الفصل السادس
الزهد في الدنيا طلب التكسب وقصر الأمل....الإمام مالك بن أنس.
(منزل آل عيسى)
أسرعت رواح بتعثر تحاول موازنة خطواتها، وهي تمسح دموعها وتلهث من فرط التوتر والخوف، المشهد كان صادماً، و رؤية أختها تتدحرج على الدرج أخافتها حد الصدمة. علا رنين هاتفها فتذكرت ياسر، ردت عليه بسرعة وحزن (أخي ....أنا آسفة، لا تعلم ماذا حصل؟ وقعت حق على الدرج ...لقد كنت خائفة أخي!) استسلمت لدموعها تكمل بحزن (لا تخف إنها بخير الآن، تركتها برفقة زوجها في غرفتهما، أجل لقد فحصها الطبيب، أغلق أخي أنا قادمة.) (يا آنسة! انتظري!) توقفت والتفتت إلى عيسى المهرول خلفها بتعثر يشبه عرجها، والذي استطرد بإشفاق من دموعها (لا تبكي! أختك بخير.) مسحت دموعها و رفعت وجهها بكبرياء، ترد عليه بنبرة جاهدت لتحافظ على تباثها (ماذا تريد؟) عبس بخفة بينما يخبرها بما يجول في خاطره (أولا كنت أريد الاطمئنان عليك، ثانيا...) قاطعته بحدة واهنة، و كلمات نجوى المسمومة تتردد في رأسها كشريط خرِب (أنا بخير، وداعا.) (انتظري!) قالها بحنق جمّدها مكانها، ترمق بعبوس حاجبيه الكثين، الأسودين والمقطبين بشدة، فاستطرد بحيرة (لماذا أنت هكذا؟) بلعت ريقها و الحنق يتصاعد في أحشائها، تبحث عن معنى لسؤاله الغامض، وهو يردف بنفس حنقه (دائما غاضبة و عدوانية، كأنني اقترفت في حقك خطأ عظيما أجهله.) رفعت حاجبيها حين فهمت قصده أخيراً ثم قالت له باستعلاء لم يصدقه (و لماذا تفترض اهتمامي بما تقترفه أو تفعله؟ الدنيا لا تدور حولك بالمناسبة.) ابتسم بجذل أرخى من عبوس وجهه معقباً (إذن صدق حدسي، و أنا أخطأت في حقك بما أجهله.) اهتز بدنها حين اكتشفت غباء ردها، تهتف بغضب (أنت لا تهمني في شيء كي أكرهك أو العكس، وداعا!) اتسعت بسمته أكثر وهو يمنع عنها المسير(أنا لم أسألك العكس مع أنه أفضل من لا شيء!) شهقت بحدة فهي لم تتمادى يوما في الحديث مع شاب إلا في نطاق دروسها، و لم تعتبر اهتمام زملائها سوى شفقة و رغبة في المساعدة نظرا لإعاقتها، خصوصا وهي الوحيدة التي تعاني من ذلك النوع من الإعاقة في مدرستها. أضحكه احمرار واندهاش وجهها، فاستطرد بنفس المشاكسة (فقط أخبريني بخطأي، و سنرى قصة الكره و.... العكس هذه فيما بعد!) تخيلته يسخر منها أمام نجوى الباسمة بشماتة ثم فكرت بأنه ما يزال يتسلى على حسابها، لذا تنفست بعمق ثم قالت له بقوة تخللتها سذاجة التعبير (أنت منحل! وإن لم تبتعد عني سأشكوك لأخي، وحينها سترى الكره وعكسه كيف يكون!) ثم انطلقت بنفس الخطوات السريعة بتعثر، وهو يفكر مصدوماً في أنها تهدده بأخيها! هل هي جادة؟ من هذه الفتاة التي ما تزال تهدد شاباً بأهلها لأنه حاول التخفيف عنها ومعرفة سبب غضبها منه؟ أجفل على صوت منصف الضاحك يقول له، وهو يشير إليه بضحكة سمجة (منحل، يا منحل! أنا لا أصدق! هناك من تجرأ على عيسى آل عيسى و نعته بمنحل! ومن هذا الأحد؟ فتاة صغيرة.) ثم عاد مستغرقاً في الضحك حتى عقب عيسى بذهول (ما سمعته حقيقة، نعتتني بمنحل، وهددتني بأهلها.) ثم نظر إلى منصف الممسك ببطنه من شدة الضحك، واستطرد بامتعاض مجعداً شفتيه (لماذا تتنصّت علينا؟) حاول تمالك ضحكه ليجيبه بمرح (لم أستطع كبح فضولي ثم هي عدوانية معي أيضا، فرغبت بمعرفة السبب خلف جدارٍ كي لا أُرمى بالرصاص الحي مثلك!) جعد أنفه ثم رفع سبابته و إبهامه يحك بهما لحية دقنه (ما تأكدت منه أننا اقترفنا خطأ ما أغضبها، لكن ما هو؟ الله أعلم.) سحبه برفق مراعيا رجله المكسورة، ورد عليه بنفس المزاح (لا تنكر أن الفتاة مختلفة، وقوية رغم ضعفها.) دفعه بخفة ينهره بملامح ممتعضة (ألا تلاحظ أنك تتغزل بها؟!) عاد ليسنده، ورد عليه بنفس مرحه المعتاد بينهما (أتغزل بها! أنت من نعتته بالمنحل لا أنا.) ابتسم متأثرا بمزاجه، وعقب بينما يسترخي معتمداً على جسد صديقه (لو سمعت وصفك لها لنعتتك بمغتصب وطالبت بإعدامك.) ضحكا معاً بمرح صادق تعمق بصدريهما، إلاّ أن أحدهما سعيد للثاني يفكر في أن صديقه الغامض ربما وجد ضالته.
YOU ARE READING
حق بين يدي الحق .1.سلسلة نساء صالحات..منى لطيفي نصر الدين
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة ....... ممنوع النقل أو الاقتباس ....... بسم الله الرحمان الرحيم .......... سلسلة نساء صالحات ......الجزء الأول .... حق بين يدي الحق. المرجو منكم... القراء الأعزاء...ان تتمعنوا في القراءة ....كل حرف أكتبه ...أكتبه من صميم...