الفصل السادس عشر

579 41 18
                                    

المسبار ………

إني سئمت العقلانيات وبت في حاجة إلى عناقك، فاغمرني بقوة تمحي من بين أضلعي تبعات فراقك، إني أعاني دون ذراعيك فشد من حولي جنون وثاقك، إني سئمت برود حضورك الخادع وأتلهف لتحرقني بنيران أشواقك، هناك شيء في صدري يقتلني لهفة إلى لحظة يتجدد فيها في العشق ميثاقك، يدفعني بقوة لأركض وأركض حتى أنهي في درب المحبة سباقك، فقل لي لمتى سأبقى تائهة أنتظر ولمتى ستظل في عيني متوغلة ووعرة آفاقك …….

✰✰✰✰✰

يقال دائمًا أن لكل شعور وجهان أحدهما ستدركه قبل أن تسقط في فخ التجارب وأحدهما ستسعى لاستيعابه بعدما تفترسك الحياة وفي كلا الحالتين ستظل عالقًا في حالة من التأرجح ما بين معرفة مضت وفطنة أتت وسيغيب عنك حقيقة أن كل ما يحمل وجهين في هذه الحياة قابل لأن ينقلب وما بين انقلابة وأخرى تتحطم الثوابت وتطرأ المتغيرات ويصبح عدد الوجوه بلا نهاية وتصبح ذاتك المنهكة هي الضحية التي قتلها الوعي، التفت شهاب نحو دياب الذي أخذ سعاله يشتد ويشتد حتى كاد أن يسقط أرضًا فأسرع نحوه وأمسكه بقوة وهو ينظر له بصدمة بالغة ويقول " ماذا حدث لك!، من فعل بك هذا؟، وكيف وصلت إلى هنا؟ " حاول دياب بصعوبة أن يتوازن وهو يشعر بأن كل عظمة من عظامه ليست بمكانها ونظر ليقين التي توترت من حضوره المفاجئ ونظراته المتفرسة وقال " الآن بات كل شيء واضحًا كما الشمس، أتدري أن أفعالك المبهمة جعلتني أشك بك يا رجل، لقد فكرت للحظة أنك ربما ذو ميول غير سوية وواقع في حبي بشكل أو بآخر ولذلك تراقبني وتنفعل عليّ، بربك لمَ وضعت نفسك بهذا الوضع المريب في عيني ألم تكن الحقيقة أسهل، يا رجل لقد كنت تعاملني كأني عدوك وأنا كالأحمق أحاول تحليل الأمر وفي النهاية أقول ليس بيدي أن أبادلك نفس الشعور " هدر شهاب به وهو يدفعه بعيدًا عنه " أيها الوغد أجئتني شبه ميت لتجعلني أقضي عليك " استند دياب على سيارة عمرو الواقفة جواره محاولًا التماسك قدر استطاعته فقد كان مستنزفًا لآخر رمق تكاد رؤيته للجانب الأيسر من المكان تكون معدومة بسبب تورم عينه وكدمات وجهه وقال وهو ينهت " كنت أخبرني أنك تحب ابنة محمود الحوفي وتغار لأني توليت عنك العمل مع والدها وأخذت مكانك وكنت سأخبرك أني لم أقابلها مطلقًا ولم أرها سوى في المقاطع المسربة لفضيحة المؤتمر، ماذا هل خشيت أن تعجب بي وتنساك، معذور فأنا لي طلة لا يستهان بها " انفعل شهاب وهمّ بالاندفاع نحو دياب وهو يقول " لا يوجد بك موضع سليم لأضربك به أيها الوغد " ليحول عدي بينهما وهو يقول لأخيه " شهاب انفعالك المستمر هذا سيفقدك عقلك، الرجل يكاد يقف بشق الأنفس فدعنا ندخله ولا تبالي بما يقول، فهو يبدو في حالة صدمة وقد حدث له الكثير " قال له شهاب " بل في حالة سماجة لا تفارقه منذ عرفته " تحرك شهاب نحو دياب ورفع ذراعه فوق كتفه بعنف شديد جعل دياب يقول " اقتلني وحقق أمنيتك " فقال له شهاب الذي يرمق يقين بنظرات عاصفة " ليس قبل أن أفهم كيف وصلت إلى هنا " التفت دياب ينظر ليقين وقال له بصوت مكتوم من الألم " لقد حاولت التقاط أي عودة للشبكة العنكبوتية ومن خلالها تتبعت بصعوبة موقع هاتفي لأن الاتصال لم يكن مستقر، وحين وجدت أن هذا المكان آخر مكان تواجد به الهاتف ولساعات راودني شك أن تكون الجماعة قد تخلصت منك وألقتك هنا نظرًا لنأي المكان فجئت لأفهم لمَ قد تتواجد هنا " اقترب شهاب من الحائط الذي علقت عليه يقين أوراقها وهمّ بإجلاس دياب بجواره ليقف دياب مذهولًا ينظر للحائط قبل أن يلتفت لشهاب ويسأله " أين وجدت ابنة الحوفي ولمَ لم تخبرني بذلك " ارتبك شهاب ومال يساعده على الجلوس فاستند دياب على الحائط حتى جلس أرضًا ورفع رأسه للأعلى بتعب شديد ثم أخرج سلاحه الذي كان يضعه للطوارئ بالسيارة من أسفل سترته حيث كان يثبته ما بين بنطاله وخصره ووضعه أرضًا بجواره لكن أبقى يده عليه ثم قال" أنت تعمدت ألا تخبرني أنك وجدتها أليس كذلك؟ " جلس شهاب القرفصاء أمامه وقال بلهجة حادة رغم خفوتها " بل لم تأت فرصة مناسبة لأخبرك، فيوم وجدتها أصبحت مشتبه به لا أملك فرصة لأساعد نفسي أو أساعدها فماذا كنت تنتظر مني أن أفعل!، الفتاة مظلومة مثلي تمامًا ولا علاقة لها بما يحدث بالخارج ولو كان لدي دليل واحد أن القيادات ستعاملها من هذا المنطلق لسلمتها بنفسي لصالحها قبل صالحي لكن حالة التخبط التي تلف الداخلية تجعل الجميع موضع اتهام دون دليل " قال له دياب وصدره يعلو وينخفض بشكل ملحوظ " البلد باتت دمار شامل، لقد اقتحموا الكثير من المنشآت العسكرية، واتخذوا من قصر البارون مركز لهم، البلد في حالة حرب أهلية وأنت لديك كتابهم ولديك الفتاة التي يبحثون عنها، قل لي أنك وجدت حلًا لنقضي عليهم " فرك شهاب وجهه بتعب شديد وقال " أحاول، أحاول بشكل يجعلني منفلت الأعصاب من شدة الضغط، ولكن حتى الآن لم أصل لحل مناسب " نظر له دياب نظرة متوغلة في أعماقه وقال " هل فكرت في استغلال ابنة الحوفي وزرعها بينهم لصالحنا " نظر شهاب نحو الباب كأنه يخشى أن يصل هذا الحديث لأذن يقين ويزيدها تشبثًا بقرارها المميت ثم نظر لدياب وقال هادرًا بخفوت " لماذا يتحدث كل من حولي بنفس المنطق، أرسل من وأين؟، يقين تذهب بقدميها لجماعة أبوستولوس، هل تعرف تلك الفتاة جيدًا، لا … أنت لا تعرفها إنها لن تستطيع أن تفعل ذلك، فهي بريئة كطفلة، لا تستطيع إدراك دواخل البشر أو حماية نفسها من شرورهم في المواقف العادية فما بالك بنكبة كالتي نعيشها، إنها لا تستطيع أن تكذب أو تثور أو تطالب بأقل حقوقها أو ان تتمسك بما تريد أو أن تواجه، إنها تحتاج للحماية دومًا وبشكل مغيظ، هذا ليس قرارًا صائبًا هذا قرار بموتها ولن أقبل به " تحولت نظرة دياب لنظرة تهكم وقال " إن كنت تتحدث بذلك الانفعال من مبدأ خوفك من فشلها فنحن بأمن الدولة نملك كفاءات تستطيع إعدادها لهذا الأمر، وإن كنت تتحدث بذلك الانفعال خوفًا عليها فدعني أذكرك أنه في الوقت الحالي لا يوجد مخاوف أعظم من أمن هذه البلد، جميعنا فداء للوطن وليس لأحد منا الأفضليه عليه، تذكر من أنت وتعامل مع الموقف بصلابة ومهنية لأنه لا خيار أمامك، فأنت هكذا تحيد عن مسارك يا حضرة الضابط " هز شهاب رأسه بعنف وقال " سيقتلوها وأنت تعلم ذلك " قال له دياب بغضب تجعدت له ملامح وجهه المكدومة بعنف " جميعنا سوف نموت في أي لحظة إن تمكن هؤلاء الحثالة من البلد، اعتراضك لم يعد له داعي، فقد قضي الأمر" ضيق شهاب عينيه وقال له " ماذا تعني بقضي الأمر " نظر دياب في عينيه بقوة وقال " لقد أرسلت رسالة لوالدي بالموقع وطلبت منه إرسال قوة أمنية، وفي أي لحظة يعود اتصال الشبكة للهاتف ستصله الرسالة هذا إن لم تكن قد وصلته بالفعل لذلك دعني أخبرك أنه بقي أمامك دقائق لتختار دورك بهذه الحرب فإما محارب أو عاشق ولكن نصيحة مني إن تنازلت عن دورك كمحارب فلن يكون لك دورًا أبدًا فالعشق ليس للجبناء، فلا تضع ذاتك في وسط خسارة فادحة، تذكر قسمك ونحِ كل شيء دونه عن رأسك " تجمدت عيون شهاب في حضرة الكلمات التي وضعته أمام ذاته في مواجهة غير عادلة ولكنها محسومة لصالح الوطن.

مابين السطور رجل ( شهيرة محمد) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن