"مواجهة الوحش"

31 27 7
                                    

قد تبدو الحياة أحيانًا وكأنها مشروع فني، يتطلب منا فهمًا عميقًا للدروب الداخلية التي تمتد في أعماق الروح. وفي ذلك اليوم الذي قلبتُ فيه صفحة الماضي، واجهتني مواجهة لا تُنسى مع وحشي الخفي.

في مقصد المدرسة، حيث كانت الألوان الداكنة تلوِّن جدران الذكريات، كان ينتظرني ذلك الاستاذ الذي خلَّفَ أثراً أسوداً في قلبي. دخلت الباب بخطوات حذرة، وكأنني أعبر عتبة الجحيم.

كانت غرفة الدرس هادئة، والتلاميذ مشغولين بأشياءهم الصغيرة. وقفت اللحظة لأتأمل، لكن الهدوء لم يدم طويلاً. صوته البارد يعلو الفصل، "هل تظن أنك ستفلت من عقابك؟"، لم يكن لدي خيار سوى أن أرد بنعم بصوت همسي.

بدأ يلقي كلمات حادة كالسيوف، يرميني في محيط الألم. تحدث عن التقصير والسلوك السلبي، وبينما كان يخرج الحروف من فمه، كنت أشعر كأن وحشًا غريبًا يمزق روحي.

في البداية، كنت أحاول التفاف هذه الكلمات السامة، ولكن كل جملة كانت كسهم يخترق قلبي. أدركت أن لا مفر من هذا الاعتراف القاسي، كان عليّ أن أواجه الوحش الذي خلف بصماته السوداء في كل زاوية من حياتي.

لم أعلم كيف تحولت المحاضرة إلى استجواب ذاتي، توجيه اللوم إلى نفسي كان أقسى من أي عقوبة يمكن أن يفرضها عليّ. حينها، أدركت أن الوحش الحقيقي كان داخلي، في تصرفاتي السلبية وتفكيري الضبابي.

لم يكن هذا اليوم مجرد مواجهة مع الأستاذ، بل كانت مواجهة حقيقية مع نفسي وماضيي المظلم. تدرجت بين زوايا الندم والانعكاس، حتى وصلت إلى قاع الوحش الداخلي.

بعد الاستجواب الداخلي، بدأت أستوعب أن الخطأ لم يكن فقط في تصرفات الآخرين، بل في كيفية رؤيتي وتعبيري عن تلك التجارب. تحولت معركتي من الدفاع عن النفس إلى التفكير في النمو والتحول. كانت هذه

المواجهة مع الأستاذ وكشف الحقائق القاسية كانا كفيلين بفتح أعيني على الواقع المؤلم. وجدت نفسي واقفًا أمام المرآة الداخلية، أحاول أن أدرك كيف وصلت إلى هذا الحد، كيف كنت أسمح للوحش داخلي بالتسلط على حياتي.

بدأت أستوضح اللحظات التي تسببت في تحولي، وتوجيه نظرة صارمة لتصرفاتي السابقة. لم يكن الأستاذ هو الوحش الوحيد الذي واجهته، بل كان عدة وحوش تسكن داخلي، كانت تجمع بين التشكيك في الذات وتصرفات الانعزال.

تذكرت ذلك اليوم المظلم الذي ألقيت فيه بظلال الاتهام والتشهير. لم تكن هناك سوى بضع كلمات، لكنها كانت كفيلة بتحول الصورة الجميلة إلى لوحة من الألوان المظلمة. لقد أدركت أنني كنت قد صنعت من الضياع مأساة خاصة بي.

وفي ذلك السرادق الداخلي، بدأت أراجع علاقاتي وكيف أثرت على مسار حياتي. كنت أحاول أن أجد الخيوط التي تربطني بالوحوش التي خلقتها بنفسي، وكيف كنت أجعل من الصعب على الآخرين فهم طبيعتي.

أدركت تدريجيًا أن القوة ليست في إيذاء الآخرين أو في تجنب المسؤوليات، بل في التعايش مع التحديات وتحويل الظلام إلى ضوء. كنت أعلم الآن أن الشجاعة لا تكمن في القوة الظاهرة فقط، ولكن في قدرتنا على التحدث بصدق حتى عن الضعف.

أنهيت تلك المواجهة الداخلية بالقرار الثابت بأن لا أكون أكثر ضراوة من الحياة نفسها. كنت قد تعلمت الدرس بالطرق الصعبة، والوقت قد حان لتحول الصفحة والنظر إلى المستقبل بتفاؤل.

لم يكن الوحش في الأستاذ وحده، بل كان جزءًا من تحديات الحياة التي قابلتني، والتي تشكلت لتصقل شخصيتي وتعلمني كيف أكون أفضل إصدار لنفسي. الآن، أنا هنا مستعدًا لمواجهة الغد بروح جديدة، ورؤية الضوء حتى في أعماق الظلام.

فصل الأملحيث تعيش القصص. اكتشف الآن