خوارزميات الحوفي
✰✰✰✰✰
حين يعاني عالمك من نقص مروع من الواقعية تيقن حينها أن إيقاع المنطق اختلف، وباتت ألحان الواقع شديدة النشاز إلى درجة تدفع جميع من حولك ليشاركوك الهذيان أو ليقاسموك الجنون..
✰✰✰✰✰
حين يصبح غدك مرهون بسؤال لا تجد له إجابة واضحة تصبح كافة الإجابات اللامنطقية لوهلة هي أطواق النجاة المتاحة أمامك والتي قد يدفعك عقلك لتغامر وتتعلق بإحداها أفضل من أن تبقى مسلمًا للتيه وأنت تعيش عالقًا في متاهة السؤال دون جوابه، توقفت سيارة شهاب أمام بوابة فيلا عبد الرؤوف والي والتي وضع عليها حراسة عسكرية مشددة في نفس اللحظة التي
توقفت بها سيارة دياب مقابل سيارته وترجل منها بحركة واثقة لم ير فيها شهاب الذي تجهمت ملامحه سوى استعراض مبالغ به وقد اهتم دياب بإطلالته فبدا كأحد عارضي الأزياء وليس بضابط يبحث خلف قاتل متسلسل مجنون، طحن شهاب ضروسه بغيظ وغضب وبعقله تتفاقم الأفكار التي تسحب كافة صمامات الأمان بعقله وتجعله يريد أن يطبق كفيه على عنقه ويرديه قتيلًا، لتنعكس أفكاره
على حركة جسده المنفعلة وهو يترجل بدوره من السيارة ويغلق بابها بعنف ثم وقف يزغر دياب الذي اقترب منه بخطوات متمهلة حتى وقف أمامه وقال باستغراب " أنا مستعد أن أدفع نصف عمري لتجيبني على سؤال واحد، هل بيني وبينك ثأر وأنا لا أعلم " منحه شهاب نظرة مستخفة وقال " ادفع عمرك بأكمله في شيء أفضل من هذا الهذي، فالرجل مؤكد ينتظرنا " تحرك شهاب
نحو البوابة فتبعه دياب وهو يبتسم بشيء من الاستغراب والحيرة ليلتفت له شهاب بحدة وهو يعقد حاجبيه ويسأله " وهل سيادتك معتاد على رسم ذاتك بهذا الشكل المبالغ به كلما ذهبت للعمل على قضية " نظر له دياب بذهول ثم ضرب كفًا بكف وقال له " هذا الأمر زاد عن حده، ما بك يا رجل تتحدث كأنك زوجتي التي لم أحظ بها بعد، أخبرني هل تغار عليّ؟ " غمزه دياب بعبث ليقابل شهاب
مزاحه بنظرة شرسة جعلت دياب يضحك بقوة ويقول " لا أجد بداخل عقلي تفسير آخر لأفعالك، لقد بت أشك بأمرك يا رجل " هدر به شهاب قائلًا " كلمة أخرى وسأعود للسيارة لأحضر سلاحي وأفرغه برأسك هذا " رفع دياب كفيه محاولًا أن يسيطر على ضحكه وقال له " الرجل ينتظرنا لنقابله أولًا وبعدها سيكون لدينا كل الوقت لنحل مشاكلنا العاطفية " زمجر شهاب فضحك دياب
بقوة بينما كان أحد أفراد الحراسة العسكرية يقف بتحفز في استقبالهما وهو يقول " السيد عبد الرؤوف في انتظاركما، اتبعاني من فضلكما " نظر شهاب لدياب بتوعد ثم تحرك نحو الباب الداخلي للفيلا والذي فتح من قبل أن يقتربوا منه فولجوا إلى الداخل يتبعون الضابط الذي قال " إنه بمكتبه، تفضلا " كان شهاب شديد التحفز والتوتر بشكل انعكس على قسماته التي ما استسلمت
لللين للحظة ولو من باب اللباقة حتى حين وقف وجهًا لوجه أمام عبد الرؤوف والي الذي كان يجلس خلف مكتبه ذي التصميم العتيق وهو يرتدي نظارة تسقط قليلًا على أنفه ويدقق النظر في كتاب ضخم صفحاته تميل للاصفرار دليل على قدمه ليرفع عينيه نحوهما وهو يقول بلهجة آمرة " اجلسا " ثم أشار لضابط الحراسة لينسحب، جلس شهاب ودياب اللذان رمقا الباب الذي يغلق
بنظرات متفاوتة ما بين هدوء وفوضى ثم عادا بنظرهما لعبد الرؤوف الذي قال " سمعت أن لديكما قضية معقدة " قال دياب " إنه لشرف لنا أن نجلس أمام سيادتك و…قاطعه عبد الرؤوف قائلًا " ليس لديكما الكثير من الوقت لتضيعاه في التملق لي، لذلك لندخل في أساس الموضوع " نظر شهاب لدياب بشماتة ثم حاد بنظره لعبد الرؤوف وقال " لقد علمنا أن سيادتك كنت الضابط
المسؤول عن التحقيق في قضية محاولة اغتيال الكاتب محمود الحوفي في التسعينات، وسمعنا أيضًا عن الكتاب الذي نشره في ذلك التوقيت وسبب له أزمة مع العديد من الجهات، وعلمنا أن وراء الأمر كان هناك جماعة بفكر متطرف، ونحن نريد أن نعرف منك حقيقة ما حدث " نظر له عبد الرؤوف بتفكير ثم سأله " ما الذي يدفعكما للسعي خلف تلك الحكايا القديمة، ما
الذي ستفيدكما به معرفة ما حدث " تدخل دياب قائلًا " نحن نشك أن تلك الجماعة عادت مجددًا وبدأت بممارسة تطرفها ولكن بشكل أوسع وأخطر خلَّف حتى الآن عدة جثث لفنانين في شتى المجالات لا متهم رئيسي بقضياهم ولا مشتبه به ولا شيء مشترك سوى مقاطع من كتاب لمحمود الحوفي يسمى ….. قاطعه عبد الرؤوف وهو يرخي ظهره
للخلف ويقول بشرود كأنه يتذكر ذكرى بعيدة جدًا " أبوستولوس …الرُسُل "..
✰✰✰✰✰.
إذا ظننت أنك إن انتزعت الماضي من داخلك محررًا ذاتك من قيده أنه سيفعل بك المثل تكون غافلًا لا يدرك أن الماضي لا يفلت الأعناق التي تختنق إلا حينما يتأكد أنها قد فارقت الحياة..
✰✰✰✰✰.
صراع الفكر حين يحتد داخل عقل يقدم سطوة القلب على سطوته تكون دائمًا الأمور محسومة لصالح اللاعقلانية وهي الجانب الأسوأ الذي ينتج عنه كل قرار غير محسوب، كانت كريمة تجلس بسكون على الأريكة الخشبية المجاورة للنافذة التي تطل على الحارة الضيقة التي بدأت تهدأ بها الحركة بعكس رأسها الذي لم يهدأ منذ أن سمعت ما دار بين بربري ورجاله وتلك التي عاملتها كأخت لها،
كانت خائفة من هول ما تورطت به معهم، كانت حزينة من عمق وحدتها التي تجعلها متلهفة لوجود أشخاص في حياتها، كانت غاضبة منهم لخداعها وغاضبة من ذاتها التي تميل لتجاهل كل ما سمعته من حقائق وتكتفي بوجودهم الذي جعل لصمت حياتها القاتل حسيس ظنته قد خبا منذ زمن، كانت مخذولة في صميمها من الحياة التي لا تلقي في طريقها فرح وتدعه يكتمل
لنهايته، كانت عيونها الشاردة في انعكاس ضوء القمر داخل أحد بؤر المياه الضحلة بمنتصف الشارع الضيق تمتليء بالدموع وهي تقول بحسرة " قليلة العقل يا كريمة، قليلة العقل من يومك، منذ متى والحياة ترسل أحباب، منذ متى ونحن نجد على بابنا الأماني تنتظر، رمحت بك الأحلام، وها قد استيقظت، ما الذي يجعلك تقيمين سرادق العزاء في صدرك، ألا يكفيكي الحزن الذي مضى، لماذا
تزيديه يا كريمة لماذا " أخذت كريمة نفس مهتز كأنما قلبها يبكي وقالت بحزن " قهرك عجز الولايا الذي رأيته في عينيها وهي تقف خلف بربري بخوف تحاول أن تحمي ذاتها من بطش بدوي والبقية، قهركِ أنكِ رأيتي فيها نفسكِ التي تتوارى خلف الجدران الآيلة للسقوط من العيون التي تريد التهامكِ حية " تنهدت كريمة بحرقة ومالت تسند رأسها على حافة النافذة وقالت بانفعال " كيف طاوعكِ قلبكِ
بإلقائها خارج منزلكِ، وحده الله يعلم من جار عليها ومن ظلمها، هل ظننت نفسكِ فوق البشر لأن الله أكرمك بأربعة جدران تحتمين بها، يا قلبكِ يا كريمة، من أين أتيت بتلك القسوة؟! " تساقطت دموع كريمة بحزن لتلمح خيال لشخصين يخرجان من الباب الخارجي للبيت فاعتدلت بسرعة كبيرة وأخرجت رأسها من النافذة لتتوسع عيناها وهي تلمح بربري وتلك التي طردتها دون رحمة
يسيران مسرعين جنبًا إلى جنب ليخرجا من الحارة، طغى شعور الذنب على كل شعور عقلاني اكتنفها منذ ما حدث فأسرعت تسحب حجابها الملقى بجوارها على الأريكة وتلفه حول وجهها بإحكام ثم اندفعت نحو الباب تفتحه وتعبر الممر الضيق نحو شقة مخلف وتطرقه بانفعال ليفتح لها فوزي الباب بملامح مكفهرة وينظر لها بتساؤل فقالت له بتوتر " أريد عم مخلف " ظهر مخلف من
خلف فوزي يقول بتعب " خير يا كريمة " بدا عليها التردد لوهلة قبل أن تقول" اسمعني يا عم مخلف أنا لا أعرف لمَ عدت الآن بعد كل تلك السنوات، لا أعرف ما تخفيه أنت ومن معك ولا أعرف حقيقة ما دار بينكم اليوم ولا فيما تورطون أنفسكم، لكني أعرف شيئًا واحدًا، أن جميعنا ولايا ولم يكن يصح أبدًا أن تتركوا صديقكم يأخذ الفتاة ويخرج بها في هذا الوقت، الفتاة تبدو ابنة
أصول تملؤها الغلبة والحياة لا ترحم وبصراحة بما أنه ليس أخيها لا يصح أبدًا ما يحدث " قال لها مخلف بصدمة " بربري رحل؟! " أجابته بتوتر " نعم لقد رأيته يخرج من الحارة وابنة الناس معه " نظر مخلف لناجح وبدوي الذي قال بانفعال " أقسم بالله هذه الحُرمة ستضيعه "
قال ناجح بانفعال " ماذا يا رفيقي أنت وهو؟ هل سنخلع ( نخلص أنفسنا) منها
ونترك كبيرنا يرمي رقبته للمرجيحة؟ ( يلف حبل المشنقة حول رقبته) منذ متى ونحن نكش(نخاف ونتراجع) من أمر مهما كان خطير" قال مخلف بعنف " على جثتي أن يحدث ذلك، نحن سويًا في كل شيء، قاتل كنا أو مقتول، أنا سألحق به " قال له فوزي " وأنا معك يا مخلف " قالت كريمة لفوزي بحزن " أعدها أكرمك الله، الليل ليس لأمثالنا، نحن بنات ناس والله " قال لها فوزي الذي
للمرة الثانية خلال ساعات فقط تذهله بشجاعتها التي تناطح شجاعة الرجال " لا تقولي هذا، فأنتِ ست البنات جميعًا يا كريمة، عودي لشقتكِ وأغلقي الباب عليكِ ونحن سنذهب إليهم لا تقلقي " انسحبت كريمة وهي تضع يدها على قلبها بتوتر ليندفع مخلف خارج المكان يتبعه باقي الرجال بينما صوت بدوي المتذمر المعترض لم يتوقف لحظة واحدة.
✰✰✰✰✰
الوعي الذي يصنعه الجهل قادر على تدمير البنية التحتية لذاتك لتنهار كأنك لم تكن، والوعي الذي يصنعه الإدراك قادر على جعل ذاتك دمار يسير على قدمين لتكن ضحاياه أكثر منك بكثير..
✰✰✰✰✰
إيقاع الأحداث في الماضي قد يكون أكثر روعًا مما قد نتخيل، علامات الاندهاش
كانت تطل من قسمات دياب بعكس شهاب الذي كان يجلس كالوتر المشدود وكأنما تحت قدميه جثة مضرجة في دمائها الساخنة، بينما عبد الرؤوف يقول " كانت التسعينات مليئة بالقضايا المعقدة ولكن قضية محمود الحوفي ستظل من القضايا التي لا تُنسى، أتعرفان لماذا؟ " نظرا له بتساؤل فقال بجدية " لأن ليس كل ضابط قد تشهد مسيرته على ميلاد التطرف، نحن نحارب
دائمًا ما خلّفه التاريخ من تطرف أما لحظات الميلاد فهي نادرة جدًا" صمت عبد الرؤوف وخلع نظارته وقال " الأمر ببساطة شديدة بدأ مع نشر محمود الحوفي والذي كان كاتب بدأ اسمه في الظهور كتاب أحدث ضجة كبيرة بسبب الأفكار التي كان يحتويها، ومن بعدها بدأت جماعة أطلقوا على أنفسهم أبوستولوس في نشر فكر متطرف للأسف الشديد وجد صدى في عقول الكثيرين
خاصة وأن تلك الفترة كان الإرهاب الذي يتلفح بعباءة الدين يقوم بهجمات عنيفة مسببًا الرعب لكافة الطبقات، كانت أفكارهم ليست عشوائية وسطحية، إطلاقًا بل كانت منظمة وعميقة جدًا تستهدف المثقفين أي الجزء الواعي من الشعب، تخيلوا معي أن يصيب الجزء الواعي من المجتمع تطرف، فماذا سيكون مصير البلد " قال دياب بإقرار " دمار " قال له عبد الرؤوف " بالضبط أنا أتذكر
أني قرأت ذلك الكتاب، لقد تهت في تفاصيله وفي الدلائل التي بنوا عليها فكرتهم الراسخة بأن المبدعين هم رسل من الله، لقد كان كتابًا ذكيًا خطيرًا لدرجة جعلتني في بعض الآونة أميل لتصديقه لكن للأسف لم يعد الكتاب لدي الآن " قال شهاب بارتباك " لا أفهم، كيف يمكن أن تكون فكرة عبثية مثل تلك مصدر تهديد في دولة إسلامية، نحن نؤمن أن رسولنا صلى الله عليه وسلم آخر الرسل "
قال عبد الرؤوف وفي عينيه لمعة إعجاب مازالت باقية بقوة ذلك الفكر " لا الأمر بعيد عن تلك المنطقة تمامًا، هل سمعت من قبل بأطلنتس " هز شهاب رأسه بعدم معرفة ليقول دياب " أظن أني سمعت هذا الاسم من قبل " قال عبد الرؤوف " إنها قارة كتب عنها أفلاطون معلومات تعود لمخطوطات أهداها له أحد المصريين القدماء، أكد أفلاطون أنها كانت قارة ذات حضارة عالية الهمة
رفيعة الشأن تنقسم لولايات غنية ومتقدمة بشكل غير مسبوق، ومتطورة بشكل كبير لأن العلماء والمبدعين بداخلها وصلوا لمراحل من العلم والإبداع لم نصل لها ليومنا هذا " قال دياب بعدم فهم" ما علاقة حديث أفلاطون بتلك الجماعة " قال له عبد الرؤوف وهو يمسك أحد الأقلام أمامه ويبدأ بالنقر الرتيب" هناك علماء قالوا أن حديث أفلاطون كله كان محض تصور لحضارة
متقدمة في الماضي، وعلماء آخرون وكثيرون أكدوا على حقيقية وجود أطلنتس وحسب تذكري هناك مؤرخ بريطاني يسمى جورج سينسيلوس كتب عن نص قديم يسمى كتاب …..صمت عبد الرؤوف محاولا أن يتذكر ليقول بعد لحظات " كتاب سوثيس أو كتاب تحوت والذي يعود للقرن الثالث قبل الميلاد ويضم وثائق عديدة جاءت إلى مصر بعد الطوفان العظيم، والذي ورد بكل الكتب
المقدسة، ركزا معي بالجزئية القادمة " أعطى الجالسان كامل انتباههما لعبد الرؤوف الذي قال" كل الوثائق التي تكلمت عن أطلنتس تعود لتحوت الأطلسي والذي يكون سيدنا إدريس عليه السلام والذي قال أفلاطون العديد من الدلائل على أن الحضارة والعلوم اللذين كانا بمصر القديمة يعودان إليه ولذلك لقب في مصر القديمة بإله الحكمة، وأن كل المبدعين الذين يملكون موهبة
إبداعية استثنائية هم من سلالة العلماء الذين نجوا من اختفاء أطلنتس، هم رسل رسالتهم التقدم والازدهار وعلى الكل معاملتهم من ذلك المنطلق وجعلهم القوى العظمى في كافة الدول أو سيكون مصيرهم الجهل والفناء " رفع دياب حاجبيه بصدمة فيما تهدلت أكتاف شهاب ليقول عبد الرؤوف " الأمر طبعًا متشعب أكثر لكني اختصره لكما قدر الإمكان " سأله شهاب بتشوش " كيف
تورط معهم محمود الحوفي؟" قال له عبد الرؤوف " أعتقد أنهم كانوا يسعون ليجدوا متحدث مسيطر ذا سطوة على الرأي العام ليتحدث باسمهم فوقع اختيارهم عليه لكن لحسن الحظ كان التوقيت سيئ جدًا فالجماعات الإرهابية في ذلك الوقت كانت لفكرهم بالمرصاد، وقد تركناهم ليقضوا عليهم وما بقي تكفلنا به " سأله دياب بتوتر " ألهذا الأمر علاقة بمحاولة اغتيال نجيب محفوظ
عام أربعة وتسعين " قال له عبد الرؤوف" ذكرتني، فوالدك كان معي في تلك المعمعة، لقد كان وقت شهدت فيه مصر تطرف غير مسبوق وزحف فكري وثقافي غريب لكن نهاية الأمر أن محمود الحوفي كان كاتب مصري لم نكن لنترك صورتنا تهتز باغتياله لذلك عقدنا معه اتفاقية أسفرت عن نفيه خارج مصر عدة سنوات ومن بعدها عاد شخص آخر استطاع أن يكوّن علامة فارقة على
المستوى الفني والإبداعي بل ويخدم البلد " قال له شهاب" إذًا هل حالات القتل المتسلسل هذه صدرت من شخص يريدنا أن نعتقد أن تلك الجماعة عادت من جديد " قال له عبد الرؤوف وهو يلقي القلم من بين أصابعه " أو أن تلك الجماعة عادت من جديد ولكن بشكل أكثر عنفًا وشراسة وتبحث عن متحدث جديد يخاطب العقول تحت رايتها، ولن يكون هناك أفضل من ابنة محدثهم
السابق، فمحمود الحوفي حاليًا شخصية تؤثر في الملايين واسمه وحده سلاح قوي يريدون إشهاره في وجوهنا " أخذ عبد الرؤوف نفسًا عميقًا وقال " وربما جميع الضحايا من وجهة نظرهم غير داعمين للقضية لذلك لا يستحقون مواهبهم ولا يستحقون الحياة " عمّ الصمت وتبادل شهاب ودياب النظرات المتفاوتة ما بين صدمة وخوف …بل هلع …
✰✰✰✰✰
ولكي نمضي قدمًا في حياة محاطة بالأهوال علينا أن نخفض ضجيج الذعر في أنفسنا ونستبدله بصوت آخر أكثر قوة وشراسة، بصوت يخلو من اهتزازات الرهبة علينا أن نزأر بعنف دون أن نبالي بسلطة من نقف أمامه.
✰✰✰✰✰.
الحائط الذي يقف كما السد ما بين استقامتنا والاعوجاج قابل للسقوط في
أي لحظة قد تحسم فيها أرواحنا قرارها بإلى أي الجانبين تميل، ادعاء الثبات وإظهار الثقة دومًا ما كانا من أفضل سماته لذلك عاد كريم إلى مصحة دويدار للعلاج النفسي والإدمان ودخلها بمنتهى الهدوء متجهًا نحو مكتب فاروق دويدار مدير المصحة كأن شيئًا لم يكن، لم يكن كريم غافلًا عن همسات ونظرات من حوله لكن لم تكن تلك التفاصيل الضئيلة ما قد توقف خطاه أو تعرقل
مسيرته، فما هو بصدد الوصول إليه طفرة كبيرة إن أحكم عليها قبضته سيكون كمن ملك ما هو أهم من السلطة والمال، سيكون قوى عظمى تُخضِع كل ما تريد وكل من تريد لذلك هو لن يسمح لمطلق بشر أن يقف في طريقه، اقترب كريم من باب المكتب ثم أخذ نفسًا عميقًا وطرقه بهدوء قبل أن يفتحه ويلج إليه قائلًا " مساء الخير يا طبيب فاروق، هل لديك وقت لنتحدث قليلًا " رفع فاروق
دويدار وجهه المتجهم تجاه كريم وقال بجدية " من الجيد أنك أتيت، إن لم تأت لكنت استدعيتك، نحن يجب أن نتحدث، أغلق الباب واجلس يا كريم " أغلق كريم الباب وتحرك يجلس على المقعد المقابل للمكتب بمنتهى الرسوخ وقال " بما أنك كنت تريدني إذًا تنامى إلى علمك ما حدث اليوم " سأله دويدار بحزم " أنا أريد أن أعرف منك أنت ما حدث اليوم يا كريم " قال كريم "
الطبيب عاطف تدخل في شؤون حالتي الخاصة رغم تحذيري السابق له، وحين وصلت وقررت إلزامه حدوده افتعل عرض مبتذل أمام العاملين بالمكان وكان من الواضح أن كافة مساعيه تتلخص في تشويه صورتي لا غير " قال فاروق " ولمَ تدخل عاطف في شؤون حالتك يا كريم؟، أليس لكونها دخلت في حالة تشنج غير مفهومة ولم تكن أنت متواجد لتهتم بها ولم يكن هناك تقرير مفصل للحالة
يشرح بشكل شافي طريقة التعامل معها في الأزمات، بماذا أفسر هذا سوى أنه إهمال واضح لا أصدق أنه صدر منك أنت" قال كريم وقد بدأ التوتر يتملك منه " لقد وضحت لك من قبل يا طبيب فاروق أن هذه حالة خاصة جدًا لا تريد لأحد أن يطّلع على أي تفصيلة تخصها، كما أني اتبع معها طريقة علاج جديدة، ثم بمجرد إبلاغي بالوضع حضرت لأن هذه مسؤوليتي التي يجب أن أكون على
قدرها، تدخل عاطف وافتعاله للفضائح كان متعمد جدًا والغرض منه واضح " لم يبد الاقتناع على ملامح فاروق دويدار الذي صمت للحظة ثم قال " كريم أنت تعلم قدرك لدي فأنت منذ زمن وأنت تلميذ نجيب وطبيب ذكي أثبت كفاءته لكن ما يحدث معك في الآونة الأخيرة ليس مريح لشخصي ولا مناسب لمصحة بحجم مصحة دويدار ….قاطعه كريم قائلًا " من فضلك …لكن فاروق لم يمنحه فرصة
وهو يقول له " من فضلك أنت اسمعني لقد كنت احترم عقليتك وأمنحك كامل ثقتي ولكنك في الفترة الأخيرة بدأت تتصرف بشكل غير محسوب، لقد رأيت البث المباشر الخاص بك وكم صدمت من تصريحاتك، اسمك بات يترأس كافة مؤشرات البحث فتصريحاتك الصادمة خلفت بلبلة مهولة وأنا لا أريد التورط بها " قال كريم بجمود " لقد وضحت لك أن عاطف من تعمد صنع هذه الضجة،
وعلى أي حال لقد سحبت حالتي من المكان بأكمله لكي أرفع عن المكان أي مسؤولية، فالحالة كما قلت حالتي ووحدي المسؤول عنها " قال له فاروق بحنق بالغ " وهل عاطف من جعلك تتفوه بما تفوهت به وتفتح نيران الرأي العام بأكمله عليك، أتعلم ما أنت بصدد مواجهته، مؤكد هناك العديد من البلاغات التي ستقدم للنقابة ضدك وربما أنت الآن بت موقوف عن العمل
وأنت مازلت لا تعلم " قال كريم بعصبية " تلك التصريحات أنا مسؤول عنها، وأعرف هدفي ودوافعي من خلفها، وأعرف أيضًا كيف سأحمي نفسي ضد أي ضرر، منذ متى كانت أموري الشخصية ترهبك وأنت أكثر من يعلم مقدار الهجوم الذي تعرضت له على مدار سنوات عملي خاصة حين بدأت بالتعامل مع محمود الحوفي، الهجوم الذي تتحدث عنه هو ما صنع اسم كريم مندور " قال له فاروق
وهو يشير بغضب بالغ نحو هاتفه " محمود الحوفي الذي شهرت به وبابنته بشكل مخزي، اسمعني يا كريم حتى تحل جميع مشاكلك اعتبر نفسك في أجازة مفتوحة من العمل بالمصحة، فأنا لن أغامر باسمي لأجل أي شخص " امتلأت أحداق كريم بالذهول وهز رأسه محاولًا استيعاب ما يٌقال ثم ابتسم بتهكم ووقف يقول " أجازة! …أهذا الحديث لي أنا؟، يبدو أنك نسيت أنه لولاي لما كانت
مصحتك اللعينة اكتسبت ذلك الصيت، اسمي واسمي فقط هو ما يجعل جميع رواد هذا المكان من كبار الشخصيات، واسمي أيضًا كفيل بأن يجعلك تأتي لتترجاني لأقطع تلك الأجازة التي قررت ألا يكون لها نهاية " هدر به فاروق قائلًا " كيف تحدثني هكذا هل فقدت عقلك؟! " قال له كريم بعنف " بل أنت من فقد كل شيء للتو ولنرى من سيأتي ليقبل قدم من يا فاروق دويدار " تحرك كريم يخرج من
المكتب بخطوات كلما حطت أججت ما بين أضلعه ثورة وكلما رفعت أججت في عمق الثورة شغب وما بين هذا وذاك بقي الجنون طريق ممهد يستقبل خطاه برباطة جأش عجيبة لتغفل عيناه التي لا تغفل أي شيء عن كونه مرصود من عيون قريبة جدًا..
✰✰✰✰✰
الحب هو حرب مسلوبة الرحمة لا وسطية فوق ساحتها، الجميع إما غالب
أو مغلوب، جارح أو مجروح، هاجر أو مهجور، وما بين عيون تقسو حد الموت وعيون تبكي حد الذل هناك قلوب ينهكها الندم كونها يومًا أحبت…
✰✰✰✰✰.
كلما مر بنا العمر أدركنا أن لا غصة ستملأ قلوبنا إلا وخلفها شخص قاسمنا من عمق المحبة براح صدورنا وبدلًا من أن يجبرنا عمرًا كسرنا وعجل بالنهاية، ولجت راوية بخطوات متماسكة ترفع
رأسها بخيلاء لم تهتز للحظة رغم شحوب ملامحها وتسارع نبضها الذي تشعره يكاد يصم أذنيها نحو مكتب المحامي الخاص بمعتز محجوب والذي أرسل لها خطاب وجدته تحت عقب الباب عند دخولها لمنزلها ليلًا يبدو أنه فقد الأمل في مهاتفتها فاضطر لحيله التي لا تنتهي فقد كان يدعوها فيه لتسوية ودية أخيرة بين والدها الذي مازال بالعناية المركزة وبين معتز الذي لا تعرف ما الذي ينتويه
لوالدها قبل أن يُصعِد الأمر للقضاء، أغمضت راوية عينيها وهي تتذكر كيف أخفت الجواب تمامًا عن أعين عمرو الذي لم يسمح لها كبريائها العتيد أن تهز صورة والدها أمامه وكيف تحايلت عليه بكل الطرق لتستطيع القدوم إلى هنا دون علمه عسى أن تجد لوالدها من هذا المأزق حل دون أن تكشف ستره أمام بشر، عمرو الذي لم يتركها منذ وعكة والدها الصحية للحظة رغم كافة
مسؤولياته، والذي لم يمنعه خلافهما المعقد من أن يقوم بواجبه نحوها بشكل آلم قلبها الذي أرهقته الهزائم والخسائر والقرارات المعقدة، تقدمت راوية من مكتب موظفة الاستقبال وقالت لها " من فضلك أخبري السيد رمزي أن مدام راوية صدقي جاءت حسب الموعد وأكدي عليه أنه ليس لدي الكثير من الوقت، في الحقيقة أنا على عجلة من أمري " وقفت الموظفة وقالت باهتمام " في الحقيقة
السيد رمزي ترك تعليمات بدخول سيادتك له بمجرد وصولكِ، تفضلي معي " تحركت الموظفة وتبعتها راوية التي شعرت بنغزات خفيفة إثر تقلب جنينها فابتسمت بشيء من الانكسار وهي تتلمس بطنها وتلج خلف الموظفة من باب المكتب لترفع عينيها وتهم بقول شيء لتتطاير جميع أبجديات الحديث وعيناها تقع بأعين معتز الذي لم تتوقع وجوده والذي كان يجلس على المقعد المقابل للمكتب
ويتأملها بعيون تمتلئ بالألم والغضب الشديد، تحركت عيون معتز من وجهها ببطء نحو بطنها المرتفعة لتتحفز راوية وتتخذ ملامحها قسمات عدوانية فيما يقول السيد رمزي " اجلسي يا راوية هانم وأخبريني ماذا تشربين " قالت راوية بعصبية " لا شيء " قال معتز بتهكم " موكا بيضاء مثلجة " توسعت أعين راوية بغضب شديد فقال لها معتز " ماذا ؟؟هل مشروبك المفضل أيضًا تغير كما تغيرت
أشياء كثيرة بحياتك! " تجاهلته راوية بشكل تام وهي تلتفت لرمزي وتقول " سيد رمزي أنت أرسلت لي جواب تقول فيه أن لديك تسوية وأنا هنا لأسمع منك " التفت رمزي يجلس خلف مكتبه وقال " بصراحة السيد معتز مقدر جدًا للعشرة
التي جمعته بالسيد ممدوح والدكِ ولا يريد تعريضه لأي شيء قد يؤثر على سمعته، لذلك بدلًا من تصعيد الأمر سيمنحكِ مهلة لسداد المبلغ المستحق
بشكل كامل وعلى دفعة واحدة " قالت له راوية التي تدرك حجم المبلغ المهول ولا تأمن ذلك الغضب في عيون الجالس أمامها " وكم مدة تلك المهلة بالضبط " همّ رمزي بأن يجيبها ليسرع معتز يقول بحدة رغم شعوره البالغ بالألم " أسبوع، سأمنحكي أسبوع لتردي لي ما أخذه والدكِ أو سأضعه في السجن، أظن هكذا سأكون فعلت ما عليّ وأكثر " انفعلت راوية وفزت واقفة وهي تقول
بحدة " هل أحضرتني إلى هنا لكي تعبث معي؟، أنت تعرف أني لن أستطيع تدبير ذلك المبلغ خلال أسبوع، ثم لماذا تتحدث معي كأنك تلف حول عنقي حبل المشنقة، هل نسيت من هو ممدوح صدقي ومن هي راوية ممدوح صدقي؟ " وقف معتز يزأر
بحدة من ألمه ويقول " لم أنس مطلقًا، لم أنس أي شيء يا راوية، ولأني لم أنس أنا أريد حقي، أريده كاملًا " توترت راوية من حديثه وتقهقرت خطاها للخلف وهي
تقول بتشتت حاولت مواراته " كما العادة، تريد البطش دون أن تلتفت لمن ستبطش بهم، لكني لن أصمت هذه المرة أيها الحقير، فهذا أبي، أتعلم ماذا تعني كلمة أبي " همّت راوية بالانسحاب ليسرع معتز يقبض على ساعدها بقوة وهو يقول
" انتظري أنا لم أنه حديثي " قالت له راوية بغضب " اتركني، هل جننت، كيف تمسكني هكذا " نظر معتز للسيد رمزي وقال له " هلا منحتنا دقيقة " نظر رمزي
للمشهد المتوتر أمامه ثم هز رأسه بطاعة فقالت راوية بانفعال " يمنح من دقيقة؟، أقسم بالله إن لم تترك يدي لأجعلك تدفع ثمن ما تفعله غاليًا، أنسيت أني على ذمة رجل يستطيع دعسك بقدمه " نظر معتز لعينيها وقال لها بغضب " وهل ذلك
الرجل يمنحك من الاهتمام والدلال ما كنت أمنحكِ إياه، هل يعاملكِ كما لو أنكِ ملكة يا راوية، هل يعرف عنكِ ما أعرف، هل أنتِ سعيدة معه؟ " ملأ الهلع
أوردة راوية التي حاولت سحب رسغها من قبضته وهي تقول " اتركني يا معتز، اتركني أيها الوغد، هل أحضرتني إلى هنا لتدفعني لأكون حقيرة وخائنة مثلك " قال لها معتز بغضب وهو ينظر لبطنها " أنتِ تخشين مشاعركِ نحوي، تخشين من
حنينك لي يا راوية، أنا جئت هنا لأسألكِ من أين جاء هذا؟، وكيف جاء؟ " شهقت راوية بعنف ورفعت كفها تصفعه بقوة عمّ بعدها الصمت إلا من هدير أنفاسهما
المنفعل ليلتفت معتز إليها ببطء ويقول " أسبوع واحد إما الدفع أو الفضيحة، أو …. صمت معتز للحظة وقال " أو تعودي لي " قالت له راوية بصوت ظهرت به بحة الإنهاك " أعود إليك؟، هل مازلت لا تصدق أني متزوجة وحامل، أعود لك
كيف؟، هل أنت واعي لما تتفوه به " قال لها بحرقة " تطلقي، وليكن طفلك طفلي، وليعود كل شيء لنصابه الصحيح، ليس من العدل أن تعيشي حياتك وأبقى أنا
عالق فيكي أقارن كل امرأة تعبر حياتي بكِ، ويقارن جميع من حولي كل امرأة ترافقني بكِ لتصب كل المقارنات في صالحكِ، لقد ظننتكِ مثلي تعانين من الخسارة وتلتاعين من الحسرة على فراقنا حتى وأنتِ مع آخر تزوجتي منه
لكي تؤدبينني على ما فعلت بكِ " قالت له راوية بانفعال " اخرس تمامًا، اخرس واتركني " ازداد غضبه فقال بهياج " لقد قلت لي أنكِ ولدت بعيب خلقي ولدت دون
رحم، قلتِ أنكِ لست كاملة كما ظننتكِ دومًا، وأنكِ لن تكوني قادرة على حمل وريث لي فكيف حملتِ من رجل غيري " حينها فقط طفرت الدموع من أعين راوية وقالت " نعم أتذكر فيومها تحديدًا بدلًا من مواساتي قُبض عليك عاريًا في سرير
أخرى، ويومها أيضًا أيقنت أني فشلت في اختياري للرجل الذي منحته مشاعري وقررت أن أختار رجل يفوقه في كل شيء وانظر لما حدث ها أنا أحمل وريث عائلة
السويدي بأكملها وأنت تقف أمامي متحسرًا تبحث عن طريقة قذرة لتدمرني بها مجددًا " اقترب منها معتز وقال بعيون تحاصرها بشكل هز ثباتها " راوية أنا مازلت أحبكِ " بهتت من هول اعترافه واستجمعت كل قوتها لتجذب رسغها من
قبضته وهي تقول بهلع واضح " إن فكرت في الاقتراب مني مجددًا وحدك من سيدفع الثمن، إن حاولت تدمير حياتي أكثر مما فعلت بالماضي ستكون تمنحني
كافة الأسباب لأنتقم منك دون أن يؤنبني ضميري لحظة واحدة " هاج معتز وهو يراها تركض خارج المكتب ودفع بساقه المقعد المقابل له بعنف وهو يقول " لست وحدي من سيدفع الثمن يا راوية، أنا وأنتِ في هذا معًا هل تسمعينني، أنا
وأنتِ في هذا معًا، وسأجعل جميع من حالوا بيني وبينكِ يدفعون الثمن وعلى رأسهم صديقتك المقربة فهي السبب …هي السبب "..
✰✰✰✰✰
أنا وأنتِ بتنا نشكل لغة غريبة داخل عالم يلفظ كل من لا يتحدث بلغته، بتنا نعيش الحلم سويًا، ونتقاسم الوهم بيننا دون اعتراض، ونتقبل الخذلان والألم دون أن نشكو، ونلقي بأنفسنا في غمار
الخطر ونحن يدًا بيد دون أن نتقهقر، أنا وأنت لم تكن يومًا لتجمعنا الحياة عبثًا ولم تكن لتفرقنا ببطشها الذي اعتدناه وقد بتنا نشكل ما بين السطور.
وستظل حيثما ذهبت غريبًا تحتاج إلى دليل ليرشد خطاك الشريدة حتى تعود لمنزلك حينها فقط يسقط عنك ثوب الغربة وتصبح خطاك هي من تحفر في حيز أمانها الدائم كل الدروب التي ستكمل فيها المسير، السماء كانت مظلمة وقد غاب عنها القمر كأنها تكفل لهما في ظلمتها أمان وتغطية، والرياح كانت شديدة تنذر بعاصفة وشيكة وربما بأمطار غزيرة ستتساقط في أي لحظة، هزيز الرياح كان
يدوي مثيرًا زوبعة في نفسيهما ورغم ذلك ظلت خطاهما تتقدم نحو ذلك المنزل الذي وقف في مهب الريح صامدًا بعكس ساكنيه، وقفت أمام البوابة الخارجية للمنزل يملأ قلبها رهبة امتزجت بحنين جعلاها ترفع كفها بتردد لتدفع البوابة ولكنها لم تستطع أبدًا سوى أن تتراجع إلى الخلف وفي حلقها تموج غصة قوية جعلتها تترنح لتشعر بذراع قوية تدك قواعد وهنها وتجتاح مجالها المذبذب
بثبات ملأ روحها بأمان حتى الصميم فرفعت عينيها تنظر نحو بربري الذي نظر لها بقلق وقال " أهذا منزلكِ؟ " تمسكت به كأنها تكمش آخر ذرات وعيها وقالت بارتجاف " أنا خائفة، لا تتركني " قال لها وملامحه تنغلق بحذر " يارب صبرك قلت لكِ مليون مرة أنا معكِ فلماذا أنتِ خائفة الآن، أيوجد أحد بالداخل؟ " عادت بأنظارها للمنزل وقالت بقهر " لا أحد سوى الخواء، فقد رحلت عن هذا
المنزل الحياة حين رحل صاحبه " طفرت دموعها فانفعل بربري بحمية ودفع البوابة وجذبها لتتقدم وهو يحيطها بذراعه بينما هي مازالت تكمش كفها على ملابسه كما الطفلة، تقدما نحو البوابة الداخلية فقال لها بربري " لن أستطيع كسر هذا الباب، إنه محصن وليس معي عتلة …هل يوجد باب آخر أو نافذة منخفضة نتسلل منها؟ " طفرت من عينيها الدموع وهي تقول " لن نحتاج إلى
ذلك " ثم تقدمت وهي تجذبه ليبقى بجوارها نحو إصيص زرع موضوع على أحد جوانب مدخل المنزل ودفعته بقدمها ببطء ثم انحنت تمد يدها المرتجفة لتتحسس الأرض بحثًا عن المفتاح وهي تقول بقلق " من المفترض أن يكون هنا، أنا أضعه في الواقع هنا، أيمكن أن تتغير أماكن الاشياء بالوهم " انحنى بربري الذي يستشعر كل انتفاضة عاتية تصدر عن جسدها الهش من شدة
ما تلتصق به وأمسكها من كتفيها بقوة ونظر إلى عينيها رغم الظلام الدامس وقال لها " ياإبنة الحلال اهدئي، حتى لو لم نجد المفتاح سنجد طريقة نتسلل بها إلى الداخل لنحضر ذلك الكتاب ونرحل معًا، هل تسمعيني، أنتِ لا يجب أن تخافي هكذا وأنا بجوارك فلماذا أتيت معك اذًا، هل لا أملأ عينك؟ " هزت رأسها بطاعة وبقيت ساكنة تتمسك به كأنها تستمد من ثباته ثباتها ليمد بربري كفه
ليتحسس الأرض بحثًا عن المفتاح وحين لم يجده دفع الإصيص الآخر وبدأ يتحسس الأرض أسفله ليطبق كفه فجأة وهو يقول " وجدته " ارتخت تميل برأسها على صدره النافر وهي تقول " الحمد لله " تجمد بربري تاركًا إياها لتتصيد نبضات قلبه التي تفر في كل اتجاه كأنها وحوش جامحة في البرية كيفما شاءت ليتنفس بعمق كأنما قد انقطعت أنفاسه من قربها وهو يشعرها تبتعد عنه ثم خرج صوته
ثقيلًا محملًا بفيض من مشاعر غريبة وهو يقول لها " هيا بنا لندخل فلا وقت لدينا " هزت رأسها بطاعة ووقفت فانتفض بربري واقفًا وتحركا معًا نحو الباب ليقرب بربري المفتاح من الباب ويفتحه فيتحرك الباب ببطء تسارعت له خفقات قلبيهما وبدلًا من أن تقدم على الدخول أخيرًا، تراجعت للخلف بهلع جعلها تصطدم ببربري الذي دفعها للداخل وتبعها وأغلق الباب خلفهما،
تحركت بخطوات مترددة نحو مقبس الإضاءة وأشعلت الأضواء لتتصلب كل ذرة في جسدها وهي تتأمل حصنها المنيع الذي لا تعرف المدة التي غابتها عنه، عبقت الأجواء من حولها بذكريات أشعلت فتيل الأسى في روحها وتقدمت تتلمس كل شيء حولها وهي تستحضر لمحات مما مضى، حتى وجدت نفسها وجهًا لوجه أمام صورة كبيرة معلقة لوالدها فأحنت رأسها بهوان وبكت
