الفصل الثالث عشر

41 6 0
                                    


وقفت كارلا تنظر إلى ألبيرت الذي يقف في غرفة ماريا بالمشفى، مرت دقائق ولا أحد فيهم يتحدث أو يرمش بعينيه، فماريا لم تعتقد أن كارلا ستعود إلى المشفى مرةً أخرى، خاصةً وبعد أن وبختها الأخيرة قبل أن تغادر!
نهضت ماريا من مكانها تحاول تدارك الأمر وهي تقول:
"كارلا، لماذا أنت هنا؟"
حدجتها كارلا بنظرةٍ حادةٍ تخبرها بها أن تصمت وألا تحاول التبرير،
فدورها لم يحن بعد...
وكارلا لم توجه لها الحديث الآن!
كانت كارلا صارمةً وجادةً مما جعل ماريا تتراجع للخلف وهي ترى كارلا تدخل إلى الغرفة بهيمنةٍ وغضب، أغلقت الباب خلفها بقوةٍ ثم وقفت أمام ألبيرت الذي شعر أنه يقف أمامٍ شيءٍ مهلكٍ كان يفر منه لفترةٍ طويلة.
نظر لها ألبيرت وقد قرر لملمة شتات نفسه، لكن صوته خرج متوترًا على عكس ما يريد وهو يقول:
"مرحبًا كارلا."
أتاه سؤال كارلا الحاد والمكرر:
"ماذا تفعل هنا؟"
شعر ألبيرت بالضغط، لكنه قرر التخلص منه فقالت:
"حسنًا كارلا، فلتجلسي لأشرح لك!"
جلست كارلا كما قال بصبرٍ تنتظر منه أن يوضح ما يحدث غير غافلةٍ عن نظرات ماريا له التي تحاول إيقافه عن التحدث...
أو ربما تحذيره من شيءٍ ما!
ولكن ألبيرت لم يهتم وجذب أحد المقاعد وجلس في مقابل كارلا يقول بهدوء وجدية:
"في البداية أنا أعتذر عما مررت به من قبل، لكنني أريدك أن تعلمي أنني لم أكن سوى شخصٍ يفعل ما يأمر به، كما أنني حين أدركت ما أشارك به توجهت إلى ماريا."
نظر إلى ماريا التي تنهدت بقلة حيلة وقالت باستسلام:
"إذا كنت ستخبرها بأي شيءٍ فمن الأفضل لك أن تخبرها بكل شيء."
أومأ ألبيرت برأسه وقال مؤكدًا:
"أجل، فهذا ما عزمت عليه."
نظرت له كارلا باهتمامٍ فتابع:
"تعلمين أننا تقابلنا مصادفةً في مركز التسوق لأول مرة، في الحقيقة... كان هذا اللقاء مُعدّا له منذ فترةٍ طويلة."
لم تبدِ كارلا أي ردة فعلٍ فاسترسل موضحًا:
"تم إلزامي بمراقبتك إلى أن يحين وقت ظهوري أمامك في الوقت المناسب تمامًا، وجود المجرم بالبناية المقابلة لم يكن مخططًا له ولكننا لم نكن في حاجة إلى مراقبته من شقتك، كان القبض عليه ممكنًا دون ذلك، ولكنها كما قلت كانت أوامر مجردة أتبعها فقط."
حدقت بهما كارلا ببرود وأخذت تراقبهم بأعين مفترسٍ يتحين الفرصة للانقضاض على فريسته، بصبرٍ وهدوء!
أكمل ألبيرت حين أدرك أن نظراتها تحذره من إخفاء أي شيء:
"ناولتكِ سلاحي لأنني كنت أعلم أنك تجيدين استخدامه، فمن سيرتك التي تسلمتها علمت أنك شرطيةٍ بارعةٌ ولا يستهان بها، ولهذا أردتك أن تطاردي الشخص المسلح."
قاطعته كارلا على الفور:
"أكان ذلك المسلح جزءًا من مخططك؟"
نفى ألبيرت ما قالته وأخبرها أن من المحتمل أن يكون ذلك هو الجزء الوحيد الذي لم يتم التخطيط له،
فارتسمت ابتسامةُ راحةٍ على وجه كارلا،
فهي لم تكن لتتحمل كون هيوغو جزءًا من تلك اللعبة.
لم يفهم ألبيرت سر ابتسامتها، لكنه تجاهلها وأكمل:
"بعد أن عاد بكِ بيتر من الأعلى وأدخلك إلى المشفى، قصصتُ ما حدث لمن كلفني بما أفعل فأخبرني ألا أتدخل بعد الآن وأكتفي بمراقبتك."
تنهد قليلًا ونظر لماريا بقلق وقال:
"لم أستطع الالتزام بما أُمرت به، بحثت أكثر في ماضيك وحين علمتُ ما حدث شعرت بالغضب واحتقرت نفسي لفعلتي وثم قررت تحذيرك، على الرغم من كوني أعلم تمام العلم أنني أعرض حياتي للخطر بفعلي ذلك، ولا أظن أنني لم أُكشف بعد.. وأجزم أنني ممهلٌ غير مغفول عني."
ثم تابع بهدوء:
"بدأت الاتصال بك ومحاولة تحذيرك لكنك كنت عنيدة للغاية، فقررت بدلًا من الاكتفاء بتحذيرك أن أقوم بمساعدتك، لكنني علمت أنني لن أستطيع الاستمرار وحدي وأنني بحاجةٍ إلى مساعدة شخص تثقين به."
نظرت كارلا إلى ماريا فقال:
"هذا صحيح، بحثت في خلفيتك أكثر واستطعت الوصول إلى ماريا... أخبرتها بكل شيء، في البداية رفضت الحديث معي أو الانصات إليَ لكنني أخبرتها أنني أرغب بإنقاذك قبل فوات الأوان استمعت لي، ثم عادت من الخارج كي نستطيع التواصل براحةٍ ولا تكوني بمفردك إذا حدث شيءٌ ما."
امتلأت نظرات ماريا بالاعتذارات لكن كارلا تجاهلتها فقط واستمرت في الانصات لألبيرت، شعرت ماريا بغصةٍ في حلقها، فهي لم تخطط أبدًا أن تعلم كارلا بهذه الطريقة، كانت ستبحث عن وقتٍ مناسبٍ بعد أن تكونا بأمان وتخبرها بكل شيء.
استمر ألبيرت في السرد قائلًا:
"لم أكن أريد الإفصاح مباشرة عن أي شيء فقررت أن أوجهك فقط إلى الأدلة وأن تفكري برويةٍ حتى تصلي إلى القاتل."
شعرت كارلا بطنين رأسها حين ذكر اسم القاتل وتذكرت معه مشاهد فقدها لجميع من عرفته أمام أعينها، أسندت رأسها إلى كفها فركضت ماريا إليها ووضعت كفيها حول وجه كارلا ثم قالت بقلق:
"كارلا، هل أنت بخير؟"
نظرت لها كارلا بود، تود لو تضمها، لكنها غاضبةٌ منها بشدة.
أزاحت كارلا كفيها بعيدًا وقالت تخاطب ألبيرت:
"تابع."
شعرت ماريا بالحزن.. لكنها لم تستطع لوم كارلا، فتقهقرت إلى الخلف عائدةً دون تعقيب، تملؤ عينيها نظرات الحزن والأسف، في حين تابع ألبيرت:
"كنت أنوي الاستمرار في مساعدتك دون أن تعلمي بهويتي، وأردت حقًا أن تعثري على قاتل والديك في أقرب فرصةٍ حتى تشعري بالسلام والراحة."
تنهدت كارلا واستندت برأسها للخلف تلعن الطنين المتزايد برأسها ثم قالت وهي تغمض عينيها:
"سؤالان، وخبران، بماذا تريد البدء؟"
نظر ألبيرت إليها بقلق لكنه علم أن لا مفر من ذلك فقال:
"فلتسألي."
