الشُّعلةُ الأولى:ذو البَحرَينْ

295 21 14
                                    

الحَرْبُ التّي تُدرِكُ أنَّ النَّصْر
فيها لَنْ يَكونَ حَليفَك....
فَقَطْ اخرجْ مِنْها!

.
.
.
.
.

لنتخيّل عزيزي القارئ...
بَعْدَ أنِ اتَّفَقَتْ بِضْعُ سُحُبٍ عَلى إِقامَةِ إِجْتِماعِهنَّ الخاصّ فَوقَ سَماءِ كاليدونيا، صَرَخَتِ الأُمُّ بِابْنَتِها الصُغرى ذاتِ التِّسعَةَ عَشَرَ عامًا قائِلَةً بِجَزَعٍ بالِغ:
"اجمَعي الغَسيلَ قَبْلَ أنْ يَبْتَلَّ، هيلينا!"

"رُويدَكِ يا أُمّي، أَتَخالينَني أَسرَعَ مِنْ تِلْكَ السُحُبِ التَّي تَلتَهِبُ شَوقًا لإِنزالِ قِطراتِ المَطرْ؟"
نَطَقَتِ الفَتاةُ وَهِي تَهُمُّ بارتِداءِ مِعطَفِها وَتَغْطِيَةِ شَعرِها، لِتَخطو بَعدَها نَحوَ الخارِجِ فَتَقْتَحِمُ رائِحَةُ المَطَرِ وَالأَرضِ المُبَلَلَةِ أَنْفَها، لِتُكشِّر عَنِ ابتِسامَةٍ مُنتَعِشَةٍ بينَما تَلتَقِطُ السَّلةَ المَصنوعَةَ مِنْ القَشِّ لِتَسيرَ بَينَما تَحمِلُها عَلى خَصرِها مُتَّجِهَةً ناحِيةَ حَبلِ الغَسيل.

"لِماذا أَنا مَنْ تَقومُ بِكُلِّ هَذا العَمَلِ الشَّاقِ دومًا؟ أَينَ هيَ آيلين...هَل تَتَزَحْزَحُ تِلكَ الفَتاةُ عَن سَريرِها حَتّى!"
قالَتْ هيلينا بِتَذَمُّرٍ وَهِيَ تَجْمَعُ الثِّيابَ التَّي ابتَّلْتْ بِالفِعلِ وَفاتَ الأَوانُ بِالنِّسبَةِ لَها لِتُفارِقَ حبلَ الغَسيل، ثُمَّ ما لبثَتْ أختُها الكُبرى آيلين إلّا أنْ تُطِلَ مِنَ النَّافِذَةِ بِنِصْفِ رَأسِها قائِلةً بِصوتٍ مُرتَفِعٍ وبِنَبرَةٍ جَعَلَتْ مِنْ حُمَمِ الغَضَبِ داخِل شَقيقَتِها الصُغرى هيلينا تَشْتَعِلْ:
"في حالِ كُنتِ تتسائلين عَنِّي يا أُختيَ الصُغرى فأَنا بالفِعلِ أَنوي العَودَةَ الى النَّومِ الآن، اعرِفُ انكِ تَشتاقينَ إلى وَجهيَ الفاتِنِ عَزيزَتي، لَكِنَّ النَّومَ لَهُ الأَولَوِيَّةُ الأُولى يا جَميلَة!"
ثُمَّ أَقْفَلَتِ النَّافِذَةَ، كَأنَّ شَيئًا لَمْ يَكُنْ!

صَرّتْ هيلينا عَلى أَسنانِها وَالعُبوسُ كانَ قَدْ طَغى عَلى مَلامِحِ وَجْهِها، وكَم وَدَّتْ لو تُفلتُ كُلَّ هَذِهِ الثّيابَ وتغَطّها في الوَحلِ كَيْ تَجعَلَ مِنْ شَقيقَتِها الكُبرى تَغْسِلُها مُجَدَدًا، لَكِنَّها لا تَستَطيع، والِدَتُهُما سَتَكونُ لَها بِالمِرصادْ!

كانَتْ تَنوي حملَ سلَّتِها وَالوُلوجَ إلى داخِلِ المَنزِلْ، إلَّا أنَّ ذلك الصوتَ الصَّاخبَ المُفعَمَ بِالحَرَكَةِ وطَقْطَقَةِ السُّيوفِ استَوقَفَها حِينَ اختَرَقَ طَبلاتِ أُذُنِها.

تَوقَّفتْ لِبُرهَةٍ وَهيَ تُقلِّبُ الفِكرَة في رَأسِها، أَتَسيرُ نَحوَ مَصدِرِ ذلِكَ الصَّوتِ أم لا؟
قَضَمَتْ شَفَتيها بِغيضٍ وَيَأسٍ مِنْ فُضولِها، لِتُفلِتَ سلَّة الغَسيلِ المَصنوعَةَ مِنَ القَشِّ تارِكةً إيّاها قُربَ بابِ المَنزِلِ بعد أن وَضَعَتْها تحتَ سقفٍ مُنخفضٍ آملةً ألّا تتبللَ الملابس أكثَرَ مِمّا هِيَ عَليه الآن، لِتَهرَعَ بَعدَها نَحوَ مَصدَرِ ذلِكَ الصَّوتِ وَالطَقطَقَةِ التّي تُنذِرُ بِمُقابَلَتِها لِلَّونِ الأَحمَرِ القانِيِّ.

آسِر||Asserحيث تعيش القصص. اكتشف الآن