بحرقة جعلت بربري يدقق النظر للصورة قبل أن يسألها " من هذا؟ أهو رجل دولة مهم؟ " أجابته والشوق يضج بجنبات أضلعها " والدي …سيدي ….حبيبي ….فقيدي …عالمي " التفتت تنظر لبربري وقالت " فقدته في جائحة الكورونا، رغم أني كنت آخذ كافة الاحتياطات اللازمة لأبقى أنا وهو بعيدان عن العدوى ولكن كان أمر الله نافذًا فرحل وتركني بهذا المكان الكبير وحدي " قال لها بربري
بذهول " هل تعيشين بكل هذا المكان وحدك؟ " قالت له بوجع " نعم وحدي " صمتت لوهلة ثم شردت بعينيها وقالت " أنا دومًا ما كنت وحدي، لا أحد ليملأ خانات البشر في عالمي فقد كانت ممتلئة حد التخمة، كانت مكتظة بوجود أبي ومع رحيله رحل العالم وبقيت وحدي على هذا الكوكب أعاني ..الفقد و……ابتسمت ابتسامة لا لمحة سعادة بها وهي ترفع يدها لتلمس عنقها بشيء من الاحتياج
للاحتواء وهي تقول " وشيء آخر " نظر لها بربري بعدم فهم وقال " أنتِ ليس لديكِ أحد نهائيًا؟ " قالت له" لدي أنت الآن، أنت رفيق حلمي " ثم تنفست بعمق وقالت له " غرفة مكتب والدي من هنا " كمشت كفها على ملابسه مجددًا وسحبته نحو غرفة المكتب التي ذهل بربري من ضخامتها وفخامتها كذهوله بكل تفصيلة بهذا المكان وتحركت لتقف أمام حائط علقت عليه لوحة ضخمة
وأمالت رأسها باستغراب وقالت " هل اللوحة مائلة أم يخيل لي؟ " التفتت تنظر لبربري كأنها تنتظر إجابة منه لكن لم يبد عليه أنه قد استمع لسؤالها فجذبته من ملابسه لتلفت انتباهه إليها وقالت " خزانة والدي خلف تلك اللوحة، هل يمكنك إنزالها ولكن بحرص فهي أصلية وتقدر بثروة " نظر بربري للاللوحة بتعجب فمسحت دموعها وهي تقول " هذه النظرة على وجهك الآن منذ خمس
دقائق متواصلة، ما المذهل فيما يحدث؟، أنا أشعر بالألم داخل صدري " حمل بربري اللوحة بحرص وتحرك يضعها على إحدى الأرائك وهو يقول " أنا أفكر فقط كيف لشخص يملك كل هذا، ويعيش في هذا المتحف ولدية تلك الغرفة التي تبدو وكأنها المكتبة العامة التي نسمع عنها أن يكون تائه بين الخلق كما الكتكوت المبتل يتخبط في ملكوت الله مثلكِ " قالت له وهي تشب على أطراف
أصابعها لتطول الخزنة " لمَ لا تفهم أن المنازل بساكنيها، فإن رحل ضجيجهم وبقي الخواء، صارت البيوت الفارهة والقبور لا يختلفان إطلاقًا " هز بربري رأسه بعدم اقتناع وقال " لم أفهم ولا كلمة مما قلته، فأنتِ تتكلمي بلغة معقدة، هذا الكلام ليس لأمثالي فأنا لم يكن لدي منزل لأدرك الفرق ما بين وجود بشر به وبين رحيلهم عنه " تحرك بربري يتلمس التحف من حوله ويتأملها بانبهار
ليأتيه صوتها تقول " بربري " لم يلتفت إليها وهو يقول " ماذا؟ " قالت بصدمة " الخزانة مفتوحة ولا يوجد بها شيء " التفت لها بربري بانفعال ثم اقترب من الخزانة وهو يقول بحدة " كيف حدث هذا، هل سرقها أحدهم؟ " هزت راسها بإنكار وقالت " الخزانة سليمة، لا توجد أثار سطو أو تحطيم، ثم المكان ملئ بالتحف ولا شيء ناقص، هذا ليس منطقي، الخزانة سليمة ….انظر …لقد
فتحت بالرقم السري " سألها بربري بتحفز " من يعرف الرقم غيرك؟ " ضيقت عينيها وأخذت تفكر لتقول بتخبط " لا أظن أن أحد يعرفه لكن والدي كان يملك خزانة أخرى بغرفته لكن للأسف أنا لا أعرف كيف أفتحها " همّ بربري بقول شيء لكن صوت جلبة بالخارج جعلتها تشهق بهلع وهي تتمسك به وتقول بصوت مرتجف " كأنما هناك من يحاول اقتحام المكان " نظر لها بربري بانفعال ليتعالى
صوت تهشيم بالخارج جمد الدماء في عروقهما..
✰✰✰✰✰.
المؤامرة الحقيقة لم تكن ضدك أبدًا فكيف لشيء أوجدته من العدم وخططت له بروية ثم منحته قوة لا تُضاهى أن ينقلب ضدك ويعاديك بشراسة، كيف لكيان بأكمله أن يلفظ مركزه سامحًا لكل قواعده الآمنة بأن تتداعى!
البحث عن الحقائق أحيانًا يمثل لنا فطرة لا نستطيع أن نخالفها رغم كل المخاطر، كان عدي يجلس بمنزل والدته على أريكة أخيه المفضلة ويضع على ساقيه حاسوبه المحمول ليتمم كتابة مقالته لصحيفة الغد من خلاله لكنه كان مشتت بشدة وفي عقله تدور فرضيات كثيرة لكم الحقائق التي سيخبرها عبد الرؤوف والي لأخيه والتي إن علمها سيستطيع أن يصنع منها ضجة
صحفية لا تنسى، تحركت أعين عدي نحو الساعة الرقمية أعلى شاشة حاسوبه ليزفر بتوتر ويعود لكتابة المقال لكنه لم يستطع إتمامه بسبب تفكيره المفرط فيما يدور مع شهاب، أغلق عدي شاشة الحاسوب ثم وضعه على الأريكة بجواره ورفع عينيه ينظر لباب غرفة أخيه المغلق بتفكير قبل أن يرفع حاجبيه للحظة كأنه سيقدم على شيء دومًا ما جلب له التوبيخ، حك عدي مؤخرة عنقه ثم قال
بصوت مرتفع " أمي ماذا تفعلين؟ " جاءه صوت والدته التي تتواجد بالمطبخ " أعد غذاء الغد فغدًا يوم الأولاد، هل تريد شيء؟ " تحرك عدي نحو المطبخ ليبتسم وهو يرى الأصناف العديدة التي جهزتها والدته وقال " أهذه الوليمة لأجل حفيدين، ماذا ستفعلين إذًا حين ينفك النحس ويتزوج ابنك، أشعر أنه سيظل صامد وفي النهاية سيقع على وجهه وبدلًا من أن تترجيه ليفكر بالأمر سيترجاكي هو
لتذهبي وتطلبي يد فتاته وربما أنجب ثلاثة توائم في بطن واحدة ليعوض الوقت الذي أمضاه دون استقرار " رفعت والدته التي كانت تضع كمية مهولة من الجبن فوق المكرونة التي أعدتها للغد وقالت " يوم المنى، يأتي هو فقط ويقولها وسترى ماذا سأفعل له " قال عدي بمزاح " ستفعلين الكثير أليس هذا حبيبك " قالت له والدته " هو حبيبي وأنت حبيبي، وأتمنى من الله أن أراكما بين أطفالكما
قبل أن يركض بي العمر " اقترب منها عدي وقال " أنتِ مازلت شباب يا ست الكل " ثم قبل رأسها وسألها قائلًا " أمي أين هي المفاتيح الاحتياطية للغرف، لقد أغلق شهاب غرفته حين خرج وأنا أريد منها شيء ولا أستطيع انتظاره أكثر، فلدي عمل بالصباح " قالت والدته بتوبيخ " ألن تتوقف عن أفعالك هذه، ماذا ستسرق منه هذه المرة، فأنا لا قبل لي بانفجاراته خاصة هذه الفترة " ضحك
عدي وقال " يا حبيبتي ابنك عصبي جدًا ولا آخذ منه حق أو باطل إن طلبت منه شيئًا بالحسنى لذلك سآخذ ما أريده عنوة وهو حينما يعلم سيصرخ قليلًا ويوبخني قليلًا ثم سينسى شهاب عصبي ولكن قلبه أبيض مثل قلبك " قالت أمه بحزن " قلبه أبيض مثل الحليب، حسبي الله ونعم الوكيل فيها تلك التي بدلت حالته وجعلته آخر لا نعرفه " قال لها عدي وهو يجذب شريحة لحم باردة
ويأكلها بنهم " أمازلتِ مصرة أن ابنك كان يحب فتاة وجرحته " ضربته أمه وقالت " طبعًا مصرة فهذا ما يخبرني به قلب الأم بداخلي، ثم لا تأكل بيدك هكذا إن كنت جائع قل لي لأعد لك الطعام، أو أقول لك شيئا آخر، المفاتيح بالدرج الذي يعلو درج المعالق خذها واذهب لتفعل ما تريد بدلًا من الدوران حولي " أسرع عدي نحو الدرج وفتحه ثم سحب المفاتيح واقترب من والدته وخطف شريحة لحم أخرى
قبل أن يسرع خارج المطبخ وهو يسمع توبيخها بابتسامة، اقترب عدي من غرفة شهاب وفتحها بحماس ثم دخل وأغلق الباب خلفه ووقف يفكر في الشيء الذي لا يريده أخوه أن يصل إليه، تحرك عدي نحو مكتب شهاب وبدأ يقلب في الأوراق لكنه لم يجد شيئًا مهم، لينظر من حوله بحيرة قبل أن يتوجه إلى خزانة الملابس ليتوقف فجأة وهو يتذكر أن أخاه كان يدفع شيئًا أسفل وسادته حين دخل
عليه فأسرع نحو السرير يجذب الوسادة ليضيق عينيه حين وجد مفكرة ذات تصميم أنثوي فتردد عدي للحظة قبل أن يلمسها وهو يتذكر حديث والدته الواثقة بأن بحياة أخيه فتاة ويفكر أنه سيكون شيء بشع جدًا أن يطّلع على خصوصيات أخيه ولكن الاسم المزخرف الذي ذيل تصميم المفكرة الخاص جعل عينيه تتوسعان بذهول وهو يجلس على السرير ويفتح المفكرة ويبدأ في التقليب بين
صفحاتها باندفاع ليعقد حاجبيه باستغراب وهو يجد كل الصفحات بيضاء فارغة، عاد عدي يقلب الصفحات البيضاء بروية وهو يفكر ليلفت نظره أثار لورقة ممزقة، تحسس عدي الصفحة التي تلي الصفحة الممزقة وحين شعر بآثار ما خطه القلم أسفل أنامله هاجمت عقله فكرة جعلته يركض خارج الغرفة نحو منطقة الألعاب التي جهزتها والدته لأطفاله وبدأ يبحث عن
ألوانهم الخشبية مثيرًا فوضى بالمكان حتى وجدها ليلتقط اللون الأسود ويبدأ بتظليل الصفحة لتظهر الكلمات التي كتبت في الصفحة التي تمزقت فيبدأ عدي في قراءتها وهو يقول بدهشة " لا أصدق هذا ".
✰✰✰✰✰
لو عدنا يومًا ونظرت إلى عينيك التي لم أر الدنيا إلا من خلالهما لعانقتك بقدر ما افتقدتك ثم لدفعتك بعيدًا بأقصى قوتي
لتواجهني لمرة أخيرة وتخبرني بكل الحقيقة وسأصدق منك أي شيء حتى لو كانت خديعة جديدة.
✰✰✰✰✰
الصلابة قد لا تحتاج قلب لا يهاب المخاطر ولكن تحتاج فقط رفقة تحاوطنا في قلب المخاطر، ازدادت معدلات الهلع في أحداقهما إلى مستوى شل تفكيرهما للحظة ولكن بربري لم يستسلم لهذا الشلل وهو يشير لها بحزم ألا تصدر صوتًا
فهزت رأسها برفض تترجاه ألا يتحرك ويتركها ليمسك يدها ويشد عليها وهو ينظر لعينيها بقوة كأنه يطلب منها أن تثق به أكثر وأكثر، تحرك بربري بخفة نحو باب المكتب ووقف بشكل جانبي ومد رأسه بحذر ينظر نحو الخارج ليعقد حاجبيه بدهشة ويتحرك بانفعال وهو يقول " ماذا تفعلون هنا؟ " انتفض الواقفون أمامه بجزع قبل أن يتنفسوا الصعداء فيقترب منه مخلف الذي
يحمل عتلة كسر بها قفل الباب وهو يقول " لقد تبعناك منذ خرجت من الحارة " قال لهم بربري بغضب " ولمَ تبعتموني، ألم أقل أني في هذا الأمر وحدي، وأن لا دخل لكم بهذا " قال له ناجح والسيجارة تتلاعب بين شفتيه " ومنذ متى هذا الكلام يا مملكة، بدايتنا سوى ونهايتنا سوى، على الحلوة والمرة مش كنا متفقين؟ على الحلوة والمرة مش كنا متعاهدين؟ جاوبني ياشقيق " قال له
بربري بحدة فيما تخرج تلك المتوارية بغرفة المكتب لتشهد هذه المواجهة " هذا ليس وقته ياعندليب، القِ تلك السيجارة وسمعنى صوت الخرس، واصح للكلام، ما تغير هو أني لا أريد لأحد منكم الأذى، فلن أدخل أحد منكم في مدعكة لا تخصه وأحمل ذنبه في رقبتي " قال فوزي بغضب " ألم تقل أن الوتكة أصبحت تخصك؟ اذًا فالمدعكة أصبحت تخصنا، ونقطة وأقفل السطر على هذا الحديث " قال له
بربري " فتحة الصدر والجرأة لن تنفع في هذا الأمر فهو ليس معركة شوارع سنخرج منها بعدة جروح نكتم نزيفها بالبن هذا قاتل باع القضية وأنا بعيني رأيت ما يستطيع فعله " اقترب بدوي وقال بتجهم " أتعلم أنا معترض بشدة على الجري وراء مشاكل الحريم وخاصة تلك الوتكة التي لا نعلم أهي عاقلة أم مجنونة ولكن لاتعجبني لهجتك في الحديث، تتكلم
وكأننا في مانسمع عنها تلك ال كيشي تو (الروضة) وتخشى علينا من عبور الطريق ولسنا رجال يخط الشنب في منتصف وجهنا، اسمعني جيدًا، قاتل … حملة …وحش نحن لها، وليس لأجلها بل لأجلك وأنت تعلم هذا. " هز بربري رأسه باعتراض بالغ وقال بغضب " ارحلوا حالًا " قاله له مخلف " لقد تركتك لتسمع حديث رجالك بنفسك لكن خلاصة الحديث أننا هنا ولن نرحل بدونك
أقدامنا فوق قدمك، إن بقيت بقينا وإن رحلت رحلنا " اقتربت منهم تقول بتأثر بالغ وهي تبكي " رغم أني أعلم أنكم لستم هنا لأجلي لكن شكرًا من كل قلبي، أنا ممتنة لكونكم لم تفسدوا ما بينكم بسببي، بربري لا يستحق منكم الجفاء أو الهجر " قال لها مخلف " أمعاء البطن تتعارك ولكننا لم نرَها في مرة خرجت وتركت أخواتها بالداخل " انكمش وجهها بتقزز واضح وقالت " كيف تتعارك
الأمعاء وكيف ستخرج وتراها؟ لحظة لحظة أتلك كناية عن شيء جيد أي أنك تعني أنكم أخوة وو " نظر لها مخلف بتجهم ولم يأتها رد منه وقال لبربري وهو ينظر للمكان " ما الذي تفعله هنا؟ " اندفع بدوي يقول " نريد أن نفهم كل شيء يا كبير" قالت لهم بتوتر " ليس وقت حديث لننهي ما جئنا لأجله وبعدها لنذهب لمكان آمن ونتحدث فهذا المكان ليس آمن فقد بدأ كل شيء من هنا،
هناك خزانة بالطابق العلوي نريد أن نفتحها بأي طريقة " ابتسم بدوي وقال " سطو إذًا، يا مرحب " قالت له " بالطبع لا هذا منزلي ولكن ربما أجد ما أبحث عنه بها، اتبعوني " كمشت ملابس بربري وجذبته ليتبعها تحت أنظار رجاله الذين بدأوا يبتسمون بخبث و يتندرون على منظره وهو يسير خلفها بطاعة ليلتفت لهم فجأة بعيون حادة أخرستهم وبدأ كلا منهم ينظر في اتجاه داخل ذلك المكان
الأشبه بالمتحف بالنسبة لهم، صعدوا معًا للطابق الثاني الذي كانت جدرانه تمتلىء بصور لها في مراحل عمرية مختلفة، صور عفوية تعكس حياة لم يعشها أحد منهم قط، كانت تبتسم كما لم يرها بربري أبدًا كانت أكثر حياة بشكل أجج في ذاته شعور بأنها من ستنجيه من وعورة أيامه لينتفض من عمق أفكاره على تعثرها، لقد بدت كأنما أقدامها لا تقوى على التقدم أكثر نحو تلك الغرفة،
كانت عيونها شاخصة تبكي كأنها تنظر لشخص لا يراه أحد منهم غيرها لتتوقف فجأة وتقول " لن أستطيع، فأنا لم أدخل تلك الغرفة منذ رحيله، فهنا لفظ أنفاسه الأخيرة" دعمها بربري بذراعيه وبدأ يدفعها لتتقدم بهدوء وهو يقول " لا وقت لهذا، اجمدي واصلبي طولكِ، يجب أن تكوني صلبة نحن لا نلعب هنا، نحمل كوارث يجب أن نجد لها مخرجًا أولًا وبعد ذلك ابكي طوال حياتك على راحتك " لم
تعِ ما قاله لها بربري فتساقطت دموعها بقوة وهي تمد يدها نحو مقبض الباب لتديره ببطء لتخرج منها آهة حسرة لم تستطع كتمانها وهي ترى سريره البارد خاويًا منه، لمعت عيون مخلف فيما تجهمت ملامح البقية بعكس بربري الذي كان حزنها يملأه بالغضب الشديد ولهذا قال لها بحزم " كفى، ألم تملي من البكاء؟ " كتمت نهنهاتها بكفها وهي تتقدمهم نحو غرفة ملابس ملحقة بالغرفة الرئيسية ثم
أزاحت عدة رفوف بشكل سلس لتظهر خلفهم خزانة ضخمة للغاية جعلت بربري يقول بصدمة " كيف سنفتح هذا الشيء؟ " قال له بدوي " نريد معدات ثقيلة" نظر لها بربري فحاولت أن تهدأ واستجمعت قواها لتقول " هناك عدة صيانة بالقبو ربما تجدوا بها ما تحتاجون إليه " تبادل الرجال النظرات بتفكير وقال لها بدوي " أخيرًا أفدتينا بشيء " همّ
مخلف بالتحرك وقال لهم " دعونا لا نضيع وقت أكثر "..
✰✰✰✰✰
إذا ظننت أنك إن انتزعت الماضي من داخلك محررًا ذاتك من قيده أنه سيفعل بك المثل تكن غافلا لا يدرك أن الماضي لا يفلت الأعناق التي تختنق إلا حينما يتأكد أنها قد فارقت الحياة…
✰✰✰✰✰.
التورط في شخص لا يعني أنك ستعاني معه ولكن يعني أنك ستعاني من غيره، فتحت بوابة منزل عبد الرؤوف والي على مصراعيها ليخرج منها شهاب الواجم الشارد بشكل جعل دياب يساوره شعور غريب نحوه، شعور ملح بأن هناك حلقة مفقودة إن وجدها ستجعل كل انفعال يصدر عن ذلك الغامض منطقيًا ومفهومًا، شعور لم يكن مبني على دلائل قاطعة ولكنه كان مبني على حدس قوي
دفعه ليسأله قائلا " على ماذا تنوي الآن" هز شهاب رأسه وقال " إذًا هي مخطوفة وليست مختفية " ضيق دياب عينيه وقال " من؟ " نظر له شهاب نظرة ساهمة مليئة بالمخاوف ثم أخذ نفس عميق وقال " لا شيء " وهمّ بالتحرك تجاه سيارته ليوقفه دياب الذي قال " لم تخبرني بما تنتويه " أغمض شهاب عينيه للحظة يحاول أن يدفن حطام روحه في عمق سحيق قبل أن يقول " سأجد هؤلاء
الكلاب ولو كانوا بباطن الأرض " اقترب منه دياب وهو يقول بتساؤل " وكيف ستفعل ذلك؟ " قال له شهاب الذي كأنما انزاح تشوش فكره تمامًا وحفز الهلع كافة قواه العقلية على العمل " سآخذ فريق كامل وسنعيد تفتيش منزل محمود الحوفي مجددًا، سأبحث خلف علاقاته، سأرى كافة مكالماته، حسابه البنكي رسائله الشخصية، سأنبش في ماضيه، كما أني أريد اسم الدار التي نشرت هذا
الكتاب فكتاب بفكر متطرف لن يخرج من دار نشر إلا وهي متضامنة مع هذا الفكر، أيضًا أريد أن نبحث عن هاتف ابنته مجددًا " قال دياب " سأبحث خلف دور النشر لكن كل ما قلته فعلناه من قبل " قال شهاب بانفعال " سنفعله مجددًا، مؤكد فاتنا شيء، هي لن تموت، لن يموت أحد مجددًا هل تسمعني أنا سأذهب لمنزل محمود الحوفي وسأطلب من البقية اللحاق بي " تحرك شهاب
بخطوات تزلزل الأرض أسفلها نحو سيارته قبل أن يلتفت لدياب ويقول " أريد أن أعرف جميع من دخل منزل الحوفي خلال الشهر المنصرم حتى لو كان البستاني أو عامل النظافة " رفع دياب يديه بعجز وقال " شهاب أنت استجوبت جميع الجيران و….قاطعه شهاب وكأنما انتهى وقت التفكير وحان وقت العمل " سنفعل مجددًا، سنفعل كل شيء مجددًا لنعرف أين أخفقنا " هز دياب رأسه بعجز
وهو يرى سيارة شهاب تنطلق فأسرع نحو سيارته وهو يفكر أن الأمر بات يستدعي تصعيد كامل.
✰✰✰✰✰
بنفس الوقت بعيادة كريم الخاصة..
حين يصبح حلمك القتال وأنت لا تجيد حمل السلاح فأنت تحلم بالموت ولكن بطريقة خبيثة وملتوية، كان كريم يجلس
بعيادته الخاصة بعدما ألغى كافة مواعيده لليوم لأنه يحتاج لأن يختلي بنفسه ليصفي ذهنه تمامًا ويفكر في خطوته التالية بعيدًا عن أي مصدر تشتيت خاصة فيدرا التي لا تتوقف عن إرسال الرسائل له، كان شبه منسدح بسكون على الأريكة المريحة التي يجلس عليها مرضاه ينظر للسقف والأفكار كدوامات عنيفة تدور من حوله وتوشك على أن تبتلعه، تنفس كريم بانفعال
واعتدل بعصبية وقد بدأ كل شيء يعاد في عقله منذ البداية، هوسه بالطب النفسي وبالسيطرة الذي أخد يزداد حتى أوجد في عقله فكرة لها من الخطر ما لها من المتعة ومنحه نقطة الانطلاق نحو المجد الذي …قاطع أفكار كريم طرق على باب العيادة الخارجي، فنظر في ساعته وهو يفكر أنه ربما مريض لم يصله خبر بإلغاء الحجز، ازداد غضب كريم خاصة أنه صرف كافة العاملين ولا يوجد أحد
بالمكان غيره، قرر كريم تجاهل الطارق ولكن إلحاحه في الطرق جعل كريم يشك أن من يطرق الباب يعلم بوجوده بالداخل تحرك كريم خارج غرفة استضافة المرضى نحو صالة الاستقبال ومنها لباب العيادة الذي توجد بجواره شاشة تعرض صورة الطارقة والتي استغرب كريم لمرآها فهي لم تكن شخص يعرفه ولم تكن أيضًا إحدى مريضاته، تردد كريم للحظات قبل أن يزم شفتيه
بضيق ويفتح الباب ينظر للواقفة أمامه بتساؤل وهو يقول " كيف أساعدك؟ " تقدمت الواقفة نحوه إلى داخل العيادة بجرأة وقالت " أنا أعلم أنك لا تعرفني لكني أعرفك جيدًا ورأيت البث المباشر الأخير لك وفهمت المغزى منه ورغم الهجوم الكبير الذي نالك أنا أراك شخصية ذكية جدًا وأريد أن أعقد معك صفقة، سنتقايض فيها بالذكاء، ذكائي مقابل ذكائك " قال لها كريم وهو يرمق
لغة جسدها التي تعكس نرجسية وخبث " أنا لا أفهم شيء مما تقوليه " ابتسمت وقالت له " أريدك أن تمنحني الفرصة لأكون شخصية معروفة مقابل أن أمنحك الفرصة لأن تكون في نظر الناس طبيب شريف جدًا بل وفارس همام إن أردت"
✰✰✰✰✰
يا رجلا يقف بالمرصاد لنبضي قل لي لماذا لم تقتلك كلماتي،
لماذا مازالت حوافر ذكراك تطلق العنان في عمق آهاتي،
ومازلت حيًا تتحرك في أحداقي وتخترق بحضورك كافة دفاعاتي، يا رجلا أحبني كما لو أنني موته وأحبتته كما لو كان حياتي، لمَ مازلت أمرًا راسخًا في كافة حساباتي، ألست سيدي من رحل وبدل في
أزمان الفرح ميقاتي، فلماذا تركت شيئًا منك هنا يلاحقني مبددًا عليّ كافة فرص نجاتي.
✰✰✰✰✰
علمتنا الأيام كيف يكون فقر المشاعر أشد قسوة من قلة المال وبساطة الحال وتواضع الأصل، الساعات مرت ومرت معها كريمة باجتياح توتر عارم جعلها تجوب صالة شقتها الصغيرة ذهابًا وإيابًا
دون أن ترتكن للراحة ولو لدقيقة واحدة، كانت أحيانًا تجلد ذاتها على ما حدث وأحيانًا تبكي دون سبب محدد وأحيانًا تتحسر على وحدتها التي لا يد لها بها وأحيانًا يتسارع نبضها بترقب حين تسمع صوت يقترب من الحارة لتملأها الخيبة حين تتيقن أنه ليس لهم، كانت متلهفة لعودتهم كأنها متلهفة لأن تكون جزءًا من حكايتهم حتى وإن كانت خطرة ومخيفة فالحياة التي وضعتها على الهامش عمرًا
طويلًا قتلت فيها على ما يبدو المنطق، سمعت كريمة صوت سيارة يقترب فاندفعت تسحب حجابها وتلفه كيفما اتفق معها وتفتح باب الشقة وتتحرك نحو الباب الخارجي لترتد للخلف بصدمة وهي تجد سيارة ضخمة تسد الباب يترجل منها رجل غير مريح يرتدي بعنقه سلسلة غليظة من الذهب وثلاثة رجال ضخام أحدهما ينظر لباب البيت المتهالك ويقول " هذا هو المنزل الذي أوصل له السائق
بربري يا غندور باشا " توسعت أعين كريمة بهلع حين توجهت نحوها أنظار الغندور الذي قال بلهجة تحوي وعيد مخفي " أخبريني هل البربري ورجاله بالداخل يا بنت " ترددت كريمة للحظة واحدة قبل أن تأخذ نفس قوي وتقول " بربري من ورجال ماذا، هذا المنزل لا يعيش به أحد سواي والحارة بأكملها تشهد أنه لا يوجد هنا بربري أو غيره، ثم ما بنت هذه هل تراني أعمل لديك " قال
لها الغندور بحدة " السائق يقول أنه أوصله لأول الحارة ورآه يدخل هنا، أتعلمين إن كنتِ تكذبين عليّ ماذا سأفعل بكِ أيتها ….قاطعته كريمة تقول بصوت مرتفع مستنجد في داخله " ستفعل ماذا؟، هل جئت لتهددني بمنزلي، ما هذه المناظر التي طافت علينا بآخر الليل " قال الغندور ورجاله " ادخلوا وأحضروه لي " قالت كريمة بحدة " أنا ولية وحيدة أعيش بهذا المنزل ولا أملك
سوى شرفي وصوتي وإن خطا أحد منكم للداخل سأصرخ وأجمع حولكم أهل الحارة جميعًا " لم يبال رجال الغندور بتهديدها بل همّوا بالتقدم لترفع كريمة ذراعيها لأعلى وتصرخ بكل قوتها " الحقوني، أغيثوني يا عالم، أغيثوني يا خلق " توتر الغندور وتبادل النظرات هو ورجاله خاصة حين بدأت نوافذ البيوت تُفتح تباعًا وبدأ شباب يافعون يحملون أسلحة بيضاء يظهرون من الأزقة المظلمة
لينظر لها الغندور بشر ويقول " أنا سأريكِ يا ابنة الحواري " ثم أسرع ورجاله يركبون السيارة ويخرجون من الحارة لتتنفس كريمة براحة قبل أن تقول بتوتر " إذا عادوا إلى هنا مؤكد سيعلم هذا الحقير وسيؤذيهم، ما الحل يا كريمة ما الحل ".
✰✰✰✰✰
بنفس الوقت بمنزل محمود الحوفي..
ولجت بقلب ترجفه المصاعب ويطيح به الاشتياق نحو غرفتها وبدأت تتفقد كل جزء فيها وهي تشعر أنها كمن تنظر نحو حياتها الماضية من خلال أعين شخص آخر، كأنها لم تعد هي ولم تعد كل تلك الذكريات لها، كانت أخرى غير تلك الرقيقة الهادئة التي لا تكف عن احتضان وسادتها بحالمية وهي تنتظر من أميرها الهمام أن ينقر زجاج نافذتها بعد
منتصف الليل، كانت هزيلة …حزينة …مليئة بالأسى،
تحركت نحو مرآتها ووقفت تتأمل بشرتها الباهتة وملابسها الغير متناسقة بأعين متحسرة ورفعت يدها تحل شعرها الذي ازداد تقصفًا وهناك ذكرى بعيدة ترعد بأذنيها لصوت غاضب يقول " ماذا فعلتِ بشعرك؟، هل هذه أفكار راوية؟، كم مرة أخبرتك أنكِ لا تشبهينها كم مرة قلت لكِ ابتعدي عنها " انتفضت بقوة وهي تشعر
بيد تحط على كتفها ساحبة إياها من هول الرعد الغاضب لتلتفت وتنظر لوجه بربري الذي كان يحمل الإطار الزجاجي الموضوع فوق المنضدة المجاورة لسريرها والذي توجد به صورة لها ويقول " صورتك هذه مختلفة، أهي قديمة؟ " نظرت للصورة التي كانت سعيدة بها كثيرًا بعدما غيرت قصة شعرها وقالت له بتأثر " مر أكثر من عامين " ثم صمتت تنظر إليه وسألته فجأة " هل كانت قصة شعري
بشعة " انعقد حاجبي بربري وقال بعدم فهم " ما السؤال؟" أجابته باستغراب " أي سؤال يا بربري أنا أسألك عن شعري .. شكله في هذه الصورة هل كان بشع؟" توتر بربري ونظر للصورة بين يدية وقال " هذا سؤال يخص أولاد الناس، آه أقصد لا لا لم يكن شعرك بشعًا فهو أقصد أنه نظيف" سكت بربري للحظات زاد توتره بها وقال لها " ماذا يقول أولاد الناس لوصف هذا الشكل؟" نظرت للمرآة مرة
أخرى وأخذت تلعب في شعرها وقالت بهمس "يقولون حديث متملق حد التقزز، حديث مليء بالمغالاة والنفاق، لا يريدون به إلا الوصول إليك لكي يناولوا من مجاورتك ما يخدم مصالحهم، وبعضهم لا يقولون شي ولكنهم يصرخون فقط ...صراخهم يكون عنيف تتزلزل له حتى أدق الخلجات ما بين جوانحك ما بين حب وخوف ...ولا يجتمع الحب والخوف يا بربري ""نظر بربري لانعكاس
صورتها في المرآة وبداخله تتضارب المشاعر بشدة تجعله كما ورقة الصبار المنكسرة أثر عاصفة هائجة ومع كل حركة تخدش أشواكها جسدها، أخذ يتعرق وينفلت عقال داخله فلأول مرة يكون في مثل هذا الموقف وأول مرة تهيج بداخله مشاعر لا يعرف لها وصف ولا يستطيع التعامل معها، اقترب منها وقال بصوت تغلب عليه الرغبة " أنتِ …. صمت بعجز وهو يرفع يديه ليلمس
أطراف شعرها المحلول لتقول بانكسار " لم أقو على ترك مقص يقترب من شعري من يومها، بل وبت أجمعه أغلب الوقت " قال لها بربري وهو يتحسس نعومة تلك الخصل " خير فعلتِ فهذا الحرير حرام غرس مقص به " طفرت دموعها وسألته قائلة " حقًا " هز رأسه مؤكدًا فقالت له " أتعلم أنني منذ تقابلنا ورائحتك تمثل لي شعور بالأمان، فالعطر الذي كنت تضعه يوم التقينا عقلي منذ زمن جعل منه
رابط قوي ما بين نفسي وشخص لا أستطيع نسيانه … فللروائح ذاكرة، يوم قابلتك شعرت أن رائحتك إشارة من عقلي يخبرني بها أنك الأمان وأظن أني لم أندم أني سرت خلف إحساسي معك، شكرًا على كل شيء يا بربري " ثم أخذت الإطار من يده وتحركت لتعيده مكانه ولم تفطن لتلك النظرة التي عصفت بها أحداقه وحركة جسده المتشنجة وهو يتبعها كظلها ليتوقف أمام حائط
وضعت عليه العديد من الصور لها ليلاحظ أن هناك صورة تم قصها فأشار إليها وسألها محاولًا السيطرة على ذاته " من كان معكِ بتلك الصورة، أهو والدك؟ " ارتبكت ورفعت يدها تلمس الصورة بحنين وهزت رأسها برفض وقالت " بل …. ليقاطعهما صوت بدوي الذي يقول بحماس" فتحنا الخزنة " تبادلت هي وبربري النظرات قبل أن تندفع خلف بدوي نحو غرفة أبيها، ووقف بربري قليلًا
يحاول بصعوبة لجم ذاته وهو يقول في سره" في وقتك يا بدوي في وقتك تمامًا" ثم أخذ يضرب بقبضته على صدره مرات متتالية وهو يقول " ماذا حل بك، اجمد وسيطر، كيف ستخرج للرجال بهذا الشكل، ستصبح اضحوكتهم يا مملكة على أخر الزمان" ثم أخذ عدة انفاس متتاليه وتبعها للخارج ليجدها مصدومة من الفوضى التي أحلت بالمكان ورغم ذلك تقدمت للأمام بعدما أفسح لها
مخلف الطريق ووقفت أمام باب الخزنة المفتوح لتتوسع عيناها بصدمة كبيرة حين لم تجد بها أي شيء سوى كتاب ولا شيء آخر، سحبت الكتاب برهبة وبدأت تتفقده لتصدم أنه كتاب مكتوب بخط أبيها لكنه ليس الكتاب الذي تبحث عنه، التفتت تنظر لبربري بعيون ملأها اليأس وقالت وهي تتنفس بصعوبة كأنها على وشك الدخول في نوبة هلع " هذا ليس الكتاب، إنه ليس هو" اقترب منها بربري
وقال " ما هذا إذًا؟ " قالت له بتشوش " لا أعرف، أنا لا أعرف، إنه ليس هو " سألها بربري بحدة " ما المكتوب فيه إذا " هزت رأسها بجهل وهي تغلق الكتاب وتضيق عينيها وتقول " خوارزميات الحوفي" قال لها بربري " انطقي بكلام نفهمه " تحركت بانفعال وقد بدأت تشعر بدوار عنيف وقالت " الخوارزميات هي …من المفترض أن تكون ….عدة خطوات منطقية ومتسلسلة لحل مشكلة ما، هذا
ليس منطقي أنا لم أعد أفهم ما يدور حولي، أنا أشعر بالضياع، أشعر أنه لا سبيل للنجاة …أنا انتهيت " حاول بربري أن يسيطر على انفعالها وهو يكبلها بكل قوته ويقول " اثبتي، وتمالكي أعصابك، قلت لك أنا هنا، سأكون في ضهرك لن أتركك " نظرت إليه وقالت بضياع " الأمر أكبر مني ومنك " حاول أن يؤكد لها قدرته على حمايتها ولكن صوت ضرب النار الذي دوى بالمكان أنهى حديثه من قبل أن
يقال وأثبت له بالدليل القاطع أنها ليست وحدها من عليها أن تخشى الخطر.
✰✰✰✰✰
انتهى الفصل الثامن وسوف نتوقف هنا وموعدنا بعد عيد الفطر المبارك بإذن الله
رمضان مبارك عليكم جميعًا تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وأعاننا على الصيام والقيام وتلاوة القرآن .. تقبل الله
دعائنا وكتب لنا دعوة مستجابة… اوصيكم وأوصي نفسي بالدعاء لأهلنا وأحبتنا في غ z زة الأبية الصامدة فنحن لم ولن ننساهم أبدًا كتب الله لهم النصر وفرج كربهم في القريب العاجل
.. اللهم اجعل لهم فرجًا في هذه الأيام المباركة وأتمم فرحتنا بقدوم رمضان بنصرهم الذي وعدت..
أسأل الله لكم جميعًا ببركة في الوقت والطاعة وراحة بال وإجابة لدعائكم..
… هنا وقد اقتربنا من منتصف الرواية اتمنى اكون عند حسن ظنكم للنهاية وتنال اعجابكم
سامحوني على غيابي وتقصيري معكم ولكن يعلم الله اني اعزكم جميعًا وأتلمس الحب والدعم والتشجيع بين سطور تعليقاتكم وكم يحزنني عدم قدرتي للتواجد بينكم ولكن أجد عزائي في كلامكم المبهج وتواجدكم ودعمكم باستمرار رغم غيابي .. دمنا أسرة محبة
ودودة يملؤها الحب والاحترام والرقي … دمنا جميلات مداد حروف عربية
كل عام وأنتم جميعًا بألف خير ❤️
أنت تقرأ
مابين السطور رجل ( شهيرة محمد)
Romansaرواية جديدة منفردة يغلب عليها طابع الغموض رحلة شيقة مع ابطالنا يتخللها مواقف اجتماعيه رومانسية كوميدية