سِتّة-عَشر ' زُمرُد حالِك '

55 10 10
                                    

" M "
---

دَفنتُ رَأسِي بَين كفّاي عَلى المِنضدة ، حاوطتُه تمامًا حتّى لا أرَى شَيئًا سِوى ظَلامًا ، لَكنّني ما لَبثت ثَوانٍ حَتّى عاودتُ رَفع رَأسِي نَحوه

إن كانَ مُصمّمًا عَلى ما يُفكِر بِه ، فلَا أستَطيع تَضييع أيّ ثَانِية مُمكِنة بِإبعاد نَاظِرَيّ عَنه .

وَجدتُه قَد أمالَ بِرأسِه مُبتسِمًا بِدِفئ ، كَما لَو أنّ صوت زَفِيره السَريع حِين رَسم ابتِسامتِه قَد أنبَت ورُودًا فِي فُؤادي ، لا أظُن أنَني أسأمُه قَط

" الأُومليت هَذا لَم يَعُد جَيّدًا البتّة بَعد أن بَرد ، لَكِنّه أفضَل مِن لا شَيء .. همّم ؟ "
نَبس أثنَاء سَحبِه لِطبقِه أمامَه ، وهمهمتُ أنا أيضًا قَبل بُدءنا بِالتناول

لَم أُبعِد ناظِرَيّ عَنه ، كانَ يُحدّق فِي بُقعة مَعينة مِن المِنضدة بَينما يَجِد صُعوبة لابتِلاع لُقمتِه كَما لَو أنّ صَخرَة تُعيقُه ، هُنا حَيث شَعرت بِطَرفيّ مُقلتَيّ بَدأتا تَلسعانَني ورُؤيتي لَم تَعُد واضِحة

هوَ خَائِف ، هوَ لا يُرِيد المَوت
أنا أعرِفه جَيّدًا ، وأعلم أنّه يمتلِك عِدّة تَناقُضات تَصطدِم بِرَأسِه
رُبما يَكون هَذا أحّد أسبابِه ، أنّه يَرغب بِالرَاحة وأن لا يُفرِط بِالتَفكِير بِأيّ شَأنٍ آخَر ،

" إيرِين ، "
قُلتُها بِخُفوت وصوتٍ مُمتقِع ، كمَا لَو أن جِدارًا كونكريتِيًا فَصل بَين حِبالي الصوتِية وثغرِي ، نَبرتي كانَت ذات بَحّة واضِحة وحتّى الأصمّ يَستطيع القَول أنّني كُنت أقمَع بُكائِي

رَفع ناظِريه فَورًا بِحاجِبَين مَرفوعَين باستِفهَام ، خُطوط بَاهِتة رُسِمت عَلى جَبينِه وبُقعٍ داكِنة مُتكوّنة أسفَل عَينيه ، خُصَله كانَت مُلملمَة بِطرِيقة مُبعثَرة
لَكِنّه ما زالَ جَمِيلًا ، جَمِيلًا بِطَريقة آلَمتني

استَقمتُ مِن مضجَعي وتوجّهت لِلوقُوف أمامِه ، حيثُ سَحبتُه مُحتضنِةً رَأسه أثنَاء بَقائِه جالِسًا
شَددتُ عَلى العِناق حِين رَفع كَفّه لِغَرض تَمسِيد أسفَل ظَهرِي ، وأحاسِيسي كانَت فيّاضة لِلغاية فِي هَذِه اللَحظة لَم أعُد أستطِيع كَبحها بَعد الآن

اُجهِشتُ بِالبُكاء بِنَحِيبٍ لَم أظُنّني قادِرة عَلى أن أُصدِره إطلاقًا ، اهتزّت أطرَافي حِين استَقام هوَ مِن مكانِه لِتضييق عِناقِه هوَ الآخَر

جَميعهُم .. جميعهُم استمرّوا بِالرَحيل تَدرِيجيًا .

لَكِن لِمَ هوَ بِالذَات .. لِمَ هوَ مَن أرفُض رَحِيله ؟ لِمَ هوَ مَن لا أستَطيع تَقبُّل رَحِيله ؟

الجِهبِذحيث تعيش القصص. اكتشف الآن