١٠/ضَوَابطْ اِرْتدَاء الأحْمَر.

33 3 0
                                    

رِواية/ عِندمَا تَتَقاطع الطُرق: بَين الحُبِّ وَالحَقِيقَة.
الفصل العاشر بِعنْوان/ ضَوَابطْ اِرْتدَاء الأحْمَر.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
.
-مَن اِنتصَار؟ ومَا صَلتكَ بِها؟
تسَاءلتُ وأنَا أُكَذب تعَابيره وإِحْسَاسي ولكِن صَمتهُ أجَاب عَنْ سُؤالِي، هَل يُعْقَل أنهَا تَرْحَل قَبل رُؤْيتهَا!
تِلك السَيدة التِي اِعْتَنَت بِي لـ ستّة وَعشرِين عامًا ولمْ تتخَلَّ عَني يومًا، حَمَلت أَعْبَائي عَني وَخَبَّأتهَا دَاخلهَا، شَاركَتنِي لحظَاتِي السَيئة قَبل الجَيدة، لمْ تحْزنِي أو تؤْذنِي يَومًا.
مَاذا يَعْنِي أنهَا مَاتت! لقدْ حُرِمتُ مَرة مِن أُمي لِمَ الحَياة ليستْ عَادلةً! كَانت لتُبْقِي لِي الثَانية.
نَظَرتُ إِليه وإِلى مَلامحه الهَادئة تُرَاقبِنِي بصَمتِ ليَلاحظ مَلامح وَجهِي التِي تَبَدَّلت لعدّة مَرات مَا بَين صَدمة، وخَذلان، وحُزن، وذُهولِ وألَم.
لِمَ أنَا جَامدَة هكذَا!
شَعرتُ بالبرُودَة فِي أَطْرافِي لأَغْلقُ مَقْلتَيّ أُجَاهدُ ذَلك الدوَار وَيَده تُحِيطُنِي بَينما أنَا تَشَبَثتُ بسُترته بِأنَاملٍ مُرتَجفة، لم تَحْمَلُني قَدمِي لأَسْقَط بِالأرضِ وَيَضمُنِي إِلى صَدره يُرَبت علَى كَتفي يَهْمس بكَلمَات لمْ أَسْتَمع لهَا فقطْ تَمرُ أمَامي مَشَاهدهَا مَعي، فمنذُ أن وَعَيتُ بتِلك الحَياة كَانت أول وَجه رأَيته يَومهَا وأجْمَلهُم حتَّى أخر مَرة تقَابلُنَا بِهَا.
كُنتُ اِبْنَتُهَا الوَحِيدة كمَا كَانت أُمِي التِي وُلدتُ بَين ذِراعيهَا، أعْطَتنِي عُمرهَا كُلَّه ولمْ تَشْكُ.
أَدرَكتُ الأمر لأَرفعُ بَصري نحْو فَريد أُردد قَائلة بتعَجل وعَشْوائية:
-فَريد، فريد أُرِيد أن أَرَاهَا.
-لا تَحْرمُني مِن تِلك اللحظَة.
رَفعَ يَده لوَجْنتهَا يُزِيل بِإِبهَامه تِلك الدَمعة التِي تمَرَدت وهَبَطت ليَقول:
-لنَذْهب معًا.
دَلفتُ للحمَّام بَعد أن التَقَطتُ ثِيابًا باللونِ الأسْود لأَغْلقُ البَاب مِن خَلفي وَأُعْلقُ الثِياب علَى الحَائط لأضعُ يَدي علَى فمِي لا أَسْمَح لشَهقَاتي تَصدر وسَقطتُ بالأرضِ أَسْتَندُ بظَهْري للبَاب أبكِي، ذَلك الأَمْر لمْ أتخَيله بِأَسْوأ كوابِيسِي.
اِسْتَعَدتُ توَازُنِي لأُبَدّل ثِيابي فِي عَجلة مِن أَمْري، فَأَخْبرنِي فَريد أنهُم سيَدفنونهَا ظُهْر اليَوم وأنَا لا أُرِيد أفُوت المَرة الأَخِيرة لرُؤْيتها.
وَقفتُ أمَامه بمَلامحٍ بَهُتَت فِي لحظاتٍ ليقْترب مِني يَعْقد أصَابعه بخَاصتِي يتَقَدمنِي وأنَا خَلفه أَنظرُ للأرضِ خَوفًا مِن تمَرد عَبراتي ثانيةً، خَرجنَا مِن المَنزل ليَفْتح لِي بَاب السيَارة أَصْعدِ إِليها وَاسْتَطعتُ رُؤية الشَفقة والتعَاطف بِأَعْيُن أيهَم وهَذا شيءٌ لمْ أَرِد حدُوثه أبدًا.
قَادَ مُتجهًا إِلى مَنزلي كُنتُ أَكْتَفِي بالنَظر للطُرقَات والأشخاص، أعْجزُ عَن وَصف شعُورِي بالأَلمِ هُناك وَجع بقَلبِي وكَأن أَحْدَهُم يَعْتَصره بيَده وَحِينمَا شَعرتُ بوخزٍ مُفَاجئ حتَّى رَفَعتُ يَدي إِلى مَوضعِ قَلبِي وبرَزَت تعَابير الألم علَى وجهِي ليتَوقف بالسيَارةِ على الفَور يَنبسُ بِسؤاله:
