النِّهاية

809 15 19
                                    

.
.
.

شهورٌ عديدَة مضَت ، حدث بهَا تغيُّرات منهَا كبيرة لربَّما قلبت حياتنَا و منهَا صغيرة لكن لا غنَى عن وجودها
عادَت حنين لحياتهَا الطبيعيَّة بعد أن استطاعَت تخطِّي حادثة كنَان ذاك ، أصبحتُ صديقةً لأسيل التي أبدَت ندمهَا على كلِّ ما فعلتهُ لي ، ازدادت رابطَة علاقتي مع ميرَال بشكلٍ ملحوظ ، ارتَفع اسما شركتَي الحصني و المرشدي منذُ إعلانهمَا لبدء العمل سويَّاً

و هَا نحنُ الآن ، واقفِين بسعادَة في صالةٍ كبيرةٍ تزينها الأزهَار من كل مكَان ، أجل إنهَا قاعَة زفَاف
أقِف في المنتصَف مرتديةً فستانِي النيليَّ الطويل و على جانبِي الأيسر توجُد حنين بفستانهَا الوردِي الزاهِ و الابتسامةُ تعلو وجهها
أمَّا على يميني فتوجدُ ميرال الواقفة بثبَات التي اكتفت بارتدَاء بدلة سودَاء لتبدُو و كأنها امرأة أعمَال
و الأطفال يركضُون في الأرجَاء و الكبَار يتجاذبون أطرَاف الحدِيث و جميعنا في شوقٍ ننتظرُ دخول العروسَين
اليوم زفَاف تَيم و أسِيل ، بعدَ أن قبلَت أسيل الارتبَاط بتَيم لتعترِف له بحبِّها أيضاً بعد فترَة
دقائق معدودَة ، ليَبدأ صوت الزَّغاريد يصدَح في الأرجَاء و أبواق السيَّارات تعلو معلنةً فرحهَا بالحدث القَادم
ليدخل بعدها تَيم ببدلتِه الجميلَة و أسيل بفستانها ناصع البيَاض الذي جعلهَا تبدو و كأنها أميرَة ممسكان بأيدي بعضهمَا البعض
فأرَى ميرَال تنظُر لي لتحرك عينيهَا بطريقةٍ مضحكة ، فهمتُ قصدها حالاً و كأنها تقول دورُنا نحنُ بعدهم فابتسمتُ بحياء بعد أن تلوَّنت وجنتي بحُمرة خفيفَة

تمَّت مراسم الزفَاف علَى أكمَل وجه ، ليبدأ دَور الاحتفال و تملَأ الأغاني القاعَة

أنَاس يرقصُون في كل مكَان معبِّرين عن فرحتهم و طاولاتٌ وُضع عليهَا أشهَى أنواع الطَّعام ، لقد كانَت أسعد ليلةً لي منذُ قدومي إلى هُنا
سهرنَا حتَّى وقتٍ متأخر بعدَ أن بدأ المعازِيم بالمغادرَة بضعَهم تلو الآخر ، فيباركُوا للعائلتين و يهمُّوا بالذهَاب

إلى أن انتَهى الاحتِفال و حان وقتُ العَودة ، فتحرَّك العروسان إلى منزلهمَا الجديد ، و تعُود حنين رفقَة والديهَا للبَيت ، و كذَا الحال مع العمَّة بيان و العم كريم و من تبقَّى

عدتُ و ميرَال إلى منزلهَا لنرتَاح قليلاً و نبدّل ملابسنا و نسَارع في توضيب الحقَائب
أجل لقَد قررنا الذهَاب في رحلتنا المؤجَّلة صباح الغَد _ أي بعدَ القليل من الساعَات حيث أنَّنا سهرنا لما يقارب الفجر _ ، فتأكدنَا من تذاكرنَا و جمِيع مستلزماتنَا و تحركنَا بحماس يخالجُه التعَب إلى المطَار ، و كلِّي شوقٌ لزيارة أرض الأساطير تلكَ التي حدَّثتني عنها ميرَال !!

_____________________________

أتلفَّتُ حَولي ، أرَى نفسي حبيسةَ أربعةِ حيطان ، إنَّها غُرفتي
يبدُو أنَّني نُقلت إليها بَعد أن لم أُتح لهم الفرصَة لأبقى في المشفَى ، أنَا لستُ مجنُونة !
تدخل مُمرضة بتُّ أكره وجهها بعدَ أن أصبَحت تدخل مراراً و تكراراً و تلازمُني حياتي
لتصطَدم بدُرجٍ مقفول ، الدُّرج المقفوُل !
اجتاحتنِي مشاعر مرعبَة لأبدَأ بالصرَاخ بهَا : ابتعدِي عن حَبيبَتي ، ابتعِدي عنهَااا
فتتقدم الممرِّضة بهدوء ، و كأنها اعتادَت على حالاتي هذِه ، لتُعطيني إبرة مُهدئة رغم مقَاومتي الشديدة و محاولَاتي الثَّابتة للرَّفض ، إلا أنهَا استطَاعت ،
أغمض عيني رغماً عني ، الأصوَات من حَولي بدأت تزُول ، شاشَة سوداء أمامي ، لأفقِد الإحساس بكُل شيء و أُخدَّر .

Flashback :

ميرال -

إنَّ ما أعيشَه يشبِه الحُلم ، كُل شَيء خيَالي و لا شَيء يعكِّر صفوَ الحياة
أُمسِك بيَد حَبيبَتي و أنَا أتأمَّل وجهَها الفرِح الذي تتبدَّل تعابيره كلَّما رأت شَيئاً جميلاً يُدهشها
لطَالمَا كان حُلمي المجيء إلى هُنا ، أمَّا أن أكون برفقتهَا ، فهذَا حلم أكبَر
أمضَينا أول يَومين بسعَادة لا تُوصف ، زُرنا الكثير من المتَاحف ، لعبنَا بالكَثير من الألعَاب ، و شاهدنَا عروضاً لا روعةً مثلهَا !
وددتُ لو أنَّ حياتي تقتصر على اليومَين هذَين ، إلا أن القَدر كان له رأيٌ آخر
أخذتهَا لنستمتع بجمَال الطبيعة _ و كَم بتُّ أكره الطبيعَة _ لكِن لم يخِل لي أنَّها مأساتي
فعندمَا صعدنَا لنرَاقب غرُوب الشَّمس من فوقِ أحَد التلال ، بلَمح البَصر أرَى قدمهَا تنزَلق لتسقُط طيف من أعلى المكَان إلى أسفَله ، توقَّف بي الزمَن ، لا أستَطيع استيعَاب ما يحدُث ، و بدَلاً من مراقبة الغرُوب معاً ، أحسستُ بأن شمسَ حيَاتي هيَ من غرَبت ...

_____________________________

الراوي -

ميرَال تلكَ الفتاة القوية التي لا يُضعفها شيء بسهولَة ، لم تستَطع تحمل فقدهَا لأغلَى شخصٍ في حياتهَا ، كُل ما عاشته من أحدَاث كانَت أحداث من وَحي خيالهَا و هيَ تستعِيد ذكرياتهَا مع طَيف
تلكَ الفجوة الكَبيرة التي أحدَثتها الفتَاة اللطيفَة في قلب و عقل ميرَال أودَت بها إلى المشفَى النفسي ، إلا أن بعدَ رفضها القَاطع و تدهور صحَّتها عادَت لغُرفتها التي أصبحت لا تختلِف عن غُرف المستشفى إلا بذاك الدُّرج الذي لم تسمَح لأحَد بإبعَاده
كان دُرجَاً يحمل جَميع ذكرياتهَا مع طَيف ، صوراً .. رسائل .. هدايا ورقيَّة .. أشيَاء لا تُقدَّر بثمن
إلا أن عقلهَا من اختَلطت ذكرياته لينسجَ قصصاً أخرى غالباً كانَت السبب في بقائهَا على قيد الحيَاة
رُبما ماتت طَيف ، لكن طيفها بقيَ عالق في ثنَايا قلب ميرَال ، بين ذكريَاتها ، و في ذلك الدُّرج الصغير !

.
.
.

_____________________________

آي ثينك صار واضح سبب تسمية الرواية بـ طيف ..

طَيف ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن