لا أريد من يريدني لأجل محاسني أريد شخصاً يعرف كل مساوئي ومع هذا مازال يريدني. "
| إرنستو ساباتو |
كان ثمة مشاعر بيننا، بلغت منا مبلغ السيل من الوادي، وانبتت بأرضنا وداد متصلا، وازهرت وأينعت حنينا وأشواقا، كنا نرى للجمال صورا فى كل شيء، كانت صورة الجمال هدية من الحب لناظرينا، فما الذي حدث لينقطع الوصال ويندثر هذا الود، وتبقى مشاعرنا طيفٌ من الماضي البعيد ؟
كيف لمن يحب أن لا يسامح، وكيف لمن يحب ان لا يتنازل عن بعض مطالبه ليستمر الحبُ، كيف أننا تنازلنا، كل منا عن الآخر؟!
أمَا كان لنا أن ننتظر، أما كان لنا أن نرخي شراع الكرامة ولو قليلا، لتعبر سفينتنا الى شط الأمان؟!
ألم يستحق الحب فينا أن نضحي من أجله ليبقى بيننا ؟!كنت قد أخبرتُكِ من قبل أنَّ من الحبِّ أن يقبل كل منا الأخر، دون أن يفرض عليه طباعا معينة، او يصبغه بصبغة محددة، فلكل منا إختلافه الذي يكمل الاخر أو قد لا يكمله ولكن هر الطبيعة ذاتها فى قبول الاختلاف او التعايش معه ، ولكن هيهات هيهات لما نرجوه من البشر!
أخبرتُكِ مرارا أن الحب هو الحب لا شرط فيه على أحدٍ دون الأخر،الحبيبُ هو الحبيب الذي احببت،ليس ما أريد تفصيله على مقاسات معينه أُلبسها له.
أحبك كما أنت لا كما أريد، وليعلم كل منا أن للأخر عيوبا إرتضاها من البداية، وكانت من سبل الوصال أيضا، فلما الأن تريدين مني أن أتغير عما كنت عليه،لما تريدن مني أن أصبح قالبا منحوتا من صورة تريدينها دون أن تعرفي أن لطبائع البشر الغلبة فى التكوين ؟!!
ألم يكن هذا الهدوء وقارا تحبينه!
ألم يكن كثرة الحديث تؤرق العقل والوجدان من قبل !
فلما الأن بات الأمر مختلفا؟أعلم أن لكل وقت أذان،ولكل موقفٍ طبيعته، ولكن الطبع يغلب التطبع، هناك بعض الصفات فى البشر إن حاولت إصلاحها كسرتها وأتيت على نهاية صاحبها.
أنا لا أدعي مثالية مفرطة، وكما أخبرت من قبل أن لي عيوبا أعرف أنّ غيرى لن يتحملها على طول الدهر، أحاول جاهدا ان أبددها تدريجيا وأبدل مافيها من سوءٍ للأفضل كلما اتيحت لي الفرصة واستطعت ، ولكن لا أستطيع الي ذلك الذي تريدينَ سبيلا، لا طاقة لي بحديث دون أسباب، ولاطاقة لى بشجار على كل وجهةِ نظر مختلفة، ولا طاقة لى بما يفعل فلانٌ ولا فلانه.أنا انا لا يهمني إلا ما افعل وما اقول، وما تفعلين وما تقولين.
اعلم اننا نعيش بين البشر فى مجتمعٍ يحاكمه الناس من حولنا بعيونهم وحديثهم ، لهم عادات وطباع مختلفة عنَّا، وفيهم البعض ممن يشبهوننا، ولكن لكلٍ منهم عيشته و حياته الخاصة بطريقته هو وظروفه هو لا بطريقة غيره ولا بظرفها .الحياة ياعزيزتي لا تسير على صورة ثابته، الحياة دائرة ندور فيها، ليست كلها افراح وسعادة ، ولا بمجملها اتراحٌ و أحزان، ما بين الفرح والحزن تتشكل ملامح الانسان، ما بين الكد والراحة تتبلور وتتضحُ معالمه وهيأته.
أمَّا أن نركنَ لجهةٍ واحدةٍ وصورةٍ واحدةٍ جامدةٍ ، فهذا ما لايطاق ولا يعقل.
الموضة والإتيكيت والعصرية ليست هي وحدها ما تجعل الإنسان مميزا ومختلفا،ليس كلُ إختلافٍ مرغوب،فأنا ياعزيزتي لا أؤمن بتلك المصطلحات الواسعة والتي تجلب علينا فيما بعد بوادر التحلل تحت مسمى الحرية وما يشار إليه حاليا بالمساواة.
أنا اعرف جيدًا القواعد التي أسير عليها وأرضاها، وهي أن لكلٍ منا نحو الأخر حقوقٌ وواجبات، وعلى كل منا أن يحمل الودَّ والمعروف للآخر، أما مايكون دون ذلك أو مخالفا عنه،فبالفطرة تجدين عقلي وقلبي له رافضا.
يا عزيزتي لا تنظرين الى ظاهر الأمردون باطنه، فإن فى بواطن الأمور ما يعكر صفو أمة بأكملها لو تحرك.إرتضينا الحياة بيننا هكذا، نحاول جاهدين الى ان نصل الى الافضل فيها، نتحصل فيها جاهدين الى أقصى مانريد، وإن لم نصل فلن تقف الحياة لأجل فقدٍ فقدناه، او نقصٍ لم نحصل عليه.
اللين فى المعاملة افضل من الشد الدائم هكذا بيننا، فلتعقلي الأمور بعين البصيرة ولا تتسرعي بعاطفية تأتي على الأخضر واليابس.
« الحياة لا تعطينا كل ما نريد»
إن كان ما تُريدين مني تلك الصورة الوردية لفارس الأحلام فى البدايات، فهذا واقعنا الذي نعيشه بما فيه من مسؤلياتٍ والتزاماتٍ تكسر عماد الظهر، وتقصف ايام العمر، إن لم يكن هناك من تشد بيدي وتمسكها وأستند بظهري عليها في عثرةٍ أسقط فيها، فأين ما يعنيه الودُّ والحبُّ ومابينهما من تضحيات وممارسات تحافظ عليهما عمرًا وأمدا.
إن لم يتنازل كلٌ منا عن بعض احلامه وطموحاته ذات السقف العالي ويؤجلها حتي تكتمل دون إستعجال ، سيضيع ماتحقق من أحلام بيننا وستصبح في خبر كان .
إن أول الغيث قطرة، وبعدها يصبح غيثا، ينبت الزرع ويعطي الحياة.الأن اترك لكِ رسالتي، لتعاودي قراءتها حين تصبحين، متمنيا لكِ أن تجدين بين احرفي شفاءًا لما أصاب الوداد بيننا ويعيدُ إليك من الامور أصوبها واجملها ، وإن كان الواقع بما فيه من مسؤلية وتضحيات ومشاركة مُرًا لايستساغ شرابه ، فاسألي عن مرارة الهجر وأوجاع الفراق .
أنت تقرأ
حنين ٌ من الماضي
Randomمقتطفات من أحاديث الصباح والمساء حرفٌ يكتبما تحدثه به الظنون، وحرفٌ يكتب من خيالات الشجون، وحرفٌ يرسمُ الحركات قصصا وحكايات، وحرف ثار على ما لايُريد فمات. هنا بيت القصيد، وبستان يفوح من عطر حروفه، هنا المعاني والسحر والدلال، هنا الشجن ودموع الحنين