-أنتِ بخَير؟ نذْهَب للمَشفى؟
-لا، أكْمل الطَريق ها قدْ وَصلنَا.
اِنْعَطفَ لليسَار ثمْ قَاد باِسْتقَامة حتَّى وَقفَ أمَام بوَابةِ المَنزل ليُدِير عَجلةَ القيَادة لليَمين وَيدلف للدَاخل، اِرْتَفعَت نبَضَات قَلبهَا لتَقْبض علَى ذِراعه بِأيدٍ مُرتعشَة وتَهْتف دون وعِي واِنْفعَال سَيطرَ عليهَا:
-لا أُرِيد، عُدّ بِي.
أَوقَفَ السيَارة يَجْذبهَا إِليه ليَضمُهَا لتُردد بَين عَبراتهَا المُتمَردة وبُكَائها:
-لِمَ تَرَكتنِي؟ أنا مَا زَلتُ أحتاجُ لهَا.
-أَخْبرنِي إن كَانت مَزحَة، أرجوك يَا فَريد.
-آسف.
نطَقَ بِها بِعجزٍ وهُو يُقَبّل وَجنتَيّ ومَا زَال يَحْتَفظ بِرَأسِي عِند مُقَدمة جَسده يُمَسد علَى خُصْلاتي برفقِ.
لا أَعْلم كمْ اِسْتَغْرقتُ مِن وَقتٍ سَاكنةً بَين ذِراعيه، فابْتَعَدتُ أُزِيل تِلك الدمُوع التِي تعَلقتُ بِرمُوشِي ووجهِي لأُرَطبُ شَفتَاي بلسَانِي ثم فَتحتُ بَاب السيَارة أَهْبطُ مِنها ليَتْبعنِي فَريد يُعطِي المُفتَاح للحَارس مِن خَلفه وَيتَجه بِي للدَاخل.
قَابلنِي أبِي بِأَعْيُن حَزينة وعَبرات جُفَفت للتَو أمَامي بفَعل يَده، خَرج صَوته مَبحوحًا:
-هَل رأيتِ مَا حدثَ لاِنْتصَار؟
-تَركتُنَا.
اِبْتَلَعتُ لُعَابِي ليَمْسكُنِي فَريد مِن خَصري يَمنَع سقُوطِي ليوَجه كَلمَاته إِلى كمَال:
-تودّ رُؤْيتهَا.
-إنهَا بِغُرفتهَا.
تعْلم قَدمِي الطَريق فلطَالمَا ذَهبتُ إِليهَا فِي الليلِ أقصُّ علَيهَا مَخَاوفي مِن الوَحش الرَاقد أسْفل سرِيرِي أو لأنَنِي لمْ أتنَاول طعَام العَشاء؛ لأنِي مُعَاقبة مِن قِبل عُلا ولكِن قَلبها كان يَرق لِي، كُنت آتِي لهَا كُل ليلةِ لا أَسْلم بِهَا مِن كوابِيسِي، بكُلِ مَرة أَتيتُ لهَا كَان تَسْتجِيب لِي وتَفتح بَابها ولكِن تِلك المَرة البرودَة تُغطِي علَى المَنزل ولا صَدى لصَوتها.
وَضعتُ يَدِي على المَقْبض أَغْلقُ مَقْلتَاي وَأمْنعُ عَبراتي مِن السقُوطِ ثَانيةٍ لأَفْتَحه وأخْطُو للدَاخل، نَظرتُ إِلى جَسدِهَا الرَاقدِ علَى الفراشِ لا حَول له ولا قُوة كَيفَ يُعْقَل أن تَتْرُكُنِي وَتُغَادر للأَبد، للآن أتذكرُ بصُغْري عِندمَا كَانت تَذْهَب لزِيارةِ أمِهَا وستَبقى لأيامٍ كُنتُ أَثور وأغْضب علَى الجَميع، اليوم هِي ليست ذَاهبة لبضعَة أيام بَلْ لمَدى الحَياة.
جَثَوتُ أمَامهَا علَى رُكبَتَيّ لا أَهْتمُ لجَرحي رَفعتُ أنَاملِي المُرتَجفَة إِلى يَدها البَاردة لطَالمَا اِعْتَدتُ عَليها دَافئةً وتَقْبض علَى يَدي تُطمْئنِي، وَضعتُ رَأسِي علَى يَدها وشَرعتُ فِي البُكَاء تَحت أَنْظَار فَريد الذِي أَلقَى نَظْرة خَاطفة إِليهَا وقدْ رَأى اِحْمرَارًا واضحًا حَول جَيْدهَا وَعلَى يَدهَا آثارٍ للمقَاومة، نَظرَ للغُرفة كُلَّها يَبْحث عَن أي شيءٍ غير مَألُوف حتَّى لَمحَ طَرف حَبل مُلقى بالأرضِ جَانب المَقْعَد مَلمَسه خَشن وخَلفَ من بَعده بَعْض الجروحِ علَى رقْبتهَا.
اِسْتنْتَاج وَاحد أمَامه هِي قُتِلَت ولمْ تَمُت بشَكلٍ طَبيعيّ!

عِندمَا تَتَقَاطع الطُرق: بَين الحُبِّ والحَقِيقَةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن