كان ذلك الرجل ذو الشعر و اللحية السوداء القصير، يسير برواق تلك المؤسسة باتجاه مكتب المدير.
طرق الباب، و ما إن سمع كلمة مديره تلك حتى دلف الداخل بهدوء، وقف معتدلًا، ينتظر أن يسمح له بالكلام.
كان المدير لا يكبره حتى، و لكنها قوة السلطة و القرابة أوصلته رغم عدم استحقاقه بعد للأسف.
يجلس خلف مكتبه، كرسي بجلد أسود رائع، و طاولة من خشب ممتاز، أغلق سماعة الهاتف أخيرًا، و التفت الواقف أمامه.
" ما الأمر يا عمار؟ تريد إجازة ساعية صحيح؟"
أخفض مستوى بصره للأرض، و قال بارتباك.
" نعم إذا سمحت حضرتك، تعرف ظرفي جيدًا."ابتسم الأخر ببعض السخرية هذا ما شعر به عمار، في حين يوقع على قصاصة ورقية.
" بالتأكيد و سأسمح لك، و لكن أريد أن أقول لك رأيي بصراحة يا عمار."
" تفضل حضرة المدير."
" أنت بهذه الحالة منذ سنوات طوال، يعني الوضع ليس طبيعي و هذا يؤثر على عملك، أدرك جيدًا أن تربية الأبناء صعبة، أنا و مع أن زوجتي لا تعمل حتى تهتم بالاولاد و مع ذلك لا أتفرغ أبدًا، ثم كيف تتحمل الليالي الموحشة وحدك؟ لو كنت مكانك كنت تزوجت من بعد أشهر من وفاتها فتاة صغيرة جميلة تعيد إلي شبابي."
سخر عمار من تفكير المدير الجاهل هذا، رغم كل شهادته و إدعائه الثقافة لا يقدر تعب الزوجة في البيت، استأذنه، و خرج من المؤسسة بعدها مباشرة..
ركب سيارة الأجرة، و تشغل باله ملايين الأشياء حرفيًا، و لا يعلم بأيها يبدأ و أيها لا؛ تنهد بتعب كذلك بسبب ذلك السائق الذي لا يكف عن الشكوى و التذمر عن حاله و ارتفاع ثمن الوقود.
يعلم نهاية ذلك زيادة ثمن النقل مع أنه يقطع ذات المسافة يوميًا، تمنى لو أنه لم يبع سيارته بذلك السعر الزهيد ذلك اليوم.
وصل بعد حوالي العشرين دقيقة لبيته، كان هو ووالدته العجوز تتبادل إعداد الغذاء لأولاده.
رسمت على وجهه تلك الأبتسامة العريضة، و ارتدى قناع المرح؛ دخل للمنزل و قال بصوت عالي طفولي.
" لقد عدت يا أولاد، جلبت لكم شيئًا ستحبونه."
استغرب عدم استقبال أحد له، كانا يركضان نحو باندفاع و اشتياق كبيرين.
رمى حذاؤه بعيدًا، وتجاوز الممر و دخل لذلك المطبخ المتواضع جدًا، ثلاجة متوسطة الحجم، و فون صغير في الزاوية حيث قابس الكهرباء، و موقد صغير، و الأطباق منظم برفين فقط.
وضع الأكياس أرضًا، و عندما هدأ تمامًا سمع صوت أنين بكاء طفل و شخص يواسيها.
" أرجوكِ يا صغيرتي كفي عن البكاء.. لقد اتعبتني معك ."
أنت تقرأ
نقطة بداية « مكتملة »
General Fictionالحَيَاةُ لا تتَوَقَفُ عندَ أحدٍ، مهمَا كانَت أهْميَتُه، الحَيَاة أقوَىٰ من المَوت و تسير مهما قَاسَيتَ، لذلكَ عليكَ الوُقُوفُ و التَقَدُم لأنهَا لن تتنظَرَك، مهما حدثَ و شعرتَ أنها توقفتْ للحْظَة اخْتَلِق تلك النقطَة، نقطةَ بداية، بدايةٍ جديدةْ. حق...