١٨/مَا بينَ فِتْنَةِ الخَوفِ وَأَلمِ الحُبِّ.

32 2 3
                                    

رِواية/ عِندمَا تَتَقاطع الطُرق: بَين الحُبِّ وَالحَقِيقَة.
الفصل الثَامن عَشر بِعنْوان/ مَا بينَ فِتْنَةِ الخَوفِ وَأَلمِ الحُبِّ.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
.

سَقطَ جَسد الرَجل أمَامهُما؛ فحِينمَا حَاول السَائق يتفَادى اِصْطدام أَلِيس أدَار عَجلة القيَادة لتَنحرف السيَارة باِتجَاه الرَجل الذِي كَان يفرّ هَاربًا مِن قَبضة فَريد، شَحبتْ مَلامحها وتصَلبت عَضْلاتها هَل كَاد السيَارة تَصْدمها للتو!
ركضَ إِليها ليُحِيط وجنتَاها بيدَيه يُمَرر إبهَامه برِفقٍ ويتسَاءل وهُو يَرفع وجهها قِباله لتُعَانق عَيناه خَاصتها:
-أنتِ بخَير؟
اِلتَفتَت للخَلفِ تَنظر للرَجل المُلقَى بالأرضِ والدمَاء تُغَطِيه والجَمِيع يَتلف حَوله لتُفَكر بأنها كَادت تُصْبح بمكَانه، أدَار وَجهها إِليه ليَضمهَا ويعُود بخُطُواته للخَلفِ يحْمِيها مِن السيَارَات الأُخْرى.
قَرُبت زَينب مِنهُما تُردد بقَولها:
-للمَرة الثَانية لا أعْلم كيف أُعَبر عَن اِمتنَاني لكُم.
رفعَت أَلِيس بَصرها إِليه وكَانت تَشعر بالتَأنِيب تُطَالعه بأعْيُن بَريئة تخَاف العقَاب لتَنتَبه إِلى جَرحه فَوق حَاجبه لتَعْتدل وتَرفع رَاحة يَدها إِلى وَجنتيه تُردد:
-أنت تَنزف، هَل تمْلُكِين عُلبة اِسعافَات، يا زَينب؟
-نعم، أحْتفظ بِها مِن أجلِ يَامن ويُمنَى.
-حَسنا، لنَذْهب.
كَادت تَتخطَاه وتَتجه للدَاخل تَأخذ مِنها أدوَات التَضمِيد ولكِنه قَبض علَى ذِراعها يُعِيدها إِليه ويقول:
-لا يهم، لنُغَادر.
-لا، أنت تَنزف.
قَالتها أَلِيس وهِي تَتجه للدَاخل، وكَانت زَينب قَلقة مِن عَودة زَوجها المُفَاجئة والآن علمَت لِمَ رَفض فَارس أن تدعوها هِي وزَوجها؛ فَفريد اِبن حَرب عدو حَسن وزَوجها.
-أَلِيس، لنَذهب.
-عمي أنت تَنزف لنُضمد لك جَرحك.
-عمك يَظن أنه قوي ويتحَمل الألم.
-لا تغْضبيني، يا أَلِيس.
-أنت تَنزف و...
-اللعنة علَى نزِيفي!
رَفع إبهَامه ليَمسح علَى جَرحه ويُزِيل دمَاءه بقوة وهُو يُطَالعها بغَضب، ظَنَّت أنه غَاضب لكَونها عَصت كلمَاته وتحَايلت علَى أيهَم والحَارس؛ لتَهْرب مِنهُم.
اِسْتمعوا لإنذَار سيَارات الشُرطة والإسعَاف ليَقْبض علَى يَدها ويَجْذبها خَلفه يُغَادر ولكِنه توقفَ؛ لظهُور حَسن أمَامه ليَنظر نحْو زَينب ويسْأل:
-الجَميع بخَير؟
أومَأت برَأسها ثمّ نَظرت إلى فَريد المتجَهم يَنظر للأمَام يتفَادى النَظر لعَينيه، نَظرت أَلِيس للرجل المُلقى بالأرض لتقُول وهِي تَشرح الحَادث:
-كَان الرَجلُ يخْطف يَامن ولكِن فَريد أنقذه، وعندمَا فَرَّ هَاربًا اِصْطدمت بِه السيَارة. فَريد لا دخل له ولمْ يقْتله.
-هَل أنتِ قَلقة عَلى زَوجك، يا سيَدة أَلِيس؟
عَانقت أَلِيس ذِراع فَريد الذِي خَفقَ قَلبه ونَظر نحْوها لتُجِيب عَن سُؤال حَسن:
-فَريد ليسَ مُذنبًا؛ لذا علىّ توضِيح الأمور.
-للمَرة الثَانية نُصْبح مُدِينين للسيَد فَريد.
قَالها حَسن وهُو ينظر إِليه ليُبَادله فَريد وقَبض علَى يد أَلِيس يُردد:
-لنذهب.
-حَقِيبتي بالدَاخلِ.
سَمحَ لهَا تعُود للدَاخل مَع زَينب ويامن تُحضر الحقيبة، كَانت زَينب تَبتَسم باِرتباك ومُجَاملة لأَلِيس التِي بررت بكَونها قَلقة على اِبنها، اِرتَدت معْطفها واَلتَقطت حَقِيبتها لتَدنو مِن يَامن وتُقَبّله وتَشِير ليُمنى التِي اِقْتربت مِنها بخُطى مُترددة لتَبتسم لهَا أَلِيس بَينما هي نَبست بسُؤالها:
-هَل ستَأتِين ثَانية؟
-رُبما، ولكِن الآن علىّ العَودة مَع العم فَريد؛ لأنه ينتَظرني بالخَارج.
اِقْترب حَسن مِن فَريد ليَقف علَى مقْربة مِنه ليقُول:
-مَا الذِي أتى بك لهُنا؟
-زَوجتي، أتيتُ لأصْطحبُ زَوجتي.
-الفتَاة البَريئة التِي لا تعْلم وجهك الحَقِيقيّ.
-ومَاذا يُضَايقك بالأمرِ، سيد حَسن؟ إنها زَوجتي أنا.
-لا تظهر أمَامي أو أمَام عَائلتي ثانية.
-ليسَ شَرفًا أتوق الحصُول عليه.
-نحنُ أعدَاء، يا سيد حَسن.
-ولكِن مَاذا نفعل بقَلبِ زَوجتِي لا تعْلم أن زَوجة اِبنك تخْدعها و...
-اصمُت!
قَبض حَسن علَى قَميص فَريد باِنفعَال ورَدد بغَضب:
-نحنُ لا نفْعل هَذه الألاعيب الرَخيصة، مَن يفعَلها أشباهك وأشباه حَرب.
-كُن مهذبًا، أيُها السيد.
-بأيّ حق تقْبض على قَميصي؟
قَبضَ فَريد على يَد حَسن أعلَى قَميصه ليَخْفضها بِبُطءٍ، عَيناه لا تحِيد عَن خَاصةِ الآخر كَانت مُتشابهة؛ فكُلاهُما يَنظران بحَدة وغضب خَفيّ، ليتلاشَى اِنفعَالهم مَا أن هَتفت أَلِيس باِسمه ليَلتفت نحْوها ويمَدّ يَده إِليها لتُشْبَك أصَابعها بخَاصته وتُودع حَسن باِبتسامة ليَعْبر فَريد الطَريق حيثُ الجهَة المُقَابلة.
صَعدَ للسيَارة يَنتظرها لتَركب ومَا أن فعلت حتَى اِنطلقَ بأقْصى سُرعة جَعلها تَضْطرب بجَلستها وتَتشَبث بالمَقْبضِ أعْلى البَاب.
عَادت الصور لرَأسي بصُحبة صُدَاع لأغْلقُ مقْلتَيّ أرى شَخصًا تعْلو يَدي فَمي يَمنعني مِن الصراخِ لأُطَالب بالنَجدة، بَينما بيَده الحُرة يَحقن المَحلول المُعَلق بيَدي بإِبرة مجهولة ليَظهر مِن خَلفه شَخصًا يُحِيط عُنقه بذِراعه يَخْنقه ليُسَدد الأول بمَرفقه ضَربة له وأفْلتَ فَمي، حَاولتُ الصراخ ولكِن الغُرفة تَدور بِي وأعْيُنِي تجْبرُنِي أغْلقها.
شعرتُ بوخزِ الإبرة وهُو يخْرج مِن كف يَدي ليَرفع راحة يَده إِلي وَجنتي يَحثنِي علَى التنَفسِ، ركضَ الرَجلُ للخَارج وحَاول الذِي بجِواري يَلحق بِه ولكِني قَبضتُ علَى معْطفه الأسود ولكِن قَبضتي لمْ تكُن قَوي لتَمنعه، فسَقطت رَأسي فَوق الوسَادة أسْتسلمُ لغَيمتِي السودَاء.
فَتحَت مقْلتيها لتَجده يتوَقف بالسيَارةِ يُطَالعُها بقَلقٍ ويَرفع رَاحة يَده إِلى وَجنتها يَهْمس باِسمها، اِضْطربَت أنفَاسها ليَجذبهَا لأحْضَانه ويتسَاءل:
-بِمَ تشْعرين؟
-ذَلك الحَادث يأتِي لِي بصورٍ.
-أي حَادث؟
اِبتَعدت عَنه ليَقْبض علَى أنَاملها المُرتجفَة وتُجِيبه وهِي تحْكِي باخٍتصَارٍ الحَادث وأنها خُطِفت مِن قَبل وفَقدت ذَاكرتها والآن يعُود لهَا بهَيئة أحدَاث غير مُترابطة، عَقب كَلمتها الأخِيرة بَهُتَت مَلامحه، مَاذا يعني! هَل هِي علَى وشك اِستعَادة ذَاكرتها المفقودة؟ هَل ستَعلم حَقِيقته وأنه كَاد يقْتلها ولكِنه لمْ يَسْتطع وَوقع بحُبِّها، دَام الأمر لسنوَات حتَى اِعْترفَ أنها أحيِّت بقَلبه شَيئًا، لمْ يَظن أن بعض المشَاعر الدافئة قدْ تَتمَلكه بفعَلِ الحُبِّ.
اِعْتَدل بجَلستِه ليَقْبض علَى عجلةِ القيَادة بقوةٍ حتَر بَرزت عرُوقه بَينما هِي كَانت مُتعبَة لتَسْتَند برَأسها إِلى النَافذة ويَنطلق عَائدًا للمَنزل.

عِندمَا تَتَقَاطع الطُرق: بَين الحُبِّ والحَقِيقَةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن