حقيقةٌ وتَخَلَّي

568 64 150
                                    

وجوه كثيرة، أصوات أحاديث جانبية، فساتين ملونة وضخمة تعيق الحركة، وأنا أسير بسرعة في الأرجاء بحثاً عن أي ملامح مألوفة، عيناي معلقة بين الطريق المكتظ بوجوه غريبة بعضها تملك شوارب ولحى ، أخرى مساحيق التجميل، والريش المتدلي من أعالي التساريح، وذلك السقف العالي ذو الطلاء الأزرق والتفاصيل المرسومة وكأنه يحكي عن معركة ما، زخارف ذهبية في كل الأرجاء!، وبين كل هذا وذاك هذه النجفة الضخمة البراقة بضوئها الدافئ والحالم والتي أنستني كلياً أن الجليد يعصف الأرواح في الخارج وليس ذلك فقط بل تبدو لي وكأنها نجفة آهلة للسقوط!، أو أنه الخوف الذي يسير فوق جلدي ويتبعني، ها هو يعود إلى بخطوات ثابتة بابتسامة ساخرة على شفته المجروحة.




كان لدي ثلاث خيارات لأتصرف على أثرها والأول هو أن أدع الخوف يجمد عقلي وتفكيري لأركض بهلع بحثاً عن شيلد أو دامير أو أي وجه مألوف لي حيث أنني لن أجده غالباً وذلك قد يحوّل هذه الحياة الرائعة التي أعيشها إلى ذلك الحلم السيء الذي لا ينتهي أبداً بإيجاد ضالتك!، قد أصحو على أثره إلى العالم الواقعي مجدداً، لكنني لا أظن أنه هذا ما سوف يحدث كما أنني غير مستعدة للعودة، ليس لكوني غير مشتاقة لعائلتي ... لكن هذه هي أسعد أوقات عشتها في الستة وعشرون عاماً لي وأريد أن أكون أنانية كفاية للتشبث والبقاء هنا.

والخيار الثاني هو حيز التفعيل، توقفت عن الصعود على الدرج الرخامي ممسكة بحاجز الدرج وأنا أنظر لثانيوس وهو قادم باتجاهي فكرت لثانية ( أليس لديه شيء آخر ليفعله بدلاً من اللحاق بي في الأرجاء ما هذه السخافة) وعلى الرغم من خوفي وثقل حضوره إلا أنه يبدو لي كشخص ليس لديه شيء ليقوم به.


نزلت من على الدرج لألتقيه وقد كان رافعا حاجبيه بتفاجأ من حركتي غير المتوقعة لكن لازالت تلك الابتسامة المرعبة فوق شفتيه قال لي :

- يبدو أنك استسلمت أخيراً...

لم أدعه يكمل فقلت له ممسكة بطرف فستاني آملة أن لا يظهر الخوف علي مجدداً:

- لم تخبرني ... ما هو الشيء الأول الذي سرقته مني؟.

أومأ برأسه وراح ينظر بعينيه في الأرجاء:

- عندما أتذكر الأمر بشكل أوضح أرى أنني لم أسرق شيء واحد بل شيئين، الأول لن أخبرك به فلن يكون الأمر ممتعاً لي أن علمت بشأنه، سأتركك تتخبطين في الأفكار إلى تشعرِ بضياعه، الآخر هو قبعتك السخيفة ... لست أنا من سرقها لكنني من أمرت بذلك كي اتأكد إن كنت نفس الفتاة التي سقطت من السماء.

- أرأيتني وأنا أهوي ؟!.

سألته مصدومة وقد بدا مستمتعاً جداً وهو يجيب:

- آه أجل .. كان أمراً غريباً، فجأة كنت تهوين من السماء وفي ثانية أخرى كنت وسط بركة، شيء لا يفسره العقل أليس كذلك؟.

خطأ الكاتبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن