- الـفـصـل الـعـاشـر -

28 5 4
                                    

• الـفـصـل الـعـاشـر •

« غارقٌ بنومه وسط ظلام الزنزانة الإنفرادية، بالطبع عليهم أن يخافوا من تركه وسط المساجين مرة أخرى، سرت قشعريرة في جسده عندما شعر بكفها على رأسه وأصابعها تداعب شعره، التفت ليراها بثوبها الأبيض، هالة من النور تحاوطها، أدمعت عيناه واعتدل من نومته، همَّ ليتناولها بين ذراعيه فوقفت وأولته ظهرها، وقف هو الآخر وهو يتأملها متمتمًا: فردوس!
ردَّت بنبرة متألـ مة: مـ اتت..
بهتت ملامحه وكأنه لأول مرة يسمع خبر وفاة حبيبته وزوجته، تابعت: فردوس مـ اتت، أنا جميلة.. الكدبة اللي كدبتها على الناس وصدقوها، قد إيه أغبية، غيرت لون شعرها ولبستها لينسز تداري لون عينيها، داريت الوحمة اللي فرقبتها، تابعت بتهكم: بدلتها بواحدة تانية بهوية جديدة واسم جديد، زعلان على فردوس! أنت اللي قـ تلتها، عشر سنين حابسها في قفص من ذهب، فردوس اتحررت، اتحررت منك ومن أنانيتك، دلوقتي في جميلة، اقتربت لتهمس بجوار أذنه: اللي هتقـ تلك..
ابتعدت عنه قائلة: أنا جاية أكفر عن ذنوبك، من أول أبوك ومراته وإخواتك اللي ولـ عن فيهم بدون ما تشفق على حد فيهم، لفارس صاحب عمرك اللي ضحيت بيه عشان تكبر، لمايا اللي دبلت من الحزن على حبيبها وضيعت شبابها وسنينها الحلوة في الانتقام من اللي موتوه، رفعت كتفيها بتعجب وهي تلوي شفتيها قائلة: في حين إني لسه شايفاك عايش أهه! لمروة وملك اللي الله أعلم حالهم إيه دلوقت، وأخيرًا فردوس ..
عقدت حاجبيها ورمقته بغضب وكره صريحين: اللي حبتك أكتر من نفسها، سلمتك نفسها وحياتها ومعرفتش تحافظ عليها، ولا ياسين اللي ملوش ذنب في أي حاجة غير إنك تبقى أبوه! وفرح! بنتك يا عاصم ..
كل دول راحوا ضحية أفعال عاصم بيه الوايلي، وأنا! أنا اللي هخلص حقوقهم منك..

شهق بفزع وهو يستيقظ من نومه إثر ذلك الدلو الممتلئ بالماء الذي سُكب على رأسه، مسح وجهه بكفه وهو يرمق العسكري بنظرة أرعبته، تلجلج وهو يرجع بظهره للباب قائلًا: أص أصل معتز بيه قالي أصحيك عشان تتحركوا..
رفع عاصم ذراعيه ليجفف شعره من الماء فأسرع العسكري بغلق الباب بجسد يرتجف وهو يتخيل عاصم يفعل به كما فعل بالمساجين..

ألقى سيجارته وقد تملك منه التوتر عند رؤيتها تخرج من عمارتها، التقت أعينهما لعدة ثواني فأولته ظهرها ووقفت تنتظر عمر، تحرك نحوها بتردد، وقف خلفها مناديًا: فرح..
تنهدت بإرهاق مما ستعانيه بعد محادثتهم تلك، هي بالكاد استطاعت أن تستجمع نفسها لتتمكن من أن تباشر عملها، التفتت له عاقدةً ذراعيها أمام صدرها بانتظار أن تسمع ما سيقول، أردف وليد: أنا عاوز أتكلم معاكي.
فرح: وأنا مش عاوزة أتكلم، مش معقول هتفضل قاعدلي وأنا طالعة وأنا نازلة!
حاول وليد استحضار كلمات مناسبة، لم يستطع فتنهد قائلًا: أنتِ ليه بتصعبيها عليا؟ أنتِ كمان مخطوبة، لو كنت اتأخرت شوية كان ممكن أرجع آلاقيكي اتجوزتي وخلفتي!
لمعت أعين فرح بالدموع قائلة: عندك حق، مظبوط كلامك، بس أنا مكنتش هديك أمل إن ممكن اللي كان يرجع، اللي كان يا وليد.. اللي كان! أنت دلوقتي عندك بنت، اهتم بيها وخلي بالك منها.
نزل عمر ليجد وليد يقف مع أخته التي تبدو على مشارف البكاء، عبس وجهه واقترب منهم قائلًا: مش إتأخرتي ولا إيه يا فرح؟
أومأت موجهة حديثها لوليد: إتأخرت فعلًا، عن إذنك.

• مـلاذ روحـي الـضـائـعـة •حيث تعيش القصص. اكتشف الآن