الفصل الثالث عشر

730 42 22
                                    


الفصل الثالث عشر

نوستالجيا …….

فلتبق كلماتي عنك دون فواصل، يا رجلا علمني بأن الحب نوبات جنون متواصل، وبأن النظرة إقرار سيقيد قلبي بسلاسل، وبأن الكلمة قد تحيي من لفظ غرامه بمقاصل، فلتتصادم في وصفك كلماتي

وتنفر من معناها المتماثل، لأني حين أكتب عنك لا أدري إلى أي حد من الغرام يكون إحساسي بواصل.
✰✰✰✰✰

أكثر الرحلات مشقة هي الرحلة التي يقطعها الإنسان بداخل عقله، لأنه  يكون وحيدًا فيها، تائهًا في ذاته دون مرشد أو رفيق، يحاول أن يجد المخرج بأي طريقة فلا يجد سوى دهاليز فكره المظلم ووقائع ماضية المؤلمة وبعض

الأماني التي ماتت ونهشها العجز على قارعة الطريق الوعر الملتف كما المتاهة أمامه، وبعض الصدمات التي مازال صداها يدوي دون توقف من حوله، فيظل مذعورًا يستميت ليجد طريقة للهروب من ذلك الكابوس حتى يتيقن أن فرصة النجاة الوحيدة لن تكون سوى في إيجاد ذاته لا الهروب منها،
كان دياب يخرج من قاعة الاجتماعات داخل وزارة الداخلية بعدما حضر اجتماع عاجل جدًا استُدعى إليه وقد صدرت فيه أوامر لكافة رجال الشرطة

تعكس حالة الاستنفار التي باتت فيها البلاد، المشهد من حوله كان ككابوس مروع  مع كل لحظة تمر تزداد بشاعته وخطورته، الوجوه كانت جامدة والنظرات محتدة وكأن هناك حالة حرب أهلية على وشك الاندلاع، والهمس الدائر ما بين زملائه لا يبشر بالخير أبدًا لذلك حاول أن يقف بعيدًا عن الزحام الشديد بالمكان وبدأ بمهاتفة شهاب مرة تلو الأخرى ومع كل انقضاء للمكالمة دون إجابة كان ينفعل وينظر حوله بتوتر كأنه يحرص على ألا يلفت الأنظار لكي لا توجه

إليه أي أسئلة تخص شهاب الذي يبدو أن الجميع ناقمًا عليه غاضبًا منه يحمله مسؤلية الأزمة الراهنة، مرت الدقائق دون أن يجد دياب رد من شهاب فأسرع يرسل له رسالة وكتب فيها " ليس وقت اختفاء، ماذا يحدث معك، هل وجدت الكتاب، يجب أن نتحدث " وصلت الرسالة إلى هاتف شهاب الذي لم يُجِب فظل دياب ينظر للشاشة لدقائق على أمل أن يجد منه إجابة قبل أن يسب بغضب خافت ويهم بالتحرك فيلمح دخول والده ومجموعة كبيرة من قيادات

الدولة يتحركون تباعًا في حالة من التأهب ليعم الصمت وتتوجه نحوهم الأنظار ويقف الجميع باحترام بالغ ليأدوا التحيه العسكريه فيشير له والده ليقترب منه فأسرع دياب نحوه بحركة مندفعة جعلت بعضًا من الضباط يناظروه بحنق وقد ارتطم بهم بعنف ولم يوجه لهم أي لمحة اعتذار حتى وصل لوالده وهمس إليه وهو يسير بجواره بخطوات سريعة " ماذا يحدث " قال له والده بخفوت " لقد وصلتنا أخبار للتو بأنه سيتم تطبيق قانون الطواريء حتى انتهاء هذه الأزمة،

سيخرج المتحدث العسكري ليعلن الأمر، البلد تعتبر في حالة حرب داخلية " قال له عمرو بانفعال " هذا يجب ألا يحدث، هكذا سنكون نفذنا لهم ما يسعون إليه، تفعيل قانون الطواريء من أجل حفنة من المتطرفين قرار ليس بمحله لأنه سيشعرهم بأهميتهم أكثر " توقف والده حين وصلا إلى ممر هاديء نسبيًا ونظر لدياب بحزم وقال " قانون الطواريء سيساعدنا قليلًا لنحكم تلك الفوضى، هل لديك علم بكم الانفجارات التي حدثت والأماكن التي استهدفت وبعدد

الضحايا، هل لديك علم بعدد البلاغات التي قدمت حتى الآن عن اختفاء شخصيات مبدعة، هل لديك علم بقدرة هؤلاء في ابتكار طرق شيطانية من أجل إشعال الفتنة والحرب الداخلية، نحن لا نواجه عدو هين، هؤلاء حفنة من الاذكياء أصابتهم نرجسية فأصبحوا يرون أنفسهم أفضل من باقي البشر وليس لديهم أي مشكلة في القضاء علينا جميعًا في سبيل تحقيق ذاتهم " قال له دياب بانفعال " يا أبي بدلًا من تطبيق قانون الطواريء كان علينا تكثيف

الجهود للبحث عن ذلك الكتاب لنفهم طريقة تفكيرهم وطريقة قيادتهم ونعرف كيف نسدد لهم الضربة " هدر به والده " من قال أننا لا نبحث عنه وعن ماضيهم، هناك مجموعات من أكفأ رجالنا تعمل دون كلل لكي تحصل على أي معلومة عنهم لكننا لن نترك البلد لتحترق حتى نجد ذلك الكتاب " همّ دياب بقول شيء فهز والده رأسه برفض وقال " لا تجادلني فالأن القرارات ليست بيدنا هذه قررات عليا واسمعني جيدًا، بمجرد أن  يتم الإعلان عن قانون الطواريء ستكون

المسألة مسألة وقت حتى يصدر أمر بالقبض على شهاب الدريني حتى لو لم يكن هناك دليل واحد ضده، لأنه كما تعلم القانون يمنح  الحق بالقبض على أي شخص مشكوك فيه ولذلك أريدك إن كنت مازلت تتواصل معه أن تسلمه بنفسك أو تقطع إتصالك معه فورًا، ولا تقترب منه وتضع نفسك في موقع شك وشبهه ومن فضلك لا أريد جدال " قال دياب بعصبية " أبي شهاب ليس له دخل بشي صدقني، لقد كنت معه خطوة بخطوة وأعلم أن … قاطعه والده يقول "

كل كلامك هذا لم يعد له داعي، المصدر الذي أبلغني بهذه المعلومة موثوق به وأنا وسط هذا الوضع لا أريد أن يساورني القلق بشأنك خاصة أن أغلب الأماكن التي استهدفت في التفجيرات حكومية وأنت ستكون في القسم طوال الوقت " تنهد دياب بضيق شديد ولم يحاول أن يتكلم لكي لا يزيد قلق والده وقال " حسنًا يا أبي، لك ما تريد " ربت والده على كتفه وقال " من فضلك هاتف أختك واطلب منها أن تأخذ طفليها وتذهب لتبقى مع والدتك لأنها ستكون وحدها، اجعلها

تسرع لأن مؤكد سيتم فرض حظر التجوال في أية لحظة، ونقاط التفتيش ستملأ جميع الشوارع لحين انتهاء الأزمة " هز دياب رأسه بطاعة فنظر له والده نظرة يملأها القلق قبل أن ينسحب يكمل طريقه نحو وجهته ليتجهم دياب ويغلق عينيه للحظة قبل أن يقول بانفعال " اللعنة عليك شهاب الدريني، لماذا لا تجيب " ثم يخرج هاتفه ويسرع بالاتصال بأخته.
✰✰✰✰✰


بنفس الوقت……..

كان الهلع يأخذ شكلًا مريعًا أشبه بالانحدار من فوق قمة مدببة لن يلقي أي إنسان حتفه حين يسقط عنها إلا بعدما تمزق كل إنش فيه وتجعله يلفظ في هول الصراخ آخر أنفاسه، وكانت الانفعالات الجامحة تتصادم بعنف خلف كوارث ما بين أضلع شهاب الذي تقهقرت خطاه للخلف حتى وقف بمحازاة يقين ودون أن ينظر إليها كمش على رسغها باستماته كعادته التي لم تفارقه رغم الفراق وهدر

بعمرو " هذه الأصوات تقترب من هنا، لقد علموا أنها هنا، هناك من أبلغهم بمكانها " قال له عمرو بانفعال " من الذي قد يبلغهم بأمر كهذا، إلى ماذا ترمي بالضبط، ونصيحة مني فكر فيما ستقوله قبل أن تتفوه به لأني نفذ صبري منك " قال شهاب بهياج " لا أعرف من فعلها ولكن ربما رجل من رجالك، وإلا كيف وصلهم الخبر " قال له عمرو وهو يقترب منه باندفاع " رجالي الذين تتحدث عنهم أنا أثق فيهم أكثر مما أثق بك خاصة بعدما رأيت جانبك المندفع الأهوج الذي

دفعها لتسدد فوهة السلاح لعنقها " أسرعت يقين تقول بانهيار وفزع " أرجوكم لا تدعوهم يأخذوني، أنا لن أتحمل السجن، لن أتحمل ما قد أتعرض له هناك، لقد حدث لي الكثير ولكن هذا ما لن أحتمله خاصة وأني لا أملك دليل براءتي ومهما قلت محال أن يصدقوني " جذبها شهاب إليه ونظر لعينيها ثم قال بحمية " لن يمسك سوء، لن تتأذي ثانيةً، أنا لن أترككِ، إلا بموتي هل تسمعيني " هزت رأسها برفض ودموعها تغرق وجهها وقالت " لا تقل هذا، لا تذكر

الموت بيننا " تجمد شهاب يمعن النظر أكثر لعينيها التي كأنها تسحبه إلى المرسى الذي تاه عنه طويلًا ليرفع عمرو وجهه نحو السماء بنفاذ صبر قبل أن يقول لأحد رجاله بانفعال زاد من فورة الموقف " أخرج وتأكد إن كانت سيارات الشرطة متجهة إلى هنا أم أنها تمر من المكان فقط وإن كانت متجهة إلى هنا ادخل وأغلق البوابة بسرعة دون أن يلمحك أحد " ركض الرجل نحو الخارج ليلتفت عمرو نحو يقين ويقول لها وهو يحاول أن يستدعي أقصى درجات ضبط النفس"

خذي صديقتك من السيارة وادخلي إلى المنزل فمؤكد لو كنا وجهتهم لن يكون لديهم أمر بتفتيش المكان، محال أن يكون قد صدر أمر التفتيش بتلك السرعة أي أنه لا داعي للذعر لأني لن أسمح لقدم واحد منهم أن تلج للمكان " همّت يقين بالتحرك فازدادت قبضة شهاب المتمسكة بها تملكًا وشراسة وهو يقول لعمرو بغضب " كيف تتحدث أنت!؟، هل تصدق ما تقول!، لو كان لدى الشرطة خبر مؤكد بوجودها هنا نظرًا لكونها متورطة في قضية أمن دولة سيكون

الإذن بالتفتيش محض شكليات، ولن تستطيع معارضة دخولهم لأنك إن فعلت سيقتحمون المكان قسرًا " بكت يقين وقالت " سيتهموني بالقتل وأنا لم أفعل شيء " صرخ بها شهاب " قلت لكِ لن يمسك أحد بسوء، توقفي عن البكاء " قاطع صخب انفعالاتهم صوت البوابة الضخمة وهي تُغلق بسرعة ليعقد عمرو حاجبيه باحتدام ثم ينظر لشهاب بتجهم ويقول " هل لديك حل؟ " قال له شهاب" علينا أن نخرجها من هنا بسرعة " هدر به عمرو  " أخرجها إلى أين والبلد بأكملها

تبحث عنها " حركت يقين أنظارها بينهما بعدم فهم ثم قالت " من الذي يبحث عني؟" لم تتلق ردًا على تساؤلها الهلع سوى نظرات متبادلة ما بين طودين عظيمين أحدهما تكاد تسمع قرع النبض في صدره بينما هو يلصقها به قسرًا والآخر يقف بثبات يحسد عليه ليقول شهاب " أخرجني من هنا وسأخذها لمكان آمن وبعد أن تهدأ الأوضاع لديك سأتواصل معك لأخبرك بمكانها وأفهم ما حدث معك " هزت يقين رأسها برفض وقالت له " أنا لن أذهب معك لأي مكان " زغرها

شهاب بطرف عينيه فابتلعت باقي كلماتها بقهر بينما عمرو يقف لينظر لعينيه بثبات كأنه يقيس مدى صدقة قبل أن يهز رأسه بسخط ويقول " خلف الفيلا يوجد دراجة نارية خذها واخرج من الطريق الخلفي رجالي سيرشدوك " همّ شهاب بالتحرك ليمسكه عمرو من ذراعه بقوة ويقول بجدية  " لقد وعدتها أن أحميها وأنا رجل كلمتي فوق أي اعتبار، إن حاولت أن تؤذيها سترى مني وجهًا سيحطمك " نظر شهاب لعينيه بهياج وقال " إن لم يكن لديك علم، أنت

تتحدث عن الفتاة التي ستصبح زوجتي أي أنه محال أن يكون لدي نوايا نحوها سوى الحماية والأمان حتى وإن كان الثمن روحي " تدلى فك يقين حتى شعرت بمذاق الدموع المالحة فوق لسانها ليفلت عمرو ذراع شهاب ويقول له بجدية " أسرع " تحرك شهاب بسرعة لتقاتل يقين لتتحرر منه وهي تقول " اتركني، أنا بعد ما تفوهت به لن أذهب معك لأي مكان حقًا، اتركني ليجدوني أفضل لي " زمجر شهاب قائلًا " ليس وقت جدال، ألا تعين خطورة الموقف؟! " نظرت يقين لكريمة

التي وقفت في مكانها متجمدة تضرب على صدرها بيدها وتقول " استر يارب " وتمسكت فيها بقوة كأنها تريد أن تحتمي بها من هيمنة ذلك المسيطر على أدق إختلاجة في نبضها الذي بات ينتفض وقالت " لن أرحل بدون كريمة " تنفس شهاب بغضب وأكمل في جرها بينما تجر هي كريمة التي تحركت معها لتنظر يقين لعمرو وتقول ببكاء " كتاب أبي إنه في المنزل وراوية أين راوية؟ " تجمدت نظرات عمرو ورفع ذقنه بجمود كأنه لا يملك إجابة على سؤالها فيما زفر شهاب بحنق

