المقدمة …….
ماذا لو استيقظت يومًا من سباتك الهاديء على عاصفة عنيفة تدمر كافة المسلمات بداخلك وتتركك لأعراض انسحاب عنيفة تجعل الهلع يغوص تحت عظامك ويقتل فيك كل ما كنت عليه يومًا ثم يطرحك نحو بؤرة عفن لتكتشف أنها وطنك الحقيقي وأن تلك العاصفة لم تكن إلا انزياح الغمامة عن عينيك،
ماذا لو أن كل المشاعر التي بداخلك ما هي إلا كذبة كبيرة تورطت فيها بكل كيانك وشيدت فوقها حدودك الآمنة لينتهي بك الأمر متناثر الأشلاء بعدما انفجرت وغدرت بك حدودك،
ماذا لو أن غدًا بات البارحة وجميع الحاضرين باتوا أمواتًا وعمق المنطق بات هو فورة الوهم وأنت وحدك وسط تلك الدائرة لا تكف عن الصراخ المتسائل رغم أن صوتك قد وأده اللهب المستعر لألسنة الحقيقة العارية ……..
༺༻
"عندما تكمن العوالم الخفية في جرة قلم ويكمن شغفنا للحياة بأسرها في كلمة "
يكون هناك دائمًا
( مابين السطور رجل)
༺༻
الفصل الأول
البداية …النهاية ….
رياح …ظلام …ذعر …وجسد هش ينازع انحلال كافة قيوده الآمنة والتي أفلتته دون إنذار وفي لمح البصر لينتهي به الأمر جاثيًا أرضًا في منتصف الليل البهيم أمام قبر وقد نجا للتو من نوبة انهيار جنونية استنزفت الرمق الأخير من القوة لديه ، صرخات هادرة استمرت لوقت طويل يبدو كدهر بأكمله، ثم انقطعت تمامًا رغم أن الأنفاس في جسدها الواهن مازالت تتسارع ما بين شهيق وزفير تمنت في تلك اللحظة أن يتوقفا هما أيضًا لينتهي كل شيء، السكون التام حولها جعل عينيها الشاخصة في اللاشيء تتجمد فيهما نظرات الروع وقد انسحبت الدماء من وجهها الملطخ كما يديها بدماء ليست لها، كانت جثة هامدة ترقد بجوار قبر ساكن في منتصف ليل موحش منعزلة عن الواقع بشكل تام كأنما تمكن منها الجنون أو أنهكها التصدي له، أصابعها المخضبة بالدماء ترتجف كما لو أن هناك بقايا إحساس بجسدها تقاتل لتطغى على حالة التخشب التي أصابتها، لتصعق حواسها المغيبة صرخة شرسة لشخص جعلتها تنتفض وهي تنظر حولها بفزع لتتدافع شحنات هادرة من الوعي إلى عقلها المغيب جعلتها تستوعب بصدمة المكان الذي توجد به، حاولت بسرعة الوقوف ولكن خذلتها سيقانها التي خارت من شدة التعب و الرعب خاصة حين اخترقت أذنيها صرخة أشرس وأشد فنظرت للقبر أمامها وظلت تزحف للخلف وهي تتخيل أن أحد ساكني القبور ينازع ضمة القبر التي كثيرًا ما قرأت عن أهوالها، لتدوي في الآفاق المظلمة صرخة ثالثة خلعت قلبها من مكمنه وجعلت أنفاسها تتسارع وقد دخلت في حالة هلع شعرتها كحرب شعواء عاتية كافحتها قدر المستطاع محاولة في عمق طياتها الجارفة أن تفهم ما يحدث لها، أن تدرك إن كان كل ما يدور حقيقية أو وهم مروع شنيع تمكن منها، اصطدم ظهرها ببوابة المدفن الحديدية فصرخت بقوة ولكن كانت صرختها عبارة عن سكون تام رفعت كفها الباردة تلمس حنجرتها بخوف وحاولت الصراخ مجددًا لتزكم أنفها رائحة الدماء وتبدأ بتذكر كل شيء، أغمضت عينيها وهزت رأسها بعنف محاولة أن تفيق نفسها من ذلك الكابوس لكنه لم ينتهِ كما الصرخات المدوية والتي شعرتها قريبة جدًا فتمسكت بالبوابة الحديدية وجاهدت لتستقيم يدفعها الأدرينالين والخوف من هذا المكان حتى وقفت وفتحتها وهمّت بالخروج لتتصلب خطاها وعيناها تتوسعان بجنون جعلها تعود للخلف وتغلق البوابة بسرعة وهي تقول بفك تصطك فيه أسنانها ببعضها " مستحيل أن يكون هذا حقيقي، كل ما يحدث ليس حقيقي، أنا لست هنا، ولم يحدث لي ما حدث، وما أراه الآن وهم نسجه عقلي ليبقيني هنا، كل ذلك وهم مرعب لا أكثر، أنا لم أعد طبيعية …أنا فقدت عقلي " بكت بحرقة وهي تكتم صوتها ثم انتفضت كأنما عقلها المتوقف وجد طوق نجاة وبدأت تبحث عن هاتفها بسرعة كادت تسقطها أرضًا وهي تهمس بهلع " إن كنت فقدت عقلي فهاتفي لم يفعل " وجدت هاتفها بالجيب الخلفي لبنطالها فضيقت عينيها ورغم ذلك التفت لتفتح البوابة بكف يرتعش وترفع هاتفها لتصور ما يحدث أمامها لكن دون إرادة منها سطع ضوء الكاميرا ليزيد المشهد أمامها رعبًا فحاولت غلقه بسرعة ليضرب الضوء أحداقها لتخفت أصوات الصراخ فجأة وتملأ أذنيها أصوات موسيقى هادئة وتتبدل برودة الأجواء بدفء غامر خاصة حين تسمع صوت هاديء مألوف يقول " هل يريحك أن تغلقي عينيك أكثر " فتحت عينيها تناظر ملامحه الأربعينية الوسيمة وقالت " نعم، بات يريحني كثيرًا، فلا شيء في واقعي بات كما هو، كل شيء انقلب رأسًا على عقب، عالمي الهاديء بات كارثي بشكل لا يحتمل " قال لها بنبرة غير راضية " نحن هكذا لا نتقدم خطوة للأمام، أنتِ لا تواظبي على تناول الأقراص التي أعطيتك إياها بالمرة السابقة " اعتدلت في جلستها المريحة وقالت " أنا لا أشعر أني أحتاج إليها، كل ما أحتاجه هو والدي، لا شيء آخر " قال لها بحزم" لست أنت من تقرر بهذا الشأن، أنا طبيبك وأدرك حالتك التي تسوء بشكل ملحوظ، أنا أخشى أن يتمكن الاكتئاب منك بشكل يجعلك تؤذين نفسك وهذا بدأ يحدث بالفعل " هزت رأسها برفض وقالت " لا شيء يحدث سوى أني ….صمتت تعقد حاجبيها كأن ما تريد قوله أعقد من أن تجد مفردات لتصوغه ثم قالت " أني أشعر أن هذه ليست حياتي، هذه الدقائق الثقيلة …هذه التفاصيل المعادة، هذا الحزن الغامر ….هذا العالم المظلم، لقد بت أشعر أني عالقة في مكان الشمس به لا تشرق، كل شيء مبهج عرفته يومًا ليس هنا " قال لها " أين هو إذًا، أهو مع والدك " صمتت تنظر نحو النافذة التي بدأت تتساقط عليها حبات المطر ثم قالت " ماذا لو أن كل هذا حلم مرهق، وأنا الآن أحتاج فقط للاستيقاظ، ماذا أفعل لأستيقظ " قال لها " تخرجي تلك الفكرة من عقلك فورًا قبل أن تتفاقم وتدفعك للانتحار وتواظبي على الأقراص التي منحتك إياها، وتحاولي التعافي من هذا الاكتئاب وإكمال حياتك " قالت له بتعب " الأقراص تجعل عقلي فارغ من أي شيء، لا أجد به أي أفكار أو ذكريات، أجن بالساعات أحاول أن أفهم ما أشعر به فلا أستطيع تفسير مشاعري كأني لا أشعر بها، إنها لا تساعدني إطلاقًا، أحيانًا حين أتناولها أنسى أشياء لا تُنسى " قال لها " هذا ما تحاولين إقناع ذاتك به، كل هذه محاولات ردع من عقلك الباطن المستسلم للاكتئاب لدفعك للاستسلام مثله وعدم المقاومة، وبمنتهى الصراحة ما أراه منك يدل على أنكِ يائسة لدرجة تجعلك تميلين لذلك " صمتت تفرك كفيها ثم قالت " أنا لا أشعر أني أكون أفضل حين أتناولها " قال لها وهو يفتح درج مكتبه ويخرج منه شريط أقراص ويضعه على المكتب الذي أمامه " هذه ليست حقيقة، وأنتِ لن تمري من أزمتك بسلام إذا لم تواظبي على هذه الأقراص، اقتربي وخذي جرعتك اليومية أمام نظري الآن، فيبدو أني سأضطر أن أجد طريقة لأتأكد أنك تواظبين عليها " ظهر التردد على ملامحها لوهلة ثم تحركت عن الأريكة المريحة بخطى بطيئة تتقدم من المكتب فدفع نحوها الشريط بلطف وأشار نحو مبرد الماء فحملت الشريط وتحركت ببطء نحو مبرد الماء وسحبت كوب بلاستيكي وأخذت تملأه بآلية شديدة قبل أن تنظر للشريط وهي تخرج منه حبة وتقربها من فيها لتغمض عينيها وهي تضعها على لسانها ثم تتجرع الماء بصعوبة فتعود الصرخات الشرسة لتدوي حولها كرذاذ مطر ينهمر في يوم لم تعش عاصفية أحداثه من قبل..
أنت تقرأ
مابين السطور رجل ( شهيرة محمد)
عاطفيةرواية جديدة منفردة يغلب عليها طابع الغموض رحلة شيقة مع ابطالنا يتخللها مواقف اجتماعيه رومانسية كوميدية