رِواية/ عِندمَا تَتَقاطع الطُرق: بَين الحُبِّ وَالحَقِيقَة.
الفصل التاسع بِعنْوان/ خُطْوة جَديَة.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
.
يُرَبت علَى خُصْلاتي وذِراعه أحَاط بِخَصري يَضمُنِي إِليه بقوةٍ لا تُضاهِيني يَمْنعُنِي مِن الذَّهَاب والتَوقف عَن الحَركة ليَهمس بِأُذُنِي:
-آسف، لكِ مَا تشائين مِني.
رغْم حِدة المِوقف أَلا أنها فكرت قَليلا لتُجيبه وهِي تتحَاشى النَظر إِليه:
-اِسْمَح لِي باِرْتدَاء اللون الأحْمَر.
-خَسئتِ، يا أَلِيس!
-لو كَان الأمرُ بيَدي لحَرمتُ عليكِ الألوان كُلّهَا، لحَرمتُ عليكِ الخروج مِن حدُود غُرفَتي.
رفَعتُ رَأَسِي نحْوه بدَهشةٍ لكَلمَاته بَينما هُو اِنْتَبه علَى مَا نَطقَ بِه ثَغْره اللعِين كمَا وَصفَه بِدَاخله ليُحَمْحَم ويَقول:
-لنْ تَرتَدِي اللون الأحْمَر مَا دُمتُ حيًا.
شَعرتُ بِرَفضه القاطع؛ لذا لمْ أَطِل الحَديث وقُلتُ وأنَا أَخرجُ مِن بَين ذِراعيه:
-لأُبَدّل ثَيابي التِي لُطَخَت، اِذْهَب لتُنَظف يَدك.
أشَارَت بِيَدها إِلى غُرفتهُمَا لتَعود لدَاخلهَا تَذْهَب إِلى السرير تَلقِي المَلاءَة بالأرضِ وَتَتقَدم مِن خَزانتها تَبْحَث عَن ثَوب نَظيف عكس ذَلك المُلَطخ بالدمَاء بَينما هُو أَلقى نَظْرة خَاطفة إِليها ثم دَلف للحمَّام ليَسْتَحم، طُرِق البَاب لتدخل الخَادمة بَعدما أَذنت لهَا أَلِيس.
-عَائلتك أَتَت، سَيدتي.
-حسنا، أشكرُكِ.
وَقفتُ أمَام المَرآة أَعْقدُ الثَوب مِن الخَلف حيثُ كَان يُعْقد بِرُباط شَعَرتُ بأنَامله علَى جَسدِي ليَنكَمش وَتَسْري قَشعريرة دَاخله ليَشدُ الرباط برفقٍ حَول خَصرها ويَعقدهُ للخَلفِ ليَترك أَطْرافه تَتدلى بحُرية، كَان ثَوبي بِاللونِ الأبيضِ تَملؤه أَزهارًا وَردَية يَصل لكَاحلي وَبأكمامٍ تَمتَد لمعصَمِي أَظنهُ سَيَروق للسَيد فَريد الذِي يُملِي علىَّ تَعْلِيمات جَديدة كُلَّما رَآنِي.
وَجَدتهُ يُجَدل خُصْلاتي وَتعَجبتُ مِن حَركته تِلك لمْ أَسمح سِوى لدَادة اِنْتصَار تَفعَلُهَا لِي لأرفعُ بَصري نحْو المرآة أنظرُ إِليه كَان يَصبّ تَركِيزه علَى صُنع جَديلتِي، دَلفَت آسيا لغُرفتُنَا دون الطَرق لنَلتَفتُ إِليها بَينما هِي هَتفَت تَقول وأَعْيُنهَا تُرَاقب يَد فَريد على خُصْلاتي:
-أُمي طَلبَت مِني اِسْتعجَالكُمْ، لأذْهبُ أنَا.
اِبْتَسَمتُ لهَا لتُغَادر وَيُكمَل فَريد فَعْلتهُ، أنَا لا أَفْهم مَاهية مَشاعرِي. بجِواره أَنْسَى أنهُ مُجْرم وأَنَنِي هُنا لمُدة مِن الوَقت ليسَ إِلا؛ لذا لِمَ يَجْعل مشَاعرِي مُضطربَة. الأمرُ بَدأ يُغْضبُنِي.
غَادرنَا معًا لأَسْتَندُ إِلى ذِراعه عِند اِسْتخْدَامِي للدَّرج ولكِنه فَريد الخَارق ليُحيط خَصري يَرفَعُنِي بِذِراعه حتَّى وَصلنَا لنهَاية الدَرجَات.
تقَدم مِني أبِي يُعَانقُنِي يَتمَنى لِي الشفَاء، قَرُبت مِني عُلا تُصَافحُني وَتَدنُو إِلى أُذُني تَهْمس:
-لنْ تَدوم لَحظَاتك السَعيدة، المَصائب سَتَحلُّ علَى رَأسك واحدة تِلو الأُخْرى.
اِبْتَسَمت لِي بِنهَاية حَدِيثها كَان الجَميعُ مُتعَجبًا مِن عَلاقتِي الطَيبة مَع زَوجة أبِي وَاِبْتسَاماتُنَا وَعِناقُنَا، صَافحتُ مَازن تحت نَظرات تَحْذِيريَة مِن فَريد لِي وَلَه، بَادرتُ أنَا فِي عِناق بتول أَهْمسُ:
-آسفة، لمْ أَسْتطع المجيء.
لمْ تُعَلق فَقط اِبْتَعَدت لتُجَاور أمهَا كَالعَادة، سَأَلتُ عَن عمِي أَنس ليَخْبرُنِي أبِي أنه ذَهب لرَحلة عَمل لنْ يَعود قَبل شَهر، وَحَزنتُ لأن دَادة اِنْتصَار لمْ تُرافقهُم.
تَنَاوَلنا العَشاء معًا وَكَان الكلُ يَجْلس بِهُدوءِ يأكل طعَامه عَداي لأَمِيلُ بِرأسِي إِلى فَريد أنبسُ هَامسةً فِي مُحَاولة مِني لإغَاظتهُ:
-هَل نَظَفت يَدك جَيدًا؟
كُنتُ أَغِيظه بكَلمَاتي لِمَ عَليه اِسْتخدَام يَده للإجابة! حَيثُ تمَردَت يَده إِلى فَخدِي لأَدْفعهَا ولكِنه أَبي بَل زَاد مِن ضَغْطه لأَرفعُ سَاقِي وَتَصطَدم يَده بحَافة الطَاولةِ وَكلانَا تَألَمَ.
وَضعتُ يَدي علَى جَبتهي بإحْراج حيثُ نظر الجَميع إِلينا لأهْمسُ قَائلة بنبرةٍ حَادة:
-هَل سَعيد الآن؟
-اِنْظرُي مَن يتحدث!
-مَاذا يوجد؟
تَسَاءل أَبِي لأُطَالع فرَيد أَحثه للإجابة ليَعْتَدل بِجَلسته يَهتف:
-لا شيء.
-لقدْ تعَاملتُ مَع الحَقير الذِي فَكر بِأَذيتكِ.
قالهَا أبِي وكَأنه إنجاز وأَصْلح سُوء الفَهم بَيننا بالصباحِ ولكِني لستُ سَعيدة؛ لأنه لمْ يَفعل مَا توَجبَ عَليه وفَضَّلَ العَمل علَى حساب اِبْنَته التِي كَادت تُقْتَل اليَوم لَولا فَريد. رَفعتُ رَأسي نحْوه كَيف يتنَاول بهُدوء ولَديه عادة إلقَاء النَظرات الخَاطفة للجَميع حتَّى تَوقف عَندي لأَشيحُ بِبَصري علَى الفَور.
اِنْتهَى العَشاء لَننهض وَنَتجه لغُرفة المَعِيشة يَتناوَلون أطْراف حَديث مُتَنَوعَة حتَّى نَبست أمِيرة بسؤالها:
-عَلمتُ أن السَيدة عُلا ليست أمك، يُثِيرني الفضول حَول أمك الحَقيقة.
-تَوَفت.
أَجَبتُ حَول فضولها وأشاحتُ بِبَصري عَنها لتَلتَفتُ نحْو أَبِي تُكَمل فقرة أسئلتها:
-هَل كُنت تَحبها سَيد كمَال؟
نَظَرتُ إِلى أبِي أَنْتَظر إِجَابته بشَغفٍ ليُفَاجَئنِي بقَوله القَاطع:
-لا.
-خَمنتُ هَذا؛ لأنَك إن أَحْبَبتهَا بصَدقٍ لِمَا كُنت تَزَوجت بِأُخْرى.
قَبضَ كَمَال علَى يَد عُلا بَينما أنَا أُرَاقب فَعْلته تِلك بعَبرات مُتجَمعة في مَقْلتيّ ليَنحني ويَلثم كَف يَدها يقول بحُبٍّ لَمعَ فِي عَينيه:
-عُلا هي حُبِي الحَقِيقي.
-كلوي كَانت زَواج مَصْلحة، ولكِن نَتج عَنه أَجْمل فتَاة رَأتُهَا عَيني.
هَل علىَّ الضَحك الآن! أو الفَخْر بكَونِي أَجْمَل فَتاة رَآهَا أبِي ولكِنه كَان يَكره أُمِي، إن كَان تَزوجَها بِدافع المَصْلحة لمْ يكُن عليه إِنْجَابي لأَشْهدُ على تِلك اللحظات، ألا يَكفِي أنَنِي لمْ أرَ أمِي!
اِرْتَجَفَت يَدي لأَمُدّهَا إِلى كوب المَاء أَمَامِي وَأَرْتَشف مِنه القَلِيل أَنْظرُ للجَمِيع باِبْتسَامة تَدرَبتُ عَليها كَثيرًا لأُخْرجهَا بثبَاتٍ رغْم تِلك الرَجفَة بِيَدي وَدَاخل جَسدِي.
غَادر الجَميع لأَخْفِي رَجفَة يَدي خَلف ظَهْرِي أَبْتَسمُ لهُم وبِدَاخلي أصرخ وأُطَالب باِنتصَار التِي شَهَدت علَى كُلِ مرَاحلِي منذُ أن وُلِدت للآن، هِي الأكثر عَلمًا بكيفَ أُمِي تَركت نَدبًا بقَلبِي لا يُشْفَى أبدًا.
كَدتُ أَصْعدُ لغُرفَتِي حتَّى وَجَدته يَمْنَعنِي بجَسدِه لأَخْفضُ رَأَسِي عَنه وأَهمسُ بِرجَاء:
-اِتْرُكُني.
-حَانت عَلاقتُنَا تأَخْذ خُطْوة جَديَة، أيتُهَا الجَمِيلة.
-فَريد، لُطفًا لستُ فِي مِزاج ل...
قَاطعنِي بقَبْضَته علَى مَعْصَمِي ويُغَادر بِي للخَارج لأنظرُ إِلى ظهره أمَامي حيثُ يَسبقُنِي بخُطُواته لأتسَاءل دَاخلي عمَّ يقْصَده بالخُطْوة الجَديَة! لِمَ لمْ نَصعد للغُرفة!
ذَهبَ بِي للخَارج يُشِير لحَارسه ليَحضَر السيَارة قُلتُ بضيقٍ وأنا أنظرُ نحْو يَده التِي شَبكت بخَاصتِي:
-فَريد، أنَا لس...
هَشهَش لِي ليَضع سبَابته أمَام ثَغْري لأرفعُ بَصري نحْوه ليتمَكن مِن رُؤْية الدمُوع المُتجَمعَة بِمَقْلتَيّ أحَاول الصمُود أمَامه، تَوقَفت السيَارة ليَفتَح لِي بَابهَا وَالكَثِير مِن العيُون تُلاحقُنَا، صَعدتُ إِليهَا وأنَا لا أَفْهَم ماذا يَسْعَى لهُ ليَتْبَعُني وَيقُود السيَارة مُنطَلقًا بِها لخَارج المَنزل.
-إِلى أينَ، يا فَريد؟
-إِلى مكَان يمكُنكِ البُكاء فِيه وحدك.
اِبْتَسَمتُ بتَلقَائية لأَنْظَرُ نحْو النَافذة حيثُ المَارة وَأتسَاءل:
-مَاذا عَنك؟
-سَأكُون غَير مَرئيّ.
رُبما يُقَال عَني مجْنونة وَمعْتُوهَة ولكِني لا أُبَالي، فمَا أرَى سِوى شخصٍ حَنون يُراضِيني عِندمَا يَخْذلُني الجَميع؛ لذا اِنْدَفَعتُ لأَحْضَانه أُعَانقُه بقوةٍ بَينما هُو تفَاجئ ليُوَقف مُحرك السيَارة علَى الفَور لأَجْهشُ فِي البُكاء فقطْ تَتَجَمع العَبرات بمَقْلَتيّ ولكِن يَبدو أنهَا خَافت مِن التَمرُدِ بسَبب فَريد اِبْتَسَمتُ عِند وُصُولي لتِلك النُقطَة ثم اِنْتَحبْتُ فِي بُكَائي فمَا كَان عسَاه سِوى أن يُرَبت علَى كَتفي ويُقبّل رَأسِي يَسْتَند إِليه بِذَقنِه.
-رُبمَا علىَّ صُنع سُترَات كثيرة لأجْلَك.
-لا أُمَانع، ولكِن عدا الأحْمَر.
-اللعنة! مَا مُشْكلتَك باللونِ، يا فَريد.
-لا تَلعَنين ثانيةً ثم مُشْكلتِي ليَست باللونِ بَل بكِ وأيضًا لا أُريد أن أكُون ظالمًا، أيتُهَا الحَسناء.
-أَظُنَنا تعَرفنَا كفاية لنَعود.
-فَريد!
-زَادَتُ رَغبتِي الآن فِي العَودة، أيتُهَا الطَبيبة.
-هُناك جرحٌ عليكِ الاعْتنَاء بِه.
-نَسيتُ، مَا حَال جَرحك؟ هَل تَتَألم؟
-آسفة، اِسْتَنَدتُ إِليه.
-نَسَيتُ؛ فقطْ لأنك لا تشكو كالبَقية.
-تِلك الجروح لا تُؤلَم مُقَارنة بجروح أُخْرى، أيتُهَا الطَبيبة.
-فَريد لا تَسْخَر مِني، أنت لا تَكُف عَن مُنَادَاتي بالطَبيبةِ منذُ أن أخْبَرتُك بأن الحُب دَواء لكُلِ شيءِ.
-ألا تَثقِين بِدَوائك!
صمَتُ لأعودُ حيثُ مَقْعَدي أجلسُ عَليه باِعْتدَال وأُرَدد بقَولِي:
-أُرِيد الذَّهاب لِـ النيل.
-الآن!
-الآن، يَا زَوجي.
تَمْتَم يقول سَاخرًا مِن حالهُما:
-كَأني زَوجك بالفَعل! زَوجك بالوَرقِ فقطْ.
-لمْ يَخْبرُكَ أحدًا أن هُناك مَا يُدعَى بالخِطبة قَبل الزَوَاج، أنتَ تسَرعت ولكِني لستُ مِثلُك مُتهَورة.
قَاد السيَارة متجهًا حَيثُمَا طَلبت تِلك السَيدة جِواره التِي ولأَوْل مَرة يَخْضَع لاِمْرأة يُنَفذ طَلبَاتهَا وأَوامرهَا يَسْتَمع لبُكَائها وَأَحْزَانها، أَلِيس لَيسَت صَفقَة لهُ بَلْ أَسْلوب حَياة يَعْتَاد عليه، فرُؤْيَتُهَا كُل لَيلَة نَائمة بِفرَاشه دَاخل غُرفَته هَذا يَصْنع حَالةً مِن السَلام النَفسِي لهُ.
-هَا قدْ وَصلنا، أيتُهَا الحَسناء.
فَتَحتُ البَاب أَتقَدمُ مِن الرَصِيف وكالعَادة فَريد لا يُمَهْد لِي حتَّى وَجَدته يَحْمَلُني بذراعٍ واحدٍ يَرْفَعُنِي تِلك الدَرجَة الفَاصَلة بَين الطَريقِ العَام والرَصِيف، كَانت تُوجد مقَاعد مُتوفَرة لأَجْلسُ عَليها أَنظرُ للميَاه الهَادئة دون أَمواج والهَواء بَات بَاردًا مِن حَولي، أَلتَفَتُ نحْو حِينما نَبس بسؤاله:
-أتُرِيدين مشروبًا؟
-كَانت الدَادة تَصْنع لي مشروبًا يُدعَى سَحْلب.
تَركَنِي ونَهَض يَبْحث عَن عَربة مُتجَولة تَقف فِي الجوار أو مَحل ليُحْضَر طَلبي وقدْ وَصَانِي عدّة مَرات ألا أَخْطو خُطْوة دُونَه وأن يَعود وَيَجدُني مكَاني، أجبْتُه بمَلل:
-حسنًا فَهَمتُ، اِذْهَب.
كُنتُ أَنظرُ حَولي قِلة همْ المَوجودُون ولكِني اِسْتَمَعتُ لنَحِيب أَحدَهُم كَان يَخصّ طَفلًا، نَهَضتُ أَنظرُ حَولي أبحَثُ عَن مَصدَر الصَوت حتَّى وَجَدت رَأسه يَظهَر مِن ذَلك المَقْعد أمَامِي تقَدَمتُ مِنه لأَجدُ طَفلًا وَسِيمًا يَرتَدِي ثَيابًا بحَالة جَيدة ولكِنه يَبكِي ومَا أن رَآنِي حتَّى ترَاجع للخَلف كحَركة دفَاعية اِبْتَسَمتُ لأَجْلسُ أمَامه كالقَرفصَاء أَضمُ سِيقَانِي لبَعضهُمَا ورَفَعتُ يَدِي لخُصْلاته أقول:
-لا تَخف، أنا هُنا.
-مَا اِسمُك؟
-يامن.
-كيفَ أَتَيت لهُنا، يَا يامن؟
-لا أَعْلم، كُنتُ فِي رَحلة مَع أُختِي ولكِنهُم لمْ يأَخْذونِي.
اِزْدَاد بُكَائه ليَرفَع رَأسه للأعْلى يَصْطَحب مَع بُكَائه الصرَاخ لأُرَبتُ علَى كَتفه برفق وأُردد:
-تَوقف تَوقف لا تَبكي، لأُعِيدك إِلى أُخْتك.
-حقا!
سُرعَان مَا توَقفَ عَن البُكاء لأَعْقدُ حَاجبيّ مِن سُرعته لتجَاوز الأمر، أومَأت له بِرأسِي لأَجْعَله يَقف وَأَنهَضُ ثم قَبَضتُ علَى يَده أَقول حِينمَا تَذكرتُ تَحذيرات فَريد لِي:
-ولكِن أولا نَذْهَب للعم فَريد.
-مَن العَم فَريد؟
-هَل أنتِ تُكَذبِين علىَّ ولنْ تـأخذِينِي ليُمنَى وستَخطَفِينَني؟
اِنْحَنَيتُ لهُ أَقْترب لطُوله وَأَقول وَأنَا أَعْبث بِخُصْلاته البُنية الجَميلة:
-العَم فَريد زَوجي، وأيضًا هُو مَن سَيُسَاعدُنا.
-ثانيًا لن أَخْطَفك، أيُهَا الوَسيم.
-ولكِن لدي شرط.
-مَا هُو؟
-قُبلة صَغيرة مِنك.
اِبْتَسَم يامن ليُقَبّلني علَى وَجنتي لأُبَادله اِبْتسَامته وَاسْتَقَمتُ بِوَقفتِي لأَعُود لمَقْعدنا قَبل أن يَأتي فَريد ولكِن يُعَارضني الحَظ دَوما كَاد أن يَصْرُخ باِسْمي يَبْحَث عَني حتَّى قُلتُ وَأنَا أَضعُ يَدي علَى فَمه أُهَشْهَش له:
-لا تَصْرخ، أنا أمَامك بخَير.
-بمَاذا حَذرتُكِ، يا أَلِيس؟
-فلتَنسَ تَحذِيراتك الآن.
نَظرَ خَلفي ليَرى الصَغير يَتشَبثُ بِي لأُوضح له مَا حَدث، أعْطَانِي كأسي وَجَلس علَى المَقْعد يَجْذب أمَامه يامن.
-مَا اِسْمُك؟
-يامن.
-اِسْمُك بالكَامل؟
-يامن فارس حسن الألفي.
-حسن الألفي!
-هذا جدي.
-حقا!
أخْرجَ هَاتفه يَبْحَث فِي مَعرض الصور لَديه بَينما أنا كُنتُ أَشْربُ مِمَا جَلبه لِي بِاسْتمْتَاع وأَنَا أَنظرُ إِليهُما، رَفعه فَريد بذِراعه ليَجْعله يجْلس علَى قَدمه وقدْ أَخْرج صورة أَحدهُم ليُرِيهَا ليامن الذِي هتفَ بحَماسٍ:
-إنه جَدي، هَل تعْرفه؟
-كَيف لا أَعْرفه!
قَالها سَاخرًا مِن الحَال الذِي أتَى بِه لهُنا، لأَلقِي نَظْرة إِلى الهَاتف أنه اللواء الذِي رَافق رَعد يوم العَملية وَحِينما خُطَفت، نَظرتُ للصَغير أقول باِبْتسَامة:
-رَأيت؟ العَم فَريد يَعْرف جَدك وسَيتَصل بِه ليُعِيدك لأُختك.
وجَدتهُ يَمِيل نحْوي يَهْمس بِأُذُني بَينما أَغْلق اُذُنَيّ يامن:
-وماذَا يَجْعَلُني أُعِيده لعَدوي، أيتُهَا الحَسناء؟
-فَريد!
-لِمَ أنتِ مُتفَاجئة! أنا لا أُفَوت الفُرص.
-إلا إذا...
-إلا إذا؟
دنَى مِن أُذُنِي أَكثر لأَشْعرُ بحَرارةِ أنْفَاسه علَى عُنقي وبَشرتِي لأُطَالُعه بحَنق مِن اِسْتغلاله للفُرص، ليتسَاءل الصَغير:
-مَاذا يوجد؟
-لا شيء، أيُها البَطل. فلنَنتَظر جَواب السَيدة.
-فَريد، أنت...
رَفَعتُ سبَابتِي أمَام وَجهه ولكِني اِبْتَلَعتُ بَقية كَلمَاتي حتَّى لا يَسْمَعهَا الصَغير ونَهَضتُ أقُول وأنَا أَعقدُ ساعديّ:
-اِتصَل بِه، لنُنهِي الأمْر.
-أَلِيس أنَا أثَق بكِ.
-حسنا فهَمت، أيُهَا المُسْتَغل.
هَمَستُ بآخر كَلمَاتي لكَي لا تَلتَقطه أُذُن الصَغير، تَرك معِي يَامن ونَهَض يَتحَدث إِلى اللواء حسن الذِي كَان مُضطربًا يَجْلس علَى مَقْعده وأمَامه اِبنه فَارس يتسَاءل عمَّ إن حَدث جَدِيد، فهُو مُتغَيب مِن ظُهر اليَوم كَان برِفقَة أُخْته يُمنى فِي رَحلة مَدرسية ولسُوء حَظه كَان تائهًا وخَرج مِن البوابةِ الخَلفية يَبحث عَنها حتَّى غَادرت الحافلة، حَاولت يُمَنى التَحَدث لأحدِ المُشْرفِين ليَخْبرها أحدهم بإهمَال رُبما صَعد للأتوبيس الأخْر ولكِنها صَممت أن تُجَاور أخاها فلمْ يَسْتجَب لهَا المُشرف نَظرا لضيق الوَقْت وَأنهُم مُلتَزمون بمِيعاد يَعودون بِه للمَدرسة.
دَلف لدَاخل الغُرفة رَعد الذِي أتَى مهَرولًا مَا أن عَلِم بالخَبر يتساءل عَن المُسْتَجَدات ولكِن بلا فَائدة، تعَالى رَنِين هَاتف حَسن ليُجِيب:
-حسن الألفي.
-مَن؟
-فَريد حَرب.
-أنت!
-لَديك أمَانة ضَائعة مَعي.
-مَاذا! يامن مَعك؟
نهَضَ حَسن غَاضبًا تَبعه فَارس يَقْترب مِنه ويسأله عَن يامن ليُقاطعه حسن بِقَوله مُهَددًا فَريد:
-إن أصَابه مكروهًا، لن..
قَاطع فَريد تَهديده الجَلي وهُو يَنظر إِلى يامن يُلَوح له مُبتسمًا:
-لمْ تَخْبرُنِي أن الإنتاج هَذا يتَوفر فِي عَائلتك، ولكِن لا يهم.
-لتُقَابلُني، سَأُرسل لك العَنْوان مُفصًلا.
-لا تَقلق لا يَوجد مُقَابل.
نظَر نحْو أَلِيس بخُبثٍ لتُقَابله بأُخْرى غَاضبة، أَغْلق فَريد المُكَالمة وَأرسل مَوقعهُمَا ليَعُود لهُمْ يَرفع يامن إِلى كَتفه ويَغْمز لـ أَلِيس باليُسرى يَهْمس:
-لنْ أتنَازلُ عَن اِبنة بأَعْيُن زَرْقَاء.
-فقطْ بِأحْلامَك، يا فَريد.
كُنا نَجْلس بِانْتظَار الجَد ولكِنني عَانقتُ نَفسي بِذِراعيّ أشْعرُ بالبرُودَةِ ليقول بِلامُبالاة:
-اِفْتَحِي السيَارة، يُوجد مَعْطفًا بداخلها لا تَطْمَعِين بِمَعطَفِي.
-أُفَضل البَرد على اِرتدَاء مَعْطَفك الذِي تَرْتَديه.
اِتْجَهتُ للسيَارة أَبْحثُ عَن المَعْطف الأَخْر الذِي تحَدث عَنه، كَان يَقف وجوَاره يامن الذِي ضَحك علَى نُكتَة ألْقَاهَا فَريد ليَنْتَبه إِلى صراخ أَحْدهُم باِسْمه ليَرفع رَأسه للأعْلى وكَذلك التِي خَرجَت مِن السَيَارة لتَرى رَعد يتَقَدم نحْو فَريد بخُطُواتٍ أَشْبه بالركضِ ليَلكمه بقوةٍ فِي وَجْهه وَيَتْبَعهَا بِأُخْرى فِي مَعْدته حيثُ جَرحه، جرى فَارس إِلى يامن يُعَانقه بلهفةٍ بَينما حَسن رفعَ مُسَدسه نحْو فَريد الذِي سَقطَ بالأرضِ يَقْبض علَى معدته بأَلمٍ.
-فَريد!
نَادَيته بخَوفٍ ورَكَضتُ إِليه أَجثو علَى رُكبَتَيّ أَضعَ يَدي فَوق خَاصتهُ حيثُ جَرحه أنبسِ بسُؤالي:
-أنتَ بخَير؟
رَفَعتُ يَدي نحْو شَفَتَيه السُفلِية التِي جُرحَت لأَنهَضُ وَأصْرخُ بِرَعد:
-أنتَ غَبي! لِمَ تَضْربه وهُو كَان يُسَاعدكُم؟
نَظرُوا ثَلاثَتهُم إلىَّ ولكِن رَعد كَان أَكثَرهُم دَهشةً وتعجُبًا مِن دفَاعي عَن فَريد فقطْ شَعرتُ بظُلمٍ نحْو فَريد الذِي كَان مِن الأَسْهل لهُ تَحطيم عَدوه بَدل إنقاذ حَفيده، اِسْتَندَ إِلى المَقْعد وَنهَض يَنْحَنِي قَليلا للأمَام ليَقول باِبْتسَامة:
-إن لمْ يَكُن هُناك طفلٌ بَيننا لكُنتُ كَسرتُ يَدك تِلك.
-وهَل صُدفة أن يُصْبَح حَفِيدي مَعك، أيها الخائن؟
-فَريد لمْ يَجده بَل أنا وَفَريد لمْ يَتردد في مساعدتُنَا.
-إن لمْ يَكُن فَريد هُنا لِما كَان حَفِيدك يَقضِي الليلة بَين أحْضَانك.
-أنتَ مُدِين له بشُكر.
-وأنتَ...
رَفَعتُ سبَابتِي إِلى رعد الذِي أصَابه الذهُول حِينما أَشَارت عَليه تَتبع حَركتهَا كَلمَاتها التِي لمْ يَسْتطع رعد اِسْتيعَابها.
-وأنتَ مُدِين له بِاعْتذَار.
اِتَسَعَت اِبْتسَامة فَريد أَسْتَطِيع الشعُور بِه لأَلْتَفتُ لهُ أَراه يَتكئ إِلى السُور مِن خَلفه، هَتفَ رعد غَاضبًا:
-لنْ أَعْتَذر له.
-حسنًا لنَذهَب وَنَثْبتُ وَاقعة.
تقَدمَ فَريد مِني يَقْبض علَى يَدي يُقَبّلُهَا يَقول وهُو يَنظر إِلى ثلاثَتهُم وَإِلى نَظرَات الدَهشة بأَعْيُنهُم عِندمَا أَردف بكَلمَاتٍ لا تُنَاسب شَخصيته وأَسلوبه:
-لا يهم يا زَوجتي، أنَا أسَامحه.
-حسنا، لنُنهِي الأمْر هُنا.
قَالها فارس وهُو يَنظر إِلى اِبْنه الذِي غَفَى بَين أَحْضَانه، ليَقول بَعدمَا مَدّ يَده نحْو فَريد ليُصَافحه:
-نَشْكرُك وأيضًا نَعْتَذر لك.
صَافحه فَريد ليَنظر إِلى رعد الذِي كَان يُطَالُعنِي باِنزعَاجٍ وضيقٍ لتُصْبح تعَابير وجهه فَاضحة للجَميع، هتفَ يُردد بقَوله:
-إن لمْ تخْفض عَيناك عَنها، سَأقْتلعْهُمَا لك.
-لنَذهَب، يا فَريد.
جَذَبتُ ذِراعه لنَتَجه إِلى السيَارة فَتحَ لِي بَابهَا لأَصعدُ إِليها وتَبَعَنِي فِي حَركتي وهُو يُراقبهُما ليُدِير المُفْتَاح فِي مكَانه ويَقودهَا مُغَادرًا وقدْ أَصْدَرت صَوتًا قويًا بسببِ اِحْتكَاك إِطَارهَا بالأرضِ الصَلبة أَسْفلُهَا.
-سَيدي، إنه...
-لا تتحدث، أنت جَعْلته يَكسب نقطة ضدنَا.
-وأيضًا تِلك الفتاة فلتُحَل أمرك مَعْهَا بنَفسك.
-لنَذْهب، يا فَارس.
-شكرا على مُساعدتك، يا رعد.
قَالها فَارس الذِي تَبع أبَاه ليركبوا سيَارَتهُما ليَلحَق بِهم رَعد بسَيارته ليعَود كُلٌ مِنهُم إلى مَنزله.
مَا أن فُتِخ البَاب حتَّى هَتفَت أُمه باِسْمه تَأخْذهُ بأحْضَانها وتُقبّله بعَشْوائية علَى وَجهه وَخُصْلاته تَزِيد مِن بُكَائها حتَّى اِسْتَيقَظ يامن الذِي نظَرَ لأُمه باِبْتسَامة يقُول وهُو يُطَوق عُنقها بذِراعيه:
-اِشْتَقتُ لكِ.
-وأنًا أيضًا، ويُمنى لمْ تَنم حتَّى هَلكهَا البُكاء.
-اِشْتَقنَا لك، عزيزي.
-خُذِيه لغُرفته، يا زينب.
أومَأت بِرأسها لتَدلف بِه لغُرفة أَبْنَائها تَضْعه علَى السرير تَجْلس أمَامه وَتَسأله أينَ كَان لتُحْضر ثَيابًا له يَرتَدِيها حتَّى الصَباح ليَقصّ عَليها قصة أَلِيس وفَريد اللائي أنْقذوه لتَدعو لهُم كثيرًا وعَانقت اِبْنهَا بقوةٍ تَبكِي بفَرحةٍ عَلى عَودته.
أنت تقرأ
عِندمَا تَتَقَاطع الطُرق: بَين الحُبِّ والحَقِيقَة
Romanceالحُبّ وَالحَقِيقَة وَجهانِ لعُملةٍ واحدةٍ، يتشَارِكَان فِي العديدِ مِن السماتِ وأحْيانا يَنْتَهِي الطريق بِهُمَا، ولكِنَ الطُرقات تَتَقاطعُ وَيُصْبح الإنسان مُضطرًا لِسلكِ طَريقٍ واحدٍ. ثمةَ لِقاءَاتٍ لا تخْضعُ للصُدفةِ، بَل تُنسج بخيوطِ القدر. فِي...