٢ : تَودّدُ الهَون.

11 2 0
                                    

تَحاضنَت الغيومُ وَهطلَ الغيثُ،
فمَددت يدي من النّافذة لأطال قطرةً منهمرة،
اللّيلة الفائتة بَدت باردةً وَالشارع كان غزيرًا.

ضجّة صمتِكَ طالَت سمَعي، لم أحتَج عينايَ لمعرفتك،
لم يَكن صباحًا مخيفًا، لَم يكُن غدًا صعبًا، كانَ باهِتًا فحَسب.

البارحَة، طلَبتُ المزيد مِن الوَقت للتّفكير متعذّرةً بعمَلي،
الوحدة نَهجي لأنّ ضجّة الأناسِ مرهِقة،
لكنّ هذه التّعابير العابِسة مرهِقة كضجّتهم،
وَلعلّ بسمة عَيناك كالوِحدة لإنّ حزنَك أرهقَ نبضي.

نظرت باتجاهه وَكان كما هو، يأكل بهدوء واتّزان،
وَلكن كيف سأقبلُ بسُرعةٍ فأقول بأنّي أحبك هكذا؟

أنتَ في وِحدتِك بلدٌ مزدحِم، أخاف أن تَسقط دموعي وأنا أقولها، أخاف أن يظهر جرحاً من جروحي وَسط الكلمات،
لا أبوح لأحد،
أنا سعيدَة معك في الحقيقة جون وَلكنّني لا أنسى أبدًا جروحي.

عوضاً عني قُل،
قل بأنك أحبَبتني مِنذ الرّمق الأوّل وَلستَ تتَعافى بي مِن قصّة أخرى، لكن هل سيَكفيك أنت أيضاً؟

هل ذلك كلّ شيء؟
ماذا عن تلك الأحداث، عن كل ذلك الحُزن والألم،
كل ذلك.. هَل كانَ حقيقيًّا ؟

" لكلّ مشكلة حلّ في هذه الحياة يا جون،
أعلَم.. أعلَم صعوبة الإدراك، حين يَبقى المرءُ وَحده،
تَنتابه رغبةٌ يائسَة مروّعة في أن يُنادي على أيّ أحد،
لكنّنا نعلم مسبقًا أنّ الحضور في الغالِب سيجعَل الأمر أسوأ.. وَلا زِلنا نُصرّ.. عليكَ أن تدرِك أنّي وَالقلق لا وَلن ننفعَك وأنـّك لـسـتَ مـالـكَ أمـرِك."

" قولي جلّ ما ترغبين ماري، لَن أهدأ حتّى تَفعلي،
قولي كلّ ما تريدين عَدى أنّك وإن كنتُ قد تهتُ في رُكود هذا الظلام،
لَن تستطيعي وَلو بطارِف تربيتَة أن تُخفّفي عليّ،
أنّ حضنَك في لُحيظاتِ اليأسِ لَن يصرُخ بقسوَة إنّي ملاذك."

" أتساءلُ عن الكمّ من النّدوب الّتي تركَتها الدّنيا الفانية عندَ أجنابِك لتكونَ بهذا الشّعور المنفعِل جون."

يَومانِ قَد مرّا، وَيومٌ أنامُ فيهِ سهوًا فأفوِّت انعِكاسِ زرقةَ الفَجر عَلى وَجهكَ، يوم مَلولٌ لا يتخلّله لحنُك، لا تَزورُ أصابِعي بهِ شغفٌ،
وَلا ألتَمس بفراغِ لوحَتي الصّغيرة ذات الأحرُف سوى رغبةِ التَّلطيخ المُبعثَرةِ.

كأنَّ ما فيكَ يُحاكيني، كأنّ جوفًا عميقًا من الضّبابيّة يَزدادُ معَ اختِناقَ نَفسي، شَيءٌ من الحَرقة، مثلَ الوَكز المُؤلم، أو المَرارة المَحبوسَة.

قَد يَنقضي يَومٌ آخر وَتغادر شَمس الغُروب سَماءها كالآن،
لكِن تبقى شمسُ الأرضِ، شمسُ المُلتحِف بمِعطفه القديمِ،
هوَ في أحد أركانِ الأرضِ يغوصُ بأفكارهِ.
ما الّذي حدثَ لنا؟

غُربَةٌ في نَفسيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن