رِواية/ عِندمَا تَتَقاطع الطُرق: بَين الحُبِّ وَالحَقِيقَة.
الفصل العشرون بِعنْوان/ الأَلم خَطِيئة.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
.أَصَرَيّتُ علَى معْرفة الأمر؛ فطَريقته وأسْلوبه لإنهَاء حُزني لمْ تكُن سَوية؛ لذا كَان علىّ الاستعَانة بهذَا البَغِيض أمَامي ومعْرفة الحَقِيقة خَلف فعْلة فَريد.
حَاولَ إِفْلات معْصمه مِن قَبضتِي ولكِني تَشبثتُ بِه حتَى عَاد وجَلس إِلى المَقْعد جِواري، اِلتزمَ الصَمت بالبدَايةِ ظَنًّا مِنه أنَي سَأمَلُّ ولكِني لمْ أفعَل واسْتَمرَرتُ باِنتظَار حَديثه، ليَزفر الهَواء مِن حَوله بضِيقٍ؛ إنه يَشعر بالحَيْرة ويتسَاءل عمَّ إن كَان صوَابًا أن يخْبرها، لا يَنكر دَهشته حِينما أخْبرته بكَونها تهْتم لفَريد كَاد يقْسم إن عَلمَ فَريد بالامرِ لكَان رقصَ بمكَانه مِن سعَادته ولمْ تكُن لتَخْتفي البَسمة فَوق ثَغره ولوَصلَت لكلتَا أُذنَيه.
-كَان يُعَاقب بهَذا كُلَّما يُخْطَئ.
لَيته لمْ يَتحَدث؛ لأنَني لمْ أفهَم مَا تفوَه بِه.
مَاذا يعْني هَذا عقَابه؟ ومَن كَان يُعَاقبه؟
عَقَدتُ حاجبيّ ليَفهم أنَي لمْ أسْتوعب مَا قَاله ونَبسَ بسؤاله الذِي أصَابني بالحَرج والغَضب بآنٍ وَاحدٍ:
-هَل رَأيتيه عَاريا مِن قَبل؟
-مم ماذا!
تَلعثمَت فكَيف يُمكنه طَرح سؤالًا بتِلك الوضَاعة ألا يُحَافظ علَى حدُود المُعَاملة بينهُما واِحترم أنها زَوجة صَديقه، ليَستَند بظَهره إلى المَقْعد خَلفه ويقول:
-عفوا، أيتُها السيدة النَبيلة.
-أعلمِ أنَني خَدشتُ حَياءَكِ.
-أقصدُ ألمْ ترِ نصفه العُلوي عَاريا؟
-فهمتُك.
تصنَعت الحَزم بحَديثها وحَمحمَت لتُردد بكَلماتها الكَاذبة:
-بمَا أنَنا زوجان فبالطَبعِ رأَيْته.
-أعلمُ أنكِ لمْ تسَلميه قَلبك وجَسدكِ بعد، لا تتصرفي وكَأنكم تعِيشان حياة طبيعية.
-أنت بارد وبغِيض.
-ألستِ مهْتمة لسمَاعي؟
تسَاءل وهُو يَنهض يستعد للذَّهاب، إنه يتحَجج ولا يَروق له أن يفصح سَرّ صَديقه لنْ يعْجب فَريد تَطرقهُم لهذه النقطة مِن حَياته وبالأخصِ أمَام أَلِيس، وقدْ يُقَاطع كلاهُما.
عَادت لتَقْبض علَى معصَمه ثانيةً ونَظرت إِليه لتَنبس بنَرةٍ غَاضبة؛ فقد سئمَت مِن بروده:
-اِجْلس، ليسَ قبل أن تخْبرني بالقصة كُلّها.
عَاد ليَجلس واِسْتندَ بمَرفقه إلى يَدِ الكِرسِي ليُبَاغتها بسُؤاله الثَاني:
-ألمْ يثِرُكِ الفضُول حَول ندبَاته؟
اِنجَرفَت بذَاكرتها حِينما صُدِمَت بجَروحه وندبَاته القَديم والمُتفَرقة علَى نصفه العُلوي، رَاودها الفضُول حِينها لتَلمس كُل جَرك وتعْرف قَصته والألم المُلحق بِه كمَا أخْبرها لكُل نَدبة قصة وأَلم، ولكِن لَيلتُها خَجلت مِن تَنفيذ الفَكرة.
نَظرت نحْو أيهَم تحثُه علَى قَول القصة دُفعة واحدة؛ حتَى لا تغِيب بعَقلها إلى اللحظَات التِي تجْمعها بفَريد.
-فِي الصَغر، كُلَّما عَاد فَريد للمَنزل وقدْ تعَرضَ للضَرب علَى يدِ أحدهُم كَان حَرب لا يُمَررها، بَل كَان يُصِيبه بخَدشٍ ويخْبره بالقَاعدة "جسَدُك مِلكُك لا تَسمح لأحد أن يَصِيبه بخَدشٍ، وإن حَدث وأُصَبتْ تَأكدَ أنَني لنْ أشفَق علَيك."
قَالهَا حَرب الذِي أمَرَ حَارسه يُقَيد حَركة فَريد الذِي لمْ يتجَاوز عُمره الخَامسة عَشر ليُخْرج سكِينه ويُسَبب جَرحًا أثَر اللكمة التِي تلقَاها علَى يَد رجل يفُوق عُمره بعَشرة سنوات أو أكثَر وبَنيته أضخَم مِن فَريد.
تَأَلمَ فَريد وظَهرت تعَابيره فَوق مَلامحه كردّة فعلِ طَبيعية لشَخصٍ يتعَرض للتعنِيف ولكِنه نَتجَ عَنه جَرحًا جدِيدًا فالقَاعدة الثَانية "الألم شعُور مُحَرم عَليك حتَى وإن كَان أمَام نفسك وبمرَآتك."
تخَيَّلت المَوقف لتهْمع عَينَاها لتَسقط عَبراتها فَوق وَجنتها اليُمنى؛ لذا لمْ يَرها أيهَم ولكِنه اِسْتطَاع رؤْية اِحْمرَار عَينيها الأُخْرى التِي تجَمعَت بدَاخلها الدمُوع وكَادت تَذْرفها كاليُمنى، أصَابتها الصَدمة وهِي تَتذَكر كمْ جَرحًا أُصِيب بِه؟ وكمْ مَرة كَتمَ بِها ألمه؛ حتَى لا يُجْرح علَى يد قدوَته الأول؟
فَهمَت الآن لِمَ لا يتَألم أو يُعَبر عَنه كُلَّما جُرِح، وتسَاءلت دَاخلها عمَّ إن كَان يقْصد أن يَجْرح وَجهه بعدمَا كَبر؛ فلطَالما كَان يعُود مِن الخَارج وَوجه مَملوء بالكَدمات وكأنه يتحَدى أباه الذِي تخَلّى عَن مَبدئه هَذا الآن.
كَانت تظن أبَاها يتفَرد بكَونه مُجرم، ومخَادع، ويُفَضّل العَمل عَنها ولمْ يتخَلَّ عَن العمل لأجلها ولكِنه يُشْبه حَرب، حَبسها ذَات مَرة بحُجرة مُظلمة يخْبرها ألا تُظهر ضعغها لأحدٍ والفَارق الوَحيد بينهُما أنها مَا إن عَاتبته اِعْتذرَ مِنها ولمْ يُكررها ولكِنها تشُك أن فَريد كَان يمْلُك هَذا الخيار، بالطَبع لمْ يتوَقف حَرب عَن جَرح فَريد كُلَّما ضُرِب مِن قِبل الآخرين.
اِرتَجفَت أصابعهَا لتَنظر نحْو أيهَم الصَامت ثمّ رفعت بَصرها إلى بتول التِي نهضَت واِقْتربَت مِنهما حِينما رأْتها تبكِي، قَبضَت علَى كأس المَاء فوق الطَاولة ليتحرك الماء دَاخل الكوب بفَعلِ أنَاملها المُرتجفة لتَرتشف مِنه القَليل تُبَلل شفتيها وحَلقها الذِين جُفوا.
-بمَ أخْبرتها لتَبكي؟
-هِي أصَرّت.
-إن لمْ تُخْبرنِي الآن مَا قُلتُه سأتصلُ بفَريد و...
-لا.
قَلتُها بنبرةٍ اِنفعالية قَاطعة وشفاهٍ مُرتجفة لأزِيلُ دمُوعي التِي عَلقت بوجنتَيّ أحَاول رَسم بَسمة خَرجت ضعِيفة ومُهتزة:
-لا شيء، فقطْ قصَّ علىّ شيئًا مؤثرًا يتعَلق بحَياته.
-أعتذرُ مِنكما، علىّ الرَحيل.
نهضتُ لأقبضُ علَى حقِيبتي السودَاء أضعُها علَة كتفي وأومئ برأسِي نحْوهمَا أعتَذر ثانية لأُغَادر المَقْهى بخُطُوات سَريعة أختفِي مِن أمَامهُما بَينما بتُول شَهقت ونظرتْ إلى الطَاولة خَلفها تقول باضطرَابٍ:
-ولكِني لمْ أُحضر مَا يكفي مِن المَال وأمِي سَحبت بطَاقتي البَنكية.
تحسَرتُ فلمْ يكُن علىّ طَلب تِلك الأطبَاق التِي أعلم بأن ثمَنها يَتخطى المَبلغ الذِي بحَوزتِي، هَل علىّ غسل الصحُون هُنا!
وجَدتُه يَنهض ويُعَدل يَاقة قمِيصه يقْبض علَى هَاتفه ويُغَادر.
مَاذا! هل هذا كُل مَا فعله؟ كيفَ يمكُنه الذّهاب بتِلك البسَاطة؟ بالاقلِ يُسَدد طعَام أَلِيس تِلك الخَائنة التِي هَربت وتَركتني وحدِي.
-سيدتِي.
نظرتُ للنَادل الذِي اِبتسمَ لِي لأُبَادل خَاصته بأُخرى مُضطربَة وكَدتُ أتسَاءل عمَّ إن كَان يقْبل وَصل الأمَانة حتَى فَاجئنِي بقَوله:
-لقدْ سُدِدَ حسَابك، هَل تُريدين شَيئّا إضَافيّ؟
-م ماذا؟
تَلجلجتُ بكَلماتي فكَيف؟ لقدْ غَادرت أَلِيس ولمْ تَلتفت للخَلف حتَى وذَلك البَغِيض لمْ أطَالعه حِينما غَاد،؛ فكُنتُ أتطلعُ للطَاولة التِي وُضِع عليها أشهَى الأطبَاق وأغْلاهُم.
-مَن فعلَ؟
-الرجل الذِي كَان برِفقتك قبل لحظات.
اِتسعَت اِبتسَامتي حِينما أخْبرتي أنَنِي لستُ مُلزمةً بالدَفع ولكِن شعرتُ بالغَضب قَليلا كَونه مَن سَدد الحسَاب بالأقلِ كَان يخْبرني، كيفَ يمكُنني السدَاد له الآن؟
قَبضتُ علَى حقِيبتِي وغَادرتُ جَريًا مِن المَقْهى، علىَّ العَودة للمَنزل والتذَلل لأمِي؛ حتَى تعْطنِي بطَاقتي.
أنت تقرأ
عِندمَا تَتَقَاطع الطُرق: بَين الحُبِّ والحَقِيقَة
Romansالحُبّ وَالحَقِيقَة وَجهانِ لعُملةٍ واحدةٍ، يتشَارِكَان فِي العديدِ مِن السماتِ وأحْيانا يَنْتَهِي الطريق بِهُمَا، ولكِنَ الطُرقات تَتَقاطعُ وَيُصْبح الإنسان مُضطرًا لِسلكِ طَريقٍ واحدٍ. ثمةَ لِقاءَاتٍ لا تخْضعُ للصُدفةِ، بَل تُنسج بخيوطِ القدر. فِي...