رِواية/ عِندمَا تَتَقاطع الطُرق: بَين الحُبِّ وَالحَقِيقَة.
الفصل الثامن بِعنْوان/ تصَادُم.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
.
أَصْرخُ بقوةٍ أَمْتَنعُ عَن الهُبوطِ مِن تِلك السيَارة التِي اُخْتطَفْتُ دَاخلُهَا وَإِلى ذَلك المَكَان الغَرِيب شَمْسهُ حَارةً وَكذَلك الرِمَال أَسْفل قَدمِي رغْم حُلُول فَصل الشتَاء. جَذَبَني رجلًا مِن ذرَاعي لأَضْربهُ بِصَدره وَأَحَاول الهرُوب حتَّى شَعرتُ بِه يَحْملُنِي مِن خَصري لأَدفعُ قدماي فِي الهَواء وَأَسْتَنجدُ بأي شخصٍ قد يُلَبي ندَائِي وصرخَاتِي.
-اُتْرُكنِي.
حَاولتُ تَسْدِيد بَضعَة ضَربَات لذِراعيه التِي تُحِيطنِي وَتَرفَعُنِي للأَعْلَى ولكِن بِلا فَائدةِ كَأنه صَنم، خَفَضنِي بالأرضِ حِينمَا وَقفَ أمَام ذَلك المَنزل مُرَبع الشَكل. حَاولَ دَفعِي دَاخله ولكِني تمَسَكتُ بِطَرفيّ البَاب أَمْتَنعُ وَأَصْرخُ؛ ليَتْركُنِي.
اَلْتَفَتُ إِليهُم ليُصْبح وَجهِي مُقابلا لهمْ وعَبراتي تَتمَرد علَى وجنتيّ بخوفٍ، ليُطالعونَي بصَمتٍ مُرِيب حتَّى رَكلني ذَاك الرَجل الذِي حَمَلني قَبل قَليل بقَدمه للدَاخل؛ لأَصْرخُ وَأَئنُّ بألمٍ يَتبعه سقوط جَسدي بالأرضِ بَينما يَدِي تُحِيط مَوضع الأَلم وَالدمُوع تَزدَاد مِن شدة وَجعي.
نَظَرتُ حَولِي بخَوفٍ حِينمَا أُغْلقَ البَابُ أَصْبحَ المكان مُظّلمًا عدَا فَتحة مُسْتَطِيلة الشَكل تُطَلُّ علَى الجزءِ الخَلفي مِن المَنزل.
نهَضتُ لأَسْتَندُ إِلى الحَائط خَلفي، كان المَنزل كالآتي يَشمل مسَاحة مُربعة فَارغة بُنَيَت بالأسْمَنت ويوجد بإحْدَى الزوايا بَعض الخَشب المُحطم وَمَقْعد وَطَاولة.
تَقَدمتُ نحْو البَاب أَسْتَندُ بِرَأسِي إِليه وأَستمعُ لحَديثهُم.
-مَاذا قال السَيد عنان؟
-أَخْبَرُنِي أَحْتَفظُ بِها حتَّى اِنتهَاء عَملية كمَال الهَاشمِي.
وَضعَت يَدها علَى فمِهَا بدَهشةٍ وحَيْرَة، رَعد لن يفَوت تِلك الفُرصة للقَبض عَلى ثلاثتهم في حِين أنها ستَبقَى هُنا تحت رحمة هؤلاء.
-ولكِنها فتاة جميلة، يمكُننَا الاِحْتفَاظ بِها لوقتٍ طويل.
نَظرَ الرَجلُ إِلى البَاب خَلفه وَعَاد بِبَصره نحْو صَديقه يَنبس بقوله:
-عَلينا الاِحْتفَاظ بِها فقط حتَّى يأمُر السَيد عنان بغَيرِ هذا.
-لا تَخْلط بَين عمَلك ورغبَاتك.
اِتْجهتُ إِلى الكرسي الخَشبي أَضْعه أَسْفل الفَتحة المُسْتَطِيلة لأصعد إِليه ولكِني شَعَرتُ بألمٍ فِي معدَتِي لألعنُ ذَلك الرجل بِدَاخلي، رغْم وقُوفي أَعْلى الكرسي ألا أنَنِي مَا زلتُ قَصيرةً؛ لذا رَفعتُ أَحد قدميّ إِلى الجزء العُلُوي مِن مَسند الكرسي لتَصل يَدي اليُمنى إلى الحافة فتَشَبَثتُ بِها لتُعِينَنِي أَرفعُ قدمِي الأُخْرى وَأَسْتَندُ بِكلتا ذراعيّ بِتِلك الفَتحة أَدفعُ جَسدي للأمَام.
اِرْتَجفتُ حِينمَا اِسْتَمعتُ لصَوتِ سيَارة، رغْم صعوبَة السَير دَاخل الرِمال صَدر عَنها اِحْتكَاكًا قويًا يَتْبعهَا صَوت طَلقات بِالمكَان، لهذا دَفعتُ جَسدي بسُرعةٍ ليَحْتَك بالجزء العُلُوي مِن الفَتحة وَيَتَضرر ظَهْري ولكِني لا أُبَالِي له، فقط ما يَشْغلُني الخروج مِن هذا المَوقع المَلعون.
تَدلَّت قدمَاهَا لتَنْظر إِلى المَسَافةِ بالأرضِ كَانت مرتفعةً، ولكِنها ليَست بسُوء أن تُخْطَف مِن قِبل رجال يُرِيدون قَتْلُهَا، أَلقَت بِجَسدهَا للأرضِ لتَسقط علَى رُكْبتيها التِي اِصْطَدمت إِحْداها بحَجرٍ كبيرٍ كَان مخفيًا دَاخل الرِمَال.
صَرخَت بألمٍ لتَكتم فَمهَا بِراحة يَدها واِسْتَندت بكَفها إِلى الحَائط تتقدم بقدمٍ مُتعَرجة نحْو نهَاية الجِدار وقَبل أن تعْلم سبب تِلك الطَلقات لتُرضِي فضولهَا حتَّى سَقط أمَامها رجل بفَعل رِصَاصة أَحْدهُم.
اِبْتَلعت لُعَابها وَترَاجَعت للخَلف عدّة خُطُوات حتَّى تعثرت وَكَاد أن يَخْتل توَازنها، نَظرت حَولها بِذعرٍ تَبحث عَن مَفر لتَسلك الطَريق المُعاكس. إنه مَجْهول وَهَذا أكثر مَا يُخِيفها وَلكِن بالطَبعِ لن يُرهَبهَا كَقدرٍ مَحْتوم يَنْتَهِي بطَلقة فِي مُنْتَصف جَبْهَتهَا.
أَخَذت خُطُواتها الأُولَى فِي الرَكضِ وَلكِنها لَمحت رجلًا يَأتِي مِن الزُّقَاق المُجاور للمَنزل والذِي اِنتهَى بسقُوط ذَاك الرجل الأخر أمَامها، وَقفت بمكَانها فقطْ تَبْصره بطَرفِ أَعْيُنهَا لتَرفع يَدها للأَعْلى وَقدْ تمَردتْ عَبراتهَا المُتجَمعة دَاخل مقلتيها وَنبست قائلة:
-لا تُؤذني، أُخْرجنِي مِن عدَاوَتُك مَع أبِي.
-أَلِيس!
هَتفَ باِسْمِي بنَبرتهُ الحَنونة لأَلْتَفتُ إِليه وأنَا أُكَذب أُذناي بتِلك اللحظة لا يَجب وجُوده هُنا، ولكِنه خَالف توقعَاتي كَـكُلِ مَرة وَيقف أمَامي بثَيابه التِي رَحل بِها صَباح اليَوم وَودعَته وأنَا أَعْلم مَصِيره.
اِنْتَقَلتُ بِبَصرِي إِلى يَده المُمْسَكَة بِالمُسَدس الذِي أَخْبرني أنه سَيَسْتخدمهُ فِي عَمله ولكِنه أَتَى إلىَّ!
رَكَضتُ نحْوه أَدفعُ جَسدِي بَين ذِراعيه لأُحِيط عُنقه بِكَلتا يَداي ولأنِي قَصيرة بالكَاد أَصل لكَتفه اِسْتَنَدتُ علَى أصَابع قدمي لأُزيد مِن طولي أَضمُه إِلىَّ أَتشبثُ بِه.
اِزْدَاد بُكَائي رغْم بَعض الطَلقَات التِي مَا زَلتُ أَسْمَعها ولكِن لا يَهْمُنِي؛ ففَريد مَعِي وَلنْ يَسْمَح لأَحدٍ يؤذيِنِي.
ضَمنِي إِليه بذراعيه يَحشر رَأسه بعُنقي وخُصْلاتي وهَمس بأنفاسٍ حَادة تَضرب بَشرتِي:
-سَتُحَاسَبِين علَى عَصيانك لِي، يا أَلِيس.
اِبْتَعَدتُ عَنه أُحِيطُ بوجنَتَيه وأتسَاءل وأنَا لا أُصدق للآن وُقوفه أمَامي:
-هَل تَرَكت عمَلك وَأتَيت لِي!
-العَائلة تَفوق كُل شَيء.
عُدتُ لأَعانقهُ ثانيةً بَينما هُو مَسد بِرفقٍ وَلينٍ عَلى خُصْلاتي يَتَفهَم مَوقفِي وذُعري مِمَا كاد يُصِيبَني ليَقبل أَيهَم نحْوَنا يُردد:
-الشرطَة هُنا، وَالرِجَال اِنْتَهَينَا مِنهُم عدَا وَاحد أَخذَته رِجَالُنَا وذَهبوا.
-فلتَأتِي الشرطَة.
قُلتُ بخَوفٍ حَقِيقَيّ عَليه أَقبضُ علَى مُقَدمة كتفيه وأنَا أنظرُ حَولِي بحثًا عَن مَهْرب:
-عَليك المُغَادرة قَبل أن يَقْبضوا عَليك.
-وَهَل أَصْبحَ إِنْقَاذ زَوجتي جَريمة!
قَاطع تَبادُلنَا للنَظرات الصَامتة قَول أيهَم وهُو يتقدمنَا:
-لنذْهب.
أَحَاطنِي بذِراعه ليُسَاعدُنِي فِي السَير بالرِمَال كانت منطقة تحت الإِنْشَاء، فَتحَ بَاب سيَارته وكَدتُ أَصعد إِليها ليَظهَر أمَامنَا أَخر شَخص تمَنَيتُ رؤْيَته بِذَلك المَوقف لتَخْرج أَحرف اِسمه مِن شفَتَيّ دون صَوت «رَعد».
اِرْتَبكتُ وَخُفتُ لأَنْظَر إِلى فَريد الذِي اِبْتَسمَ ليَقف أمَامنَا رَعد وَخَلفه القوات بِالإِضَافة لرَجل يَبدو بِرُتبَة أَعْلى مِنه وَأكْبر سنًا.
رَفعَ رَعد مُسَدسه نَحْو فَريد لأرفعُ أنَاملِي إِلى ذِراعه أَقبضُ عَليه بِخوفٍ وقلقٍ مِن السلاح الذِي يَرفعه رعد بوجهه، أَعَادني فَريد خَلفه ليَلمح رَعد قَدمي المُتعَرجَة ثم نَظرَ إِليه يتسَاءل:
-غَريب! أينَ بَقية الرجَال؟
-ومَتى أَصْبَحت تَصْطَحب النسَاء لعَمَليَاتك؟
أَردف أيهَم بقوله وهُو يُلقِي بالرِجَال بمُسَاعدة أتبَاعه أمَام قدميّ رَعد وَالبَقية:
-نَفْعل مَا عَجزَت الشرطة عَن فَعْله.
ليُضِيف فَريد إِلى كَلمات أيهَم وهُو لا يحِيد بِبَصره عَن رَعد:
-زَوجتي خُطِفَت فِي حِين أنه يوجَد رِجال أَقْوياء مِثلُك أنتَ وسيَادة اللواء.
-كيفَ نتأكد مِن أَقْوالك وأنتَ تُخَبئها خَلفك بجَسدِك الضَخم هَذا!
قَالها حَسن سَاخرًا مِن إخفائهُ لـ أَلِيس خَلفه، اِلْتَفتَ فَريد يُحِيط وجنتاها بَيَده يَقول وهُو يُمَرر إِبْهَامه علَى خَاصتها اليُمنَى:
-لا تخَافِي.
جَعلنِي أُجَاوره ليَتَقدم مِني ذَلك الرَجل وهُو يُطَالع رَعد بحِدة وضِيق؛ لأنه اِسْتَمع لكَلمَاته ولَحق بـ فَريد ظنًا مِنه أنهَا لُعبَة منهُم لتَشتيتهُم.
-مَا اِسْمك؟
-أَلِيس، أَلِيس كمال الهاشمي.
-مَاذا أتَى بكِ لهُنا؟
-لا أَعْلم، كُنت فِي طَريقي لمُقَابلة أُختِي ولكنَني خُطَفت مِن قِبل رجال لمْ أتعرف علَى هُويتها.
أَسْئلته الأُخْرى لمْ أَنْتَبه لهَا أَثر الدوَار الذِي أصَابنِي، مَا أرَاه صُورة رَعد الضبَابيَة كَان يُطَالعُنِي بغضبٍ. لا أعْلم أَ لفشلِ المُهَمة أم لِلَمسَات فَريد لِي؟
اِنْتَشلتُنِي سحَابة سَودَاء لأَسمعُ اِسْمِي مِن فَريد بنبرةٍ خَائفة، كِدتُ أَسقطُ بِالأرضِ حتَّى أَحَاطنِي بِذِراعه يَدفَعُنِي نحْوَه لأَصْطَدم بِجذعه العُلوي.
رَدد يَقول بِغَضبٍ وهُو يُطالعُهَا بقلق:
-إن تَسْمَح لِي أَصْطَحب زَوجتي للمَشفى بدل أَسْئلتَك عَديمَة الفَائدة تِلك.
حَملهَا بَين ذِراعيه ليَذهب للجهة الأُخْرى مِن السَيارة حيثُ المَقْعد المجَاور للسائق ليَفتح أيهم البَاب، وَضعها دَاخلها وَعَقد حزَام الأمَان حَولها ليَغْلق البَاب واِعْتَدل يَنظر لأيهَم الذِي قال:
-لا تقلق، سأتوَلى الأمر.
صَعد فَريد إِلى السيَارة ليُدِير مُحَركها الذِي أَخْرج صَوتًا قويًا ليحَاول التحرك دَاخل تِلك الرمَال اللعِينة حتَّى اِنْدَفع للخَلف وَخْرج مِن تِلك المَنطَقَة ليُدِير عَجلة القيَادة نحْو اليَسار واِنْطَلقَ مُغَادرًا المكَان بَينمَا يَلحقه بِنَظرَاتهم كلا مِن اللواء ورَعد.
كَان يَتبَادل النَظَرات بَينها وبَين الطَريق أمَامه فِي حِين أنهَا كَانت تَشعر بمَا حَولها ولكِن الدوار يَسْتَهلك طَاقتها لتُصْبح غير قَادرة علَى فَتح عَينيهَا.
ضَغطَت علَى جَفنيهَا بقوةٍ حِينما اِشْتَدَّ عَليهَا الألم لتَئِنُ بصَوتٍ مُنْخَفض؛ أوقفَ السَيارة فِي جَانب الطَريق يَنظر نَحْوهَا:
-أَلِيس، أنتِ بخير؟
أَخْرجَ زجَاجة مِياه مِن جِواره ليُمَيل رَأَسي إِليه فيؤْلمُنِي ظَهري، اِرْتَشفتُ القَليل ومَا زلتُ أَحْتَفظُ بِأَعْيُنِي بعيدًا عَن مَرمَى بَصره لا أَعْلم لِمَ هذا أزْعَجه ليَنبس بِقَوله:
-ألا تَسْتَطيعِين فَتح عيناكِ؟
اِسْتَمعَتُ لكَلمَاته لأُفْتَحهُمَا وَتُقَابل بُنيتهُ زُرقَتِي، أَزال تِلك القَطْرات التِي عَلقَت بثَغْري بإِبْهَامه. لِمَ لا يَطلب إذني بكُلِ حَركة يَفْعلهَا بجَسدِي وَكَأنه مِلكًا له!
-أينَ تتألمِين؟
-ليسَ شيئًا مُهَما، سأكون بخيرٍ عمَّا قَرِيب.
-لنَذْهَب للمَشفى.
-لا.
-دعنَا نَعُود للمَنزل بَل نَذْهَب لبتول.
-هِي اِتْصَلت بِي، كَان صَوتها مُرتبكًا.
-لنَذْهَب لهَا.
-أَلِيس، فَلتَنسِي الجَميع الآن وَتُرَكزي علَى إِصَابتك.
-أَرِينِي قَدمك.
-لا داعي...
رَفع يَده ليَجذب سَاقِي نَحْوه لأَئِنُّ رَفعها إِلى فخديه ليَنظر إِلى مَوضع الجَرح ووجدَ البَنطلون مُمَزقًا ليَسْمَح لهُ رُؤيته، أَخْرجَ مَندِيلا مِن جَيب مَعْطَفه ليُزِيل الدمَاء وهَتف يَقول وهُو يَرفع بَصره نَحْوي:
-أعْجَبتُنِي شجَاعتكِ عِندمَا قفزتِ مِن المَنزل.
-كَدتُ أَمُوت.
-لنْ أسْمَح لكِ.
أَدَار المُفتَاح بِمكَانه ليَقود السَيارة يَعود للمَنزل حَاولتُ سَحب قَدمِي ولكِنه قَبض عَليها يَقول:
-اِسْتَندِي للبَاب وحَاولي أن تَرتَاحِي قَليلا.
-مَا زلتُ أَتْعَجب وجُودك، سَيد فَريد.
-كَان عَملك مُهَمًا حتَّى الصَباح.
-يَبدو أنكِ أحْبَبتِ المكَان هُناك، لِمَ تُرَددين كَلمَاتك تِلك!
-عَمل الصبَاح اِنْتَهَى والآن لنُرَكز علَى إصَابتك.
وَصلنَا للمَنزل ليَهْبط مِن السَيَارة يَتقَدم مِن بَابِي يَحْملُنِي رددتُ بِقَولي وأنَا أُحِيط عُنقه بذِراعيّ:
-ألا تَرى حَملُكَ لِي مُبَالغًا قَليلا؟
-هَل يَزعَجك البَقَاء بِقُربِي!
اِسْتَنشَقت الهَواء مِن حَولها لتُزفره بِبُطء تتجَاهَل كَلماته وتَبْتَسم مُرددة:
-رُبما يَتحَتم علىَّ صُنع سُترة جَديدة.
دَلفنَا للدَاخل لأَتعَجبُ حِينما رَأيتُ أبِي يَهرُول نحْوي ينبس بسؤاله:
-أنتِ بخَير؟
-أبي! كيفَ أَتَيت؟
-أقصدُ أنَا بخَير، كيفَ عَلمت بالأمرِ؟
-كُنت مَع فَريد حِينما عَلِم بالخَبرِ تَركنَا وَهروَل لكِ.
رغْم أنَّ أبِي عَلم بِخَطفِي ولكِنه لمْ يَكُن الأوَل الذِي هَروَل إِلىَّ وأنْقَذنِي بَل ذَلك الفَريد الذِي يَحْملُنِي بَين ذِراعيه فَعلها، بَدل اِسْتخدَام مُسَدسه فِي مُهمة اليوم اِسْتخدَمه ليَحْمِيني وَينقذُنِي.
أنْقَذنِي أنَا التِي كُنت سأجْعَله يَلقِى حَتفه اليَوم ولكِنه تَخَلَّى عَن أبِيه وَعمله وَأتَى لِي مُهَرولًا، أَصْبَحتُ مَديونةً لفَريد مِن جَديد!
-غَريب! لمْ تهَرول مَعه لتَنقَذني، يا أبي!
-أ كَان السَيد حَرب يُرَافقكُم أيضًا؟
-يبدُو أنَني محظوظة لأن يَصْبح لِي زَوجًا كَفَريد، صحيح يا أبي؟
أحْرَجته أَسْتَطِيع الشعُور بخَجله مِني أمَام الأخْرين ولكِن ليسَ نَدمه، لمْ يَندم لأنه فَضَّل إِنْقاذ اِبْنَته علَى عَمله ولكِن فَريد فعَلها وأنقَذني.
-يبدُو أنكِ تَلَقَيتِ ضَربة علَى رَأسك، فلتَرتَاحِي قَليلا وأنا سَآتِي مَع العَائلة لنَطمَئن عَليكِ.
رَفعَني فَريد نحْوه حَيثُ كَدتُ أَنزلق مِن بَين ذِراعيه لأتعَلقُ بِه ويَصْعد للأعْلى يَتبَادل النَظرات بَين الطَريق وَبَيني، كَانت مَلامحِي سَاكنةً عَكس تِلك المَشاعر دَاخلي رغْم أنه عَلِمَ أنَنِي أَحْتَاجه لمْ يُخَاطر بعَمله ليَنقذنِي ولكِن الغَريب فعَلهَا.
-ماذا بكِ؟
-العَائلة تَفوق كُل شيء، هَذا القَانون لا يتوافق مَع أبِي.
-يبدُو أن العَملية كَانت مُهمة، صحيح؟
-أَلِيس، لا تَنتَظرِي شَيئًا مِن أحدٍ.
-الجَميع الآن يَهْتَم بالمَال، الشهرة، السُلطة والنفُوذ.
-وأنتَ بِمَاذا تَهتَم؟
اِنْتَهَى الطَريق ليَدلف إِلى الغُرفة وَلمْ يَجِب عَن سُؤالِي وَضعَنِي علَى السرِير وذَهب للحمَّام يَلْتَقط عُلبة الإسْعَافَات الأولية ولكِنه تأخَّر، كَان يَقف أمَام المرآة يَنظر لاِنْعكَاسه، فسُؤالها أَحْيَى دَاخله شيئًا مؤلمًا.
كُلٌ مِنا يَبْحث عمَّا يَنقصه وهُو لا يحْتَاج لمَال، شهرة أو سُلطة ونفوذ، إنه يَنْقَصه شيئًا يبدُو للبَعضِ بَسيطًا ولكِنه يُمَثل لفَريد الحَياة كُلّهَا.
-هَل نَفَدت الضمَادَات، سيد فَريد!
اِنْتَبه لصَوتِهَا ليَبْتَسم وَيجذب العُلبة يَعود إِليها ليَجثو علَى رُكْبَتيه أمَامهَا ليَتَدَلى سَاقهَا بالأرضِ هَتف متسَائلًا:
-ألنْ تخْلعِيه؟
نَظَرتُ إِلى العُلبة التِي فَتحَهَا لأَجد دَاخلها مَقصًا صَغِيرًا رَفعتهُ أمَام وَجهه أُردد بِغَيظ:
-المَقص لدَيه اِسْتخْدامَات عَديدة يُمكُنك قَص البَنطلون حيثُ الجَرح.
-قُلتُ لتَكونِي مرتَاحة.
-ولكِنك ستكُون مرتاحًا أكثر، صحيح؟
قَطعَ قماش البنطلون حيثُ مكَان الجَرح ليَتضح لهُ هَيئته وَبَدأ بتَطهِيره وَمُعَالَجته، لفَ الشَاش حَول رُكبتهَا التِي تَأذت بَينما هِي كَانت تُراقبه بِنَظراتهَا تَفحَص مَلامحه عَن قُرب بدَايةً مِن خُصْلاته السَوداء حتَّى فَكه الحَاد ولحيَته الخَفيفة والمُتنَاسبة مَع لون خُصْلاته، كَانت عَيناه تَروقَني بِلونِهُما وَدَفئهُمَا حِينما اِنْتَقَلتُ بِبَصري نحْو أُذنه ضَحكتُ؛ لأنهَا كَبيرة بعض الشيء.
-لأقول لكِ مِن الآن، سَيدة أَلِيس...
-الوقُوع فِي حُبي ليسَ سَهلًا، ستَتعَبِين مَعي كثيرًا.
رَفعَ بَصره نحْوي بَعدَما اِنْتَهَى مِن تَضميد جَرحي لأَرتبكُ أَثر كَلمَاته وأَعْيَنه التِي تَجعلني أشْرد لعمقهُمَا، وَجدتهُ يَندفع نحْوي لأَترَاجع بجَسدِي للخَلف فِي مُحَاولة مِني للهُروب مِنه ولكِن ظَهري آلَمَنِي لأَئِنُّ بَينما هُو نَبس بسؤاله:
-بمَ تَشعرين؟
-حِينما قَفَزتُ مِن المَنزل المَلعون، اِصْطدمَ ظهَري ب...
قَاطعنِي حِينما تَمَردت يَده إِلى سُترتِي يَرفعهَا، اللعنة لِمَ لا يَطلب إِذني قَبلها أو يُمَهد لِي!
رَأى اِحْمرارًا ليَتساءل بضِيقٍ:
-هُناك المَزيد؟
-مَتَى كُنتِ ستَخْبرينَنِي؟
-حسنًا، إنه ليسَ شيئًا مُهَمًا.
-وأيضًا لا داعي للاِنْتقَام، أنَا مَن أَذَيتُ نَفسي.
اِبْتَسَمتُ له ليُقَابَلُني بنَظراته الحَادة وَأعَاد سُؤاله علىَّ:
-هَل يُوجد المَزيد، يا أَلِيس؟
-لِمَ أنت غَاضب! كُن هادئًا.
-أنَا بخَير، لا يوجد المَزيد.
-إذا رُبما علىَّ فَحصك بنَفسِي.
اِبْتَعَدتُ عَنه لأَتألمُ ثانيةً أَضعُ يَدي فَوق مَعدتي، بالنهَاية اِضَطرَرتُ لإخْباره بالحَادثِ كُلّه لمْ يَهْدأ له بَالًا حتَّى عَلمَ بكَم ضَرر أُصَبت.
تَركَنِي وَغَادر يَلتَقط سُترته التِي خَلعها قَبل قَليل لأتعجبُ مِنه ومِن تَصرفاتي لأنبسُ دَاخلِي بِسؤالي هَل هَذا كُل شيءِ، أَتِلكَ ردة فَعلُه!
تَجَاهلتُ الأمر وَنَهَضتُ أَعرجُ بِسَاقِي اليُسرى قَليلا لأَتقَدمُ مِن خَزانتي وَأُخْرج ثَوبًا لا يُؤْلمُنِي عِند اِرْتدائه علَى عكسِ البنطَلون، اِنْتهَيتُ وَأَلقَيتُ بثَيَابِي فِي سَلة المَلابس دَاخل الحمَّام وحِينمَا خَرجتُ هَندمتُ خُصْلاتي بَعد أن تَبعثَرت بفَعل حَادث اليَوم.
طُرِق البَاب لأَعْطِي الإِذْن ودَلفت الخَادمة تَحْمل هَاتفي الذِي سَقطَ مِني قَبل اِخْتطَافي وَلحُسن الحظ كَان يُرافقني حَارس فَريد هُو الذِي بَلغه الحَادث ولكِن لم يَسْتطع التَصَدي لهُم ومَا كَان بيديه سِوى اِتباعهُم في الخَفاء وإِخْبار فَريد بالموقع، رَفعتُ بَصري نحْوها لأَبْتَسمُ وأَشْكرهَا لتُغادر وتزامنًا مَع خروجها دَخَلت دَالِيدا غُرفتي تَسْألُنِي:
-مَن فَعلهَا بكِ؟
-لا أَعْلم.
-لمْ تَحدث مِن قَبل، فَريد يُلازم أباه بِكُل أَعْمَاله.
-وَاليَوم غَادره لأَجْلك.
-تَسعَدُنِي كَلمَاتك، وَأُقَدر غَيرتُكِ.
-مَاذا!
-سَيدة دَاليدا، أنتِ تغَارين مِني؛ لأن فَريد أتَى لِي وَأنقَذنِي. تَركَ مَا بيَده لأَجْلي.
-وَهَذا الأمْر لمْ يَحدث مِن قَبل، ولكِنه فَعلهَا.
-أنتِ...
-سَيدة دَاليدا، أنَا لا أحْمَل أي ضَغِينة ضَدك ولا أُرِيد كَسب عَداوَات، ولكِن مَا تَقولينه غريبًا.
-الزوج الذِي لا يَترك مَا بيَده ليَحمِيني وَينقذُنِي، لا يَصْلُح أن يكُون زوجًا.
طَالعَتنِي بغضبٍ وحقدٍ بَرزا بأَعْيُنهَا، إنهَا بالفَعل تغَار مِن أَلِيس؛ لأنها مَرَّت بمَا حَدث لهَا اليَوم ولكِن حَرب اِكْتَفَى بإرْسَال رِجَاله حتَّى عَاد مِن السَفر بَعد ثلاثة أيام لمْ يَتكَبد عنَاء البَحث عَنهَا.
غَادرتْ الغُرفة بخُطُواتٍ مَسْموعة مِن شَدة غضبها بَينما أنا قَبضتُ علَى الهَاتف أتفقَده لأجدُ رَعد يُراسلُني ويَسْألُني عمَّ إن كُنت بخَير، ولكِن جَذب اِنْتبَاهِي أن فَريد رَاسلنِي هُو الأخْر وأَرْسَل صورَة لأَرَى مَا دَاخلها كَانت لذَات الشَخص الذِي رَكلنِي بمَعْدَتِي خَرجتُ مِن تِلك اللحظة علَى اِتْصَاله بِي، تسَاءلتُ بِدَهشة هَل يُعْقَل أنه حَصل عَليه!
-مَاذا؟
-هَل هَذا مَن ضربكِ؟
-مَاذا ستَفعل بِه؟
-فلتَخْبرِيني وحَسب.
-فَريد!
-هَل هُو فَاعَلُها أم لا؟
-لا.
-إن كَذبتِ علىَّ، أَعدكِ أنَنِي أؤذِي الجَميع.
-فَريد!
-كُفّي عَن نُطق اِسْمي وَأَخْبرِيني.
-هُو.
أَجبته باِخْتصَار ليَغْلق المُكَالمة بوجهِي، يا له مِن وَقح!
كُنتُ أَجْلسُ بقلبٍ قَلق خَائف أَنْتَظر عَودته لأَعْرف مَاذا حَلَّ بِالرجل.
أنت تقرأ
عِندمَا تَتَقَاطع الطُرق: بَين الحُبِّ والحَقِيقَة
Любовные романыالحُبّ وَالحَقِيقَة وَجهانِ لعُملةٍ واحدةٍ، يتشَارِكَان فِي العديدِ مِن السماتِ وأحْيانا يَنْتَهِي الطريق بِهُمَا، ولكِنَ الطُرقات تَتَقاطعُ وَيُصْبح الإنسان مُضطرًا لِسلكِ طَريقٍ واحدٍ. ثمةَ لِقاءَاتٍ لا تخْضعُ للصُدفةِ، بَل تُنسج بخيوطِ القدر. فِي...