وهو يسحبها بسرعة نحو المنزل وحين ولجا إليه صرخ بها " أين ذلك الكتاب اللعين، أسرعي " تقدمت يقين نحو المطبخ وهي تقول بشهقات متلاحقة " لماذا لم يجبني عمرو حين سألته عن راوية ولماذا تصرخ بي هكذا، لا تصرخ بي  " هدر بها شهاب " فكري في نفسك فقط ودعينا نرحل قبل أن تصل الشرطة " فتحت يقين أحد الادرج وأخرجت منه الكتاب ثم ضمته لصدرها فجذبها شهاب الذي بدأ يرتطم في أشياء كثيرة أعاقت طريقه داخل المطبخ الذي ملأته الفوضى ثم توجه بها

نحو الحديقة الخلفية وظل يتلفت يمينًا ويسارًا كأنه لا يدرك وجهته ليجد رجلًا من رجال عمر يقول له " هنا بسرعة " ركض شهاب نحوه ليقول له الرجل " هذه البوابة ستنقلك لأرض شاسعة محاطة بسور إنها تخص عمرو باشا أي أنك ستكون بعيدًا عن الأعين و لن يراك أحد حتى تقطعها كاملة وتمر من بوابتها نحو طريق خلفي سيساعدك في الابتعاد " ركب شهاب الدراجة النارية وزود الوقود بعنف أصدر صوتًا مدويًا طمسته أصوات سيارات الشرطة التي أصبحت

أصواتها قريبة للغاية ليقول شهاب ليقين " اركبي " نظرت له يقين وقالت بصدمة " كيف …لكنه لم يبال باعتراضها وهو يجذبها لتجلس خلفه وتنظر لكريمة التي وقفت بتوتر تنظر للدراجة فصرخت يقين بفزع " كريمة لن تستطيع أن تركب الدراجة فهي ترتدي عباءة " قال شهاب وهو يدعس البنزين أكتر بتوتر " إذًا سنرحل وحدنا " قالت له " أرجوك شهاب جد حلًا فأنا لن أرحل بدونها " التفت شهاب ينظر لها بثورة وذهول ويقول " ماذا تريدين مني أن أفعل بالضبط "

رفعت كريمة عبائتها حتى ركبتيها وجمعتها ليظهر بنطالها الضيق الأسود الذي ترتديه ثم رفعت نفسها لتركب خلف يقين وهي تقول " لا تفعل شيء يا باشا، أمي رحمها الله كانت دومًا تقول لي لا تخرجي من المنزل سوى وأنتِ مستورة فلا أحد يعلم ما قد يحدث له وها قد فهمت بعد زمن ما كانت تقصد " ضغطت كريمة على يقين التي وجدت نفسها ملتصقة بظهر شهاب تحتضنه بقوة ليتحرك شهاب ويخرج من البوابة فيغلقها خلفه رجال عمرو لينطلق هو بسرعة جنونية يعبر

أرضًا شاسعة محاطة بسور ضخم ويبدو أن بها قصر قيد الإنشاء، يشق طريقه ما بين الهواء المتدافع الذي يصفع صدره المنفعل بجنون والتصاقها به وذراعيها اللذين يطوقانه ووجنتها التي تميل بها على ظهره يجعلونه في حالة أسر يعجز عن استيعابها بينما هو يصارع أهوال لا يعرف كيف يسيطر عليها فقربها في تلك اللحظة ملأ جوارحه بخضوع لم يكن ليشعر به في حضرة ألف عدو.
✰✰✰✰✰


أما يقين فبدون سابق إنذار وجدت نفسها داخل لحظة قدرية جعلتها تميل ميلًا عظيمًا خاصة حين اندفع قلبها المثقل بالحنين ليقطع أشواط مهولة من الشوق كأنه يحاول أن يجد في حضرة ذلك القرب العاصف أي شيء يضمد به جرح الخذلان والفراق ويهون به حرقة الوجع فلا يجد سوى حالة نوستالجيا تعتصره وهو يذكرها بذلك اليوم الذي جلست فيه على سريرها منكمشة تبكي بوجع بعدما رفض والدها شهاب للمرة الثالثة وباللحظة العصيبة التي فقد

شهاب بها سيطرته على ذاته وسأل فيها والدها بانفعال عن أسباب رفضه له فلم يجبه والدها بشيء سوى طرد مهين جعلها تشعر أنها لن تراه مجددًا، كانت يومها تلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة ونبضها المتسارع بات كوخز سوط لاسع ينهال على مشاعرها المستنزفة بالفعل فيزيد من عذابها أكثر، مدت يقين يدها أسفل وسادتها وجذبت هاتفها وحاولت مهاتفة شهاب للمرة التي لا تذكرعددها فلم يجب فتملك منها اليأس والحزن ودفعها لتهاتف راوية التي أجابتها فورًا

قائلة " قولي أنكِ غيرت رأيك وستخرجين معي، اليوم عيد الحب أي أن على الجميلات مثلنا الاحتفال" قالت لها يقين بصوت باكٍ " لقد رفض والدي شهاب مجددًا وطرده شر طردة ومن وقتها وهو لا يجيب على أي من اتصالاتي " قالت لها راوية بصوت ضاعت حماسته" حسنًا لا تبكي و اهدئي هذه ليست أول مرة يحدث فيها الأمر، ومؤكد شهاب منفعل ويريد وقت ليهدأ، أنت يجب ألا تبقين وحدك اليوم أنا قادمة إليكِ " قالت لها يقين برفض " اليوم عيد الحب وقد أعد معتز

حفل من أجلك ولا يصح أن تتركيه وتأتي لتواسيني " قالت لها راوية " ليعد غيره وغيره وليجعل كل يوم لي معه عيد حب فأنا أستحق، ثم هذه هي الصداقة أيتها البائسة أن تجديني وقت الضيق لا الراحة، أنا قادمة، سأمر لأشتري كمية مهولة من الاكل السريع والحلوى أعدي أنتِ فقط جلسة مريحة لنا لنظل حتى الصباح نأكل ونحقد على الكون بأكمله لن يحاسبنا أحد " قالت لها يقين بصوت مختنق " أنا لا أريد إفساد علاقتك بمعتز، فالإهمال يقتل أي علاقة مهما

كانت قوية وهذه دراسة مثبتة بالفعل  " قالت لها راوية " توقفي عن المبالغة لقد أكلت الدراسات عقلك،  فأنتِ تعلمين أن ما بيني وبين معتز أقوى من أن يفسده تخلفي عن حفل " قالت يقين بحسرة " حفل أعد بأكمله لأجلك " قالت لها راوية " حتى لو كان الأمر كذلك، هو سيتفهم، هكذا يكون الحب أن يتفهمني ويدعمني ويحتويني ويدللني ويجعلني أميرة، أغلقي الخط لأنك تؤخريني بثرثرتك، ويستحسن أن تتوقفي عن البكاء قبل أن تنتفخ عيناكِ وتصبحين أشبه بالبومة " هزت

يقين رأسها بطاعة وأغلقت هاتفها ثم ضمت ركبتيها لصدرها وأحاطتهما بذراعيها وبقيت شاردة تفكر فيما قالته راوية عن الحب، الحب …ذلك الشعور المستبد الذي حين يتملك من الإنسان يكون كحالة مرضية مليئة بخدر يشبه الانتشاء التام والذي بمجرد أن يتزعزع بأي تأثير خارجي تتحول الأعراض بشكل جذري لإحساس حي مخيف وموجع يبدأ وجعه بالقلب ويظل يتوغل حتى الأعماق، تحركت يقين حركة ألية جامدة وبدأت ترتب جلسة أرضية لها ولراوية

بجانب غرفتها الواسعة لتتوسع عيناها حين سمعت زجاج نافذتها يتحطم التفتت يقين تنظر للنافذة وللزجاج المتناثر بصدمة ثم تحركت
تنظر من النافذة لتجد شهاب يقف بالاسفل منفعلًا يضع يدًا بخصره ويدًا على فيه وهو عاقد لحاجبيه فقالت له بغضب خافت " لقد حطمت النافذة، هل جننت، ماذا لو سمع والدي صوت التحطم" قال لها شهاب بخفوت " انزلي " نظرت له بريبة وقالت " الوقت متأخر ولا يصح أن أقابلك في وقت كهذا ثم أنت لا

تجيب عن مكالماتي، لقد رعبتني، لقد ظننت أنني لن أراك ثانية " بكت يقين بقوة ورفعت يدها تكتم شهقاتها لتظل عيون شهاب تجوب انفعالاتها قبل أن يتلاشى إنفعاله وتتهدل أكتافه ويقول لها بهدوء " لدقيقة يقين انزلي لدقيقة واحدة فقط، واحترسي من الزجاج لكي لا تؤذين نفسك " ظلت يقين تنظر له للحظات قبل أن تتحرك إلى خارج غرفتها وتمد رأسها لتنظر نحو غرفة والدها فتجد بابها مفتوح وإضاءتها مشتعلة فتتحرك بحذر شديد وهي تمسح وجهها من الدموع نحو

الغرفة لتتفاجأ بوالدها يجلس على المقعد المقابل للمرآة الضخمة التي بغرفته والتي كان ينظر فيها إلى ذاته شاردًا لدرجة أنه لم يسمع صوت تحطم النافذة، ولجت يقين للغرفة بتوتر وقالت " أبي أمازلت مستيقظ " تنبه والدها لوجودها ونظر لها من خلال المرآة ثم قال" كنت أفكر في أمر ما، أمر يخصك" ارتبكت يقين واقتربت منه تقول " خير يا أبي أي أمر " وقف والدها وتحرك نحوها ثم لمها إليه بذراعه وقال " ما رأيك أن نسافر لأي دولة هادئة، أنتِ موهوبة في

مجال الكتابة وتحتاجين إلى صفاء ذهني لتبدأي بممارسة الأمر، لقد علمتك كل ما تحتاجين إلى تعلمه عن المجال وأظن أنه الوقت المناسب لتبدأي بالتطبيق " ازدردت يقين ريقها وأسبلت أهدابها وقالت بتوتر " ألا يمكنني أن أفعل هذا دون سفر، فكل الأماكن التي سافرنا إليها كانت معزولة هادئة أكاد لا أرى فيها بشرًا وهذا يجعلني أشعر بعدم الراحة، أنا هنا لدي راوية وأعمال المنزل وعلاقة ودية مع عامل التوصيل ومنسق الحديقة وبعض الحيوانات الأليفة التي تتسلل للمنزل

أحيانًا " ابتسم والدها ونظر لعينيها التي مازالت أثار البكاء عليها ولكنه لم يعقب على ذلك وهو يقول " حين تصبحين مخضرمة في عالم الكتابة سيصبح عالمك بأكمله مليء بالشخصيات التي تتحرك وتدور بعقلك ومع الوقت ستكتفين بها عن عالم الواقع لأنه غير آمن، فمهما كانت مشاعرنا تجاه شخص ما قوية لا يعني ذلك أنها حقيقية لأن لا إنسان يظهر حقيقته بسهولة، أغلب المشاعر الإنسانية خديعة وعلى رأسها الحب " هوى قلب يقين أسفل قدميها وارتجفت

من نظرات والدها ورسالته الواضحة إليها وظلت صامدة أمامه كي لا تبكي مجددًا خاصة حين انحنى يقبل جبهتها ويقول " اعلمي أن لا أحد سيحبك مثل أبيك، فحب الأب يولد معك دون سبب، وكل حب آخر قائم على سبب مع تلاشيه قد يتلاشى " رفرفت يقين بأهدابها تحارب دموعها وهزت رأسها لا تعرف برضوخ أم طاعة قبل أن تقبل يده وتقول " راوية قادمة وسنسهر سويًا لنشاهد بعض الأفلام، فلمَ لا تدعني أضعك في الفراش وأعطيك دوائك قبل قدومها، فهي حين

ترى لحظاتنا العاطفية تظل تتندر عليّ، فيبدو أنها لا تعلم كم أحب سيادتك " نظر لها والدها وقال " وأنا ليس لدي ما هو أهم وأغلى وأحب إلة قلبي منك ".

بعد دقائق ……

خرجت يقين من باب البيت بهدوء تام وتحركت حتى وصلت إلى المكان الذي يقف به شهاب، كانت موجوعة ومشتتة ومحبطة، تكاد تشعر أن الأرض أسفل

قدميها قد تنهار في أي لحظة وعليها أن تحذر لخطاها فماذا عن المشاعر المتفاقمة داخلها، بمجرد أن اقتربت من شهاب اندفع نحوها يقول " أين كنت لقد ظننتك لن تنزلي وكدت أفقد عقلي وأتسلق الجدار نحو نافذتك " قالت له يقين بملامح مغلقة " ماذا تريد " قال لها شهاب بصدمة " ماذا أريد !! باعتقادك ماذا أريد ؟؟" قالت له بانفعال " لا أعرف فقد هاتفتك كثيرًا ولم تجبني والآن ظهرت من العدم لتحطم نافذتي وتطلب مني الخروج من منزلي بوقت متأخر كأن جميع

شعاراتك الرنانة عن حرصك عليّ قد تلاشت، أنا بت لا أفهمك، ثم لمَ رائحتك تشبه رائحة الحرائق " أخذ شهاب نفس عميق وقال لها " هاتفي يحتاج للصيانه فحين خرجت من مقابلتي مع والدك اليوم كنت منفعل ولا أعرف ماذا فعلت به، فجأة أظلمت شاشته كما أظلمت كل الدنيا في عيني لهذا لم أستطع أن أجيبك أنت أو غيرك، أما نافذتك فقد كانت مغلقة وحاولت أن ألقي لكِ من خلالها عدة رسائل لكني لم أفلح فحاولت أن ألفت انتباهك ولكن يبدو أن الأمر خرج

عن السيطرة " انحنى شهاب يجمع الرسائل التي حاول أن يرسلها إليها من خلال النافذة وأمسك يدها بقوة ثم وضعها فيها بانفعال وقال " ها هي الرسائل " أغلقت يقين كفها على الرسائل وقالت " وبالنسبة لطلبك مني الخروج ورائحتك، رائحتك بشعة شهاب" قال لها شهاب بضيق " لماذا تعلقين دومًا على رائحتي هذا تصرف مريب من فتاة محترمة مثلك " امتقع وجه يقين بحمرة خجل وسخونه وقالت " لقد أخبرتك من قبل أني أحببت رائحتك

من قبل حتى أن ألتقيك " ابتسم شهاب وقال " أنا حين أنفعل أدخن بشراهة واليوم كما تعلمين لم يكن أفضل أيامي " ترقرت الدموع بعيون يقين وقالت له " أنا أسفة على ما حدث، صدقني والدي طيب للغاية لكني لا أفهم لمَ يأخذ منك هذا الموقف " قال لها شهاب؟ " لا تتأسفي فالسعي إليك قراري وما دمت رجل إذًا فعلي وحدي تحمل توابع ذلك القرار، أما أنتِ فلا دخل لكِ بشيء " رفعت يقين عينيها نحوه وبقلب وجل سألته وحديث والدها قد بدد سلام عقلها " شهاب،

أيمكنني أن أسألك عن أسباب حبك لي، الأسباب الذي إذا تلاشت قد يتلاشى الحب ويختفي " عقد شهاب حاجبيه وقال " أسباب حبي لكِ، هل تظنين أن هناك سبب منطقي يجعلني أتقبل طردة الكلاب التي طردتها اليوم من منزلك، بمنتهى المنطق أجيبيني هل منظري الصبياني وأنا أقف لأقذف رسائل حب طائرة وأكسر نافذتك له سبب منطقي، لا انتظري ….هل تظنين أن مشاعري الثائرة على الدوام وانفعالي وغضبي وضيقي والضغط النفسي الذي أتعرض له، له

سبب منطقي، إن كنت تريدين إجابة على هذا السؤال الغريب ستكون أنت …أنت هي السبب المنطقي لكوني أحبك وإذا تلاشيت سأتلاشى " نهنت يقين بحرقة كأن الإجابة جاءت أقوى مما توقعت ليرفع شهاب رأسه بيأس ويقول " توقفي عن البكاء، لقد انسيتني سبب حضوري " حاولت يقين أن تلتقط أنفاسها وهي تسأله بصوت مرتجف" ما هو سبب حضورك " أخرج شهاب من جيب بنطاله علبة صغيرة بلون أحمر زاهي وقال لها " سمعت أن اليوم هو عيد العاشقين،

ولأني لم أحب من قبل لم أكن أعلم، ولذلك أسرعت محاولًا إنقاذ الموقف فجلبت لكِ شيئًا بسيطًا فتقبليه حتى لو لم يعجبك لأنكِ إن أظهرتي أية اعتراض على ذوقي سأقتل نفسي " لمعت نظرات يقين وملأها الحماس وباتت تبتسم وتبكي بتأثر كأنها أمامه تصبح كتلة معقدة من الانفعالات المتتالية، فأمامه يضيع العقل والثقل ولا يبقى سوى اضطراب المشاعر وأخذت العلبة من يده تفتحها بسعادة لتقفز حين وجدت سلسال ذهبي رقيق وقالت بمنتهى الطفولية " هذا لي،

هل اشتريت هذا من أجلي؟ " تنفس شهاب بعمق كأنما سعادتها بددت كآبة يومه الأسود وابتسم باتساع وقال " ومازلت سأبهركِ حين أشتري خاتم خطبتنا، فليمدني الله بالصبر فقط حتى أصل لهذا اليوم " دارت يقين حول نفسها وهي تقول " إنها رائعة ..رائعة …هذه أول مرة أتلقى هدية بحياتي " كانت سعيدة جدًا أنه في ذروة غضبه سعى لرضاها
وكان هو سعيدًا جدًا أنه في لحظة رضاها تلاشى كل غضبه، لتقترب منه يقين وتقول باتقاد وعيون لامعة " البسني

إياها " توتر شهاب واهتزت ابتسامته وقال لها بعيون تحكي ما لا يقال " ألا ترين أن علينا أن نؤجل تلك الخطوة ليوم خطبتنا لأن الموقف لا يحتمل، أنت سعيدة وأنا سعيد والمكان هاديء و…..قاطعته يقين تقول " أتدري أن هناك سيكولوجية لتقديم الهدايا تقول أن الهدايا  تثير مجموعة واسعة من المشاعر لدى المتلقي، بما في ذلك التقدير والسعادة وحتى المفاجأة والتأثير النفسي الكبير، وهذا يخلق ذاكرة دائمة مرتبطة بالمانح ويقوي الرابطة العاطفية بينهما، أي أني

محال أن أنسى هذه اللحظة مهما حدث، وأريد أن أتذكرك وأنت تلبسني إياها " قال لها شهاب بشغف لم يستطع أن يسيطر عليه " ما دام الأمر كذلك إذًا يجب أن ألبسك إياها " دفعت يقين بالعلبة تجاهه واستدارت ترفع شعرها فلم تر ارتجافة يديه ولا اضطراب أحداقه وهو يخرج السلسال من العلبة ويلفه حول عنقها وهو يجاهد مع قفله الناعم لكي ينغلق وأنفاسه التي عبقت برائحتها الناعمة تضرب عنقها فتنكمش يقين كأن قربه يضمها بشدة نيابة عنه خاصة حين

همس لها " أنا أحبك يقين ولا أحب أن أراكِ تبكين " أغمضت عينيها تغرق في غارة مشاعره التي ظللت سمائها لينتفضا معا على صوت راوية التي تقول " ما شاء الله، ونعم الانهيار صحيح، ماذا تفعلان بالظبط " استفاقت يقين من حنينها للماضي كما استفاقت من جموح المشاعر الذي تملك منها حينها وظلت تتابع الطريق وفي عينيها تختلط دموع الماضي بالحاضر وفي أذنيها يتسربل صوت شهاب الذي كان يتحدث بالهاتف.


✰✰✰✰✰
أقر بأني لعينيك مرهون دون هدف واضح أو سبب، أقر بأني بأنصالك مسنون ومازلت لم أجد في ذاتي سببًا للالوم والعتب، أقر بأني بحبك مسكون حتى مسني الضر والتعب،
أقر بأني لثورتك أتون قادر على حرق السماء حتى تمطر حممًا ولهب، أقر بأني بخيلائك مشحون حتى شعرت بأن عقلي عن الإدراك قد حجب، أقر بأني لك كنت مسجون دون جدران تحاوطني فياللعجب.

جميع المحن قابلة للعبور إلا المحن التي تأسر أرواحنا بقبضة الخديعة فإنها حين تمر تأخذ معها من دواخلنا شيء من الحياة كان يضيء لنا الظلمات كلما أعتم بنا الطريق وتتركنا مهددين بأن نفقد رؤيتنا الصائبة للأمور في أي وقت، هذه المحن حين تمضي يظل أثرها باق مهما مضى، وقف عمرو يستمع للأصوات التي باتت على بُعد لحظات من بوابة منزله المغلقة ثم أخذ نفسًا عميقًا يشحن به طاقته المستنزفة علّه يستطيع أن يواجه ما سيلاقيه بعد لحظات ثم تحرك نحو

سيارته يفتح الباب الخلفي بحركة منفعلة وينظر لراوية التي كانت تجلس متجمدة مرخية الأهداب  شاخصة النظرات في حالة انهاك تام جعلتها لا تستطيع حتى أن تتجاوب مع صراخ يقين وهي تبحث عنها والدمع المتحجر في عينيها كأنه يأبى أن يسقط كما لو أنه  يتمعن هو الآخر في كسرها وقال " تحركي إلى الداخل ولا تجعليني أرى وجهكِ حتى أنتهي من هذه المصائب وأتفرغ لكِ " لم تأتِ راوية بأي حركة كأنها لم تسمع أمره الصارم فصرخ بها " قلت تحركي " ارتجف بدن

راوية وتحركت ببطء لتنزل من السيارة وبدأت تدفع بخطاها الواهنة دفعًا كي تتحرك لكنها بدلًا عن ذلك ترنحت في اللحظة التي بدأ الخبط العنيف على البوابة الحديدية يدوي بالمكان، ازدادت ملامح عمرو تجهمّا وهو يندفع نحوها ويجذبها ليعيدها نحو السيارة التي لم تبتعد عنها ويهدر بها " خلق الله لسانك هذا لتخبريني به أنكِ قد تسقطين أرضًا إذا تحركتِ وبأنكِ تخفين الكثير عني، لا للصمت، اجلسي " جلست راوية بخضوع دون أن تتفوه بحرف واحد ليتقدم عمرو

نحو البوابة بثبات وهو يشير لرجاله ليفتحوها ليتفاجأ بقوة عسكرية تقتحم المكان بشكل جعله يقول بانفعال " كيف تقتحمون المكان هكذا، وبأي حق " اقترب منه ضابط شرطة وقال " سيد عمرو لا داعي للعصبية أرجوك، فنحن لدينا بلاغ ضدك يؤكد أنك توشك على قتل زوجتك كما أنك من أطلق النيران على السيد ……قاطع اندفاع معتز إلى داخل المكان حديث الضابط وهو يقول بهياج " أين راوية؟، أين هي وماذا فعلت بها " ثم تقدم للأمام وهو يصرخ قائلًا" راوية يا راوية "

ليعربد بعقل عمرو قبيلة كاملة من الشياطين وهو يقطع المسافة بينه وبين معتز في خطوتين واسعتين ويطبق بقبضته على عنقه ويعتصرها بعنف وهو يقول " من أنت؟ وما دخلك بزوجتي؟ " كان معتز يجاهد ليلتقط أنفاسه وقد امتقع وجهه فتدخل الضابط ورجلان من القوات المتواجدة بالمكان وفصلوا بينهم ليصرخ معتز بجنون " ها هي المرة الثانية التي يحاول بها قتلي وجميعكم شاهدون على ذلك، إنه يريد الانتقام مني لأن راوية تريد أن تتركه وتعود إليّ، لا

تتركوه فقد يكون من الجماعة الإرهابية " حديثه الموجع لرجولة رجل كعمرو جعله يزأر بجنون وهو يقاتل ليفتك من قبضة الرجال الذين يحاوطونه بينما يصرخ به " جئت لنهايتك أيها الحقير، أقسم بالله أني  إن أمسكت بك سأجعل قبرك حيث تقف " صرخ معتز يقول للضابط " لماذا مازلتم تتركونه ليهدد ويتوعد إلقوا القبض عليه فورًا ".
✰✰✰✰✰
كانت راوية تجلس على طرف مقعد السيارة منحنية تنظر لأقدامها التي

تلامس الأرض بشعور أشبه بالنعاس الذي لا يتبعه نوم ولكن يتبعه أفكار قاتلة تعيد في داخلها كل ما مضى دفعة واحدة ولكنها تتباطأ عند لحظات الانكسار وما تلاه من قررات متسرعة وعواقب، كانت حزينة يكلل هامتها الفقد والخسارة ويحفر في حناياها الواقع شرخًا جديدًا تصدع معه كل العلامات الزائفة التي ظنتها من قبل ندوب لن تمحى، لتنتفض حين سمعت صوت معتز يصرخ بإسمها فاحتدت نظراتها بعنفوان مازال باقيًا بها وتحركت دون تفكير تدور حول السيارة

وتتقدم نحو المشهد الصادم أمامها ليلمحها معتز الذي أسرع نحوها وهو يقول " راوية ماذا حدث لكِ، ماذا فعل بكِ هذا الحيوان، هل أنت بخير، أنا هنا لا تخافي " زمت راوية شفتيها بانفعال ثم وبكل ما استطاعت من قوة رفعت يدها تصفع معتز صفعة دوي صوتها بالمكان وعمّ من بعدها السكون لحظات قبل أن تقول " حتى الحيوانات حين ترى الرجال تعرفهم، لكنك لم ترتقي لتصبح حتى حيوان أيها الوغد السافل " بهت معتز من صفعتها وتجمد في مكانه فتحركت راوية

باتجاه عمرو الذي خلص نفسه من قبضة المحاوطين به ثم تحرك ليقف أمامها كأنه يحجبها عن أعين هذا الجمع الغفير بحمية رجل حر الدماء ويقول " ها قد تأكدت يا حضرة الضابط أن زوجتي حية ترزق وأن البلاغ كاذب، من فضلك غادر ومن معك المكان حالًا " قال له الضابط " للأسف الشديد لن أستطيع سيد عمرو، فنظرًا لكون السيد معتز في بلاغه لمح لاحتمالية كونك من الجماعة المتطرفة ونظرًا لكون السيدة راوية قد تكون مستهدفة كما والدها، ونظرًا لكونه

يتهمك بشكل مباشر بمحاولة قتله فعلي أن أخذ ثلاثتكم لقسم الشرطة للتحقيق " عمّ الصمت والتفت عمرو ينظر لراوية بطرف عينه كأنه بمنتهى الصمت ينهال عليها باتهام جديد ثم نظر لظابط وقال " تحركوا وسألحقكم بسيارتي ".
✰✰✰✰✰

على الجانب الآخر كانت السيارة تنطلق بفوزي الذي كان يفكر في الوجهة التي قد يقصدها بربري والرجال في مثل هذا

الموقف، كان يحاول أن يتكهن إلى أين أخذتهم أقدامهم ليجد أن الوجهات المعتادة لهم ستكون خطرًا عليهم مع بحث رجال الغندور والسني الدؤوب عنهم، للحظة بدى مشتت لا يدري من أين يبدأ وأين ستكون وجهته ليقطع مسيرة شتاته صوت أحد رجال عمرو يقول له " هل تريد منا أن نتعقب السيارة أم لديك وجهة محددة " عقد فوزي حاجبيه وقال " نتعقب السيارة كيف؟ " أجابه الرجل بجدية " أقصد أن نتتبع مكان السيارة التي خرجوا بها " قال له فوزي بعدم

فهم" وكيف سنفعل ذلك! " أجابه الرجل " من خلال الهاتف إن كنت تريد ذلك، فكافة سيارات عمرو باشا بها أجهزة تعقب  " قال له فوزي بلهجة مندفعة " نعم، أفعل ذلك وأخبرني أين السيارة " أخرج الرجل الهاتف وبدأ بتعقب مكان السيارة لتمر دقائق قبل أن يقول باستغراب " إنها بمكان قريب ولكنها متوقفة " قال له فوزي " خذنا إلى هناك " عدل السائق وجهته نحو الموقع الذي تقف به السيارة لتمضي دقائق معدودة قبل أن تتوقف السيارة بفوزي أمام

سيارة عمرو المتروكة على جانب الطريق، قفز فوزي من السيارة واندفع نحو السيارة الأخرى يفتح أبوابها بحدة ثم يسب بفجاجة وهو يقول " ليسوا هنا، أين ذهبوا، أين نحن بالضبط " قال له أحد رجال عمرو " بيننا وبين وسط البلد دقائق إذا أكملنا بنفس الاتجاه " قال فوزي بتفكير " وسط البلد، هل أنت متأكد " نظر الرجل لشاشة الهاتف وقال " بالطبع متأكد هل تريد أن تلقي نظرة " حرك فوزي يده بحركة نزقة وهو يقول "


أنا لا أفهم في تلك الأشياء لكني أظن أني أعرف أين ذهبوا ".

✰✰✰✰✰
الجحيم يبدو لنا أحيانًا مصيرًا بعيدًا وأحيانًا نحياه في صدورنا حتى تخرج أنفاسنا محملة بنفحاته، وأحيانًا دون سابق إنذار نجد أنفسنا نقف في مواجهته وجهًا لوجه، كانت الأفواج تتدافع بشكل جنوني والصراخ الذي يصم الآذان ويرجف الأبدان محمل بالفزع، الفوضى

تزداد ويزداد معها هول المشهد وهناك رعب يملأ الأعين كأن نهاية الكون قد حانت، كل ذلك لا يقارن بعواء ضحايا التفجير الذين كانوا يركضون بلا وجهة بحثًا عن الخلاص بينما النيران تأكل أجسادهم، كان ذلك يدور من حول بربري الذي تجمد في مكانه يرتجف بهلع وعيون متسعة كأن وعيه الكامل لا يستوعب المشهد، خطاه ترتد للخلف كلما ارتطم به شخص من المتدافعين وهو مستسلم مبهوت يفكر في شيء واحد لا غيره ….يقين والمقطع الذي شاهده للتو عند فادية

والحديث الذي قاله ذلك الملثم وبدأ بالربط بينه وبين ما يحدث ليستنتج أنها ليست مهددة من قاتل ميت القلب قد يزهق أرواحهم ولكنها مهددة من مجنون أشعل في البلد بأكملها النيران، اندفعت نحو بربري فتاة وتمسكت به وظلت تصرخ بقوة فشهق بفزع وهو يبتعد عنها بصدمة جعلته غير قادر على النظر إلى شكلها المفجع فقد كان منتصف وجهها ذائب كالشمع وجانب عنقها ومقدمة صدرها ليرتطم فجأة في شيء صلب خلفه فيلتف بخوف شديد ليجده مخلف بضخامته

يسحبه بقوة وهو يصرخ بكلمات لا يظن أنه سمع منها شيئًا فقد شعر أن الصراخ من حوله سكن أذنيه التي بات صفيرها يطغى على كل شيء.
✰✰✰✰✰
مرت دقائق معدودة قبل أن يجد بربري نفسه يدفع بعنف نحو أحد الارائك داخل منزل نرجس ومخلف ينحني نحوه ويقول له بقلق " هل أصابك شيء لماذا لا ترد علينا" ثم أمسك وجهه وبدأ يتفحصه ليقول بدوي وهو يتنفس الصعداء " الكبير بخير يا مخلف، دع فريال تحضر لنا

ماء فقلبي يكاد يقف " التفتت فريال التي كانت تقف أمام التلفاز بتوتر وقالت " لا ماء ولا غيره ومن الأفضل أن تأخذوا بعضكم وترحلوا قدومكم كان شؤم علينا، حسبي الله ونعم الوكيل، أنها الليلة التي ننتظرها من الشهر للشهر " كانت فادية تتحرك بحركة رتيبه للأمام والخلف وهي تضرب على ركبتيها وتقول " يا قلة بختك يا فادية، بعدما اشتريتي المكيفات من أفخر الأنواع وتعاقدتي مع فتيات جدد ودفعتي مبلغ وقدره على تجهيز المكان"  نظرت فادية لبربري ورجاله

وقالت " خذوا بعضكم وارحلوا عني وحذاري أن أرى واحدًا منكم مجددًا، المرة الماضية أشعلتم في الشقة وأرشدتم شرطة الأداب للمكان وهذه المرة البلد بأكملها احترقت، ماذا تريدون مني بالضبط، هل لن تنسوا طريقي إلا حينما أحترق أنا الأخرى " قال لها مخلف " اهدئي يا ست الكل تتحدثين كأننا من أحرقنا البلد " ليقول بدوي " أم الحنية كلها معذورة فهذه الليلة وحدها تجمع فيها حسبة تبقى عليها من الشهر للشهر وعملاء الأيام العادية تعدهم تحلية لا

أكثر " رفعت فادية كفيها بانفعال تفردهما في وجه بدوي وتقول " عيونكم من جاءت بي للأرض، لقد وقف حالي، فلينتقم الله منكم " حينها ارتفع صوت ناجح الذي كان قد تناول عدة أقراص مخدرة بالفعل وقال " لا تحزني يا فادية فأنا مستعد لأكون زبونك الليلة " قالت فريال بعصبية " اخرسوا دعونا نسمع ما يقال " كان بربري يجلس منحني للأمام وهو يشعر أن هناك دوار يلفه ويعزله عنهم ليحرك عيناه ببطء نحو شاشة التلفاز ليرى شخصًا جاد الملامح يرتدي

البدلة العسكرية يقف باستقامة أمام منصة وضع عليها عدة مجاهر للصوت ويقول " بسم الله الرحمن الرحيم، بيان رقم واحد للقوات المسلحة، نظر للتطورات المتلاحقة للأحداث الجارية والتي تجعل بلادنا في حالة من استنفار نحو ذلك التطرف المدسوس بين صفوف دولتنا العظيمة لأسباب مغرضة يعلمها الجميع صدر قرار من رئيس الجمهورية بإعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال في البلاد إلى ثلاثة أشهر قادمة سنعمل خلالها على إنهاء ذلك التيار المتطرف بل

ورد الصاع صاعين لمن يقفون خلفه والله ولي التوفيق " شهقت فريال وحركت فاها يمينًا ويسارًا وقالت " يبدو أن القادم سواد يا ست الناس " قالت لها فادية " ماذا يعني هذا الحديث يا بنت أنا لا أفهم شيء " قالت لها فريال " وقف حال وشرطة بكل مكان والدخول بمعود والخروج بموعد والتفتيش كل ساعة والثانية، لن نستطيع أن ندخل للشقة زبونًا واحدًا " وقفت فادية وبدأت تولول وتقول بحسرة " اخلصي من البضاعة التي بالداخل قبل أن نجدهم فوق

رؤوسنا، هي عين أصابتنا ومفعولها قوي " والتفتت تنظر لبربري وتقول " خذ رجالك واذهبوا إلى أية مصيبة غير منزلي " وقف بربري ونظر لرجاله الذين نظروا له بقلق بسبب صمته وشروده وقال " دعونا نرحل " قال له مخلف " نرحل إلى أين وسط ما يحدث بالشوارع يا رئيس" همّ بربري بأن يجيبه لكن صوت الباب الذي ارتفع بطرق عنيف كمم الأفواه وأرعد أبدان الجميع.



✰✰✰✰✰
تلقفني… فأنا من جديد أسقط بك، أهوى في تلك البقعة اللامعة في منتصف عينيك، تنزلق أحاسيسي معي نحو الفوهة الثائرة بنيران نبضك، تلقفني وأنت تقر بأنك متورط في بكامل وعيك، تثور وتنتفض وتحتد غرامًا وتدق في صدرك لأجلي طبول حربك، تلقفني واجعل دربي للنجاة دربك، واجعلني بوصلتك إذا أظلمت دنياك لأرشدك في الدجى كأنك تحملني رفيقًا في قلبك،


تلقفني فإني رغم الوجع الذي خلفته في قلبي لم أتوقف يومًا عن كوني أحبك.
✰✰✰✰✰

أبجديات الحب ليست بالضرورة أن تكون أفلاطونية كما اعتقدناها، فأفلاطون بذاته بات مشكوك في صدقه وطيب نواياه، أبجديات الحب متغيرة ما بين شخص وآخر أي أنه مع كل شرارة حب تنطلق يوضع للعشق منهاجًا جديدًا، مر أكثر من نصف ساعة منذ انطلق

شهاب مبتعدًا عن منزل عمرو بيقين وكريمة متحركًا من خلال طرق ملتوية غير ممهدة كأنه يتعمد تحاشي الطرق الرئيسية، خلال ذلك الوقت لم يتبادل هو ويقين كلمة واحدة، فقط نبضه ونبضها ملأا الصمت الموجع بينهما بشيء أشبه بالقصف تستشعره ويشعر به والاثنان مستكينان لعنفه كأنهما بعد أن أدركا عواقب العشق باتا يرحبان بالعقاب، ومضى الطريق ومضيا معه حتى أوقف شهاب الدراجة النارية فجأة معلنًا عن إنتهاء الرحلة، لتنظر كريمة

للمكان من حولهم بريبة و تقول " ما هذا المكان المقفر، هل سنبقى هنا " ثم ترجلت عن الدراجة النارية فتأوهت يقين التي شعرت بأن عظامها كما لو أنها سحقت وحاولت أن تبتعد عن شهاب ببطء ليلف لها عنقه ويظل يناظرها بعيون لنظراتها وقع أقوى من الكلمات، لقد شعرت أنه  بالنظرة يحاوطها في سجال الشوق فيه للغالب وللمغلوب، دفعت يقين نفسها بحزم شديد لتبتعد عنه ثم ترجلت عن الدراجة وهي تذكر نفسها أن مرارة الحب تعد سعيرًا قد يفني حلاوته، لتقول

بصوت جاد لشهاب " ماذا نفعل هنا؟ " نظر شهاب للطريق الممتد أمامهما قبل أن يترجل عن الدراجة هو الآخر ويتقدم للأمام ويقول " ننتظر شخص ويبدو أنه قد وصل " نظرت يقين إلى حيث ينظر ووجدت سيارة تقترب منهم حتى توقفت ونزل منها شاب منفعل ينظر لشهاب بغضب شديد وهو يقترب منه ويقول " أخبرتك مئة مرة أن تخبرني عن سبب استدعائك لي حين تحتاج إليّ، ما الممتع في أن تطلب مني الحضور على وجه السرعة لهذا المكان المريب دون أن

تمنحني تفسيرًا واحدًا، هل تستلذ بالاحتراق العصبي الذي تسببه لي ثم أليس لديك خليفة عما يحدث بالبلد إنه وقت ذروة أحداث وأنا لست متفرغ ولدي عمل و…….قاطعه شهاب يقول بنفاذ صبر " عدي توقف لأني أريد أن أتحدث " قال له عدي بعصبية " تحدث يا ليتك تتحدث نحن أرهقنا ونحن نطلب منك أن تتحدث ولكن روح الكتمان داخلك مسيطرة عليك " قاله له شهاب بانفعال " أنا لا أعرف شيء عما يحدث ولا أعرف شيء عما تركته خلفك وأتيت

إلي لكني أحتاج إليك هنا، فهل ستساعدني أم لا " قاله له عدي " بالطبع سأساعدك ألا يكفي أني رغم خطورة الطرقات المكفرة في هذا المكان غامرت بروحي وجئت إليك، طلباتك أوامر، تفضل  " مد شهاب يده خلفه يسحب يقين التي كانت قد توارت فيه كأنها خشيت من انفعال عدي وقال " لدي أمانه أريدك أن تأخذها لمكان آمن ولا تحيد بعينيك عنها وتحفظها بروحك حتى أقضي أمرًا مهما وأعود إليك " نظر عدي ليقين بذهول وقال " هذه هي …. قاطعه

شهاب بتأكيد " يقين الحوفي " هز عدي رأسه بعدم تصديق وقال " هل كانت معك كل هذه الفترة؟ " قال له شهاب بضيق " لا لقد كانت مختبئة لدى صديقتها راوية صدقي وزوجها واللذين يجب أن أعود لأفهم ما يحدث معهما وأجد الكتاب الذي تحطمنا جميعًا بسببه وأعود " قال له عدي " أنت تعرف أن الجميع يبحث عنها الشرطة، الشعب، الجماعة، صورها بكل مكان، بربك إلى أين سأخذها " قال له شهاب بحدة " جد حلا يا عدي، جد مكانًا آمنًا " زم عدي

شفتيه بتفكير ثم قال " حسنًا سأفعل وسأبلغك بمكاننا " قال له شهاب " لا تهاتفني دعنا نتوخي الحذر أنا سأجد طريقة وسأهاتفك في أقرب فرصة " قال له عدي " لا مشكلة " ثم نظر ليقين وقال " تفضلي معي " قالت له يقين " أنا لست وحدي معي صديقتي " حرك عدي عينيه نحو كريمة التي لم يفطن لوجودها سوى الأن لتنظر له كريمة بضيق وتقول " ماذا هل لست ظاهرة لتلك الدرجة، ألن تقول لي تفضلي معي " تنحنح عدي بحرج وقال " عذرًا منك فأنا كنت منفعل، الخطأ

خطئي، تفضلي معي " حركت كريمة رأسها بعدم رضا وقالت " قل تفضلي معي يا أنسة كريمة كما يقول لي عمرو باشا " لوي شهاب عنقه نحو كريمة ونظر لها نظرة مرعبة جعلت يقين تقول لها " ليس وقته يا كريمة " قالت لها كريمة " أبدًا الاحترام واجب " قال لها عدي " وأنا لست أقل من عمرو باشا لذلك تفضلي معي يا أنسة كريمة " رفعت كريمة رأسها وتحركت بجوار يقين ليفرد شهاب ذراعه يمنعهما من التقدم وهو يقول لعدي " لا تسلك طريق رئيسي، لا تقف لأحد، لا

تتأخر في الرد حين أهاتفك و ……. صمت شهاب للحظة ثم قال " ولا تفرط في أمانتي لأني لن أسامحك حينها " نظر عدي لعيون شهاب التي فضحت مشاعره وقال والذهول يملأه من الجوى الذي يرتع بأحداق أخيه " محال أن أفعل " ثم نظر ليقين وقال " لنتحرك هيا " هزت يقين رأسها بطاعة ووجهها يكاد يشتعل من حديث شهاب التملكي عنها، لتتحرك بعض الخطى قبل أن تغمض عينيها وتأخذ نفس عميق وهي تشعر بقبضة شهاب تجذبها للخلف، تحركت كريمة

نحو سيارة عدي فيما التفتت هي إليه وهزت رأسها بسؤال غير منطوق يحاوطه الكثير من اللوم والوجع فيتنهد شهاب ويبدو أنه ضائع لا يعرف كيف يصوغ ما يشعر به ليقول في النهاية " أريد أن أخبرك فقط …..نظر إلى الأسفل ثم رفع رأسه وبات يدور بأنظاره بالمكان قبل أن يقول" أني …عدت للتدخين بشراهة منذ فراقنا، عدت لوحدتي وانعزالي، عدت لعملي وانفعالي، لكني لم أعد خاليًا، الشيء الوحيد الذي لم يعد كما كان هو قلبي، يحق لكِ ألا تتقبلي حديثي، وأن

تبدي رفضك لي مع كل موقف لكن لا يحق لكِ أن تكذبيني حين أخبرك بأني مازلت أحبكِ " نظرت له يقين بصمت ثم أدارت وجهها وتحركت نحو سيارة أخيه وحين اقتربت منها وقفت بجوار الباب وقبل أن تركب قالت له بغضب وقهر وثورة " رائحتك مقززة " ثم ركبت السيارة وأغلقت الباب بعنف شديد ليرفع عدي حاجبيه بذهول مما فعلته وهو يتحرك بالسيارة ويفكر أنه متحمس ليتحدث معها في كثير من الأشياء أولها الجماعة وأهمها علاقتها بأخيه.

على طريق آخر ……..

كان كريم يقود سيارته بسرعة جنونية وعيناه تتحركان ما بين عقارب ساعته والطريق المزحم على أحد مخارج العاصمة، ضغط كريم زامور سيارته بقوة وأخرج رأسه ينظر للأمام محاولًا أن يفهم سبب تكدس الطريق ليقول له سائق السيارة الذي يتحرك بمحازاته وقد تباطأت سرعتهم نظرًا لوقوف الطريق" يبدو أن هناك لجنة شديدة وجميعنا سنتغرم، هو يوم واضح منذ بدايته " زغر كريم الرجل بنظرة غير مفهومة وأغلق نافذته ثم حاول من خلال المرآة الأمامية أن يجد مخرج من خلال الدوران للخلف وسلك طريق آخر لكنه وجد نفسه محاصرًا لا يستطيع أن يتحرك حركة مغايرة لخط سيره الإجباري، نظر كريم لعقارب الساعة وشعر أن الوقت ليس في صالحه إطلاقًا لذلك
ضغط على شاشة هاتفه المثبت أمامه وطلب رقم فيدرا ليأتيه ردها سريعًا كأنها كانت تنتظر مكالمته تقول برعب " كريم أين أنت، لقد هاتفتك كثيرًا لكنك لم تجب أنا في كارثة العد التنازلي أمامي يخبرني أن الجرعة التالية للفتاة ستكون بعد دقيقتين وهذه الجرعة الأخيرة ووحدك من يعرف تركيزها والمؤثرات السمعية والحسية الخاصة بها، أنا لا أعرف شيء عن هذه المرحلة قل لي أنك ستصل وستنقذ الموقف أرجوك، قل لي أنك لن تدع كل شيء يفسد بعدما وصلنا لتلك المرحلة " قال لها كريم بعصبية " أنا قادم ولكني عالق بالزحام على أحد كمائن التفتيش ولن أستطيع الوصول في الوقت المناسب " قالت له فيدرا بصدمة " ماذا تعني أنك لن تستطيع! " قال لها كريم بحدة " أعني أن عليك تولي زمام الأمور حتى أصل " قالت له فيدرا " أتولى ماذا هل فقدت عقلك!، أقول لك إنها مرحلة حرجة للغاية ولا أعرف عنها شيئًا تقول لي تولي الأمور " قال لها كريم بهياج " نعم عليكِ تولي الأمر وإلا سأصبح أنا وأنت في عداد الموتى، أتعرفين من الذي أخرني، ومن الممول الخفي الذي كان يمولنا ببزح… أنهم الجماعة المتطرفة ولقد أرسلوا لي أحدهم ليهددني بالقتل إن لم أنه التجربة وأمنحه النتائج " عمّ الصمت من الطرف الآخر ليقول كريم

بهلع " فيدرا هل أنتِ معي " تنبهت فيدرا المصدومة لندائه وقالت له بصدمة كبيرة" هل تعني أنك وأنا نعمل لصالح جماعة متطرفة " قال لها كريم وهو يضرب علة عجلة القيادة بعنف " نعم …ويريدون نتائج التجربة في أقرب وقت وليس هذا فقط بل هناك أشياء أخرى يريدونها مني،  المهم الآن اسمعيني جيدًا سيري نحو المبرد وخذي أخر جرعة وسأخبرك ب…..قطع حديث كريم صوت طرق على الزجاج المجاور له، فالتفت كريم نحو النافذه وأنزل الزجاج ونظر

بقلق للضابط الذي ينظر له نظرات متفحصة ويقول " لقد تخطيت السرعة المسموح بها وقد التقطتك الأجهزه الخاصة بنا كما أنك تتحدث بالهاتف ولست منتبه للطرق لدرجة أنك لم تتقدم حين تحركت السيارات التي أمامك " قال له كريم بتوتر " عذرًا منك ولكن أنا طبيب ولدي حالة حرجة وهذا ما يجعلني متوتر، أنا يجب أن أتحرك حالًا " قال له الضابط " حقًا، أرني رخصك والبطاقة الشخصية " أخرج كريم رخصته والبطاقة الشخصية بحركة متوترة

وناولهما للضابط الذي قال له " طبيب نفسي ولديك حالة حرجة، قف على جانب الطريق حتى أفحص بياناتك وأفهم حكايتك، هيا " قال له كريم بانفعال " أقول لك ليس لدي وقت، أنت لا تعرف من أنا وما أستطيع فعله، أنا عليّ أنا أتحرك حالًا " قال له الضابط بتهكم " بل أعرفك جيدا أنت محض طبيب ليس له إنجاز يذكر سوى أنه ساعد كاتب مشهور وحين توفى شهّر به وبإبنته ويملك عدد من المتابعين ولذلك يظن أنه فوق القانون، افتح البث المباشر

وابكِ لمتابعينك حتى أنتهي من فحص أوراقكِ وإن رفعت صوتك مجددًا أقسم بالله سأجرك للقسم أمام هؤلاء جميعًا " نظر له كريم بحقد شديد وحرك السيارة إلى جانب الطريق ثم نظر لهاتفه ليجد أن فيدرا أنهت المكالمة من دقيقة وأن الوقت المتبقي على الجرعة لم يتبق فيه سوى خمسة عشر ثانية فعاد يهاتفها بإلحاح مرة تلو الأخرى لكنها لم تجب.
✰✰✰✰✰
في تلك الأثناء كانت فيدرا تكاد تدخل في نوبة هلع خاصة حين سمعت صوت

الضابط وهو يوبخ كريم ويحول فرصة وصوله إليها إلى المعدومة، أسرعت فيدرا تغلق الهاتف كي لا تسمع أكثر لما يدور وتمسكت بقوة في المنضدة الموجودة أمامها، كانت تجاهد لتبقي نفسها في حالة ثبات خاصة وقد بدأت دقات قلبها بالتسارع وبدأت أنفاسها بالاضطراب ولكن حقيقة أن التجربة علة وشك أن تفشل وأن الجماعة قد تقتص منها على ذلك دفعها لتتحرك بتخبط نحو المبرد ثم تفتحه وتنظر للجرعة الأخيرة لوهلة  قبل أن تمد يدها المرتجفة لتسحبها و تتحرك

برهبة نحو الغرفة المجهزه وتلج إليها بحذر شديد، اقتربت فيدرا من يد الفتاة الباردة وسحبتها وبدأت بتفقد عروقها وهي ما بين لحظة واخرى تنظر لوجهها بارتباك حتى وجدت عرق مناسب للحقن ففضت غطاء الإبرة واقتربت بيد ترتعش من ذراع الفتاة وبمجرد أن عبر السن الحاد طبقات الجلد الرقيقة أصاب الفتاة حالة تشنج عنيفة جعلت سن الإبرة ينكسر بذراعها في مشهد مروع، تراجعت فيدرا للخلف وهي تصرخ بهلع وقد سقطت في غمرة انفعالها الإبرة التي

تقاطر منها أغلب محتويات الجرعة أرضًا كما تقاطرت الدماء من ذراع الفتاة التي كانت تتلوى كأنها تصارع الموت، نظرت فيدرا للمشهد بصدمة كبيرة وتراجعت للخلف أكثر وهي في داخلها توقن تمام اليقين أن كل شيء قد تدمر بالفعل، تفاقم فزعها وازداد حين ازدادت نوبة الفتاة ضراوة فالتفتت وركضت خارج الغرفة وتوجهت نحو حقيبتها وبدأت تجمع بها كل ما تستطيع جمعة من أشيائها بسرعة كبيرة ثم ألقت نظرة أخيرة على الفتاة قبل أن تركض إلى خارج المكان

وكل تفكيرها منصب في أن عليها أن تنقذ نفسها من الهلاك الذي سيبتلع كريم عاجلًا وليس اجلًا.

✰✰✰✰✰.
جميع الاحقاد تعد سلاح مرتد كلما وجه نحو إنسان يأخذ دورة انطلاقة كاملة ثم يعود إلى من أطلقه ليشهده على لحظة انفجاره الذي سيكون فيها أول الضحايا وأكثرهم استحقاقًا للموت، أطفأت منى التلفاز من بعد أن استمعت لبيان

القوات المسلحة كاملًا وتحركت نحو شرفتها التي تطل علة أحد ميادين وسط البلد ووقف تشاهد دخان الانفجارات الذي يرتفع عاليًا من كل مكان على مد بصرها كأنما هناك كارثة طبيعية قد حدثت، وتنهدت بحقد وقالت " البلد تشتعل لأجل فاشلة مفلسة في الإبداع وأمثالي مهما صارعوا من أجل الظهور يظلون مهمشين، من المؤكد أنها تختبيء الآن في مكان ما لتشاهد ما يحدث وشعورها لا يضاهيه شعور، فحين تظهر سيتهاتف الجميع من أجلها، الصحافة

الإعلام الشرطة الشعب، ستصبح أسطورة في لمح البصر ليتني كنت أمتلك نصف عقلها " دخلت مني وأغلقت الشرفة والتقطت هاتفها وبدأت في مهاتفة معتز الذي لم يجب أي من مكالماتها أو رسائلها منذ خروجه من المشفى، حتى عندما حاولت أن تزوره بمنزله لم تجده هناك، تجهمت ملامح منى وأغلقت هاتفها بانفعال وظلت تزرع المكان ذهابًا وإيابًا وهي تقول " والحل يا منى والحل، هل انتهت هكذا؟، هل موهبتك وتعبك سيقابل بالتجاهل؟، لا

لن يحدث هذا ليس ما خططتي له على مدار خمسة عشر عامًا وأنتِ تقفين في صف طويل من المعجبين المتدافعين نحو محمود الحوفي علّهم يحظون بتوقيعه على روايتهم، كل مرة كنتِ تقفين أمامه بانبهار وأنت تتسائلين عن ابنته التي لم تحضر له حفل توقيع واحد، لم تشاركه نجاحه ولم تستحقه، بعكسك " نظرت منى لهاتفها ثم بدأت في مهاتفة كريم الذي لم يُجِب هو الآخر فشردت تفكر في أسباب تجاهله لها لتقطع طرقات هادئة على الباب لحظات استغراقها المحتدة

فتحركت لتفتح الباب فوجدت شاب طويل يرتدي كمامة سوداء وعيونه الزرقاء تبرق بلمعة فاتنه وشعره الكثيف الملتوي يتدلى على جبهته يقول لها " أنسة منى " قالت له " نعم من أنت وماذا تريد؟ " ضاقت عيون الواقف أمامها كأنه يبتسم أسفل كمامته قبل أن يلطمها على وجهها بشيء حاد جعلها تفقد توازنها وتسقط أرضًا وهو يقول " أنا قدرك " ثم ولج إلى الداخل وأغلق الباب من خلفه ".

✰✰✰✰✰

بنفس الوقت داخل قسم الشرطة...

الحب أحيانًا يأتي في شكل هزيمة نكراء سيظل قلبك موصوم بها حتى نهاية العمر، كان دياب يجلس بمكتبه يراجع ملف القضية من البداية تمامًا منذ أن أبلغ ممدوح صدقي عن اختفاء يقين الحوفي، كانت عيناه تتحرك ما بين التفاصيل بتركيز بالغ رغم أن ساقه اليمنى تهتز بتوتر يعكس حالة الاستنفار


التي تدور داخله، صور الضحايا …التحريات
الإشارات التي تركها القاتل خلفه كل شيء كان أشبه بالطلاسم التي تحتاج إلى معجم لحل شفراتها تحتاج إلى ذلك الكتاب، تنهد دياب بضيق وأرخى ظهره للخلف ثم أمسك بصورة التقطتها الكاميرات لعامل التوصيل الذي كان آخر شخص تعاملت معه يقين قبل اختفائها والتي لم تكن واضحة إلى حد أعجز الشرطة عن تحديد هويته أوهوية الشركة التي يعمل لصالحها ليعتدل وهو

يقول كأنه يعيد كلام شهاب حين وصف القاتل " طويل، يرتدي كمامة، شعره كثيف ملتف، وعيونه …..لم يكمل دياب حديثه حين تعالى طرق على الباب دفعه ليرفع عينيه نحو الباب وهو يقول " ادخل " ليفتح الباب ويلج زميل له وخلفه عمرو الذي كان يلم زوجته إليه بدعم وحميه رغم تجهم وجهه وانهيارها وإرهاقها الواضحين يتبعهم معتز الذي كان في حالة انفعال صامت بعكس نظراته الساخطة التي تفضح ما يدور بداخله ليقف عمرو ويقول " ماذا يحدث؟ " قال له زميله "

جاءنا بلاغ من السيد معتز ضد السيد عمرو بأنه من أطلق النار عليه منذ أيام وبأنه يحاول قتل زوجته وبأنه قد يكون منضم للجماعة المتطرفة وبناء عليه ثم القبض على السيد عمرو وإحضار أطراف البلاغ لتحرير محضر والتحقيق في الأمر وعليك تولي الأمر لأن شهاب غير موجود وأنا لدي مهمة خارجية أخرى " رفع دياب حاجبه باستغراب وقال لزميله " دع الأمر لي لأني أشعر أن هناك شيء خاطيء " نظر له زميله نظرة تعكس مدى تعقيد الأمر ثم انسحب لينظر دياب

لعمرو ويقول " اجلس من فضلك يا سيد عمرو ودع المدام ترتاح فلم يكن عليها أن توضع في موقف كهذا في يوم كهذا وظروف كهذه ومن الأفضل أن تتواصل بالمحامي الخاص بك على وجه السرعة " قال له عمرو الذي أجلس راوية على الأريكة ووقف يواجه الموقف كما الجبل الذي وإن كان في باطنه نيران يبقى خارجه راسخًا شامخًا " لقد تواصلت معه وهو في طريقه إلى هنا بالفعل " هاج معتز وقال بغضب لدياب " أظن أني هنا المجني عليه وليس هذا الحقير أم أنه على ما يبدو من

معارفك وسيسير الأمر بينكما مجاملات " تحرك عمرو بنية الهجوم على معتز ليندفع دياب في طريقه ليمنعه ليقول له عمرو " أقسم بالله أني سأطلق عليك النار فعليًا وسأجعل اتهامك الباطل حقيقة أيها الوغد " قال له معتز بأسلوب مستفز " لماذا تحمل كل ذلك الحقد نحوي، قل أم أنك محرج، أنا لو كنت مكانك لكنت قتلت نفسي، لكن الخطأ خطأك أنت ما كان يجب أن يكون لك وجود بيننا " هدر به عمرو الذي يدفعه دياب للخلف ويقول " لا تدعه يستفذك

فهذا ما يحاول فعله " بين من ها ؟؟ بين من هل صدقت نفسك، هل ظننت أني أصدق ما تفوهت به، بديهي جدًا أن يظهر في حياتي أمثالك من الحاقدين الذي يكمن هدفهم في إثارة بلبلة حول حياتي وزواجي أعداء نجاح شيء متوقع لكن زوجتي ستظل فوق مستوى الشبهات وقدمك فوق عنقك الذي سأقطعه لك " رفعت راوية رأسها بذهول تنظر لظهر عمرو الذي يدافع عنها باستماتة وهي تشعر بفداحة ما فعلته به على مر عامين لتسمع صوت معتز وهو

يضحك بتهكم " شعارات رنانة تحاول أن تحافظ بها على وجهتك الاجتماعية، هذا ليس حديث رجل يحب ويعشق، وإن كنت تريد دليلًا ملموسًا لك ذلك " أخرج معتز هاتفه من سترته ليلتفت له دياب ويقول له بحزم " أنت تماديت جدًا، الزم حدودك واعلم أنك هنا في قسم شرطة، وكل كلمة قد تحسب ضدك " قال له معتز وهو يحرك رأسه بخيلاء " أنا لن أتحدث، الصور من ستتحدث " أدار معتز شاشة الهاتف نحو دياب وعمرو ليعم الصمت وتبدأ أصابع معتز بتحريك

الشاشة صورة بعد الأخرى ويبدأ ثبات عمرو بالانهيار دفعة تلو الأخرى لتقف راوية ببطء وتقترب منهم وتعقد حاجبيها وهي تنظر للصور التي أوخذت من زاوية لعينة محت المسافات بينهم وعكست مشهد آخر غير المشهد الذي كان يدور لتصرخ بجنون " هذا ليس حقيقي، هذه الصور ليست حقيقة، لماذا تفعل هذا، لماذا، هل أنت شيطان، أم شر وعليّ أن أجنيه، كيف أرد على حقارتك الآن إن كانت الصفعة لم تهز بك شيء، كيف لم أرك هكذا من قبل " اهتزت نظرات معتز

وهمّ بقول شيء لكنها لم تمنحه فرصة وهي تستدير لعمرو وتقول " هذا هو اليوم الذي قابلته فيه، كنا بمكتب المحامي، هذه الصور بها شيء خاطيء، أنا لم أتلاعب بشرفك لحظة، لم أفعلها أبدًا " قال لها معتز بغضب " راوية لا تقاتلي أكثر لأجل قضية خاسرة " قال له دياب " إلي هذا الحد ويكفي، كلمة واحدة وسألقيك بالحجز " التفتت راوية تقول له " زوجي ليس قضية خاسرة، خسارتي الوحيدة أني قابلت يومًا رجلًا مثلك، ولكني سأثبت أن كل حديثك كذب وسأسجنك " قال

لها بحدة " دعيني أنقذك من ذاتك، دعينا نصحح خطأ الماضي " هدر به عمرو وهمّ يمد قبضته على أمل أن يطوله ويفتك به " لا توجه حديثك الوسخ هذا لزوجتي " قال له معتز بانفعال " هل مازلت تريد دليلا آخر بعد ما رأيت " قال له عمرو الذي علمته الايام أن المصائب والمصاعب والحب وأهواله من شيم الرجال وقال " أنا لم أر شيئًا، هذه الصور ليست دليلًا على شيء " شهقت راوية من عظمة رده وألقت بنفسها على صدره تبكي بينما قال دياب

لمعتز " هذا تحذيري الاخير لك بأن تكف عما تفعله، وإلا سأستدعي المخبرين من الخارج ليجروك جرًا إلى الحبس " تحرك معتز عدة خطوات ثم أعطاهم ظهره ومنظر عمرو وراوية اللذان لا يؤثر كل ما يفعله في تمسكهما في بعضهما جعله يفقد أعصابه ويستدير على أعقابه فجأة ويقول " هل أخبرتك لمَ افترقنا، لمَ ابتعد كل منا عن الآخر رغم ما كان يجمعنا " رفعت راوية عينيها ببطء تنظر لمعتز بقهر وقد بات المشهد ثقيل كأنها ترى بعينيها ذنب فعلته ونسيته وقد حانت لحظة

التكفير عنه دون رحمة أو مغفرة، كانت تشعر بالحرب الشعواء الدائرة بصدر زوجها الذي تعلم أنه لا يستحق أي مما يحدث، فقد كان يقف بجوارها كرجل مصلوب على هيكل ماضيها ينزف ودمائه توجعها أكثر منه، ليفتح الباب فجأة ويظهر منه شهاب الذي أغلق الباب خلفه بعنف وتحرك نحو معتز بعصبية وقال له " لا أخبرني أنا " ثم لكم معتز بعنف أسقطه على الأريكة الجلدية خلفه ومال فوقه بثقله وانهال عليه بلكمات عنيفة جعلت دياب يندفع ليجذبه بقوة وهو

يقول " ماذا تفعل، اترك الرجل " بصق شهاب بوجه معتز الذي سالت الدماء من أنفه وقال له " إن كنت رجل قف وواجهني، قف وسأجعلك تندم ندم عمرك، دفع دياب شهاب للخلف أكثر وقال له " ماذا فعل لك؟ " نظر شهاب لمعتز وقال " وهل يستطيع هذا الأبله أن يفعل لي شيء، أنه لا يشعر بذاته سوى علي النساء " ثم نظر لعمرو وراوية وقال " هل هو من أبلغ الشرطة " قال له عمرو بجمود " نعم، يتهمني بمحاولة قتله ويسيء لشرف زوجتي وأنا هنا كمتهم

ولكني سأتدبر الأمور لأخرج " نظر شهاب لدياب وقال " هل حرر المحضر " قال له دياب " ليس بعد لكن …..قاطعه شهاب وهو يدفعه للخلف ويقول" دون لكن " ثم تحرك إلى معتز وجذبه من تلابيبه بقوة حتى وقف وقال له بشراسة " أنت تتلاعب بعداد عمرك بطريقة عبثية ولكن قبل أن تموت دعني أوضح لك بعض الأمور، إذا فكرت في تحرير محضر أو التشهير براوية صدقي ستكون النتيجة كالآتي سوف أشهر بك وأكشف عن ماضيك الاسود، هل تتذكر الملاءة التي

لففتك بها سوف أعلن للناس أنك تطاردها لأنها رفضتك سأجعلك منبوذ في طبقتك المخملية والكل ينعتك بالمترصد والمتحرش والمهووس، سأخرج ملفك الذي بالأداب وسأغلق دارك إلى الأبد، سأدمرك ولن يرف لي جفن " اهتزت أحداق معتز بهلع ودفع شهاب بعيدًا عنه وقال بجنون " أنا لا أهدد، أنا سأخذ حقي منكم جميعًا، ستدفعون جميعكم الثمن، وأنتِ يا راوية ستندمين أشد الندم  " لطمه شهاب على وجهه وقال لعمرو " أي كان ما قاله لك من هذر فهو

لا أساس له، أنا كنت السبب في فسخ تلك الخطبة وأعرف أنه يهدد زوجتك ويقين منذ فترة بسبب عقد عمل به مبلغ جزائي عجزوا عن سداده أي أنه مستغل حقير" قالت راوية ببكاء " فعلا هذا ما حدث لقد استدعاني المحامي الخاص به لنتفاوض في السداد وحين ذهبت وجدته هناك وظل يهددني " قال له عمرو بجمود " أنا لا أستمع سوى لحديث الرجال ولا أظن أني رأيت في هذا الحقير رجل " نظر شهاب باستحقار لمعتز وقال " ولا أنا " لينظر دياب لمعتز ويقول " سيد معتز هل

مازلت مصرًا على تحرير المحضر " حينها اعتدل معتز وتحرك وهو يترنح نحو الباب ثم التفت ينظر إليهم بسخط وعيون تخطط بشر للانتقام قبل أن يفتح الباب ويخرج من المكتب، التفت دياب ينظر لشهاب وقال له بعصبية " أين كنت، أهذا طبع بك تختفي حين أحتاج إليك وتظهر بالوقت الخطأ " نظر له شهاب بتجهم وقال " لقد كنت أبحث عن الكتاب وحين ذهبت لمنزل السيد عمرو وصلني خبر القبض عليه فجئت فورًا، لقد ظننت أنه قد قبض عليه لسبب آخر

وليس بسبب هذا الوغد " قال له دياب باستفهام " سبب آخر مثل ماذا " تبادل عمرو وشهاب النظرات ليقول شهاب بعصبية " أقصد ظننت الأمر يستدعي قدومي، المهم أخبرني أليس هناك جديد عن تلك الجماعة أو عن يقين الحوفي " ألقي شهاب سؤاله بقلب وجل مترقب ليقول له دياب بحدة " بل هناك أخبار بشأنك، أنت يجب أن تخرج من هنا حالًا لأنك إن لم تفعل قد يتم القبض عليك في أي لحظة " قال له شهاب بحدة " بأي تهمة؟ " أجابه دياب " دون تهمه فمع

تطبيق قانون الطواريء ستكون الشكوك التي تحوم من حولك تهمة كافية " قال له شهاب بغضب " فليقبضوا عليّ أنا لم أفعل شئ لأختبيء" قال له دياب " لن نعيد هذا الحوار مجددًا، لقد وضحت لك الوضع سابقًا وصدقني الوضع تفاقم، خذ السيد عمرو والسيدة راوية وأخرجوا من هنا، وجد الكتاب وأنقذ نفسك من هذا الوضع لكن مع مراعاة أنك لم تعد ضابط أنت بت شخص مطلوب للعدالة " اكفهرت ملامح شهاب الذي قال له عمرو بجمود "

لنرحل " تحرك عمرو براوية تجاه الباب ليقول دياب " شهاب خذ هذا الهاتف لأتواصل معك من خلاله فهاتفك قد يكون خلال فترة قصيرة غير آمن " نظر شهاب لدياب لوهلة ثم أخذ الهاتف من يده وتحرك خلف عمرو الذي سار بجوار راوية بخطوات ثابتة سريعة وهو يحني رأسه ويرفع ياقة معطفه قدر المستطاع كي لا يلتفت إليه أحد حتى أصبحوا خارج القسم ليتوجه عمرو نحو سيارته وهو يقول لشهاب " أين هي؟ " قال له شهاب " مع أخي في مكان أمن " نظر له عمرو

بطرف عينه بنوع من النزق ثم دفع مفتاح السيارة نحوه كأنه منهك إلى درجة جعلته غير قادر على التمسك بعجلة القيادة وقال " اركب " استدار شهاب حول السيارة وأخذ مقعده خلف عجلة القيادة ليفتح عمرو الباب الخلفي لراوية دون أن ينظر إليها فتقترب راوية من الباب حتى تصبح واقفة في مواجهته وتقول بصوت مختنق " عمرو " لكنه يشيح بوجهه عنها فتركب السيارة وتحضن بطنها وهي ترتجف رجفة روحية بحتة من سقيع الفقد والجفاء ليركب عمرو

بالمقعد المقابل لشهاب الذي انطلق بهما فورًا فيعم الصمت بينهم إلا من نهنهات راوية التي كانت تبكي بحرقة
لينظر لها شهاب من خلال المرآة الأمامية ثم يقول بتوتر " إياك أن تكون قد صدقت ما قاله هذا الحقير، زوجتك لا غبار عليها، أنا أعرفه جيدًا وأعرف أنه …..هدر به عمرو " اغلق هذا الموضوع " صمت شهاب تمامًا ليعم الصمت لحظات قبل أن تقول راوية بصوت واهن مشروخ " أنا لست واثقة مما أفكر فيه لكني أعتقد أني أعرف مكان من الوارد أن

يكون والدي قد وضع به الكتاب " التفت لها شهاب يسألها بلهفة وانفعال " أين؟ " أما عمرو فبقي على صمته وظل يناظرها من خلال المرآة بعيون إن تحدثت ستحدث فيها جروح لا دواء لها.

✰✰✰✰✰
دعني أخون كبريائي معك، وأبرر لك ذاتي وعن الفراق أردعك، دعني لمرة أكون بقدر الميثاق الذي يجمعنا وبقوة الحلقة التي تحيط إصبعك، إني تائهة وحدي

شريده تحسم قرارها ما بين أضلعك، فلا تناظرني بكل ذلك الجرح وتتهمني في صمتك بأني من أوجعك، فقد بت وحيدة في مواجهتنا المؤجلة فامنحني مساحة لعلي أقنعك، بأني أراك كما لم أرك وبأني متعطشة لأن أسمعك.
✰✰✰✰✰

في خطوط النبض الانتفاضة مهما كانت ضعيفة تمنح الأمل، وفي خطوط الحياة الأمل وحده ما يحدث الانتفاضات

والتغيير، كان فوزي يقود سيارة عمرو التي تركها بربري ورجاله على جانب الطريق سابقًا ولكن بعدما وجدهم بمنزل فادية وأعادهم إليها، لقد دار بينهم شجار حاد انقسموا فيه لأول مرة ما بين أشخاص تريد الرجوع لمنزل عمرو والذي تمثلوا فيه وفي بربري وأشخاص ترفض العوده وقد تمثلوا في ناجح وبدوي أما مخلف فالتزم الصمت كأغلب عادته، كانوا جميعًا متجهمين منفعلين من بعضهم البعض لذلك التزموا جميعًا الصمت ليلف بربري عنقه ينظر لمخلف

وناجح وبدوي الذين يجلسون بالمقعد الخلفي قبل أن يزفر بضيق شديد ويشيح بعينيه تجاه النافذة للحظات ثم يلتفت لفوزي فجأة ويقول بلهفة  " هل هي بخير " قال له فوزي " بألف خير يا كبير، لقد تركت كريمة معها وأوصيتها عليها " تنهد بربري براحة ليقول فوزي " حين وجدت السيارة على هذا الطريق أدركت أنكم ذهبتم إلى شقة فادية الجديدة، فلم يكن لنا ملجأ غيرها " عاد الصمت ليطبق بقبضته الخانقة على أعناقهم ليقول بدوي بانفعال " أنا لا أفهم لماذا تعيدوننا

لهذا الهم مجددًا، ضرب وانضربنا حتى استوينا، تهديد وتجرعنا حتى شبعنا، خطر وقتلة وكنا سنفقد واحد منا، ماذا تريدون أكثر من هذا، أين المشكلة لو كنا بقينا لدى فادية فترة وحين تهدأ الأجواء نفر لأي مكان ونعيشها بالطول والعرض، ماذا سنجني من كل هذا " قال له فوزي بحدة " صحيح الرجولة شحت، يا غبي كيف سنترك كريمة والوتكة هناك هل ليس لديك ذرة دماء " قال له بدوي " أنهما ليستا من بقية أهلي " قال بربري بحدة  " ما دامتا تخصانا ونحن في حكم

الإخوة إذا تخصاك، هل فهمت شيء " قال له بدوي " أقسم بالله لن يأتي بنهايتنا سوى الحريم، افهموني الوضع أصبح خطر، ذلك الضابط كان سيقتلك يا كبير" قال مخلف بجدية " كلام بدوي صحيح " اعترض فوزي باندفاع " لا ليس صحيح، شجار ومر، أنتم لم تروا ما فعله به عمرو باشا لأجلكم، لقد تكلم معه بشدة وطلب مني أن أبحث عنكم وأعيدكم، أنا لم أقابل رجل شهم ومحترم بهذا الشكل من قبل وبصراحه أفكر أن أظل في كنفه " قال له ناجح بثقل " تظل

أين يا عم الحبيب، ركز بالحديث هل تقصد كنف كريمة " قال فوزي " لا كنف عمرو باشا أترى السيارتين اللتين تنطلقان أمامنا جعل الرجال الذين يركبون فيهما تحت امرتي، وأنا أيضا قمت معه بالواجب وحميت حريمه ولا أظنه سيمانع أن أعمل لديه فكريمة قالتها واضحة لن أقبل بك ما دمت تسير في طريق الحرام " قال بربري لفوزي " كل ما قلته هذا تنساه تمامًا، نحن لا مكان لنا وسط هؤلاء البشر، نحن عائدون لأجل كريمة والوتكة وحين تسمح الظروف

سنفر جميعًا نحو بورسعيد وبالذهب التي قالت الوتكة أنه معها سنصرف أمورنا ونسافر ونبدأ حياتنا من جديد بعيدًا عن هنا، هؤلاء الناس لا يشبهونا ولن يتقبلونا لكن قد يفعل آخرون لا يعرفونا ولا يعرفوا شيئًا عن ماضينا، نحن لن نجد فرص هنا، لكن الفرص بعيدًا لن تنتهي " قال له مخلف " من قال أن الفتاتين ستوافقان على هذا الكلام، ألم تسمع عن البحر وكم ابتلع من شباب ولا أحد منا يعرف السباحة " قال له بربري " موافقتهما من عدمها لا تعنيني،

أنا أبحث خلف الصالح لنا ولهما، هنا لم يعد أمان لأي أحد …حتى باقي الناس انظر … يفرون " نظر فوزي للطريق الذي ازدحم بسيارات تغادر مواقع الانفجار وتبتعد عن العاصمة قبل تطبيق حظر التجوال، قال له فوزي بضيق " ولكن عمرو باشا " قال له بربري " من اليوم لا باشا ولا بيه، كل منهم باشا على ذاته، سنأخذ حريمنا وحين نجد فرصة سنرحل أرض الله واسعة " قال ناجح " يبدو أن الأمور سيكون بها حوارات ، كنتوا اتركوني لدي فريال ومروا بي حين تنتهون

مما تخططون له " تنهد بربري بضيق في اللحظة التي لمح فيها فوزي أحد رجال عمرو يشير له ألا يسلك طريق الفيلا ويتبعه..

✰✰✰✰✰.
لو كانت جميع الدروب نهايتها بيت فلمَ مازلنا لا نشعر بالسكن، توقفت سيارة عدي أمام منزل عتيق مكون من طابقين في منطقة شبه نائية وقال " طبعا لم أكن لألجيء لهذا المكان لولا ضيق الوقت فلم

يخطر على بالي سواه، قد يبدو المكان مخيفًا قليلًا ومعزولًا لكنه في الحقيقة منزل أثري " قالت يقين باستغراب " أثري …لأي حقبة ينتمي " قال لها عدي " إنه لأحد أجداد زوجتي والذي كان عضو من أعضاء الجماعات الفدائية، وكان هذا المنزل بمثابة مقر للفدائين ويوجد به بقايا منشورات قديمة تندد بالاستعمار، ومكن طباعة بدائي وحائط شهداء نقش بالدم، بالماضي كان هذا البيت يحاوطه الأراضي الزراعية من كل اتجاه، وبني أسفله سراديب للمقاومة وزوجتي تسعى

بكل جهدها لكي تدفع الدولة لترميمه وضمه للمنشآت الأثرية وقد وعدتها أن أساعدها " نظرت له يقين بانبهار وقالت له " أنت رجل صالح " ابتسم لها عدي بلطف فقالت كريمة " أهم شيء ألا يكون مسكون بأرواح الشهداء، أنا جسدي يشعر بتلك الأشياء ويصيبني الاذى "
قالت لها يقين " لا يوجد شيء يسمى بالأرواح يا كريمة " قالت لها كريمة بثقة " لكن هناك جن هناك شياطين وهؤلاء مثلنا تمامًا يسكنون البيوت والبيت يبدو قديم ماذا لو كان مسكون " قال لها عدي

" لو كان به سكان سيرضون أن يتحملونا حتى نجد مكانًا آخر دعونا نوقف السيارة بمكان لا تلتقطه الأعين وندخل لأن بقائنا هنا ليس آمن " قالت كريمة ليقين بخوف " منذ رأيتك ورأيت معك كل الاشياء المرعبة لم يبق سوى الاسياد، ماذا أقول " ابتسمت يقين بوهن وقال لها " اذكري الله ".
✰✰✰✰✰

بعد قليل ……

كان عدي قد أضاء المكان بمصابيح بدائية لتظهر تفاصيل المكان التي شعرت معها يقين أنها انتقلت لحقبة زمنية أخرى، تحركت يقين وهي تدير رأسها بكل اتجاه كأنها لا تريد أن تغفل تفصيلة واحدة، تحركت دون هدي تتلمس تاريخ وقصص بشر عاصروا حروبًا أخرى وعاشوا واقعًا أخر لينتهي بها الأمر واقفة أمام حائط خط عليه بالدماء العديد والعديد من الأسماء، ذهلت يقين من العدد الذي أشعرها أن وطنها يومًا ما كان يتعرض لحالة إبادة وترقرقت الدموع بعيونها وعواطفها المنهكة تنكمش داخلها في وضع الجنين من شدة جوعها للأمان والاحتواء لتسمع صوت عدي يقول " أحيانًا يبدو العالم قذرًا بشعًا دمويًا لكن مع كل لحظة دموية يولد العديد من الأبطال " قالت له يقين بتأثر " صراع الخير والشر موجود منذ بداية الخليقة " صمت عدي للحظة وقال ليقين " هل الكتاب الذي بيدك هو أبوستولوس " قالت يقين بإنكار سريع " لا، هذا كتاب وجدته بخزانة أبي ولم أعرف لمَ كان يخفيه بكل ذلك الحرص، ولم أعرف بعد دوره فيما يحدث " قال لها عدي " هل

تسمحين لي بتفحصه " نظرت له يقين بتوتر ثم ناولته الكتاب لينظر عدي لعنوانه ويقول " عنوان ملفت " قالت له يقين " هذا ما فكرت فيه شعرت لأول وهلة رأيته أنه جزء من أحجية لكن لم تسعني الظروف للاطلاع عليه " قال لها عدي " أظن أن الوقت مناسب لفعل ذلك، لعلنا نجد شيئًا يساعدنا " قالت له يقين " أتمنى ذلك " جائهما صوت كريمة التي كانت تحاول تنظيف مكان جانبي لتجلس به " كتاب ماذا الذي تقرأوه، هل هو قرآن، ليشغل لي أحدكم على أي

هاتف  إذاعة القرآن الكريم بدلًا من أن نجدهم يدورون بيننا، صدقوني، للبيوت سكان ونحن جئنا دون موعد " نظر عدي ليقين وقال لها بلطف " هلا شرحت لي موقع الآنسة كريمة من المصائب التي تحدث في حياتك " قالت له يقين " إنها أختي "..
✰✰✰✰✰

كان شهاب يتحرك بالسيارة بأحد شوارع منطقة الحلمية وهو ينظر للطريق أمامه

باستغراب ويقول لراوية " هل أنتِ واثقة أننا بالمكان الصحيح " نظرت راوية من النافذة تحاول أن تتأكد أنها لم تضل الطريق وقالت " أنا لم أتِ إلى هنا سوى عدة مرات مع أبي وكان هذا منذ سنوات لكني أحفظ العنوان عن ظهر قلب، إنه كما أخبرتك به " قال لها عمرو بعصبية " نحن نلف حول نفسنا منذ مدة وأعصابنا على المحك والوقت يمضي وحظر التجوال سيتطبق وقد نعلق هنا، إن لم تكوني مدركة لوجهتنا دعينا نرحل لأنه لا وقت لدينا " حدته جعلت الدموع تطفر

من عيون راوية الذابلة وهي تقول  بانكسار " الشوارع تغيرت باتت أكثر قدمًا وشعبية ولكن موقع الشقة كان مميزًا لأنه ….أغمضت عينيها تحاول بأقصى قوتها أن تتذكر لتقول فجأة باندفاع " كان هناك شيء صوفي، لو كانت يقين معنا لعرفت، أنه مكان قديم وملفت " كان شهاب يقظ لكل كلمة تقولها ويتفاعل معها بحركة عينيه التي تحاول الفهم ليقول فجأة " التكية المولوية أهذا ما تقصدينه " قالت راوية وهي تتنفس الصعداء لأنها لم تضللهم أكثر " هي،

هناك مبنى عتيق ولكن راقي قريبًا منه الشقة في الدور الثاني " قال لها شهاب " هل أخبرك والدك شيئًا عن تلك الشقة، ولمَ هي تحديدًا التي شككت أنه وضع الكتاب بها " بكت راوية بأنين داخلي وهي تقول " والدي رحمه الله " شهقت وهي تنطقها لأول مرة فيهدر بها عمرو " مابك؟ " لتمسح دموعها وهي تقول " لا شيء " ثم تأخذ نفس عميق وتكمل حديثها قائلة " والدي رحمه الله أخبرني أن عمي محمود بدأ طريق المجد من تلك الشقة، وحين انتقل منها لمنزله الحالي أصر أن يحتفظ

بها وحولها لمخزن للكتب والمراجع النادرة وكان يرسل والدي إليها على فترات بعيدة إما ليحضر له كتب أو ليضع بها كتب، قال لي أيضًا أن لا أحد يعرف مكانها حتى يقين لكني لم أستغرب فهي على كل حال كانت لا تخرج سوى في أضيق الحدود وعمي محمود كان شديد معها في هذا الأمر، أما لمَ فكرت فيها فلأني …..صمتت راوية فجأة وقالت باندفاع " قف …قف هنا " توقف شهاب ونظر لمدخل العقار الذي توقفوا أمامه وقال " هل أنت واثقة؟ " قالت له " واثقة " ترجل شهاب

من السيارة تبعه عمرو وراوية التي كانت مجهدة لدرجة جعلت عمرو يقول لها بحدة " ابقي في السيارة " قالت له وهي مطأطأة الرأس " أنا أخشى أن أبقي بالسيارة بمفردي " طحن عمرو ضروسه وأغلق باب السيارة بحدة فتحركت تتقدمه وهي تشعر به يحلق من خلفها كسرب من الأماني التي سوف تشرد وتتشتت فيلتوي قلبها وهي تصعد السلم خلف شهاب درجة تلو الأخرى ورغم وهنها وبطء خطواتها لم يتقدمها عمرو حتى وصلا للطابق الثاني فالتفت شهاب ينظر

لها ويقول " هل هذه الشقة " تنهدت بحزن وقالت " هي وما جعلني أشك أن الكتاب هنا أني حين ذهبت لأستلم متعلقات والدي وجدته فصل مفتاح الشقة ومفتاح آخر عن مفاتيحه ففكرت أنه ربما كان سيمنحهم لك لتأتي إلى هنا وتجد الكتاب " شعر شهاب بمنطقية ما تقول فناولته المفتاح فأخذه منها وفتح الباب ثم ولج إلى داخل الشقة التي كانت كما وصفتها راوية مخزن للكتب، فقد كانت الكتب مكدسة بكل إتجاه يغطيها الغبار قال عمرو بعصبية " نحن إن فكرنا

أن نبحث عن الكتاب بين هذه الكتب نحتاج لأسابيع على أقل تقدير " نظر شهاب حوله بتدقيق وقال " وإن بحثنا لن نجده فهناك من سبقنا للمكان " ضيق عمرو عينيه وسأله " كيف عرفت " قال له شهاب وهو ينحني أرضًا ويشير لأثر أقدام " إذا فرضنا أن هذا الأثر الحديث لممدوح صدقي حين جاء ليخفي الكتاب هنا، فلمن هذه الأثار " أشار شهاب على بعد قريب إلى أثار مختلفة تمامًا دفعت عمرو ليقول " إذا المكان ليس آمن دعنا نرحل " نظر شهاب حوله ولاحظ بعض

الفوضى الخفية في تنسيق الكتب كأن من كان بالمكان حاول أن يخفي أي أثر لوجوده، بدأت راوية تكح بسبب التراب الذي يملأ المكان فأخرج عمرو من جيب سترته منديلا وقال لها بعصبية " ضعيه على أنفك وتحركي لنخرج من هنا " تحركت راوية عدة خطوات ثم وقفت والتفتت تقول لشهاب " هل تظنهم وصلوا للدرج" قال لها شهاب " أي درج أنا لا أرى أثاث " قالت له راوية أنه درج سري داخل المكتبة الخشبية وجدت أبي قد فصل مفتاحه مع مفتاح الشقة عن باقي

المفاتيح " قال لها شهاب بتأهب " مادمنا هنا دعينا نتأكد " أخرجت راوية من حقيبتها المفتاح وتحركت ترشد شهاب ليتبعها عمرو بتجهم حتى وصلوا أمام المكتبة الخشبية الموجودة بأحد الغرف فظلت راوية تعد الارفف من أسفل لأعلى ثم من اليمين لليسار حتى مدت يدها وسحبت كتاب وقالت لشهاب " من المفترض أن يكون موضع المفتاح أسفل هذا الكتاب لكنه خفي، حاول إيجاده كان والدي يفتحه أولًا بيده لكني كنت صغيرة والرف لم يكن في مستوى نظري فلم أر

كيف كان يفتحه ولا أتذكر شيء أكثر من ذلك " نظر شهاب لمكان الكتاب فلم يجد شيء فأزال باقي الكتب عن الرف بعنف وبدأ يمسح الغبار بيديه ويتحسس بروز الرف ويدق عليه ثم انفعل وحاول أن يكسره فلم يستطع ليقول له عمرو بعصبية  " ماذا تفعل أنت الآن" فيجيبه شهاب بانفعال " أحاول " أمسك شهاب الرف بقوة وبدأ يسحبه للخارج ليقول له عمرو " إذا خرج هذا الرف بيدك ستنهال عليك المكتبة بأكملها وستموت أسفلها " لكن شهاب لم يكن واعيًا لما يقول وهو

يحاول مع الرف حتى شعر ببروز طفيف في حافة الرف كأنه كسر بسيط جدًا محال أن تلاحظه العين فضغطه ودفعه للخلف ليظهر ببساطة موضع المفتاح فيدخل شهاب المفتاح به ويديره ليسقط من أسفل الرف مكان خفي يمد شهاب يده نحوه ويسحب الكتاب الذي بداخله ليقول بعدم تصديق " أبوستولوس، أنه هو " نظر عمرو للكتاب كأنه ينظر لقنبلة وقال بتوجس " لنرحل، هذا الكتاب تسبب في كوارث لنا ولم يكن بين أيدينا فماذا سيفعل بنا وهو معنا، تحركا " بعد

لحظات كانوا جميعًا يخرجون من العقار ويتحركون نحو السيارة غافلين عن الأعين التي رصدتهم ورصدت الكتاب الذي بقبضة شهاب..

✰✰✰✰✰.
لا شيء قد يوهن الأنثى كاحتياجها للحنان، فالمرأة ليست إلا عاطفة تسير بخطى متعثرة على خط دقيق من مشاعر يتمحور سعيها بأكمله في إيجاد مدار دافيء مستعد للانغلاق من حولها وعصرها حتى

تمطرعيناها ذرات الحزن العتيق العالقة بروحها قبل أن تميل برأسها على كتف صلب مستعد أن يتحمل ميلها عليه حتى نهاية العمر.
✰✰✰✰✰

في منتصف الحزن حيث يبلغ كل شيء ذروته ونصبح منهكين إلى درجة تجعل فرارنا النفسي أثقل ما يكون يقيننا بكل شيء يتزعزع سوى بالدمعة التي لا تفارقنا غافلين أن الحزن حين الوصول لقمته

يبدأ الانحدار شيئًا فشيء، وحينها فقط يغمرنا الاستيعاب والتقبل و يجتاحنا الهدوء وتتضح الرؤية التي تخبرنا أن الحياة والحلول لم تنته بعد، مر الوقت وعدي ويقين يقرأن كتاب والدها بينما تجلس بينهم كريمة بفيه مفتوح من الطلاسم التي تستمع إليها، كل كلمة خطها والدها فاجأتها.. أبهرتها.. أحزنتها لدرجة أنها كانت تركض ما بين السطور بقلبها الذي ما بين الشوق واللوم يحن إلى الماضي دون توقف ليقول لها عدي بذهول " لقد رأيت الكثير والكثير من

أنماط الكتابة الثورية، لكن والدك كان ضليع، كيف واتته الفكرة لكتاب كهذا " هزت يقين رأسها وقالت " كان عظيمًا في كل شيء " قال لها عدي " أتفهمين الفكرة التي قام عليها ذلك الكتاب " قالت له "منذ قرأت اسمه وتساورني فكرة الفكر المضاد " قال لها عدي " بالضبط …..انظري والدك يسرد التاريخ وما يحمله من تطرف فكري، لأول مرة لا يكون التطرف الديني هو محور الكون، لأول مرة لا يصبح الدين مشجب لكل متطرف دموي، بل أفكارهم التي أوجدوها

ثم عملوا على أن يعظموها فأضافوا لها تاريخ أسطوري يخدم دوافعهم " قالت له يقين " التطرف الفكري كان دومًا ضعيفًا يفتقر لقوة العقيدة ولذلك كانوا يلجأون للدين ليجدوا التوازن الذي يمنحهم القوة، لكن مع مرور الزمن وتغير الفكر البشري ونضجه أصبحت طريقتهم في إيجاد مواليين لهم غير مجدية لذلك سلكوا اتجاه جديد، اتجاه سفسطائي بحت " وقف عدي وقال لها بحماس " بالظبط مثل رون هوبارد كان كاتب غزير الفكر، له فكر عميق ومغاير ويستحق

التمعن والنظر ولكنه بدلًا من أن يسعى لخدمة البشرية بقدرته الإبداعية هذه لا أفهم ماذا حدث له، كأنه وصل لحالة غير مفهومة دفعته ليحول فكره لديانة تعرف بالسيانتولوجيا بل وأشرف على إقامة كنيسة لها والآن ها هي تعد منظمة عالمية، تخيلي معي ديانة أسسها كاتب خيال علمي تعرف بها دولة كأميريكا وتقابل ديننا السماوي بالاضطهاد والاتهامات " قالت كريمة بانفعال " استغفر الله العظيم، رجل أسس لذاته دين، اذكروا الله وإلا سنحترق في ذلك

المكان المسكون " تلفتت كريمة حولها برهبة لتقول يقين بتفكير " بالظبط أتعرف أن والدي كان يحدثني دومًا أن أخطر صور السفسطة التي يعيشها الواقع العربي المعاصر ما نراه من المواقف المتناقضة للأنظمة السياسية والمؤسسات الإعلامية والثقافية وبعض المثقفين تحديدًا الذين يقفون في صف الأنظمة السياسية للدفاع عنها في مواقف جوهرها سفسطائي، معبر عن الأنانية الذاتية والقسور الفكري في معرفة الحقيقة أو العجز الشامل عن

اتخاذ الموقف الصائب في الزمن المناسب لمناصرة الحقيقة " قال لها عدي " بالضبط نحن مخترقون بهذا الفكر منذ زمن والأن يريدون أن يسيطروا علينا بالكامل لكن ولأن فكرهم قائم على الطابع الفكري المنظم يجب أن نجد الكتاب لندرك منه الرؤية الكاملة للتحركات التي أخذوها والتي سيقبلون عليها " قالت كريمة " يكفي ….يكفي لقد تعبت، هل هذا كلام أم تعاويذ توقفا أنا قلت لكما أن جسدي معرض للأذى بالفعل " تنهدت يقين بعجز شديد وقالت

" لم يعد هناك ما يقال يا كريمة إذا لم يظهر هذا الكتاب " نظر عدي لوجه يقين المجهد وشعر بإحباطها الشديد فقال " دعونا نغير الموضوع إذًا " قالت كريمة " يا ليتك تفعل فرأسي دارت بي " نظر عدي ليقين بتردد لم يظهره وقال " يقين " نظرت له يقين بتساؤل فقال لها " كنت متحمس أن أعرف قصتك مع شهاب، كيف اجتمعتما وكيف تفرقتما والشيء الذي أفقدني أخي الذي أعرفه حتى وهو بجواري لعامين " أسبلت يقين أهدابها وفركت كفيها وشعرت أنها أوهن من أن

تفتح دفاتر الماضي علنًا فيكفيها أنها لم تغلق بداخلها يومًا لتغمض عينيها بشكل يعكس صراعها النفسي ليتبادل عدي وكريمة النظرات الحائرة وهما يجلسان أمامها بترقب انقلب لوجل حين استمعوا لصوت سيارة تقترب وتتوقف أمام الباب، هزت يقين رأسها بتساؤل هلع ليشير لها عدي بألا تصدر صوت ويتحرك نحو الباب الذي بدأ يطرق بعنف جعل كريمة تقف وتحمل المقعد الذي تجلس عليه كما لو أنه درع حماية، ليقترب عدي من الباب ويسأل بجدية " من ….من

بالخارج " فتمر اللحظات مميتة قبل أن يأتيهم صوت من الخارج يقول " أنا " فتتوسع عيون يقين بصدمة بالغة حين تعرفت على صاحب الصوت.
✰✰✰✰✰

قبل قليل ……..

كان شهاب يقود السيارة وهو يقول لعمرو " إلى أين سنتجه الآن" قال له عمرو " أنت قلت أننا إذا أوصلناك

للكتاب ستحل الأمور وها هو الكتاب بين يديك، لذلك أعدني وزوجتي للمنزل واذهب حيثما شئت المهم أن تنفذ كلمتك وتنهي هذا الجنون " قال له شهاب " ألا تظن أنك تحتاج لمكان أكثر سرية وأمان من المنزل، أنا أدرك قدرتك على حماية نفسك وعائلتك لكن بعد ما حدث اليوم سيكون عليك الحرص أكثر " صمت عمرو بتفكير ليقول له شهاب وهو يضيق عينيه " كم الساعة الآن" التفت له عمرو وقال بنزق " لماذا تسأل " قال له شهاب الطريق هاديء أكثر من اللازم هل دخلنا

في توقيت حظر التجوال " نظر عمرو للساعة التي بمعصمه وقال " لم يتبق سوى القليل، لربما حالة الزعر التي حدثت اليوم جعلت المواطنين يلزمون منازلهم من قبل ساعات الحظر " قال له شهاب " إذا السيارة التي تسير خلفنا لا تتعقبنا ولكنها تسرع لتفادي ساعات الحظر " التفت عمرو ينظر للسيارة التي تسير خلفهم وقال لشهاب " زد من سرعتك " زاد شهاب من سرعة السيارة لتزيد السيارة من سرعتها هي الأخرى فتشهق راوية بهلع وتحتضن بطنها البارزه

فيصرخ بها عمرو " لا تخافي " ثم نظر لشهاب وقال له " خذ أي طريق مغاير لوجهتنا " صب شهاب تركيزه على الطريق وأخذ أول ملف واجهه بسرعة جعلت السيارة تميل قبل أن تعود لاتزانها وهي تنطلق لتأخذ السيارة التي خلفه نفس الملف بنفس القوة وتتبعهم فيصرخ عمرو به " إنهم خلفنا، الاوغاد كيف وجدونا " قال له شهاب " مؤكد الشقة كانت تحت أعينهم لكن كان من الصعب أن يحاصرونا في منطقة كالحلمية لذلك تركونا نتحرك إلى مكان يستطيعون به

حصارنا " هدر به عمرو " والحل " أخرج شهاب الهاتف الذي أعطاه له دياب وهمّ في طلبه ليبدأ الرنين ويبدأ المشهد يتغير …رنين الهاتف ….طنين بالأذن ….جنون بالنبض ….وشعور بالموت وبمجرد أن وصل شهاب صوت دياب يقول " شهاب هل حدث معك شيء " ظهر على بعد أمتار تستطيع أن تقطعها إطارات السيارة في ثواني، جسد طويل ورفيع يحمل على كتفه سلاح ثقيل ويقف في مواجهة السيارة بثبات المشهد أخرس شهاب من عنف الصدمه لكنه دفع راويه لتمد

ذراعيها من خلال المقعد وتتمسك بعمرو بقوة ثم تغمض عينيها وهي تشعر أنها لحظة النهاية لكنها لم تشأ أن ترحل مثقلة بذنبه لذلك قالت ببكاء " عمرو سامحني، إذا كانت هذه أخر لحظات عمري فلا أتمنى شيء سوى أن تسامحني، لكن ليس لخيانة فأنا لم أخنك أبدًا، ولكن لأني حين دخلت حياتي لم أصارحك أني كنت"  لم تكمل كلامها وحديثها  تحول لصراخ وأظافرها تغور في جلد عمرو الذي أحكم قبضته على يديها يشد عليها في لحظة عاطفية بحتة مجردة

من المنطق والنهاية التي تقترب قد زلزلت ثباته لتعلو صرخة شهاب الذي وجد أنفاسه أخيرًا وهو يجيب على دياب " القاتل هنا ويحمل سلاح ثقيل ويستهدف به السيارة لأنه يدرك أني وجدت الكتاب "
✰✰✰✰✰

انتهى الفصل قراءة ممتعة للجميع ❤️ ❤️



















مابين السطور رجل ( شهيرة محمد) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن