رِواية/ عِندمَا تَتَقاطع الطُرق: بَين الحُبِّ وَالحَقِيقَة.
الفصل الثاني عشر بِعنْوان/ اِعْتذَار مُتبَادل.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
.
حُبِسَت أَنْفَاسِي وأنَا أَرَاه يَقْتَرب مِني بخُطُوات أقْرَب لمُفْتَرس يَنْتَظر اللحظة الحَاسمَة ليَهْجَم علىَّ، كَان البَاب خَلفِي نهَاية الطَرِيق أُطَالُعه باِضْطرَابٍ وصَدري يعْلُو ويَهْبط مِن فَرطِ الخَوف أُرَاقب ملَامحهُ ولمْ أَرَ يَده التِي اِمْتَدت لجَانب وَجهِي الأَيمَن يَجْذبُنِي إِليه لتَخْتَلط أنْفَاسِي المُضطَربَة بخَاصته الحَادة، خَفَضتُ بَصرِي عَنه
أتحَاشَى النَظر إِليه ليتسَاءل بنَبرةٍ رغْم مُحَاولته لجَعْلُهَا طَبيعيةً ولكِنها خَرجَتْ غَاضبةً:
-مَاذا بَينك وَبَينه؟ لِمَ اِجْتَمَعتم؟
أَجبتُه وأنَا أُحَاول دَفعه ولكِنه يَأبِى إِفْلَاتِي:
-لا أعْلم كيفَ حَصلَ علَى رقْمِي وَطَلب رُؤيتِي، كَان يُرِيد التَحدث حَول مَوضوعٍ مَا ولكِني رَفَضتُ الاسْتمَاع...
قَاطعَ كَلمَاتها حِينما أفْلتُهَا ليَعُود خُطْوة للخَلف يَصْرخ بقَوله:
-كيفَ تُقَابلِينه دون إِخْبَارِي؟
-لمْ أَرِد إِزْعَاجك.
-ولكِنكِ تَركتِيه يَزْعجك بَلْ ذَهبتِ لِلقَائِه.
-هَل جُنَنتِ!
-حَدث مَا حَدث و...
قَاطعنِي مَرة أُخْرى وهُو يَركل المَقْعد جِوار يُنَفسّ بفَعْلته عَن غَضبه ولكِنها لمْ تكُن كَافية لاِمْتصَاصه ليُحَطم الطَاولة خَلفه بَينما هِي كَانت تُشَاهد غَضبه وسلُوكه لأول مَرة ولا تَنكر خَوفهَا وقَلقهَا، هذا الفَريد الهادئ لهُ جَانب أخر كَان يُخفِيه عَنها.
علَى غَفْلة مِنه ومِنهَا كَان يُلقِي بقَطعة أثَاث صَغِيرة تمْتلك حَوافًا علَى جانبيهَا لتَصطَدم بجَبهتهَا، كَانت الصَدمَة مِن نَصِيبها لتَرفع يَدها حيثُ صُدِمَ رَأسُهَا وتَشْعر بمَلمسِ الدمَاء علَى أنَاملهَا لتعدَّل رَأسهَا وتَرفع بَصرهَا نحْوه ولكِنه لمْ يَنتَبه حتَى أنه أذَاهَا كُلَّما يجول بخَاطره أَلاعِيب رَعد ومَا كَان قَادرًا علَى فعْله بِها.
اِقْتَربَ مِنها ليَجذب ذِراعها ويشدَّهَا إِليه ويَنبس بغَضبٍ:
-لنْ تخْرُجِي مِن المَنزل دون موَافقتِي، يا أَلِيس.
-كَان الإنسَان مُخطئًا حِينمَا أعْطَاكِ سَبيل للحُرية.
كَانت لا تَسْتمع لكَلمَاته بقَدرِ تسَاؤلاتهَا التِي تَعْبث دَاخلها الآن ولكِن السُؤال الأهم ألا يَرَى جَرحهَا!، ولكِن الحَقِيقة أنه كَان غَاضبًا لدَرجة أَعْمته عَن رؤْية دمَائهَا التِي تمَردَت إِلى جَانب وَجنتها مرورًا بحَاجبها فقطْ تَظهَر صَورتهَا مَع رعد بعَقلِه، ليَسبّه بدَاخله ويَسبّ دمَاغه التِي سَوَلتْ لنَفسه أنه مَسْموح لهُ مُقَابلة زَوجته دون عَلمه.
-هَذه المَرة كَلمة «آسف» لنْ تُمَرر فعْلتك، يا فَريد.
حَاولت سَحب ذِراعهَا مِنه ولكِن قَبْضَته كَانت قَويةً مُقارنةً بِبَنيتُهَا ليَنتبه إِلى جُملتهَا وعَبراتها التِي تجَمعَت بمَقْلتيها ولكِنها أبت أن تَضعَف أمَامه، أَفْلتهَا فقطْ تَركَ ذِراعها يَنظر إِليها ويتسَاءل هَل تَقْلب الطَاولة عليه!
-لا تَخْرُجِين مِن هُنا قَبل عَودَتِي.
رَاقبَته بعَينيها والدمَاء تَصْنع خطًا مُنحَنيًا يَصل لنَصف وَجنتهَا بَينما هُو لا يَنكر غَضبه مِن نَفسِه أَثر إصَابتها. هُو مَن تعَهدَ بألا يؤذِيها لكَونها فَردٌ مِن أفرَادِ عَائلته.
أَغْلقَت أجْفَانهَا مَا أن غَادر الغُرفة لتَشعر بالدَوَار ولكِنها رغْم أَلمهَا تحَركت إِلى خَزانتهَا تَفْتحهَا وتُخْرج مِنهَا حَقِيبة ظَهر تَضع دَاخلها أغْراضها الهَامة وقَطْعتَين ثِياب ثم دَلفت للحمَّام تَغْسل وَجههَا عدّة مَرَات حتَّى أَزَالت الدمَاء وجَذَبت لاصقًا طبَيًا طَويلًا مِن الخَزانةِ الصَغيرة المَوجودة علَى جَانبَيّ المرَآة ووَضعتهُ برَفقٍ علَى جَرحهَا.
غَادرت الغُرفة بوَجه مُتهَجم عَابس لتَهبط إِلى الطَابق الأوَل لتَخْبر الخَادمة أن تُحْضر حور للخَارج وخلال تِلك المُدة أحْضَرت سيَارة أجرَة أمَام المَنزل.
-مَاذا حدثَ، يا أَلِيس؟
-أنتِ بخَير؟ مَاذا أصابك؟
-نُغَادر، اِِجْمعِي أغْراضك.
-ماذا!
-أَلِيس، أخْبرِيني ماذا حدثَ.
-أنَا لنْ أَبقَى هُنا، إن أرَدتِ يمكُنكِ البَقاء.
تَركتهَا واِقْتَرَبت إِلى البَاب الدَاخلِي لتَفْتحه وتُصْدَم بحَرب الذِي طَالُعهَا برِيبةٍ مِن مَلامحها العَابسة ليتسَاءل بنَبرةٍ مَازحةٍ:
-هَل أزْعجكِ فَريد؟
اِنٍتَبه إلى جَرحهَا ورَفع يَدها نحْوه لتَبعد رَأسها وتعُود خُطْوة للخَلف وأردَفت وهِي تُغَادره وتُغَادر المَنزل:
-آسفة، لدَي عَمل.
عِندمَا غَادرت صَعدت تِلك الدَرجات الفَاصلة بَين بَاب المَنزل الدَاخلي والسَاحة المَوجودة أمَام البَوابة نَظرت إِلى السيَارة التِي تُفْحَص مِن قِبل رِجال فَريد وكَان السَائق متعَجبًا مِن تَفْتِيشهُم الغَير تَقْلِيدي لهُ، اِقْتربَ مِنها أيهَم يَرفع ذِراعه أمَامها يَمنعهَا مِن الذّهاب بقَوله:
-سَيدتِي، لا يمكُنكِ الذَّهاب.
-إن لمْ تَخْتفِ مِن أمَامي الآن...
كَادت تُكمَل تَحذيرهَا وكاد أَيهم يَعْتَرض حتَّى نَبس فَريد مِن خَلفهُمَا وهُو يَفتح بَاب سيَارته:
-اُترُكهَا، يا أيهَم.
-الجَميع يعْلم وَجهته جيدًا.
رَفعتْ عَيناها نحْوه لتُقَابل خَاصته التِي سُرعَان مَا اِبْتَعدت عَن مَرمَاها، كَانت علَى عكسه مَشاعرها تُصْبح وَاضحةً بعَينيها بَينما هُو يَدفنها فِي أعْمق نُقطة دَاخل عَينيه؛ لذا نَظرَاتها كَانت مُعَبرة عَن حُزنهَا.
كَانت التسَاؤلات تَشغله كَيفَ اِسْتَطَاعت قَلب الطَاولة عَليه وأخْذ مَوقفًا مِنه، ولكِنها لمْ تكُن حَزينةً لإِصَابته لهَا وغَضبه مِنها وحَسب بَل لكَذبها وخيَانتها له ولثقته.
لمْ يُخِيل علَيها أنه قدْ يُعرقلها، كَادت تؤدِي بحَياة أبيها ولمْ تَندم ولكِنه كَان صَادقًا مَعها؛ لذا تَخشى خِيانتها لهُ والإيقَاع بِه لشبَاك رَعد.
أنت تقرأ
عِندمَا تَتَقَاطع الطُرق: بَين الحُبِّ والحَقِيقَة
Romanceالحُبّ وَالحَقِيقَة وَجهانِ لعُملةٍ واحدةٍ، يتشَارِكَان فِي العديدِ مِن السماتِ وأحْيانا يَنْتَهِي الطريق بِهُمَا، ولكِنَ الطُرقات تَتَقاطعُ وَيُصْبح الإنسان مُضطرًا لِسلكِ طَريقٍ واحدٍ. ثمةَ لِقاءَاتٍ لا تخْضعُ للصُدفةِ، بَل تُنسج بخيوطِ القدر. فِي...