الجزء 13: القدر

80 6 8
                                    

الصباح في ميدجارد يكون أكثر ضجيجًا، حتى الآن لم أستطع التعود عليه... ألفت الهدوء، أنتِ تعرفين كم أحب الهدوء و السكينة. كيف أهرب من الضوضاء و الأصوات العالية...

في الشارع الذي أعيش فيه، تنبعث رائحة المعجنات في السادسة صباحا من المحل الذي يقع في نهاية الشارع فتملأ الحي، و يلتقطها أنفي فأجر نفسي إلى العم "دانيال", رجل إيطالي طاعن في السن لكنه يأبى التقاعد، يقول العم دانيال بأن عدوله عن فعل ما يحب يشبه الموت على قيد الحياة! إنه رجل شديد التفاني، يصنع أفضل كعك قرفة يمكنك تذوقها. تمر شاحنة المثلجات كل يوم في الساعة الحادية عشر صباحا، فيتجمع حولها الأطفال و تعلو أصواتهم. على الخامسة مساءا أجلس في الشرفة أسترق النظر إلى النافذة المقابلة لشرفتي فأرى أماندا و هي تتابع مسلسلا يدعى "فريندز"، و يمر القطار المحلي في الساعة الثانية صباحًا كل يومين إثنين... لقد حفظت المعلومات بعد أسبوع واحد فقط من إقامتي هنا، أليس ذلك بالمثير للدهشة؟!

الهواء أثقل هنا، طعمه غريب بعض الشيء... معدنيٌّ و به بعض الملوحة، الناس منعزلون جدًا... متعلقون بهواتفهم أكثر من تعلقهم بعضهم البعض، فلا يكاد أحدهم يحدث الآخر و لا حتى ينظر في عينيه! إني أراهم كلما جلست في المقهى القريب أو على المقعد قرب النهر... منحني الرؤوس، غارقين في عالم من الوهم، بينما يمر الوقت سريعا في العالم الواقعي دون أن يدركوا ذلك، و حين يفعلون يكون الأوان قد فات بالفعل!

أفتقد المنزل، أفتقد آسغارد و شعبها... أشعر بأنني وحيد هنا و إن كان ذلك سبب قدومي من الأساس، أردت أن أختبر الحياة وحيدا بعيدا عن أودين و مملكته. أردت أن أهيم في الأرض على وجهي، أن أضيع و أتوه حتى أجد دربي الذي سأخطه بنفسي. ما كنت لأعود بتلك البساطة... بتلك السرعة، مهزومًا و مستسلمًا! أقف أمامه فيرمقني بنظرة كمن يقول "لقد حذرتك... أخبرتك بأنك ستفشل!"

لم تكوني الوحيدة التي غادرتها دون وداع، لم أودع أودين و لا حتى والدتي، كنت متيقنا بأنها ستحاول ثنيي عن الرحيل، فإذا فشلت فقد كانت لتقف بجانب السفينة مودعة و دموعها تنذر بالسقوط... ما كنت لأحتمل رؤيتها تبكي... لا أعلم لم تخاف والدتي علي بذلك الشكل! و لا سبب إرتعابها في كل مرة أتخلف عن العودة إلى المنزل... أتراها تخشى بأنني سأدير ظهري لها و أرحل دون نية في العودة؟!

الشقة التي اخترتها ليست بعيدة جدًا عن المكان الذي كنت تسكنين فيه قبل مغادرتك إلى آسغارد، على بعد بنايتين أو ثلاث، لكن هذا لا يهم لأنك لم تكوني هناك على أي حال.

ليس بوسعي تخيلك كفتاة تعيش في هكذا مدينة مكتظة، تمتلىء فوضىً و غبارًا... إنك فتاة رقيقة تشبه الغيم، تنتمين إلى الزهور، إلى اللون الأخضر و أشعة الشمس الحريرية، فكيف تعيشين في مدينة باهتة لا تشبه ملامحك؟!

إذا ما كان هناك شيء أحبه في ميدرغارد الآن فسيكون مدى سهولة قدرتي على الإنحلال بينهم، لقد كنت حرًا هناك. لم يكن اسمي مرتبطًا باسم أودين... لافي أو حتى بإسمي أنا. في الأسفل هناك، لم أكن معروفًا حتى... مجرد شخص آخر عادي بين البشر. و لكم وجدت في ذلك بعض السكينة.

LOKI : Meant To Beحيث تعيش القصص. اكتشف الآن