اعتدلت كارلا فجأة واستدت بمرفقيها على ركبتيها وقالت:
"من أمرك بمراقبتي؟"
ثم صمتت هنيةً قبل أن تسأل مجددًا:
"وهل بيتر شريكٌ لك في تلك اللعبة؟"
أجاب ألبيرت على الفور:
"لا لا بيتر لا يعلم أي شيء، بل إنني أردت إبقاءه بعيدًا عنك لكنه أبى إلا أن يعلم ما يحدث وهويتك وكل شيء ولازال يريد البحث ومعرفة كل شيءٍ عنك على الرغم من أنني قمت بتحذيره منك، لكنه حقًا ليس له يدٌ في أي شيء البتة."
عقدت كارلا ما بين حاجبيها وسألت:
"أقمت بتحذيره؟"
"أجل!"
شعرت بالحيرة تطرق عقلها مرةً أخرى،
إن كان ألبيرت قام بتحذيره من الاقتراب منها لم مازال يتسكع حولها دون أن يبتعد؟
أيسعى لشيءٍ آخر؟
أم أنه متورطٌ دون علم ألبيرت؟
وفي غمرة انغماس عقلها بالقلق والشك... كانت هناك مضغةٌ تشعر بالسعادة تتسلل إليها إثر معرفتها أنه رغم تحذيره لم يرغب بتركها والرحيل!
نفضت تلك الأفكار والمشاعر بعيدًا عنها وقالت:
"ومن ذا الذي أمرك بمراقبتي؟"
ابتلع بيتر ريقه بصعوبةٍ وقال بتوترٍ كأنه سيبوحٍ بسرٍ من أسرار الكون:
"الرئيس!"
عادت كارلا بظهرها إلى الخلف كأنها ظفرت بما أرادت، وارتسمت ملامح الجدية والغضب على وجهها ثم همست وهي تتذكر احتفائه بها وما رأته منه من ودٍ وحبٍ مزيفٍ:
"ولهذا كنت ودودًا بشكل مثير للشك!"
نظرت لهم كارلا فرأت ماريا وألبيرت يجلسان بتوترٍ كمن ينتظران حُكمًا، أشفقت عليهما فنهضت من مقعدها ورفعت إبهامها ثم قالت:
"الخبر الأول: لم أتفاجأ بمعرفة أنك من كنت تحادثني على الهاتف، كانت لدي شكوكي، وأنت قمت بتأكيدها فقط."
ثم رفعت سبابتها وقالت بلامبالاة:
"الثاني: أقولها مجددًا... لا شأن لكم بي، لا أريد منكم مساعدةً، سأحل كل شيءٍ بنفسي."
ثم توجهت إلى باب الغرفة وكادت تخرج لكنها عادت ووقفت أمام ماريا وقالت:
"ظننتُ أننا لا نخفي شيئًا خلف ظهور بعضنًا."
نظرت لها ماريا بحزن واعتذار، لكنها اصطدمت بعينيها الباردتين فاقشعر بدنها وابتلعت لسانها صامتةً فتابعت كارلا:
"فلتعودي إلى حيث كنت... ماريا!"
اتسعت عينا ماريا دهشةً وصدمة، هل أبعدتها كارلا للتو عنها؟
أوضعت بينهما حاجزًا للتو؟
بينما خرجت كارلا من الغرفة بضيقٍ تحاول تجنب التقاء أعينها بعيني أي شخص، تسير بسرعةٍ بطريقةٍ أشبه للركض وغادرت المشفى وانحنت تستندُ على ركبتيها بقلق وتتنفس بسرعةٍ تحاول التقاط أكبر قدرٍ من الهواء لإنعاش قلبها ورئتيها.
رفعت رأسها تنظر للستائر الظلام المنسدلة وتنهدت بثقل،
فمن تحادث الآن ليأتي لاصطحابها!
لم تكد تفكر في الأمر حتى وجدت ضوءًا متقطعًا يظهر على جانب الطريق بالقرب منها، تمعنت جيدًا لتجد آنا تقف باستقامة عاقدةً يديها خلف ظهرها إلى جوار سيارة كارلا التي ابتسمت بحنين كأنها وجدت قشةً تتعلقُ بها!
اقتربت من آنا بسرعةٍ ثم عانقتها بقوةٍ وهي تحاول التماسك فحلت آنا عقدة ذراعيها وأحاطت كارلا فابتسمت الأخيرة وابتعدت عنها تقول بامتنان حقيقي:
"شكرًا لك."
ركبت كارلا السيارة إلى جوار آنا التي استأثرت بالقيادة هذه المرة فأطاعتها كارلا بهدوء وجاورتها تسند رأسها للخلف وتغمض عينيها بهدوءٍ تتمنى لو أنها قابلت آنا منذ مدةٍ طويلة، تذكرت حديثها لماريا وألبيرت فحدثت نفسها قائلةً:
"هذا أفضل، لا يجب أن يتورطوا معي... أستطيع حل كل شيء بمفردي."
ثم قالت حين تذكرت وجود آنا إلى جانبها:
"لا لستُ بمفردي."
ابتسمت كارلا ابتسامةً صغيرةً واستسلمت للنوم،
بينما قادت آنا السيارة على مهلٍ تمنحها القليل من الراحة والاسترخاء...
قبل أن تخبرها بما في جعبتها من أخبار!
مرّ قليلٌ من الوقت قبل أن تستيقظ كارلا لتجد السيارة متوقفةً أسفل المبنى الخاص بالشركة، نظرت إلى جوارها لتجد آنا تجلس بصمتٍ وقد وضعت الحاسوب المحمول على قدميها وأخذت تتصفح بعض الملفات.
سألت كارلا بخمول:
"أتلك هي الملفات المشفرة التي كانت على الرقاقة؟"
نظرت لها آنا وابتسمت تهز رأسها أيجابًا وقالت وهي تعاود الالتفات للحاسوب:
"لم أستطع ائتمان أحدٍ لفتحه، فقررت محاولة فتحه بنفسي، لكنني لم أتمكن فتحهم بعد... معقدٌ بصورةٍ مريبة."
تنهدت كارلا وتفقدت الظلام حولها وسألت:
"لماذا نقف هنا؟"
أغلقت آنا الحاسوب بجديةٍ وقالت:
"هناك شيءٌ تحتاجين لرؤيته."
انتبهت كارلا بحواسها أجمع وهي تستشعر شيئًا غير سارٍ على وشك البحث.
صعدتا سويًا إلى المكتب وجلست كارلا على المقعد بينما قامت آنا بإسدال الستار على جميع النوافذ وتشغيل جهاز العرض أمامها، نهضت كارلا من مقعدها فور أن ظهرت بداية المقطع المرئي.
قالت آنا بهدوء:
"طلبت مني الحصول على اللقاء الذي حدث بين السيد الأكبر وسيدي هيوغو، لم تكن هناك أي تسجيلات لما حدث لأنني أخبرتك أن هذه الغرفة لا كاميرات مراقبة قد ثبتت بها، لكن يبدو أن سيدي كان يتوقع حاجتنا لها فوجدت هذا."
أخرجت من جيب سترتها قلمًا وقالت:
"يبدو كقلمٍ عادي صحيح؟ وجدته معلقًا على الحائط خلف مكتب سيدي، ظننته شيئاً يعتز به في أول الأمر كونه موضوعًا في إطارٍ زجاجي يحميه، لكن عندما تفحصته وجدت بأنه كاميرا، وخمني ماذا؟ لقد سجل كل شيء!"
كانت كارلا تنظر لآنا بصمتٍ فتنهدت الأخيرة بخفوتٍ وقالت:
"آنستي... أرجو منك أن تشاهدي بهدوء."
ثم قامت بتشغيله تدعو ألا تثور ثورة كارلا وتتصرف بتهورٍ بعد الانتهاء من مشاهدته،
فمنذ هذه اللحظة...
إنها تتوجه إلى النهاية بخطى واسعةٍ ودون توقف،
وإن لم يوقفها أحدهم...
لن تكون هناك بدايةٌ بعد نهاية كل شيء،
ستكون نهايةً طامةً وحسب.

****  

قلبٌ دامٍ (رواية مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن