المرحلة الثانية

76 12 3
                                    

جلست الصديقتان مع بعض في مطعم الجامعة ذلك الصباح وكانت صفية تلقن ماريا الخطوات وتحفظها بينما الأخيرة ترتعش قلقا كأنها ذاهبة لمنصة الإعدام ، حين وقف أمامهما فجأة شخص ما ، نظرتا معا إلى يوسف الذي وقف بجانبها دون سابق إنذار وقال : هل يمكنني الجلوس معكما ؟

اتجهت كل العيون نحوهم ، يوسف البارد الوسيم الذي حتى صفية جميلة الجامعة لم تظفر بحبه واهتمامه يتجه بنفسه إلى فتاة .. كان ذلك حدثا غريبا بصفته  نجم صفوفه والجامعة كلها تقريبا ، فقامت صفية من مكانها قائلة بارتباك : آه .. لقد شبعت أنا سأترككما

حاولت ماريا التشبث بها برجاء أن لا تتركها وحدها لكن دون فائدة ، هنا جلس يوسف أمامها مبتسما وكأن ذلك الإنسان البارد الجامد يختفي تماما كلما تواجد حولها ، في المقابل هي ارتفع الغيظ إلى أعلى رأسها من تصرفه ، كيف يمكنه أن يأتي بكل وقاحة ليتغزل بصديقة حبيبته السابقة أمامها ، أين يمكن أن يصل مستواه من الحقارة ، وهي لم تكن تعرف شيئا للأسف المسكينة ، وأخرجها من أفكارها حين قال : أمس .. غادرت بدون كلمة

ردت بصوت يقطر حقدا : شعرت بأن الهواء انقطع عني ولو لم أذهب لاختنقت

استغرب ردها لكنه ظل يرمقها بتلك الابتسامة الجميلة وقال : هل أنت بخير الآن ؟

ـ لا أعرف لماذا صار الهواء ينقطع عني هنا

ـ إذا لم تكن لديك أي حصص ، يمكننا أن نخرج لتستنشقي بعض الهواء في الخارج

ـ هل تعتقد بأني منحرفة ما ؟ تريد أن أخرج معك منذ أول يوم ؟ ألم تستطع أن تصبر لبضعة أيام على الأقل

تبعثرت الحروف في فمه فبلع ريقه وقال متلعثما : لـ.. لم أقصد شيئا ، فكرت في أن تتنفسي قليلا .. لأنك ..

لكنها قامت ترمقه بنظرة حاقدة وقالت : أستطيع أن أستنشق الهواء بنفسي

تركته خلفها مصدوما للمرة الثانية .

كانت صديقتها توبخها بعد ذلك مرة اخرى تريد أن تمزق شعرها وهي تردد : " يا ربي حمااارة " كم مرة شرحت لك ودرست

لكن ماريا صاحت بغيظ : لم أستطيييييع تمنيت أن أمسكه من عنقه وأخنقه ، " نسونجاااي "

قررتا في المساء تصحيح الوضع شيئا ما فاتجهت ماريا نحوه على مائدة الطعام في المطعم بينما يتعشى ، عندما وجدها أمامه تسارعت ضربات قلبه وقرر أن يصمت و لا يقول أي شيء يخرب الوضع فأرغمت نفسها أخيرا على أن تخرج تلك الكلمات قائلة : غدا .. هل تستطيع أن تذهب معي .. إلى مدينة الملاهي ؟

لم يستطع أن يرمش عيونه لشدة صدمته فحرك رأسه بصعوبة موافقا ، هنا استدارت لتغادر غير أنها ما كادت تبتعد إذ به يسرع نحوها وأمسك يدها ، نظرت في عيونه متفاجئة وقبل أن تتذمر من فعله قال : هل تستطيعين القدوم بمظهرك الاعتيادي .. غدا ؟

ـ آه ؟؟؟

ـ أقصد .. بدون هذه المساحيق الغريبة والثياب التي لا تشبهك

سحبت يدها من يده وردت مستغربة : لم أفهم

ـ لا أفهم لماذا غيرت من نفسك لكن ، تعجبينني كما كنت في السابق وعلى طبيعتك

لم تستطع أن تفهم مغزاه فسارت لتبتعد مصدومة ، اعتقدت أنه تقرب منها أساسا بسبب هذا المظهر الجديد ، أيضا .. كيف يعجبه مظهرها القديم ، اعتقدت بأنه لا يعرف حتى بوجودها على الأرض في السابق .

جاء الغد وبينما ينتظرها خارج الجامعة بدت عليه صدمة بالغة حين تقدمت منه بفستان ضيق طويل ومساحيق حتى أكثر من أمس ، كانت ترمقه بنظرة ماكرة كأنها تتعمد إغاظته وتذكرت قول صديقتها أمس حين أخبرتها بطلبه قالت لها بأنه يتلاعب بها ، يريد أن يظهر بمظهر الشريف الذي لا يهتم بالمنظر لكن لا أحد سيهتم بمنظرها الطبيعي ، لم يستطع يوسف أن يقول شيئا فسارا معا وهي لا تستطيع المشي بهذا الفستان الضيق ، عندما وصلا حاول أن يتصرف كما تملي عليه الشهامة والمنطق أن يدفع للألعاب التي تريد أن تجربها لكنها كانت ترفع يدها في وجهه بكبرياء وغرور ترفض أن يدفع من أجلها أي شيء فتقول : احم .. سأدفع بنفسي من فضلك

فكان يصمت ويسايرها ، عندما جربا كل شيء تقريبا وبينما يسيران عائدين في الممر الذي كان ممتلئا بالناس شعر بعدم الارتياح من المارة فكان يغطيها كل مرة بجسده حتى لا يصطدم بها الرجال الآخرون ، لكنها لم تفهم ما يفعله لأنها لا تملك أي خبرة مع الشباب واعتقدت بأنه يتعمد تلمسها لأنه كما أخبرتها صفية زير نساء ذا عيون زائغة فضاقت نفسها بها لكنه توقف حين ابتعدا عن الممر وشاهدت محلا للتذكارات فنسيت أمره وقررت شراء تذكار لصفية ، لطالما أرادت أن تذهب معها هي إلى الحديقة ، ستكون سعيدة به ، وبينما عيونها تبرق مع التذكارات اللطيفة ، كانت عيون يوسف في مكان ثاني .. في شاب منحرف خلفها كانت عيونه في جسدها يقترب شيئا فشيئا يريد أن يلامسها وقبل أن يلتصق بها بقذارة جذبها يوسف من خصرها نحوه ليبعدها عن ذلك القذر بينما رمقه بنظرة حادة مخيفة تريد أن تأكله ، فشعر الآخر بالخوف وقد ظن أن ماريا وحدها وابتعد مسرعا ليهرب وقبل أن يتسنى ليوسف أن يبتعد عنها أو يفعل أي شيء دفعته عنها بحدة ، فوجئ من فعلها وقبل أن يفهم صاحت في وجهه بغيظ : منذ دخلنا وأنت تتلمسني ، إنك تقرفني

واستدارت لتغادر غاضبة ناسية أمر الفستان الضيق ومع أول خطوة انشق الفستان من الاسفل وحتى أعلى الركبة وتعثرت إثر ذلك فوقعت وقعة لن تتمناها حتى لعدوك ...


انتقام امرأةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن