :
" كم مرة قلت لك أن تحترم نفسك و تطرق الباب قبل دخولك "
فيأتيه الرد بصوت جزاء المتهكم التي تركتهما و نزلت هي :
" من شابه عمه فما ظلم "
نزلت جزاء إلى الردهة يتبعها بكر و قصي بصيحاتهم المنطلقة أمام بعضهما بينما خرجت رغدة من المطبخ تأكل تفاحة و قد عادت من جامعتها منذ وقت فيما تسأل بفضول عما يحدث فيجيبها ( الرويتر ) الصغير بانطلاق :
" أحدهم سيأتي للعمل مع جدي "
ليجري بعدها تجاهها فيما يستطرد كرجل كبير :
" لكن ما دخلنا ؟! .. اتركينا نحن من كل هذا و هيا لنلعب مباراتنا الجديدة .. موعدنا اليوم هل تذكرين ؟! .. سنلعب لكن حاولي ضبط زوايا قدمك "
" الجو بارد يا قصي "
ألقتها رغدة بتذمر فيرد الصغير بإصرار :
" ستدفئين حين تركضين خلف الكرة "
قبل أن ترد رغدة عليه هتف بكر الذي كان يتابع الحديث ضاحكا :
" و ماذا عني يا نذل ؟!! "
التفت إليه قصي و لوح بكفه قائلا :
" حين تنتهي تستطيع الانضمام الينا .. أليس كذلك يا رغدة ؟! "
راقبت رغدة غيرة جزاء تندلع و هي تنظر تجاه بكر فقالت بخبث :
" بالطبع لا مشكلة "
التقط بكر ما تود فعله فاقترب من جزاء يضع ذراعه على كتفها بحميمية قائلا بوعيد تمثيلي مضحك :
" سأنضم لكم أنا و الغزال و لن نرحم أحدا .. أليس كذلك يا وحش الملاعب ؟!! "
ارتبكت جزاء من لقبه الوقح الذي اعتادت أن يطلقه عليها في لحظاتهم الخاصة لتتماسك أمامه بعد لحظات ثم ترد عليه بتحدي :
" أجل .. لا رحمة اليوم "
اتسعت عينا بكر ثم هتف بهلع مضحك :
" احمينا يا رب "
في تلك اللحظة خرج عبد الحميد من مكتب والده قائلا بحزم :
" توقفوا عن اللهو و هيا كل واحد الى حال سبيله "
" هل تصرف شحاذين يا حاج ؟! "
نظر عبد الحميد لأبنه المشاغب و رد عليه :
" ادخل يا شحاذ لجدك و سينضم لك جاسم و أمين فور عودتهم من الشركة .. بالمناسبة لما عدتما باكرا اليوم ؟!! "
ارتبكت جزاء و شتت نظراتها بينما ابتسم بكر بسماجة و قال بوقاحة :
"أنهينا أعمال الشركة و جئنا لإنهاء أعمال البيت "
شهقت جزاء بخفوت ثم أزاحت ذراعه من فوق كتفها بحدة و خرجت إلى الحديقة يتبعها رغدة و قصي بينما هتف عبد الحميد بقرف :
" معدوم التربية "
فيرد عليه بكر و هو يدلف إلى مكتب جده :
" تسلم يا حاج "
****
بعد وقت كان صخر قد انتهى من شرح عرضه للمرة الثانية أمام الحاج صفوان الذي لم يخبئ إعجابه بطريقة تفكيره رغم تحفظه بعض الشيء على ما حدث بينهما سابقا ليعقب صفوان في النهاية بصوت ضعيف بعض الشيء لكنه مهيب :
" أنت ذئب يا أبن المنصوري "
التفتت الأعين كلها إلى صفوان الذي كان يضع عينه على صخر الهادئ أكثر من اللازم و استطرد بفطنة :
" ذئب مختلف لكنه وحيد يبحث عن قطيع يحميه وقت الأزمات "
ظل صخر على صمته ليصمت صفوان للحظات بسيطة قبل أن يتمتم :
" أنت حاولت ايذائي سابقا و اليوم اخبرتني ما دفعك للقيام بذلك لهذا سأعطيك نصيحة صغيرة .. من الرائع أن تصل لهدفك لكن ما يحدد معدنك هو طريقة وصولك إليه "
رد عليه صخر بصلابة و ثقة :
" رغم أنني أعترف بخطأي لكن كل شيء مباح في الحرب يا حاج و انا كما اخبرتك كنت في حالة حرب "
اومئ صفوان متفهما ثم قال بهدوء بعد لحظات من الترقب :
" مرحبا بك بيننا يا ابن المنصوري "
انتهت جلستهم ليلمح صخر عدم الرضا على وجه جاسم الذي يرى أن وضعهم ليس سيئا لتلك الدرجة فتجاهله لبقية الجلسة ثم استأذنهم للذهاب بعد عدة دقائق .
فور أن خرج صخر من باب البيت بصحبة أمين سمع أصوات هتاف عالية تأتي من منطقة جانبية في الحديقة فلم يكترث و أكمل طريقة ليتوقف مبهوتا هو وأمين حين ضربت الكرة رأسه من الخلف بشدة فالتفت متجاهلا اعتذارات أمين ينظر إلى الصغير الذي جاء يركض فيما يقول بسرعة حتى يتفادى توبيخ والده :
" و الله ليس أنا .. هذه قدم رغدة الحولاء "
رفع صخر عينيه عن الصغير لتقع عيناه على ثلاث فتيات اثنتين منهن ينظرن بفضول و بعض الاحراج أما الثالثة .....
اتسعت عيناه للحظة و توقفت على الثالثة بصدمة جلية ..
إنها هي .. !
الهريرة الشاحبة ...
رغدة .. !
و الصغير أيضاً قال رغدة للتو ..
نفس الاسم .. نفس الوجه .. نفس النظرات الهلعة 
ألهذا ترتعب حين تراه ؟!!
رمش صخر ليسيطر على صدمته ثم تمتم بخفوت شديد و كأنه يجمّع الصورة كاملة في ذهنه :
" اذاً أنتِ ابنة الغانم الأخيرة "
                           

                                نهاية الفصل الرابع

عدو في المرآة  .. الجزء الثاني من سلسلة قلوب تحت المجهر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن