رِواية/ عِندمَا تَتَقاطع الطُرق: بَين الحُبِّ وَالحَقِيقَة.
الفصل الثالث بِعنْوان/ رحلة للمجهول.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
.
لحظَات وَكَانت مُحَاطة برِجَال المَنزل يُوجهُون أَسْلحتهُم نحو مازن الذِي اِرْتَبكَ وَترَاجع خُطْوة للخلف اِسْتغَلتُهَا هِي لتَبتعد عَنْه وَتَحْتَمِي بِأشخاصٍ لا تَعْلم مَا إن كانوا مَحل للثقة.
-أَلِيس!
نَطَقَ اِسْمُهَا بغضب وَكاد أن يتجه نحوها حتَّى قاطعه اِثْنَان يقْفَان أمَامها ليقول الأول باِحترام وَهُو يُدِير وجهه إلى أَلِيس يَخْفض بَصره للأسفل:
-رجاءً سيدتي اِذْهبِي للداخل.
-مَاذا ستفعلون بِه؟
-هَذا لا يخُصّنا، نحنُ نمتَثلُ لأوامر السيد فريد.
طَالعتْ مَازن بضِيق وَحنق هَا قدْ وَضعها بِمَأزق مَع هذا الذِي يُدعى زوجها. كيف ستبرر له!
-رجاءً، سيدتي.
أشَار بيده نحو بَوابةِ المَنزل الحديدية لتتراجع بخُطُواتها للخلف وَهِي تنظر إلى مَازن الذِي أصَابه الذعر هُنَيهَة مِن كثرتهُم ليقول:
-ألا تعرفون مَن أنا! أنا يمكُنني سحقك.
-رجاءً، اِخْفضْ نَبرة صوتك، يوجد أُنَاس نائمون.
قَالها ذَلك الحَارس بهِدوء ثم لكمهُ بمؤخرة مُسدسه ليَسقط مَازن بالأرض وَكذلك مُسدسه كَاد أن يَلتقطه ثانيةً حتَّى دَفعه الحَارس بقدمه يأمُر أتباعه أن يأخذوه للدَاخل، كَانت تقف بجَانب البوابة تُطالعهم وقدْ رقَّ قلبها لـ مَازن إنه ينتمِي للعَائلة لا يمكُنهَا التَفرِيط بِه.
أثناء دخولهم بِه مِن البوابة بَعد أن كَمكَمَ أحدهُم فمه نَظر لهَا بِغضب وَتوعُد ليأخْذُوه بَينما ذَلك الحَارس والذِي يبدو قائدهُم رَمقهَا باِبْتسَامة الجَميع يَعْرف بَأنها مُصطنعة لينبس بكَلماته:
-سيدتي، لا تشغلين بَالك.
-أُرِيد أن أعْرف إِلى أينَ تأخْذُونه وَلمَاذا ذَلك الحَارس مُدمي!
-تِلك الأمور تتعلق بعملنا، اِذْهَبِي للدَاخل.
قَال كلمتهُ الأخِيرة بنفادِ صَبر لتغضب عَليه خاصةً بَعدمَا رَأْت الحارس الذِي سَمحَ لهَا بالمرور مُدمِي، نبست بقولها:
-مَن أنتَ لتُعطِيني الأوَامر! أنَا أقف أينمَا أُرِيد.
عادَ لابْتسَامتهُ مَرة أُخْرى التِي أكادُ أقْسمُ أنه يبدو لِي وَكأنهُ مُخْتلًا عقليًا بِها ليقول:
-حسنا، اِبقِي أينمَا تُرِيدِين وَلكِنك مُنعتِ مِن عبور تِلك البوابة.
أشَار للحَارس أن يغْلقها بَينما هِي غضبتْ مِن برود هَذا الذِي تَركها وَلحقَ بالمجموعة التِي أمْسَكت بِـ مَازن، لتَتبَعه وَتدْفعهُ فِي ظهره باِنفعال تردد كَلماتها:
-مَن أنت! أيها البارد!
-أنت لستُ سِوى خادم، لنْ أسْتَمع لأوَامرك.
كانَ يُعْطِيني ظهره وَالآن اِلتَفَتَ نحوي بنفس اِبتسَامتهُ المَرِيضة. هَل كانت أمه مُخْتلة لتُنجبه! هَتفَ بقوله:
-إنها أوَامر السَيد فريد.
-أُرِيد التحدث إِليه.
-بالطبع أنتِ زَوجته، اِحْصَلِي علَى رقْمه وَاِتْصَلِي بِه، سيدتي.
تركها وَأَكمَل طَريقه بَينما هِي شَعرتْ بأنها قدْ تُصَاب بِجَلطة أثر ذَلك البَارد، حديثه يعنِي أنه يعْلم بأنها لا تمْتَلك رقْمه لتلعنهُ بِداخلها، نَظَرت للحَارس المُلقي بِالأرض ينزفْ مِن جبينه لتَتَقدم مِنه وَجثت علَى رُكبَتيهَا أمَامه ولكِنه اِبْتَعد يردد قائلا:
-رجاءً، يكفي مَا أصابني.
تساءَلت بحُزن وأسف:
-هَل لأنك فتحت لي البوابة؟
صمَتَ لتحصل علَى جوابها، نَهضتْ بِانْفعَال وَعُنف لتلحق بِذَلك البَارد لتجده يتحدث إِلى الهَاتف وَخمّنت بأنه فريد؛ لذا بَاغتته بقبضتها علَى الهَاتف تضعه علَى أُذنها وَقَبل أن يقْترب مِنها ليأخذ هَاتفها رفعتْ سبَابتها فِي وجهه تقول:
-إن تقدمت مِِني خُطْوة، أُقسم لك أنك سَتندم.
رَمقته بنظراتها للحظات تُراقبه لتَبْتَعد عَنه وتتحدث إِلى فريد الذِي كان ينظر لتِلك الأوراق التِي يُقدمها أحد رِجاله لهُ ليتفقدها سَريعًا قَبل مَوعد طائرته، وَلكِنه توقف عمَّا يفعله وأشَار بيده للرجل حِينما هتفت باِسمه:
-فريد!
صَمتَ فِي اِنْتظَار تكملة حديثها لتنظر للطَريق الذِي سَار إِليه مَازن لترطب شفتاها تُرتب كلماتها ولكِن خرج سؤالها:
-مَاذا ستفعل بِـ مازن؟
-هذا الأمر لا يخُصّك، زوجتي.
نَظرتْ إِلى الحَارس الغاضب الذِي جاوبها بنفس ردّه قَبل قليل، لتهتف باِنزعاج:
-هَل أنتم أخوة وأنَا لا أعرف!
-لتتحدث إِلىَّ بطريقة سليمة، هَذا اِبن عمي.
أجابها بحِدة شَعْرت بِهَا فِي نَبرة صَوته:
-هَل تعْلمِين مَاذا يعني أن يأتي رجلٌ غريبٌ إِلى زوجتي فِي وقتٍ مُتأخرٍ وأنَا ليس موجودًا!
-بَلْ ورفعَ مَسدسه عليها.
-حسنا، ولكِنه اِبن عمي لنْ أسمح لك أن تُؤذيه.
-عَالمك الإجرامي لن تُطبقه علَىَّ.
-حِسابك لمْ يبدأ بَعد، أَلِيس. عِند عَودتي نتحدث.
-إن لمْ تُخْرجه سأُخْرِجه أنَا.
-لن تفعليها؛ لأنك إن فعلتيها ستُجاورينه فِي المَخزن.
-أخْبرتُك أن تُطَبق قواعدك الإجرامية تِلك بعيدًا عَنْي وعمَّا يَخُصني.
-عودي إِلى غُرفتك.
-لنْ أعود قَبل أن تُحَرر مَازن.
-أنتَ تَركتُني بِليلة زفافنا عليك أن تُعوضني، فلتُخْرج مَازن ونكون متساوون.
-اِشْتقتِ لي بتِلكَ السُرعة!
-فريد!
هتفت بِـها بنفادِ صَبر تَجْذبُ خُصْلاتها بِقَبْضةِ يدها فِي مُحَاولة مِنها لتَمالُك أعْصَابها التِي ستُحْرقَ كثيرًا جِوار ذَلك البَارد زوجها.
نَظَرتْ إِلى قائد الحُراس بغضبٍ وَعَادت بوجهها نحو الطَريق الذِي أُخِذَ فِيه مَازن، صَدح صَوته عبر سماعة الهَاتف يقول:
-اِصْعدِي لغُرفتك ولا تفتعلي المُشكلات.
أغْلق المُكالمة لتَبعدْ الهَاتف عَن أذنها تنظر له بِدهشَة، هَل أنهَى حديثهُ وَأغْلق المُكالمة دون الاِسْتماع لها! تقدم القائد البارد مِنها وَقبضَ علَى هَاتفهُ يَبْتسم وَهُو يُشِير بيده للمَنزل:
-رجاءً، اِصْعدِي لغُرفتك.
-أنت أنت...
-بارد، هَل سمعتني؟ أنت بارد.
تَركته وَعادت للمَنزل وَهِي غَاضبة لتَصْعدُ حيثُ غُرفتها أَخذتْ تَسِير فِيها ذهابًا وإيابًا حتَّى تعبت وَاسْتَلقْت علَى الأريكة تُفَكر فِي طَريقة لإخْرَاج مَازن ليغلَبُهَا النعاس فِي مَكانها.
سَقطتْ بَالأرض حِينما اِسْتَمعتْ لطرقات علَى البَاب لتَنْظُر حَولها تسْتَوعب مَكانها حتَّى اِرتفعَ صَوتًا مِن خَلف البَاب يقول:
-فريد اِفْتح البَاب، تعْلمُ أنه لا يجب أن يتخلّف أحدٌ علَى موعد الفطور.
هُناك وَهُنا قوانين هِي لنْ تتخلص مِنها أبدا، نهضت وَهِي تُدَلك رَقبتها التِي تؤْلمها لتَفتح البَاب تَنظر إِلى دَاليدا الوَاقفة أمَامها ونبست بسؤالها:
-أين فريد؟
-فريد غادر.
-ماذا!
-طَرَأ له عملًا.
-هَل بسبب العمل أو شيءٍ آخر!
قَالتها بنبرة ساخرة وهازِئة لتُغِيظ أَلِيس التِي علقت بكَلماتها:
-لتسْألِيه عِند عودته، اَسْتَأذنك لأذْهبُ وَأُبَدّل ثيابي.
أغْلقتْ البَاب لتَسْتَند إِليه بِظهرها سَتَكوُن أضحوكة لدَى الجميع الآن، زَفَرت الهَواء بضِيق وَتقدمَت مِن خَزانتها تُخْرج بنطلون أسود يعلوه بلوزة نسائية بلونها الوردي الهادئ، جَمعتْ خُصْلاتها للأعلى علَى هِيئة ما يُدعى ذيل حصان وَهبطتْ للأسفل وبِطَريقُهَا قابلت آسيا لتَبْتَسم لهَا ولكِنها قَابلتها بِبرُود وَاَتْجهَتْ للمائدة لتَتْبعُهَا تُحِيي الجميع وَلمْ يُجِبْها سِوى حَرب الذِي ردد بكَلماته:
-أخْبرنِي فَريد بمَا حدث، أعتذر لكِ لمْ يكن مِن الصُواب أن يَترُككِ بِليلة زفافكم.
-لا بأس، يُسعدني تفهُمك للأمَر.
-جدي!
صَدح ذَلك الصَوت الطفولي مِن خَلفي وَقَل أن اَلتَفتُ لأُطَالع صَاحبته وَجدتُهَا تَتوسط حُضن حَرب، إنها جَميلة للغاية بخُصْلاتها المجعدة تِلك لتَنظُر إلَىَّ تتساءل:
-أنتِ العروس الجديدة؟
أومَأت بِرأسي لأجدها تجذْب خُصْلاتي للتأكد مَا إن كانت حقيقية وَقالت:
-أُمي وَجدتي تحدثا عَنكِ، قالت جدتي أنك تُشْبهِين عروس المولد.
حاولتْ أُمَها جذبُهَا بعيدًا وَترْمُقهَا بغضب ولكِنها نبست بجملة جعلتني أتشبث بِها.
-ولكِني أراكِ أجمل مِنها.
بعد أن كُنت أعقد حاجبيّ لتشبيه تِلك العجوز بأنني عروس مولد إلا أنني ضَحكتُ لمَدح تِلك الصَغيرة بِي، اِحْتَضنتُهَا وقبّلت وجنتها أتساءل:
-مَا اِسْمُك، أيتها الصغيرة؟
-دهب.
-اِسْمُكِ رائع.
-وأنتِ؟
-أَلِيس.
-مَاذا يعني أَلِيس؟
-يعني النُبْل والشَرف.
-أنتِ لستِ مصرية؟
-بلى، ولكِن والدتي كانت يونانية.
-أينَ تقع اليونان؟
قبل أن أجَاوبها وَجدتُ مَن تجذبُهَا مِن ذِراعها تقول باِبْتسَامة أستطيع رؤية مَدى مُحَاولَتُها لاصْطنَاعها:
-لمْ نتعرف، يا أَلِيس.
-أنا أميرة.
-تشرفت بكِ.
صَافحتُهَا أَلِيس لتتجه أَمِيرة إِلى أُمَها تُجاورها وَيَنظُرَان لبعضهُمَا لتنبس دَاليدا بِسؤالها إِلى أميرة:
-غريب! لمْ تخْبرينا أنك آتية.
-هل علَىَّ طلب الإذن قبل المجيء لمَنزل خالي! دهب أنهت الاختبارات؛ لذا أتيتُ لأمكث هُنا بضعة أيام.
-ومَن سيُطعم زوجك؟
-هُو قادم لهُنا بَعد عمله، لتُطعمِيه أنتِ، يا زوجة خالي. إنه يُحَب طعامك.
رددت بصوتٍ مُنْخفض وَهِي تجلسُ بالقُرب مِن أَلِيس:
-اللعنة عليكِ وعلى زوجك، أيتها الحرباء.
أنهَى حَرب طعامهُ وَغادر لتبقَى النسوة مَع بعضهُنَّ حَاولت الهَرب مِنهُنَّ حتَّى هتفت أميرة تقول:
-إِلى أين! لقد سمعت أن فريد غادرك لِيلة أمس.
-طَرَأَ له عملًا.
-وهَل اِنْطَلت عليكِ الكذبة! رُبما جمالك جذعه.
حكّتْ جبهتها بأصابعها تتحكم فِي أعصابها وَاِنْسَحبت بهدوءٍ لتَصعد إِلى غُرفتها، أحْيانًا عَقْلُها يتوقف عَنْ الرد بشكلٍ مناسب فتلجأ للانْسَحاب حِينها، وَكلماتهُنَّ لا سَبيل للرد عليها.
خَرجتْ للشُرفة لتجد ذَبك القائد البارد وَيتبعهُ حارسان يحملون مَازن اِبن عمها وَوجهه بالكَاد تراه مِن تِلك الكدمات يتجهون بِه خارج البوابة، فسُرعان مَا هبطت للأسفل وَخرجت إِليهُمْ كان قدْ اِخْتَفَى مَازن ولكِنها وجدت القائد الذِي نبس بسؤاله مُصْطنعًا مَلامحًا بريئة:
-هَل تحتاجين لشيءٍ، سيدتي؟
-إِلى أينَ تأخذونه؟
-هَل كُنتم على عَلاقة قَبل زواجك بالسيد فريد!
-ماذا! مَا الذِي تهذي بِه!
-إذًا لِمَ تقلقين عليه بشدة!
-سيدتي، لا تجعلينني أَشْتبه بكِ.
-أنت!
صُدِمَتْ مِن كَلمَاته كيفَ يتهمها بذَلك الفعل الشنيع! ولكِن لأنها مُنِعت مِن اِسْتخدَام العُنف بناءً علَى رغبة أبيها لمْ تصفعه.
-إن كُنا فِي ظروف أُخْرى كُنت قتَلتُك.
تركته وَعَادت إِلى الدَاخل وبعد فترة تعالى رنين هاتفها وَكانت الدادة تطمئن على حالها، تحدثت إليها باِشْتياق رغْم أنها لمْ تُغادرها سِوى يومٍ واحدٍ.
كادت أن تغْلق المُكالمة حتى أوقفتها أَلِيس تَقْبض علَى قلادتها الصَغيرة وتنبس بسؤالها بتردد:
-دادة، هَل مَازن عندك؟
-لِمَ تسألين عَنْه؟
-لا شيء، هَل هُو عندك؟
-نعم هُنا، ولكِنه مرض قليلًا.
تنهدت أَلِيس وَاِتَجهَتْ إِلى الأريكة لتُغير الحديث حتَّى أُنهَتْ المُكالمة وذَهبت إلى الحمَّام تُقْضِي حاجتها.
على الجهة الأخرى، كان مازن قد وُجِد بإحدى المُسْتَشفيَات وسُجَّل بُدَاخلها أنه جاء فِي حادث وَهَذا مَا أقر بِه بَعدما تلقى الضرب على يد رِجال فريد لكونه فَكرَ وتجرأ على القدوُم إلى هُنا وأَشْهرَ مسدسه بوجه أَلِيس.
أنت تقرأ
عِندمَا تَتَقَاطع الطُرق: بَين الحُبِّ والحَقِيقَة
Romanceالحُبّ وَالحَقِيقَة وَجهانِ لعُملةٍ واحدةٍ، يتشَارِكَان فِي العديدِ مِن السماتِ وأحْيانا يَنْتَهِي الطريق بِهُمَا، ولكِنَ الطُرقات تَتَقاطعُ وَيُصْبح الإنسان مُضطرًا لِسلكِ طَريقٍ واحدٍ. ثمةَ لِقاءَاتٍ لا تخْضعُ للصُدفةِ، بَل تُنسج بخيوطِ القدر. فِي...