الفصل السابع عشر

33 4 0
                                    


"ماذا بحق الجحيم تفعل هنا؟"
سألت كارلا بغضبٍ وهي تنظر إلى كاي الذي يقف أمام الباب، بينما أجاب كاي بتردد وهو يتلفَّت خلفه بقلق:
"أحتاج إلى التحدث معك؟"
اقتربت منه كارلا بغضبٍ لا يكف عن الاشتعال، ثم وضعت وجهها أمام وجه الأخير وقالت بصوتٍ منخفضٍ يحمل تهديدًا صريحًا:
"فلتعد أدراجك... لا حديث لي معك!"
كادت كارلا أن تغلق الباب في وجهه لكنه قال:
"أرجوكِ، إنه شيءٌ هامٌ يجب عليّ إخبارك به."
شعرت كارلا بأنها يجب أن تستمع له...
فتركت الباب مفتوحًا وقالت بصرامة:
"تحدث!"
أدرك كاي أنها لن تسمح له بالدخول بأي حال من الأحوال، فتمتم بصوتٍ منخفضٍ يتذكر كلمات جدها له:
"أنت حذِرة... تمامٍا كما قال السيد!"
عقدت كارلا ذراعيها أمام صدرها دون أن تتحدث في علامةٍ على نفاذ صبرها، فقال بسرعةٍ قبل أن تتراجع عن قرارها بالاستماع إليه:
"حسنًا... في الحقيقة أنا لم آتِ هنا للدفاع عن السيد أبدًا، بل أتيتُ لتحذيرك!"
"تحذيري؟"
رددت كارلا خلفه وهي تعقد حاجبيها بشك.
بينما أومأ كاي برأسه مؤكدًا، ثم أكمل بهدوء:
"لا تثقي بمن حولكِ كثيرًا، فأنت لا تعلمين من أين ولا ممن سيأتيك الضرر!"
"ماذا تقصد؟ ولمَ تخبرني بذلك؟"
سألت كارلا بشك.
توتر كاي قليلًا كأنما عادت إليه شخصيته المترددة، ثم قال:
"أعتذر، هذا كل ما أمرتُ بتبليغه إليكِ!"
اقتربت كارلا منه بانفعال وسألت:
"ومن أمرك بذلك؟"
حاول كاي الهروب من أمامها... لكنها صمتت لوهلةٍ ثم أجابت على سؤالها بنفسها وقالت بسخرية:
"بالطبع، أنت خادمه... مَن سيأمرك سواه!"
عادت بخطواتها للخلف وقد غشى وجهها الغضب والسخط وقالت:
"أخبره أن لا شأن لقاتل مثله بي!"
سارع كاي بالحديث:
"أرجوك يا آنسة، إنه لا يريد لك الأذى! صدقيني!"
أرخت كارلا ذراعيها واكفهرّ وجهها وهي تتذكر مقتل والديها أمام عينيها ومن ثم مقتل هيوغو فصاحت به آمرةً:
"غادر!"
حاول كاي التحدث مجددًا لكنه تراجع حين أدرك ما تشعر به الآن وقال بهدوء وحزن:
"إلى اللقاء يا آنسة!"
رحل كاي... بينما ظلت كارلا تقف مكانها وهي تشعر بجمرة الغضب تحرقُ جوفها فضمت قبضتيها بقسوة وصفعت الباب بشدةٍ خلفها، وعادت إلى الداخل تذرَعُ الغرفة جيئةً وذهابًا بغضبٍ يزداد حدةً واشتعالاً وهي تحدث نفسها:
"كيف يجرؤ! كيف يجرؤ على الظهور بمظهر القَلِقِ والحنون الذي يهتم لأمري بعد أن قتل كل من أحببت! كيف يجرؤ!"
صرخت بحنقٍ وهي تزيح الأغراض من فوق مكتبها لتقع مبعثرةً فوق أرض الغرفة موقظةً ألم ذراعها من جديد بسبب حركتها المفاجئة، طحنت أسنانها وهي تضع كفها فوق إصابتها تضغط عليها بألم ثم همست بحنق:
"اللعنة!"
تعالت نغمة رنين هاتفها تشتتها عن ألمها فالتقطته تجيب على الفور عندما رأت اسم بيتر ينير شاشته:
"أين أنتم بحق الجحيم؟"
ثوانٍ ثم لم تهتم بأمر إصابتها الحديثة والتقطت سترتها وخرجت مسرعة من الغرفة تركض تجاه المصعد الكهربائي، لم يستغرقها الأمر كثيرًا حتى كانت تقف أمام سيارتها وهرعت إلى حيث البقية!
عاد كاي إلى منزل الجد فاستقبله الأخير بهدوء وقال:
"كيف هي؟"
أجاب كاي بهدوء:
"بدت لي بحالٍ أفضل يا سيدي."
"هل أبلغتها الرسالة؟"
"أجل."
صمتٌ ساد لوهلة قبل أن يقطعه الجد بما بدا لكاي أنه قلق:
"وكيف... كان ردها؟"
تردد كاي للإجابة عن هذا السؤال، فهو لا يريد إخباره بما قالته، وكيف يستطيع أن يزيد من جراح سيدهِ، فالتزم الصمت!
في حين أن صمته...
كان إجابةً أكثر من كافيةٍ ليعلم منها الجد ما لم يستطع أن يفصح عنه خادمه.
انصرف كاي بعد أن أشار له الجد وذهب إلى حيث كانت شقيقته، وقف بموقعه إلى جوارها وهو ينظر إليها وقد غلَّف الغضب قسمات وجهها...
فقال ممازحًا:
"إذا استمررتِ بالعبوس والغضب هكذا سيمتلئ وجهك بالتجاعيد."
لم يبدُ عليها أنها قد تأثرت ولو قليلًا فتنهد بحزن قائلًا:
"أين ذهبت شقيقتي؟"
زادت تجهمها وقالت دون أن تلتفت إليه:
"ماذا تقصد؟"
ابتسم لاستجابتها وقال بأملٍ أن تستمع له:
"أصبح هذا العمل يسرقُ شقيقتي مني، لم تعودي تبتسمين لي إلا نادرًا... أنتِ حتى حين تنتهي مناوبتنا تظلين على صرامتكِ، لا تتحدثين، لا تبتسمين، لا تنزعين عنك جمودكِ وجديتكِ!"
التفتت له إيلينا بحدةٍ وقالت:
"أنا أقوم بما يستلزم الحفاظ على عملي!"
غمر الحزن وجه كاي وقال بأسى على شقيقته:
"أنت لستِ شقيقتي التي أعرفها!"
ثم غادر بحزن وتوجه إلى أحد الحراس يطلب مبادلته المواقع حتى لا يقف إلى جوارها!
بينما كانت إيلينا تتابعه بعينيها...
غير قادرةٍ على تحديد المخطئ بينهما،
فهي لا تريد أن يخسرا عملهما... ولكنها لا تريد خسارة شقيقها أيضًا،
وعلى الرغم من أنها كانت تسحقُ بين رحايا هذا الصراع...
لم يكن يبدو عليها من الخارج سوى الجمود والقسوة!

في ذات الوقت،
ترجلت كارلا من سيارتها أمام المشفى وركضت إلى الداخل تسأل الممرضات عن أصدقائها، وما إن دلتها إحداهن... حتى انطلقت تعدو دون أن تعير صراخ الأخيرةً بخطورة الركض في أروقة المشفى اهتمامًا.
وصلت لتقع عيناها على آنا تقف إلى جوار ماريا التي كانت تضع بعض الضمادات على ذراعها بينما يقف بيتر على مسافةٍ منهم، استقبلتها ماريا ترتمي بأحضانها وهي تبكي فضمتها كارلا وهي تمسح على شعرها بحنو وقالت:
"هل أنت بخير؟ كيف تشعرين؟"
رفعت ماريا رأسها لترى الكدمات التي على جبينها فأخذت كارلا تزيح خصلات شعرها بعيدًا عن وجهها وهي تمسح دموعها وتهمس لها:
"لا بأس."
ابتسمت ماريا بألمٍ وقالت:
"أنا بخير."
ثم أردفت دامعة العينين:
"لكن ألبيرت..."
نظرت تجاه بيتر وقالت:
"سأذهب لأطمئن على حاله."
همت كارلا بالابتعاد لكن ماريا قالت:
"لن يجيبك!"
نظرت لها كارلا مستفهمةً فشرحت:
"أقصد بيتر... هو لا يجيب أحدًا منذ أخذ الأطباء ألبيرت إلى غرفة العمليات، حاولت التحدث إليه لكن بدا كما لو أنه لم يسمعني."
أومأت كارلا برأسها باستيعابٍ وربتت على كتف ماريا ثم تحركت مبتعدةً لكن آنا قطعت عليها الطريق تؤنبها على ركضها، اعتذرت منها كارلا دون اهتمامٍ وتوجهت إلى بيتر الذي يوليهم ظهره موجهًا بصره بترقبٍ إلى باب غرفة العمليات، مما جعل وجه آنا يتجهم بضيقٍ واضحٍ يشوبه بعض القلق!
اقتربت كارلا من بيتر وقالت بقلق:
"كيف هو؟"
حرك بيتر رأسه ينفي علمه بجواب ما سألت وقال بقلة حيلة:
"لا زال في غرفة العمليات ولم يخرج أي شخصٍ من الداخل بعد."
رفعت كف يدها ليستقر فوق ذراعي بيتر المعقودين أمام صدره وقالت تطمئنه:
"سيكون بخير."
أومأ برأسه، سمعا صوت رنين أحد الهواتف يتصاعد... ليجدا آنا تخرج هاتفها من جيبها وتبتعد عنهم وهي تتحدث بصوتٍ منخفض، ضيق بيتر عينيه وقال بشك:
"هل تثقين بها؟"
نظرت له كارلا ثم عادت ببصرها إلى حيث ينظر وقالت:
"أتقصد آنا؟ ... أجل!"
"برأيي لا تفعلي."
قال بيتر مصرحًا بشكه.
سألت كارلا:
"ولمَ لا؟"
هز بيتر كتفيه وهو يدس يديه بجيبي بنطاله فسألت كارلا:
"وبمن أثق بدلًا عنها؟"
"بي!"
قال بترقب بينما عقبت هي بتلقائية:
"قصدت غيرك، فأنا أثق بك بالطبع!"
نظر لها بيتر دون أن يتحدث، فشعرت بموجةٍ من المشاعر الغير مألوفةٍ لها تهاجمها بغتةً... حاولت أن تشيح ببصرها بعيدًا عن عيني بيتر، لكن القلق الذي كان واضحًا جليًا أثناها عما كانت تنوي!
وعلى الرغم من ذلك... فإن شيئًا آخرًا حثها على سحب يدها إلى جانبها مجددًا،
ذلك الشيء الذي شعرت به يحاصرها يجبرها على اللين والاقتراب...
لكنها لا تريد!
فهي متورطة بالفعل بما يكفي من المصائب،
ولا تريد فقدان المزيد من الأشخاص.
كادت كارلا تغادر لكن بيتر أمسك بيدها مناديَا:
"كارلا..."
قاطعهم خروج الطبيب... فترك بيتر يدها وتوجه إليه على عجلٍ تتبعه ماريا،
ثم لحقت بهم كارلا وشعورٌ طفيفٌ بالاستياء يراودها لتركه يدها بتلك السرعة!
اقتربت منهم لتلتقط أذناها قلة الحيلة بصوت الطبيب وهو يقول بعد تنهيدةٍ مُثقلة:
"أنا آسف!"
*****

قلبٌ دامٍ (رواية مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن