4- نيران.

299 12 96
                                    

شُعلة نارٍ صغيرة تتمايل مع نسمات الهواء انبثقت من أوساط الظلام مُبَدِدَة جزءًا منه، تُحَلِّق في الهواء بلا مصدر ولا أساس. وقف ساكنًا يُحَدِّق فيها عن بعدٍ، لا يوجد سواه وهي.

وإذ باضطرابها يزداد حتى وقعتْ أرضًا وأشعلتْ نارًا عظيمة في ثوانٍ، خيوط ألسنتها وصل إلى كل شبرٍ في ذلك المنزل، فأحرقت غُرَفه وتصاعدت على الأعمدة كي تلتهمه بأكمله.

رأى في الغرفة العلوية أبواه يغطَّان في نوم عميق والنار تقترب من غرفتهما، فهَرع إليهما يودُّ تحذيرهما وإيقاظهما قبل أن يصل إليهما اللهبُ، لكن قدماه أبت التحرك كأنما ثُبِّتَتْ بالأرض فابتلعتها الأرض رويدًا رويدا.

صرخ بأعلى صوته يُحذِّرهما علَّهما ينتبهان، فتردد صدى صوته في المكان مع ابتعاد صورتهما وصورة المنزل المحترق حتى اختفى صوته وحلَّ محلَّه أصوات متداخلة لأشخاصٍ يتحدثون ويمرحون، التفتَ إليهم فرأى نفسه بين أبناء عمومته يقضي أوقاتًا ممتعة بينهم، ولم تنتبه نسخته اللاهية بحريق منزلهم الذي يلتهم والديه.

فجأة صدح صوت عالٍ مجهول الكلمات أخذ يتصاعد في العلوِ حتى استيقظ فارس من نومه فزعًا مضطربًا ودقات قلبه تجاوزت المعتاد.

كان الصوت مبهمًا ولم يعِ فارس أين هو للحظات ثُمَّ انجلت الغمامة عنه وتذكَّر مكانه وحاله وهو يسمع صوت أذان الفجر يعلو ليوقظ النيام، انتابته رغبة عارمة بالبكاء لكنه صدَّها بجرعات هواء متتالية يُدخلها إلى رئتيه وعيناه بدأت تجول في المكان تبحث عن طريقة للخروج من هذا المخبأ.

همَّ للخروج لكنَّه تذكَّر سبب اختباءه في المقام الأول فانقبض قلبه وازداد ارتباكه، عاود الجلوس يحاول النظر من الشقوق الصغيرة إن كانوا ما زالوا هنا أم رحلوا وتركوه وشأنه. مكث قليلًا يُراقب ولم يرَ لهم أثرًا، لم يرَ سوى أفواج المصلِّين المُتجهين إلى المسجد، لكن ماذا إن كانوا يُراقبون المكان من زاوية لا يصل إليها نظره؟ وهم الآن ينتظرون خروجه كي ينقضوا عليه ويعيدونه؟!

سيُنجيه الاندماج بين الناس منهم، فلن يستطيعوا أخذه من بين الجمع بسهولة.

حاول الخروج بلطف دون أن يمسَّ شيءٌ يده المتضررة، كانت الفجوة ضئيلة منكمشة على ذاتها حتى تساءل فارسٌ في نفسه كيف استطاع الولوج عبرها؟ أخرج قدمه اليسرى أولًا وبصعوبة ألحقها بجذعه ورأسه وحين أراد إخراج جُزئه الأيمن علِقَ رداءه بنتوءٍ بارز من بين الأدوات، حاول تخليصه بسرعة وقلة صبر إذ كان يقف على إحدى حدائد البناء بشكل غير متزن في مكان مرئيٍ خشيَ أن ينتبه له الناس فيظنوه سارقًا جاء لنهب المنزل.

تأرجحتْ قدمه فوق طرف الحديد مع الدفع والجذب فاختل توازنه وسقط أرضًا على جزءه الأيسر وهو يسمع صوت تمزق قميصه. تفشى ألمٌ فظيع في ذراعه اليسرى وصولًا إلى كتفه فأسندها بيده اليمنى يُحاول تخفيف وجعها.

بريق ليل حالك.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن