علمني كيف......

1.2K 59 3
                                    

حين ينتبه إلي أصدقائي وأنا أقترب منهم،
أخفض رأسي وأنظر إلى الأسفل.
حين أفيق من النوم وتشاهدني أمي،
أخفض رأسي وأنظر إلى الاسفل.
حين أقف في الطابور مع إخوتي أنتظر الدور كي أقبل جبين أبي،
أخفض رأسي وأنظر إلى الأسفل.
حين يشرح لي البائع حول منتج ما،
أخفض رأسي وأنظر إلى الأسفل.
حين يمد لي فقير يده يطالبني بصدقة،
أخفض رأسي وأنظر إلى الأسفل.
حين يسألني عامل المحطة أي نوع من الوقود أريد،
أخفض رأسي وأنظر إلى الأسفل.
حين ينظر إلي المذيع عبر شاشة التلفاز،
أخفض رأسي وأنظر إلى الأسفل.
أفعل ذلك لأني أغار عليك،
فأنا لا أريد أن ينظر أحد إلى عيني
فيختلس النظر إليك.

وأعوي وحيدا،
فوق صخرة الوداع
كما ذئب جريح،
نجح في الأفلات من أقفاص الصيادين،
وقطع الطريق الطويلة
يعرج بثلاث أقدام،
وأقدام لا نهائية ترسمها له الحنين،
حتى إذا وصل أخيرا إلى مخبأ القطيع
أكتشف أنهم تخلوا عنه وغادروا المكان!


عندما أتذكرك،
يصبح صوتي
مثل جؤار سفينة حزينة،
تطلق صرخاتها الأخيرة،
قبل أن تغرق في قيعان البحار،
أحبك وأريد أن أكرهك في آن،
العودة إليك شبة مستحيلة،
والنجاة منك أنتحار!

كنت أحب أسألتك الطفولية،
وأحبك أكثر حين تقتنعين بأجوبتي،
التي ليس لها أي منطق أو أساس.
أذكر حين سألتني ذات مرة،
لماذا يصيح الديك عند الفجر؟
قلت لك حينها :
_كي تفيق الشمس بصوته!
قلت :
_ولماذا يصيح عند الغروب؟
قلت لك :
_كي ينبئها بأن موعد نومها قد حان!
وعلى الرغم من أننا كنا نتحدث عبر الهاتف،
إلا أنني كنت أشعر بك وأنت تهزين رأسك موافقة،
على كل ما أقوله لك وكأنك طالبة مجتهدة،
تأخذين من أستاذتها المراجعة النهائية للامتحان.
قلت لي :
_لماذا يتوارى القمر خلف السحاب؟
قلت لك :
_كي لا يراه أحد وهو يبدل بيجامته!
قلت لي وعلى ماذا يشير شكل الهلال؟
قلت لك :
_الهلال هو أبتسامه الفضاء لسكان الأرض!
_وهل هناك مخلوقات في الفضاء؟
_نعم، أنا من سكان الفضاء!
_ولماذا جئت إلى الأرض؟
_لأني رأيت في عينيك الحياة!
أذكر أني قلت لك حين قدمت إليك ذلك العقد الذهبي،
بمناسبة أنتقالك في الجامعة من مرحلة إلى مرحلة :
_البارحة رميت خطافا إلى أحد النجوم،
وظللت الليل بطوله أتسلقه،
وحين أصبحت بمحاذاة القمر،
تأرجحت في السماء حتى قفزت إليه،
سرقت من طرفه خيطا وصنعت لك به هذا العقد.
أذكر أن الجميع كان يضحك عليك،.
حين كنت تخبرينهم بقصة صعودي إلى القمر،
ولكن الجميل في الأمر أنك
كنت لا تكذبينني
وكنت دائما تصدقين الخبر.

عيناك درب طويلة محفوفة بالأنهار والشجر،
عيناك بلاد أخرى على الناظر إليهما أن يردد في قلبه دعاء السفر.

في عينيك جيوش المسلمين تقاتل حتى النصر،
في عينيك أعاد المسلمون فتح البلدان ما وراء النهر!
في عينيك عادت إلينا الأندلس،
وأعاد صلاح الدين إلينا القدس،
في عينيك يا سيدتي قرأت روايتي من البداية حتى النهاية،
لم يكن الغياب مكتوبا، فماذا جد؟
لم يكن الفراق ضمن حبكه الرواية، فماذا جد؟
لم يكن الوداع أحد شخوص الرواية، فماذا جد؟
في عينيك رأيت مولدي ووفاتي،
رأيتني أولد حين قلت لي أول مرة ((أحبك))
و رأيتني في النهاية أموت بين ذراعيك، فماذا جد؟!

ماذا لو لم نفترق
وكان المساء اليوم هو الموعد
الذي أتفقت عليه العائلتان للزفاف؟
أتخيل فستانك الأبيض الذي خاطته لك السحاب،
وشعرك الأسود الذي تشرق منه الظلال،
وجمالك اليوسفي الذي لا يضاهيه في الدنيا جمال!
تعالي أقطف لك قمرا ونجمتين من السماء،
أصنع لك بهم أقراطا، وحليا للمساء،
تعالي نتزوج كي يعم السلام الأرجاء،
كي يتعهد الرصاص بعدم أراقة الدماء،
كي تنبت الأزهار على فوهات الأسلحة،
ولكي يضع الجليد قبلة ما قبل النوم على جبين النار.

في داخلي كهف مظلم،
تسكنه أمرأة نزقة،
شعثاء المنظر،
تدعى الجدة كرامة،
نادرا ما ترضى،
ودائما هي غاضبة.
عندما تصرخ
تقطع شعرها،
وتمزق ثيابها.
العصا الطويلة لا تفارق يدها،
تضربني فيها بقسوة،
حين أسامح من أخطأ في حقي،
أو حين أقلل يوما من شأن نفسي،
هي أمرأة مسنة قصيرة،
ذات مزاج متقلب،
السيجار البني لا يفارق شفتيها،
وتحت عينيها ترتسم دوائر بنفسجية

هي تكره الراحلين ولا تقبل لهم أعذارا،
وتبصق على وجهي حين تلمحني أبكي على شخص غاب.
عندما تنبهت لي وأنا أبكي عليك
وقفت تتأملني قليلا بملامح لا تدل على شيء
ثم فجأة
بصقت من شفتيها السيجار،
وألقت من يدها العصى،
وحين أصبحت خلفي،
ربتت بيديها على كتفي،
وحين ألتفت إليها،
والتقت عيني بعينيها،
لوت شفتيها السفلى،
ودست في منتصف رأسي قبلة،
ثم همست لي في أذني
ورائحة السجائر تحرق أنفي :
_لا بأس عليك يا طفلي!

علميني كيف أقيم حفلة زفافي بأمرأة أخرى،
من غير أن ألمحك حاضرة في الأشياء.
علميني كيف أقفل على نفسي
غرفتي وأقترب من المرأة التي يقال أنها زوجتي،
من غير أن ألمحك حزينة،
تختلسين النظر ألي من أسفل الباب.

علميني كيف أسافر معها على متن الطائرة
من غير أن أحجز لك مقعدك المفضل عن النافذة.

علميني كيف أقود السيارة وهي إلى جانبي،
من غير أن ألمحك عبر المرآة الأمامية
وأنت تجلسين على المقعد الخلفي مصالبة يديك
وتنظرين نحوي بعينيك المشاغبة.

علميني كيف أصطحبها  إلى المطعم،
وأطلب لها وجبة العشاء
من غير أن أطلب لك وجبتك المفضلة.

علميني كيف أكون قاسيا، كيف أكون جاحدا، كيف أكون ناكرا للعشرة،

حين أستطيع أن أخرج طيفك من بيتي،

علميني كيف أقرأ أسم أمرأتي في دفتر العائلة،
من غير أن أتعثر بحروف أسمك الأربعة.

علميني كيف أقول لهااا كلاما لم أقله لك.

علميني كيف أبقى ذاكرتي في مأمن منك.

علميني كيف أعيش من دون أن أحبك!


            _______________________




العودة أليك شبه مستحيلة،
والنجاااة منك أنتحاار يا عزيزي

علمني كيف أعيش من دون أن أحبك

أريدك
گ شيء بدأ ولم ينتهي........

مدينة الحب لا يسكنها العقلاء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن