الفصل العشرون

45 3 0
                                    


استيقظت كارلا من نومها على ألمٍ طفيفٍ بمعدتها، ولم يكن إلا الجوع... يقرص معدتها وينبهها أنها تحتاج إلى شيءٍ يمدها بالطاقة.
نهضت من فراشها بصعوبة، فما زالت تريد النوم لمدةٍ أطول،
ولكن الآن... ستبحث عن شيءٍ تسدُ بها رمقها وتخرس به جوعها... مؤقتًا!
تفحصت الساعة لتجدها قد اقتربت من الرابعة عصرًا، ثم توجهت إلى مطبخها وعادت بعد قليلٍ تحمل طبقًا من الطعام، تناولته ببطءٍ شديد...
وبخمولٍ واضحٍ ودون رغبةٍ منها!
كما لو أنها لا تريد إيقاظ عقلها حتى يتسنى لها العودة للنوم دون أي صعوبة، وقد كان لها ما أرادت...
فما إن أعادت الطبق إلى مطبخها مرةً أخرى ونظفت يديها وفمها، وألقت برأسها على فراشها... حتى عادت إلى نومها العميق مرةً أخرى بهدوءٍ فلم تنتبه إلى هاتفها الذي أضاءً بعدة رسائل من ماريا تطلعها فيهم على مستجدات وصولهم إلى وجهتهم بسلام ودون عوائق... وتطالبها بأن تُخطرها هي الأخرى بكل ما يحدث دون أن تغفل عن أي شيء!

وفي مكان آخر،
كانت هي تجلس خلف مكتب هيوغو براحة ولامبالاة...
مغمضة العينين تميل برأسها للخلف وتستند بكلا ذراعيها على الكرسي بهدوء!
بينما دخل هو إلى المكتب بوجلٍ دون أن يجرؤ على الحديث قبلها،
قالت بعد برهة:
"لا أعلم متى أو كيف... ولكن يبدو أنها تراجعت عن قتله."
فتحت عينيها على مهلٍ وقالت:
"وهذا... أزعجهم بشدة!"
نهضت من مقعدها ودارت حول المكتب المرتب وهي تقول:
"لازال ذلك الشاب لديك... صحيح؟"
أومأ برأسه مرارًا وتكرارًا وهو يقول بصوتٍ مُرتعش:
"أجل... بالطبع!"
وقفت قبالته وقالت بصوتٍ هادئ:
"دعه يتحرك مجددًا وسأملي عليك ما ستفعل، ولكن إن فشلت..."
رفع رأسه ينظر إليها فأشارت إلى خارج النافذة.
تتبع موضع إشارتها... وخلف النافذة... في المبني المقابل... أحد الرجال يجلسُ مصوبًا فوهة بندقيته القناصة تجاه رأسه وينتظر بترقب وصبر...
جفت الدماء في عروقه....
فعاد ينظر إلى وجهها مرة أخرى...
ليرتطم بصره بابتسامتها المرسومة بجنون على وجهها!
ازدرى ريقه برعبٍ وهو يشعر بحبات العرق الباردة تنهمر فوق جبينه وهو يوقن أن حياته في خطر محدق......
أشارت إليه بالخروج، فركض على الفور مغادرًا ولم يتوقف حتى خرج من المبنى بأكمله... عندها جثا على ركبتيه يلتقط أنفاسه أخيرًا!
كيف لها؟!
كيف لها أن تقوم بتهديده بالقتل بينما ترسم ابتسامةً كهذه؟!
كيف لها أن تبرع في إخفاء وجهٍ مجنونٍ كهذا!
ركب سيارته مبتعدًا وهو يلعن نفسه مرارًا وتكرارًا على الموافقة على العمل معها.
وفي منزل كارلا،
تململت في فراشها مع غروب الشمس، ثم استلقت على ظهرها تنظر للسقف بهدوء، تنهدت بتعبٍ عندما استعادت ما حدث لها في الآونة الأخيرة وتساءلت عما كانت حياتها ستبدو إن لم تمر بكل ذلك!
نهضت من فراشها وتوجهت إلى حمامها تغمر نفسها بالماء قليلًا علها تزيح تعب تلك الأيام الثقال التي مرت عليها، انتهت من حمامها وجلست على الأريكة بعد أن التقطت هاتفها ورأت رسائل ماريا فابتسمت...
كادت تجيبها لكن ماريا سبقتها وقامت بالاتصال بها، اتسعت ابتسامتها وهي تجيبها بود وحنان، فماريا لن تكف عن القلق عليها أبدًا مهما حدث، علمت كارلا منها أنهم كانوا مراقبين من قِبل إحدى السيارات السوداء منذ اللحظة التي ابتعدوا فيها عن المشفى لكن لم يحدث شيء... شعرت كارلا بالقلق لكن ماريا أخبرتها أنهم على ما يرام وأن ألبيرت يخضع ان للعلاج وكل شيء مستقر، حتى أن الأطباء قالوا إنهم وصلوا في الوقت المناسب وهذا سيساعده على التماثل للشفاء بوقتٍ أسرع.
تنهدت كارلا براحةٍ ثم شكرت ماريا مُغلقةً الاتصال وجلست تفكر فيما ستفعله، وسرعان ما قررت الذهاب إلى ستيفن كي تتحدث معه.
خرجت من منزلها واستقلت سيارتها بهدوءٍ وقد أسدل الليل أستاره...
تحركت وهي تنشدُ نهاية هذه الأحداث التي تدور في فلكها بلا توقف...
ولكنها لم تكن تعلم...
أن تلك النهاية... باتت قريبةً للغاية!
شعرت كارلا أن ثمة من يتبعها لكنه يبقي مسافةً بينهما...تفحصت مرايا سيارتها بينما تقود لكنها لم تستطع رؤية أي شيء.
ولكن بعد عدة دقائق، توقفت على جانب الطريق وهي لا تستطع محو شعورها بأنها مراقبة، سحبت سلاحها وترجلت من سيارتها تدور حولها وتحاول أن تطمئن نفسها أنها كانت تتوهم وكادت تقتنع وتعود لسيارتها إلا أنها تجمدت في مكانها حين رأت سيارةً مسرعةً قد أشعلت أضواؤها ظهرت من العدم كما لو أنها... تقصدُ إصابتها!
لم يتحرك جسدها إنشًا واحدًا بينما كان يصرخُ عقلها بها أن تهرب...
ولكن لا استجابة!
وفي لمح البصر، ظهرت سيارةً أخرى وارتطمت بها بدلًا عنها...
صوت تحطم السيارتين كان كافيًا لإخراجها من جمودها، فتوجهت راكضةً إليهما.
وفجأةً...
خفق قلبها...
فتلك السيارة التي أنقذتها... تماثل خاصتها...
وهي لا تعلم سوى مالكٍ واحد لها...
خفقة... اثنتان... ثلاث... ثم عدد لا تعلم له حصرًا...
"بيتر!!!"
همست برجاءٍ مستتر.
ثم تحركت أخيرًا!
ركضت إليه والخوف يتمكن منها، اقتربت من السيارة فرأته يخرج من السيارة متجهًا إليها بقلق ثم قال:
"هل أنتِ بخير؟"
نظرت كارلا إلى يديه المحيطتان بكتفيها، وصدره الذي يعلو ويهبط بسرعة...
رفعت وجهها إليه فرأت جبينه الذي يقطرُ دماءً ويلطخ ملابسه ثم قالت بهمس:
"أنت... هل أنت بخير؟"
أجاب سريعًا أنه بخير، ثم عاد يسألها بقلق أكبر:
"أنتِ بخير، صحيح؟"
أومأت برأسها فوضع رأسه على الفور على كتفها مخرجًا كل قلقه وخوفه في تنهيدةٍ عميقة كي يعتريه شعورٌ بالراحة بعدها، فلأول مرة... ينقاد خلف قلبه دون تفكير!
لكنها هي... لم يحتمل أن يراها تصاب بأي سوء!
أو تتعرض للخدش حتى...
ما أن رأى تلك السيارة قادمةً تجاهها حتى شعر بالفزع...
ولم يفكر حقًا فيما سيفعله... بل اندفع بسيارته ليحول بينهما!
رفع رأسه من على كتفها وهو يشعر بالامتنان لنجاحه في حمايتها والحفاظ عليها سالمة، ثم تركها وتوجه إلى السيارة التي صدمها.

أما كارلا..
فقد دهشت من تصرفه حتى أنها لم تستطع رفع يديها لتبعده أو تنهره!
وتلك التنهيدة التي سمعتها جعلت قلبها من شدة خفقانه كما لو أنه على وشك الانفجار... هل يشعر بالقلق عليها إلى هذا الحد؟
لكنه الوحيد الذي تقطر الدماء من رأسه!
هزّت رأسها وتبعته إلى حيث ذهب.

كان بيتر ينحني بجذعه على باب السيارة يحاول إخراج السائق قبل أن تنفجر سيارته، سحبه خارجًا فأخذ الشاب يأن بألمٍ شديد.
تفحصته كارلا بعينها وسرعان ما تذكرته على الفور، فهو نفسه الذي كان يقف مع رئيس المركز يتلقى توبيخًا لفشله في قتل ألبيرت...
نظرت إلى بيتر الذي كان يتفحصه باحثًا عن أي وسلة لمعرفة هويته بعد أن فقد الشاب وعيه ولم يعد يستطيع الحديث، لو أخبرته الآن أن هذا الشاب هو السبب فيما وصل إليه ألبيرت لقتله في مكانه بيديه العاريتين دون أن يستمع لأي أحد.
تنهدت وأعادت سلاحها إلى جانبها وقالت بعد أن قررت كتمان الأمر مؤقتًا:
"أنا أعرفه."
رفع بيتر رأسه إليها بتعجب وعلامات الاستفهام تظهر جالية على وجهه، تجاهلتها وتابعت بجدية:
"إنه خيط سيقودنا مباشرةً للرئيس."
كرر بيتر كلماتها وقال يستقيم واقفًا يواجهها:
"الرئيس؟؟؟!!!"
انتبهت كارلا أن بيتر لا يعلم ما رأته فقالت باختصار:
"نحتاج إليه... هلا حملته إلى السيارة من فضلك؟"
ثم تركته مبتعدة تعيد تشغيل سيارتها، رمقت سيارته التي تضررت فقال بيتر وهو يكبل يدي الشاب بعد أن وضعه بالمقعد الخلفي لسيارتها:
"لا تقلقي، سيأتي أحدهم ليهتم بالسيارتين سويًا."
أرادت كارلا أن تعتذر عن تسببها بمثل هذا الحادث الفظيع لسيارته فقالت:
"أعتذر عمّا حدث."
بينما رمقها بيتر بنفس تلك الأعين التي لا تعلم لمَ تطل منها دائمًا نظرات لومٌ وعتاب!!
ركب إلى جوار ذلك المغمى عليه دون أن يجيبها فشعرت بالاستياء وقبل أن تتحرك بالسيارة نظرت إليه مجددًا وقالت بتساؤل:
"ألا يجب أن نهتم بك أولًا!"
نظر لها بيتر دون فهم فقالت تشير إلى جرحه فأشاح بوجهه بعيدًا وقال بجمود:
"أنا بخير."
ازداد استياؤها وقادت السيارة بحنق وصمت طيلة الطريق إلى منزل ستيفن.
وفي تلك الأثناء، كان بيتر يسترق النظرات إليها...
يعلم أنها مستاءة لكنه لا يمانع!
فما قالته له صباح اليوم جعل الدم يغلي في عروقه...
يريدها أن تشعر ولو بالقليل فقط مما يشعر به عندما تجره إليها ثم تلقي به بعيدًا كأنه لم يعني له شيئًا قط.
وصلوا إلى منزل ستيفن، فمنعته من النزول أولًا ثم قالت:
"دعنا لا نفزع سارا."
خرجت من السيارة تحت أنظار بيتر الذي ارتسمت ابتسامةٌ خفيفةٌ على وجهه عندما رآها تعانق سارا وتبتسم لها... شعر بالارتياح الشديد، فقد كان قلقًا للغاية أن تعود لوحدتها خاصةً بعد سفر ماريا وإبعادها له قسرًا.
رأى ستيفن يخرج من باب المنزل ويدعوها للدخول إلا أنه يعود للداخل بمفرده وتعود له كارلا...
علق عقله عند "وتعود له كارلا!"
ينظر لها وهي تخطو نحوه...
يتأمل خطواتها الواثقة وملامح وجهها الجادة...
خصلاتها القصيرة التي تتطاير مع مشيتها رغم عدم وجود أي أثر للرياح...
همس بهدوء:
"أستعود لي كارلا بعد أن ينتهي كل ما تمر به؟"
اقتربت منه ثم انحنت إلى مستواه حيث يجلس وقالت بعملية:
"يريدنا ستيفن أن نلتف حول المنزل... لا يريد لسارا أن تراه."
ثم أشارت إلى الشاب ففهم بيتر وقام بحمله وتوجها إلى حيث كان ينتظر ستيفن، والذي ما إن رأى وجه بيتر والشاب الذي يحمله على كتفه حتى تغضن جبينه.
أجلسه بيتر على أحد الكراسي وبدأ ستيفن في فحصه بينما جلس بيتر بتعبٍ على الأريكة مغمضًا عينيه ليشعر بشيءٍ ناعمٍ ومبلل فوق وجهه، فتح عينيه ليرى كارلا تحاول محو آثار الدماء من على وجهه والوصول للجرح.
ظل يحدق بها فتوقفت وهي تقول بارتباك:
"هلا توقفت عن التحديق بي وأغلقت عينيك!"
أطاعها بيتر دون جدال مستسلمًا لها...
فلقد كان جرحه يؤلمه حقًا وحدسه يخبره بقوةٍ أن هذه الليلة ستنتهي عند هذا الحد.
انتهت كارلا من تضميده قائلةً:
"لحسن الحظ ليس جرحًا عميقًا فلن يحتاج إلى تقطيب... لكنه سيؤلمك قليلًا."
فتح بيتر عينيه وقال:
"أشكرك."
تنبهت كارلا أنها لم تشكره أيضًا على إنقاذه لحياتها فقالت:
"لا تشكرني فأنا من تسبب بهذا الألم في المقام الأول."
التفتت لتغادر فقال هامسًا:
"لا أمانع... أنا لا أمانع حقًا أن أتلقى الألم بدلًا عنك."
ثم عاد لإغلاق عينيه لقليل من الوقت.
بينما ظلت كارلا تنظر له بصدمة بعد أن فتشت في وجهه عن أي إشارةٍ للعبث أو الكذب ولم تجد سوى الصدق والجدية التامة!
ومن جديد... ها هي خفقات قلبها تضجُّ من جديد دون مواراة!
تخبرها أن الأوان قد فات كثيرًا على الابتعاد.
مرت دقائق قبل أن ينتهي ستيفن من فحصه وتكميم فم الشاب، نظر إلى كارلا المتصلبة في مكانها بشرود وقال بقلق:
"هل أنت بخير؟"
أومأت برأسها إيجابًا ففتح بيتر عينيه سائلًا:
"ألا زال على قيد الحياة؟"
أجاب ستيفن:
"أجل... ذراعٌ مكسورٌ فقط، لا شيء خطير."
ثم سحب أحد الكراسي وجلس عليها بعد أن قدَّم آخرًا لكارلا، وسأل بصرامة:
"والآن... فليخبرني أحدكما بما حدث."
تطوعت كارلا للحديث عما حدث وتطوع ستيفن لشرح الصورة كاملة لبيتر الذي ما إن علم بهوية المغشي عليه حتى انتفض واقفًا فأمسك به ستيفن على الفور كي يمنعه من قتله، أوقفته كارلا عن الحركة حين قالت:
"ثمة ما حدث أيضًا!"
نظر لها بيتر فأجلسه ستيفن بقوة وقال:
"أخبرينا."
قصت لهم كارلا عن زيارة آنا وما شعرت به من حديثها فزفر بيتر بغضب وقال:
"إذن كنت محقًا عندما أخبرتك ألا تثقي بها!"
نظرت له كارلا بحدة فنهرهما ستيفن قائلًا:
"فلتدعا خلافكما جانبًا، فيبدو أن لدينا الكثير من العمل."
انتبها له فوقف شارحًا:
"الآن نحن متأكدون تمامًا أن الرئيس متورط فيما يحدث، كما أنه تابع لآنا والتي اتضح أنها كانت تراقب كارلا كل هذا الوقت بحجة أنها تريد مساعدتها."
قاطعته كارلا بهمس:
"لسنا متأكدين من هذا بعد..."
صاح بيتر:
"بحقك!"
طأطأت كارلا برأسها بحزن، فلقد وثقت بها حقًا...
كانت تشعر أنها وأخيرًا تستطيع الاطمئنان لأحدهم!
ولكن سرعان ما تلاشى شعورها بالحزن وحلّ محله الغضب، فكما خدعتها لابد أنها خدعت هيوغو أيضا وربما...
شعرت بالجزع لذلك الخاطر الذي مر برأسها فتجاهلته مباشرةً...
قطع أفكارها صوت أنين صدر من ذلك المُكبل في زاوية الغرفة، التفتوا له جميعًا وكان أول من وقعت عينه عليه هي كارلا، فأخذ يتحرك بقوة محاولًا الفرار لكنه أطلق صرخةً مكتومةً على الفور.
اقترب منه ستيفن وقال بهدوء مخيف:
"أنت مصاب... حركتك فقط ستجعل من وضعك أسوأ."
اقشعر بدن الشاب فابتلع ريقه بخوفٍ وتوقف عن الحركة، فقال ستيفن:
"جيد... والآن ستجيب عن بضعة أسئلةٍ وربما بعدها نطلق سراحك."
صمت الشاب ولم يبدُ عليه أنه سيتعاون معهم فاقترب منه بيتر على الفور ووضع يده فوق ذراعه المكسور فصرخ الشاب بألم شديد، همس بيتر أمام وجهه بقسوة وقد عاد إليه غضبه:
"اسمعني أيها الوغد، أتعلم ما هو حال صديقي بسببك؟ فلتكن شاكرًا لبقائك على قيد الحياة حتى الآن... ولهذا ستخبرنا بكل ما نريد وإلا أقسم أنني سأقتلك بيدي هاتين دون أن يرف لي جفن!"
أومأ الشاب دون تردد وهو يستشعر نيته الخالصة في قتله، كما أن سياط الألم تنطلقُ من موضع يد بيتر تنهش جسده بأكمله فلم يتحمل الاستمرار في المقاومةَ.
سحب ستيفن بيتر بعيدًا فاسترخى جسد الشاب وبدا كأنما خارت قواه ولم يعد قادرًا على رفع إصبعٍ حتى، اقتربت منه كارلا وجلست أمامه ثم قالت:
"سأزيل تلك الكمامة عن فمك، وستجيب عن أسئلتي."
نظر الشاب لها برجاء ففعلت ما قالت فأخذ يلتقط أنفاسه بصعوبةٍ كأنه أخرج رأسه من تحت سطح الماء للتو بعد غرقٍ طويلٍ وصراعٍ مع الأمواج العاتية!
سألته كارلا وعيناها تتغلفان بالبرودة الشديدة:
"هل أمرت بقتلي؟"
"أجل."
أجاب الشاب على الفور دون تأخير، أجفلت كارلا لوهلةٍ لكنها سئلت:
"من؟ من أمرك بالتخلص مني؟"
توتر الشاب لثانيةٍ كما لو أنه يبحث عن مخرج مما هو فيه لكن عينيه اصطدمتا ببيتر الذي أخرج سلاحه يشير به إلى رأسه يهدده بعد أن أدرك نواياه... ابتلع غضةً قفزت إلى حلقه وعاد ينظر من جديد إلى كارلا ثم قال:
"أنا لا أعلم من هو..."
كاد بيتر يقترب منه من جديد لكنه تابع بصراخ وخوف:
"أقسم أنني لا أعلم هويته لكن أحفظ وجهه عن ظهر قلب."
اقترب منه ستيفن يحمل صورةً للرئيس في حفل العشاء الذي أعده فتعرف عليها على الفور وأكَّد هويته...
زفر بيتر بضيق بينما صمتت كارلا ولم تبدِ أي رد فعلٍ على ما سمعت، فهي قد رأته وجهًا لوجه ولم تكن تنظر تأكيدَا من هذا الشاب، فما يحيرها هو السبب...
لماذا؟
لماذا قد يفعل الرئيس شيئًا كهذا؟
قطع ستيفن أفكارها وهو يقول بهدوء:
"لابد أن آنا قد وعدته بشيءٍ ما، ولكنها لن تتمكن من إرضاءه إلا إذا كانت أعلى سلطةً منه!"
قالت كارلا بحيرة:
"لكن هناك ما لا أفهمه... إن كانت آنا هي حقًا من تتحكم به لماذا لا زالت تريد التخلص مني؟ أعني أنني أخبرتها بالفعل أنني سأتوقف... فلماذا؟؟!"
قال بيتر بتفكير:
"ألا يعني هذا أن من يقف خلف هذا الأمر أكبر وأقوى منا جميعًا؟!"
وافقه ستيفن فقالت كارلا:
"لازالت هناك حلقةٌ مفقودة... نحتاج إلى المساعدة."
"لم لا تذهبين إلى حيث جدك؟"
قال ستيفن بهدوء وحذر.
التفتت له كارلا دون عداءٍ بيّنٍ فتابع:
"بت الآن تعلمين أنها كانت تخدعك طيلة الوقت، أليس من المتوقع أن يكون كل ما قالته لكِ كذبًا؟"
صمتت كارلا فربت ستيفن على كتفها وقال بحكمة:
"اذهبي، ربما تجدين هناك ضالتك وتجتمع كل الخيوط المفقودة براحة يدك."
عمَّ السكون لدقائق قبل أن تقطعه كارلا ناطقةً:
"حسنًا."
ابتسم لها ستيفن وقال:
"وأنا سأحاول معرفة مكان الرئيس."
أومأت برأسها وقالت بغموضٍ وحزن:
"لا تقتله... لدي بعض الأسئلة هو من يملك إجابتها."
رد ستيفن بتفهم:
"أعلم، سأقبض عليه إلى حين عودتك."
أومأت برأسها ثم خرجت على الفور يتبعها بيتر.
التفت ستيفن إلى الشاب من وقتٍ سابقٍ وقال:
"والآن... أستساعدني للتواصل مع الرئيس؟"
أجاب وقد قرر مساعدته بعد رؤيته واستماعه لما حدث وقد شعر بضميره يؤنبه:
"هناك شيءٌ ما..."
انتبه له ستيفن فقال بتوتر:
"ذلك الرجل الذي كلفني بالمهمة... الرئيس، كان قد أرسل لي رسالةً في وقتٍ سابق يخبرني بحيث من المفترض أن ألتقي به... ربما تستطيع القبض عليه إن أتيت معي."
سعد ستيفن بمقولته فقد أغناه عن وقتٍ لا يعلم مقداره كان سيضيع حتى يجد ما يبحث عنه، أخذ ستيفن يبحث في هاتف الشاب الذي أشار له بمكانه عن تلك الرسالة حتى يبدأ في التحرك.

وعند كارلا،
فتحت باب سيارتها وجلست تستعد للتحرك لكنها وجدت بيتر يجلس في المقعد المجاور لها، نظرت له ثم سألته بهدوء:
"ماذا تفعل هنا؟"
لم يجبها فقالت بهدوء مصطنع:
"أنا حقًا لا أريد توريطك فيما يحدث لي!"
التفت لها بيتر بحدة لا يصدق ما تتفوه به، قال بسخرية:
"هل أنت جادة؟ لا تريدين توريطي؟ أنا بالفعل متورط معك!"
تعلم أنه على حق، وأن الأوان قد فات على إبعاده عنها مجددًا فقادت سيارتها دون الإكثار من الحديث، وبداخلها... سعادةٌ طفيفةٌ برفقته، وقلق!
*****

قلبٌ دامٍ (رواية مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن