١٩/اِعتذَار مِن نوعِ خَاص.

36 2 4
                                    

رِواية/ عِندمَا تَتَقاطع الطُرق: بَين الحُبِّ وَالحَقِيقَة.
الفصل التَاسع عشر بِعنْوان/ اِعتذَار مِن نوعِ خَاص.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
.
سُلِطَت الإضَاءة نحْوها لتُبْرز جمَال الثَوبِ علَيها، كَان باللونِ الأحْمرِ القَاتم يَصل لِمَا قَبل كَاحلها، ويَتسع مِن الخَصر، يتكون مِن عدّة طبقَات ولا يَلتصق بجَسدها عدَا الجزء العُلوي، كَان بحمَالاتٍ رَفِيعة عَلى كتفيها ليَبرز عظمَتيّ الترقوة، وأُضِيفَ له لَمعَان بفعلِ الجزء السُفلي مِنه؛ فكَان يَتدرج بشكل السماء المَملوءة بالنجومِ في الليل يَميل للون النِيلي تتوسطه نقاط بيضاء كالنجوم، ويمتاز بفَتحةٍ مِن الرُكبةِ حتَى نهَايته، رفعت خُصْلاتها للأعْلى لتَتمرد بعْضها فَوق وَجهها وخَلف أُذنَها بعشوَائية، وبُرِزَتْ عَيناها بالكُحل الذِي حَددها ودُمِجَت الألوان الزرقَاء والسودَاء فَوق عَينيها لتُصْبح مُلائمةً مَع نهَاية الثَوب بالإضَافة لحذَاءٍ أحْمر بِبطَانةِ سودَاء.
كَانت تَسِير بخُطُواتٍ ثَابتةٍ تَنظر للأمام بمَلامحٍ حَادةٍ بَهُتَتْ مَا أن وَجدته يقْتحم المَنصة مِن الجَهة المُقَابلة يَسِير باِتجَاهها ولمْ ترَ مَا تحْمله يَده، اِنْتَبهَت لهَمسَاتِ الجَميع، فالكُل يتَحدث عَن اِقْتحَام فَريد للمَنصة حتَى العَارضات لتَفْلتْ شَهقةً مِن دَاليدَا، والمصورُون كَانوا يمْلكُون رأيًا آخرًا ليَلتَقطوا عدّة صور ثُنَائية لهُم، فقمِيصه الأسود مَع بنْطلونه كَانا يتنَاسبَان مَع ثَوبها.
عَادت لتَنظر نحْوه بعدمَا كَانت تدُور بعَينيها يَمينًا ويسَارًا، كُلمَا قَرُبَت خُطُواته إليهَا ترَاجعتْ خُطْوة بالمُقَابل، لتُصْبح وَتِيرة أنفَاسها حَادة ويَرتفع صدرهَا ويهْبط بقوةٍ بعدمَا كَان الجَميع يَنظر نحْوها بذهولٍ الآن زَادَ ذهُولهُم ذهُولًا.
لا أعْلم متَى أخْرجَ هذَا الردَاء أو مِن أينَ أحْضره ليَرفعه للأعْلى ويَسقط فَوق جَسدي لأرفعُ بَصري إليه أُطَالعُ نظرَاته الحَادة والمُتناسقة مَعْ فكه يَعْقد خَيط كُل طَرفٍ مِن الردَاء بالآخر، كَدتُ أعْترض حتَى وَجدته يقْبض علَى يَدي يُعَانق أصَابعه بخَاصتِي وهَمس أمَامي بجُملته التِي قَاطعتنِي:
-غَادرِي معْي بهدوءٍ؛ حتَى لا أحْرقُ هَذا المكَان بالجَميع.
جَذبنِي خَلفه ليعْترض طَريقه المُصمم وحَارسان مِن خَلفه ليُردد بنَبرته الأنثوية التِي لمْ تَرُق لفَريد مَثلُي:
-إلى أين تَأخذ عَارضتنا؟ لا حقْ لك.
-اِصمُتْ.
دَفعه فَريد بأطرَافٓ أصَابعه ورغْم ضَعف الدَفعة تَرنح المُصَمم وتَأوَه بألمٍ ليُشِير لحَارسيه بعَينيه نحْو فَريد الذِي تخَلى عَن يَدِي؛ ليتفَادى ضَربة الحَارس الأوَلى وسَدد له لكمَة بمعدته بَينما الآخر رَفعَ سَاقه نحْوه ليَركله بِها ويجْعله يَسْقط مِن المَنصة للأرضِ، كَاد يَضربه الثَالث وقَبل أن تهْوى يَده التِي رَفعها وَجد مِن يقْبض عليها ولمْ يكُن سِوى أيهَم الذِي يَظْهر بكُلِ مَوقف؛ ليَنهِي الفَوضى التِي يبدَأها فَريد.
عَادَ ليَقْبض علَى يَدي مِن جديد وجَرّني مَعْه لآخرِ المَنصة، قفزَ للأسفلِ ولمْ تكُن المسَافة قَصِيرة ولكِني لا أظنُّ أنَني قَادرةً علَى فعْلها بالكعبِ الذِي أرْتَدِيه، ليمدّ يَده نحْوي ورَفع بَصره إلىَّ ليحثُنِي علَى قبُول مُساعدتي، قُلتُ بحَنقٍ مِن تصرفَاته التهْوَريَة:
-لنْ آتِي مَعْك لمكَا...
صَرختُ حِينما اِلتَفَ ذِراعه حَول سَاقيّ يَدفعني إِلى كتفِه، لمْ أتمَنَ بهَيئتِي هَذه تُلْتَقط مِن قِبل المصورِين لأخفِي وجٍهِي بكَف يَدي بَينما يَدي الأُخْرى تَتشَبث بقَمِيصه مِن الخَلفِ؛ لكِي لا أسقطُ.
-فَريد، إن لمْ تخْفضنِي بالأرضِ الآن سَأُبَلغ عنك.
-أخْبرُك أن تُنَزلُنِي الآن.
-اللعنة علىَّ؛ لأنَني قَبلتُ الزوَاج بمُختلٍ مَثْلُك.
لَمْ يخْفضُني إِلا بدَاخلِ السيَارة وصَفعَ البَاب خَلفي ليَتقدم إِلى المَقْعد المُجاور ويَصْعد إِليه ليَنطلق بالسيَارة إِلى وَجهة لا أعرفُ مَاهيتهَا، ولكِني كُنتُ غَاضبةً مِن تحَكمه المُفْرط وأسْلوبه فِي التعَامل كيفَ حمَلني فَوق كتفه أمَام العَامة دون خَجل! ووَضع علىَّ ذَلك الردَاء بلونِه الأسْود الذِي يبقَي مَع أفْراد التَنظِيم للحَالات الطَارئة كحدُوث تمَزق بالثَوبِ الذِي تَرْتدِيه العَارضة.
رَمقهَا بنظرَاتٍ خَاطفة يُراقبها ثمَّ عَاد ليَنتبه إِلى الطَريق أمَامه فِي حِين أنهَا كَانت سَاكنةً رغْم كَلماتها المَحشُورة بحَلقها ورغْبتها بالبَوح عَنها؛ حتَى تُذْهب غَصتها المُؤلمة ألا أنها كَبحتها ولازَمت الصَمت.
توَقفَ بإحْدَى الأمَاكن الهَادئة لتَنتَبه إِليه وإِلى مُحَاولته للتحدث لتَهْتف بقَولها:
-عُدّ للمَنزل.
-ولكِن...
قَاطعَته بنَبرتها الحَادة والغَاضبة، وقدْ هَمعَت عَيناها بالدموع وسُرعَان مَا أزَالتهُم تُردد:
-عُدّ للمَنزل، لا أريد أن أَبقَى معك بمكَانٍ.
أنصَتَ لهَا ليُدِير مُحَرك السيَارة ثانية يقُودها ويَنطلق للمَنزل، ومَا أن عبرَ مِن البوَابةِ الحَديدية وتوَقف حتَى هَبطت لتَصْفع البَاب خَلفها بقوةٍ وتَنظر إِلى أيهَم الذِي عَاد قَبلهُما بعدمَا فَرغَ مِن الفَوضى التِي اِفْتعلهَا فَريد بالحَفل وأعَاد دَاليدا للمَنزل بأمَان.
اِقْتربت مِن تخْلع الردَاء الأسود الذِي وُضِعَ فوقها وحلَّتْ عقْدته لتَضعه بَين يديّ أيهم وذَهبت للدَاخل، مَا أن رَأتها دَاليدَا حتَى قَرُبَت مِنها لتُبَادر بالحَديث ولكِن أَلِيس تجَاهلتها لتَصْعد للأعْلى بخُطُواتٍ مُتسَارعة، وتُغْلق البَاب خَلفها وفِي أثنَاء سَيّرها للأرِيكة نزعَت قَرطَيها لتَلقِيهم بالأرضِ وتجْلس فَوقها وهِي مُثقلة بشعورِ الانكسَار.
لحقَ بِها ليَفتح البَاب ولكِنه مُغْلقٌ ليَطرق عليه يأمُرهَا أن تَفْتحه لتَأبَى حتَى أنها نهضَت تَسْتَند إِليه تقُول بضِيقٍ:
-لا أُرِيدُكَ بالغُرفة، غَادر.
لمْ يُجَادلها لتَسْتند بجَبهتهَا إلى البَاب، ومِن ثمَّ اِنتَبهَت عليه وهُو يقُول بعدمَا ترَاجع للخَلف بضع خُطُوات:
-اِبتَعدِي عَن البَاب إن كُنتِ خَلفه.
كَاد يجٍري باتجَاه البَاب يَصْدم كتفه بِه فيُفْتح ولكِنها مَا أن اِسْتنْتَجت مقْصده ومَا قَادم لفَعله فَتحت البَاب لتَراه حيثُ كَان مُتأهبًا لكَسر البَاب ليَعْتدل ويُراقبها بصَمت وقَبل أن يخْطو نحْوها تَركته لتعُود للدَاخل ليَتبعها ويغْلق البَاب خَلفه.
قَرُبَ مِنها حتَى وقفَ خَلفها يَرفع يَده إلى كتفِها لتَبْعدها بعُنفٍ وتَدور لتَقف قِباله تَرفع سبَابتها أمَام وجهه تَقول:
-أنتَ قُلت أن زوَاجُنا صَفقة؛ لذا أَلْتَزم بكَلمتك حتَى تحْصل علَى مُرادك مِن أبِي، ومَا تَتطلع إليه مِني لنْ تأخْذه.
كدتُ أذْهبُ للحمَّام ومَرَرتُ مِن أمَامه حتَى شَعرتُ بقَبْضته تأسْرُنِي وأعَادني إليه يُرَاقب مَحَاولاتِي باِنتزَاع يَدي مِنه والذَّهاب قَبل أن تخُونَنِي عَبرَاتِي لأتوَقف عَن الحَركة حِينما نَطقَ:
-آسف.
رَاودُنِي سُؤالا عمَّ إن كَان هَذا مُخَططًا؛ لأرضخُ له؟ رَفعتُ بَصري إِليه أبتلعُ غَصتي ورَددتُ بقَولي:
-لنْ أرضَخ لكَ ثَانيةً، يا فَريد.
-أنت قُلتهَا مَرة مِن قَبل ولمْ تَفِي بِها.
نَزعتُ يَدي مِن قَبْضته وخَطَوتُ نحْو الحمَّام أهْربُ مِن عَينيه التِي أرْبَكتني بنظرَاتها المُتَألمة، وقفتُ حِينما نَبسَ باِنكسَارٍ شعرتُ بِه فِي نَبٍرته وعَينيه:
-إن أردتِ أجْرحِيني بهذَا السكِين، ولكِن لا تَبقِي حَزينة.
عقدتُ حَاجبيّ لأَلتفتُ أُطَالع سَكينًا أبيضًا حَادً بحَوزته، كَيفَ خُيَّل لعَقله أنَني قدْ أفعلُها بِه!
لِمَ أتعَاطف معْه ومعْ عَبراته الحَبِيسة لدَى عَينيه! اِضْطَربتُ لأشِيح بَصري عَنه خَشيةً أن أخْضع لمشَاعري، عَضضتُ علَى شفتَيّ بألمٍ أثر قَلبِي الذِي خَفِقَ بقوةٍ.
أرْغْمتنِي قدمَاي لأقْتربُ مِنه بخُطُواتٍ بِبدَايتها كَانت مُترددة ليَنقل بَصره بَين المسَافة التِي تقل بَيننا وبَين عَينيّ، كَنتُ أُطَالعه وعَيناي تَدور بخَاصته شعرتُ وكَأنِي المُذنبة لأنحرفُ بنظرَاتي إلى السكِين بيَده لأرفع يَدي فَوق ذِراعه حتَى وصلتُ إلى أنَامله القَابضة على السكِين لأهمسُ أمَام وجهه بنَبرةٍ مُعَاتبة:
-لمَاذا؟ هَل حقًا ترَاني قدْ أفعلُها، يا فَريد!
-أَليسَ هَذه الطَريقة يُمكنها التَقليل مِن حِدة غَضبك وحُزنك!
قَالها وكَأنه مُتعجبٌ مِن رَفضِي بَينما أنَا كُنتُ مندهشةً؛ لأنَني ولأول مَرة أرى فَريد ضعِيفًا وهشًّا، وأيضًا عَبراته التِي بُرِزَت أمَامِي.
-مَن أخْبرُكَ لتُرضِي أحْدهُم تَجْعله يَجٍرحُكَ!
قُلتُها بذهُولٍ ورَفعتُ يَدي الحُرة إلى وجَنته لأشعرُ بِه يَمِيل إلى رَاحتِي لأُمَرر إبْهَامي عَلى وَجنته أستندُ بجَسدِي قَليلا إلى خَاصته وأهْمسُ:
-يكْفِي لتُرضِيني أن تَسمح لِي باِرتدَاء الأحْمر، أو رُبما تخْبرني بكَلماتٍ عِوضٍ عَن كَلماتك المُؤذية، أو...
توَقفَت ليُنظر لهَا باهْتمامٍ وإنصَات حتَى أنه رَفع ذِراعه يُحِيط خَصرها بِه ويَدفعها نحْوه أكثر بَينما يَده الأخرى مَا زَالت تحْمل السكِين تحْتويهُما يَداها، لتُكْمل بعدمَا جَذبَت اِنتبَاهه:
-ورُبما تُرضِيني برَقصةٍ أسْفل المَطر.
رَفعَت بَصرها نحْوه لتَجده يَدنو مِنها يُقَبّل وَجنتهَا ويَمِيل إِلى أُذنها يُردد بصَدقٍ شعرتْ به:
-أعْدُكِ أنَني لنْ أحْزنُكِ مَرة أُخرى، رُبما تَشْعُرين بالتَشتت ولكِني لا أتَطلعُ لجَسدكِ بقَدر قلبكِ، فقط اِسمحِي لي، يا أَلِيس.
-اِسْمحِي لِي وأعْطِيني قَلبك، أعدُكِ لنْ أخْذلُكِ.
لمْ يَر ردّة فعْلها علَى حَديثه بَينما كَانت فِي صَدمتها ومَذْهولة، فلا تُوجد كَلمات تَصف مشَاعرها المُتناقضة مَا بَين جُزءٍ يَرْفضه والآخر يمِيل نحْوه، جُزءٌ يُطالب أن تعْطِيه قَلبها ورُوحها وآخر يُخْرج أصْفَاد ويَضعها حَول معْصمَيه يَزج بِه دَاخل السجن.
عِندمَا طَال صَمتها لمْ يَضْغط عليها بَل ضَمها إليه بقوةٍ تُعَانق رأسه عُنقَها لتدَاعبه خُصْلاتها بَينما ذِراعيه تُحِيطها وتدفعها نحْوه ولو اِسْتطَاع لأخْفَاها بَين أضْلعه، بَادلته العُناق لتَرفع يَدها إلى مُؤخرة رَأسه تَسْتند بذَقنها إلى كَتفه وتَنظر للأمَام تُرَاودها أسْئلة دون أجْوبة ليَطغى عليها شعُورًا جَديدًا يجْعل مِن قَلبها يُحَلق لتَبتسم بخَجلٍ وسعادةٍ.
اِبْتعدَ عَنها مُجْبرًا لتخْفض رأسها بالأرضِ بخَجلٍ حَاولت إخْفَاؤه ليَخْتَطف قُبلة صَغِيرة مِن وَجنتها ويَبْتعد نحْو الحمَّام، لتَخطو إلى خَزانتها تُخْرج منَامة تَرْتدِيها بوَقتٍ قيَاسيّ ومَا أن وَضعت فَوقها القطعَة الأخِيرة خَرج وكَأنه يعْلم بأي وقتٍ ستَنتهِي.
وقفَ خَلفي يَمدّ يَده تَلتقط منَامة له وأنفَاسه تُعَانق بَشرتِي لمْ أتحرك فقطْ بقَيتُ سَاكنةً بسَببه ستَنزف شفتَايّ أثر عَضّتِي فَوقهما.
اِسْتَلقَيتُ فَوق الفرَاش أُطَالعُ السَقف أتذَكر كَلماته وضَعفه أمَامي للمَرة الأولى، لتُبْرَز اِبتسَامة خَجولة فوق  ثَغري ولكِنها سُرعان مَا اِخْتَفت عِندما صَعد إلى السرِير بجَانبي

عِندمَا تَتَقَاطع الطُرق: بَين الحُبِّ والحَقِيقَةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن