الفصل الثاني

122 9 1
                                    


كان الضوء المتسلل من النافذة خلف ألبيرت خافتًا للغاية،
بالكاد تستطيع كارلا رؤية وجهه الغاضب...
وفوهة سلاحه اللامعة...
والمصوبة تجاهها بثبات!
"بحق السماء، ماذا تظن نفسك فاعلًا!"
صاحت كارلا بغضب تحاول ردعه عن توجيه سلاحه إلى رأسها.
كادت أن تنهض من مقعدها إلا أنَّ ذراعًا غليظًا التفَ حول عنقها سريعًا فحاولت التملص إلى أن لمحت بطرف عينها سلاحًا ناريًا آخرًا موجهًا لرأسها!
توقفت عن المقاومة بعد أن أدركت الموقف وتمتمت وهي تجز على أسنانها بغضب:
"أيها ال...!"
"لا تتحركي!"
صاح الرجلُ ملصقًا سلاحه برأس كارلا.
أغمضت عينيها تحاول السيطرة على غضبها...
بينما تحرك ألبيرت خطوة للأمام وهو يقول بمماطلة:
"دعها تذهب وسأتركك حيًا."
"أتظن أنني سأصدقك؟"
رد الرجل بغضب.
طحن ألبيرت أسنانه بغضبٍ ثم قال:
"لا تستفزني يا رجل، لماذا تقحم شخصًا لا علاقة له بالأمر؟"
أبعد الرجل سلاحه عن رأس كارلا قليلًا وقال:
"لا تحاول خداعي، أعلم أنكما مقربان من بعضكما وإلا فكيف ستسمح لك بدخول شقتها."
"حسنًا... أتعلم ماذا؟"
قال ألبيرت وهو يقترب منهما مخفضًا سلاحه ثم تابع:
"فلتطلق عليها لا يهمني."
اتسعت عينا كارلا بعدم تصديق بينما شعرَ الرجل بالتوتر وازداد ضغطًا على رأسها بقوة وهو يصرخ مهددًا:
"سأقتلها."
"لا يهمني."
قال ألبيرت بعدم اهتمام.
اهتزت ثقة الرجل فأبعد سلاحه عن رأس كارلا وأطلق إحدى الرصاصات أسفل قدمي ألبيرت ليتوقف الأخير مكانه، فصاح الرجل بجنون:
"لا تقترب."
نظرت كارلا بطرف عينها إلى الرجل لتراه متوترًا غير منتبهٍ لها، لكزته في صدره فتراجع للخلف متأوهًا ثم قامت بتقيد ذراعه الممسك بالسلاح فأخذ يطلق الرصاص بعشوائيةٍ حوله، أصابت إحدى الرصاصات العشوائية صدر ألبيرت الذي كان يقترب منهم فوقع أرضًا بألم.
نظرت له كارلا والعرق يتصبب منها فلم تنتبه للرجل الذي اقترب برأسه يسدد لها ضربةً جعلتها رأسها يدور وانتزع ذراعه من قيدها...
اقتربت منه مرةً أخرى تحاول نزع سلاحه منه ليرتد الرجل إثر رصاصةٍ أطلقها ألبيرت عليه وأصابت ذراعه مسببةً تناثر الدماء على وجه كارلا الذي كان قريبًا منه.
جن جنون الرجل فصرخ بألمٍ ثم قام بلكم كارلا ببطنها بغضبٍ لتقع أرضًا هي الأخرى ويهرب هو خارجًا من شقتها ركضًا.
نظرت كارلا إلى ألبيرت الذي لا يقوى على النهوض بضيق وهي تتساءل...
كيف أصبح شرطيًا وهو لا يجيد التصويب!
ألقى ألبيرت سلاحه إليها وقال بألم وحبات العرق تتصبب من جبينه تدل على مدى ألمه:
"لا تدعيه يهرب، إنه... خطير."
نظرت كارلا إلى سلاحه المجاور ليدها بذهولٍ بعد أن أدركت ما يريد منها،
وتساءلت مرةً أخرى بتعجبٍ إن كان يطلبُ من مدنيةٍ حقًا اللحاق بمجرمٍ يعلم أنه خطير بدلًا منه!
صاح بها ألبيرت مُنبِّهًا:
"كارلا، أسرعي من فضلك!"
انتفضت كارلا من مكانها وقالت بضيق:
"بئسًا لك."
ركضت كارلا خارجةً من الشقة بسرعة ثم صاحت بضيق:
"وكيف بحق السماء أعرف إلى أين ذهب!"
أخذت تركض وتتلفت حولها إلى إن وقعت عيناها على نقاط الدم المتراصة أرضًا فتتبعتها بنظرها ثم زفرت بضيقٍ وتابعت الركض تتقفى أثره.

في شقتها،
كان ألبيرت يحاول إيقاف الدماء التي تسيل من موضع الرصاصة لكن دون جدوى، أخرج هاتفه من جيب سترته وضغط زر الاتصال ثم ترك الهاتف إلى جانبه، تحدث الطرف الآخر قائلًا:
"ألبيرت، أين أنت؟"
تحدث ألبيرت بتعب:
"بيتر، لقد هرب الرجل."
"ماذا؟ عن ماذا تتحدث؟ لقد أمسكنا به!"
قال بيتر بتعجب.
صدمةٌ اعتلت وجه ألبيرت فتابع بيتر:
"لقد أمسكنا بالمجرم ألبيرت، ماذا هناك؟"
عاد ألبيرت لوعيه سريعًا وقال:
"بيتر، إن كارلا تلاحق رجلًا مسلحًا بالمبنى، من فضلك أرسل بعض الدعم سريعًا."
"كارلا!"
ردد بيتر بتعجبٍ مخلوطٍ بالاستفهام.
صاح ألبيرت بضيق:
"بيتر! لا وقت لأسئلتك أرسل دعمًا."
"حسنًا، ولكن أين أنت؟"
سأل بيتر بقلق.
"لازلت في الشقة التي كنت بها... وأنا مصاب."
أجاب ألبيرت وقد تعب من محاولة إيقاف الدماء عن التدفق.
انتفض بيتر من فوره وقال:
"أنا قادمٌ على الفور!"
ثم أغلق الهاتف وأمر بعض أفراد الشرطة بالتحرك بصحبة المسعفين وأن يتبعوه إلى الأعلى.
ركضوا جميعًا خلف بيتر الذي كان يركض مسرعًا على درجات السلم دون انتظار المصعد...
فذلك المصاب الذي بالأعلى ليس مجرد رفيقٍ له في هذه المهمة...
بل هو رفيق أيامٍ ومصائبٍ عظامٍ تعرضا لها سويًا دون أن يخذل أيٌ منهما الآخر...
أو يتخلى عنه...
وصل بيتر إلى حيثُ ألبيرت وبدأ المسعفون في معالجة جرحه بسرعة ومحاولة تعويضه عن الدماء التي فقدها، جثا بيتر إلى جانبه بغضب وقال:
"أتمنى أن تكون سعيدًا بما أنت عليه الآن."
نظر له ألبيرت بوهن فتابع بيتر بغضب:
"ليتك تستمع لي فقط عندما أصرُّ عليك أن ترتدي سترتك الواقية من الرصاص."
أغمض ألبيرت عينيه بألم فزفر بيتر بضيقٍ ونظر حوله كي يهدأ فرأى خط الدماء الممتد لخارج الشقة فعقد بين حاجبيه بحيرة ثم قال:
"ألبيرت، لمن هذه الدماء؟"
أجاب ألبيرت دون أن يفتح عينيه وقال:
"إنها للرجل الذي هاجمنا."
ثم تابع:
"هل أرسلت أحدًا لمساعدة كارلا؟"
نظر له بيتر بصمتٍ فقال:
"إنها مالكة هذه الشقة، هل أرسلت أحدًا لها؟"
أومأ بيتر برأسه بعمليةٍ ثم قال:
"أجل، إنهم يبحثون عنها وعن الرجل."

وفي ذات الوقت،
كانت كارلا تتابعُ الصعود إلى الأعلى متتبعة ذلك الخيط الرفيع من الدماء إلى أن انقطع فقررت الاستمرار في الصعود إلى أن وصلت إلى سطح البناية ووقفت تلتقط أنفاسها بصعوبةٍ قبل أن تهم بفتح بابه.
رفعت رأسها تنظر للباب وهي تتمنى أن يكون الرجل خلفه حتى تنتهي من كل هذا الهراء برمته، نظرت إلى السلاح الممتلئ بالرصاص بقبضة يدها ثم تقدمت بخطواتٍ ثقيلةٍ وفتحت الباب ودخلت بحذر...
رفعت يدها ممدودةً بالسلاح تستعدُ لمهاجمته فور رؤيتها له،
لكنها توقفت حين نظرت إليه ووجدته يقف على حافة المبنى بعد أن قام بربطِ ذراعه الجريح وينظر لها بثباتٍ كأنه كان ينتظرها أن تجده وتقف أمامه.
عقدت ما بين حاجبيها وقالت بصوتٍ مرتفع مشهرةً سلاح ألبيرت في وجهه:
"لم لا تنزل من عِندك وتسلم نفسك فحسب."
ظل الرجل ناظرًا إليها بصمتٍ مريب أقلقها ثم قال:
"كارلا."
سرت قشعريرةٌ بجسدها فور نطقه لاسمها، وقالت بترقُب:
"كيف تعلمُ من أنا؟"
ابتسم الرجل بأرياحيةٍ ثم قال:
"جميعنا نعلم من أنتِ."
"جميعنا؟ من تقصدُ بجميعنا؟!"
سألت كارلا بحيرة.
ابتسم الرجل ابتسامةً باردةً دون أن يجيبها...
فحركت رأسها يمنةً ويسرةً تنفض عنها تلك الأسئلة التي خلقتها كلماته وقالت:
"فلتكف عن هذا الهراء ولتسلم نفسك للشرطة وحسب."
"لماذا تقومين بمساعدة الشرطة كارلا؟ أستطيع أن أقول إن هذا آخر شيءٍ توقعناه منكِ."
قال الرجل بهدوءٍ وهو يلقي سلاحهُ أرضًا بينهما ثم يوليها ظهره.
"ماذا؟"
قالت كارلا بعدم فهم وهي تنظرُ إلى سلاحه الملقى أرضًا وتتعجبُ من تصرفه.
استدار لها مرةً أخرى وقال مبتسمًا على حين غرة:
"ألا تملكين ضغينةً تجاه الشرطة؟"
صمتت كارلا فاستمر في التحدث وهو يسيرُ بتؤدةٍ على حافة المبنى وهو يقول:
"كارلا، الحياةُ ليست عادلة أبدًا!"
اظلت مشهرةً سلاح ألبيرت تجاهه دون أن تزيحَ عيناها من على الرجل،
تتابعه حركاته وسكناته، بينما تابع الرجل مستنكرًا:
"أتظنين أنكِ تساعدين الجانب الصحيح الآن؟"
استمر صمت كارلا وهي تشعر أن الكثير من الأفكار تغزو رأسها،
واستمر الرجل في التحدث:
"أتظنين أنك بإشهارك هذا السلاح الصغير تجاهي فأنتِ تمثلين لي تهديدًا؟"
ثم ضحك عاليًا وقال:
"أرجوكِ عزيزتي، فلتنظري إلى يسارك."
لم تُحرك كارلا ساكنًا أو ترمش بعينها، فكرر كلماته قائلًا:
"فلتنظري."
ترددت كارلا لفعل ما تقول لكنها انصاعت لحديثه حين تذكرت أنه قد وضع سلاحه أرضًا...
نظرت كارلا إلى يسارها لتتسع عيناها بصدمةٍ وتهتزَّ يدها بتوتر فاضح...
وربما كان هذا قليلًا كي تظهره!
فالرجل الذي كان يجلسُ مصوبًا فوهة بندقيته القناصة تجاه رأس كارلا لم يكن ينتظر سوى إشارة من الرجل كي يطلق رصاصته تجاهها دون تردد!
عادت ببصرها تجاه الرجل فابتسم لها بهدوءٍ ثم أشار لها أن تخفض سلاحها بعينيه، زفرت كارلا بغضب وهي تشعرُ أنه قد جرّها إلى فخه دون وعي منها.
قالت وهي تضعُ سلاحها أرضًا:
"لقد كان كل ذلك خدعة، لستَ الرجل الذي أتو للقبض عليه، صحيح؟ افتعلت كل هذه الضجة كي ألحق بك فقط."
ابتسم الرجل وقال:
"ذكيةٌ بالضبطِ كوالدك."
زمجرت كارلا بغيظ وقالت:
"لا تتحدث عن والدي."
لكن الرجل تجاهل كلماتها وتابع متنهدًا:
"لقد كان رجلًا ذكيًا وشجاعًا حقًا، وأمُّك أيضًا."
التقطت كارلا سلاحها مرة أخرى وأخذت تقترب من الرجل تشهرهُ بوجه وهي تصرخ:
"لا تتحدث عن والديّ أبدًا."
لكنها تسمرت بمكانها حين أطلق القناص رصاصةً أسفل قدمها،
في الواقع... كادت تصيبها لكنها لم تفعل بأعجوبة.
قال الرجل معتذرًا:
"أعتذر، لكنه مكلفٌ بحمايتي."
غضبت كارلا وسألت:
"ماذا تريد مني؟"
"الانتقام."
أجاب الرجل بهدوء وثبات.
مما جعل كارلا تشكُ في سمعها فأعادت طرح سؤالها مستفهمةً:
"ماذا تريد؟"
ابتسم الرجل وقال:
"أخبرتك... الانتقام."
"أيُّ انتقام؟"
قالت كارلا بسخرية، فها هي تعلقُ في هراءٍ آخر وهي لم تنتهي من سابقهِ بعد.
اقترب الرجل منها هذه المرة وقال:
"أريدُ انتقامًا لوالديكِ كارلا."
انتبهت كارلا لحديثه فتابع وقد وقف أمامها مباشرةً وأخذ يهمسُ إلى جوار أذنها:
"أريدك أن تعودي إلى ذلك اليوم، أن تشاهدي ما جرى بعينيكِ، أن تثأري لهم بيديك!"
ارتخت ذراعي كارلا وتهدل كتفيها،
وجحظت عيناها كمن يرى شبحًا...
بينما استمر الرجل في الهمس:
"القاتلُ بالجوار كارلا، ائتني به!"
نظرت له كارلا بشحوب فقال:
"وتذكري كارلا... الدم بالدم!"
دقّ قلبُ كارلا بعنفٍ... فكل ما شعرت به من قبلُ يهاجمها دفعةً واحدة،
الأصوات... الأعين... الكلمات...
أخذت الدنيا تدور بها وتدور،
مقلتاها تتحركان بهلع وتفيضان بالدموع،
وضعت ذراعيها فوق رأسها وانحنت كمن يحمي نفسه وهي تمتم:
"لا... لا... هذا غير صحيح..."
سقطت كارلا أرضًا وعيناها الزائغتين الممتلئتان بالدموع، تنظران للسماء الصافية الخالية من أي ضوءٍ قد ينبعث حتى من نجمةٍ واحدة!
ثوانٍ معدودة...
ثم أظلمت رؤيتها...
وأغمضت عينيها مستسلمةً...
بعد أن رأت طيف أحدهم يقترب منها ركضًا... يتبعه آخرون!

****

قلبٌ دامٍ (رواية مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن