الفصل الثامن

759 43 4
                                    


الفصل الثامن

من علم أن قوله من عمله قل كلامه... الإمام مالك بن أنس.

(قبل لحظات)

(في غرفة حق)

(عمّ تبحثين يا رواح؟) سألتها حق بحيرة من بحثها المجنون في الغرفة؛ خلف خزانة الملابس وتحتها وفوقها ثم بين الثياب، وحين لم ترد عليها ارتمت على السرير بتعب فهتفت رواح بتأهب (لا! ...لا تجلسي على السرير بعد! قومي!) استقامت حق عابسة بريبة بينما رواح تسحب غطاء السرير بقوة تتفقده بكفيها كأنها تبحث فيه عن شيء ما ثم رمته على الأرض، واستدارت إلى الوسائد وفعلت بها نفس الشيء قبل أن تضعها على طرف المنضدة أمام أنظار حق المتسعة بتعجب من تصرفات أختها الغريبة منذ أن همستها والدتها بشيء ما قبل مغادرتها. أزالت رواح الغطاء السفلي ثم رفعت المرتبة متنهدة لتبحث تحتها فشهقت بشدة وهي ترميها إلى الجانب الآخر ثم أمسكت ذراع حق وجذبتها برفق لتريها شيئا ما على خشب السرير (يا إلهي! لقد صدقت أمي حين طلبت مني البحث في غرفتك عن أي شيء غريب كبيضة مكتوب عليها أو ورقة عليها طلاسم أو حجاب.) تجمدت حق تحدق بأختها التي حملت ذلك الشيء المغلف بقطعة قماش سوداء، تشير به أمام وجهها (إنه سحر! لا أصدق أن الحاجة إيجة تتعامل مع الدجالين ....يا إلهي! سأذهب للبحث عن إبراهيم يجب أن أخبره حالاً!) منعتها حق تعاتبها بعبوس (لا، لن نخبر أحداً، اسمعيني أختي!) وأخذته من يدها ثم أردفت باستجداء (هذا الشيء لا سلطان له علينا سنفتحه ونحن نقرأ عليه الفاتحة وآية الكرسي والمعوذتين ثم نتلفه بأي طريقة؛ نحرقه أو ندفنه أو حتى نتخلص منه في الحمام، لن ندع شيئا تافهاً كهذا يؤثر على حياتنا، فلا أهمية له سوى ما نُحَمِّلُه نحن، هل تفهمينني؟) قلبت شفتها السفلى رفضاً لعدم إخبار إبراهيم لكنها أومأت لها على مضض وساعدت أختها على حل السحر والأخيرة تقرأ آيات الله وبعد أن تأكدتا من تفكيكه بالكامل تخلصتا منه في الحمام حتى لا يعرف أحد بالأمر. كانتا قد رتبتا السرير حين تركتها تتلو القرآن، وخرجت تبحث عن إبراهيم مصرة على رأيها، فهو أمّنها على أختها، وسيعرف كيف يتصرف في الأمر، لأن النساء لا يؤتمن جانبهن، وقد تتهم الحاجة إيجة أختها بالسحر حينها لن تتمكن من الدفاع عن نفسها، وقد يصدق زوجها والدته ففي النهاية هي والدته. وعت من أفكارها على ضربة أوجعت ذراعها، فهمت بالصياح غضباً لكنها صمتت حين قابلتها مقلتان مظلمتان غار فيهما الحزن ولمعتا بخزي تجسد في دموع متحجرة أبت النزول بكبرياء. نظر إليها فغلف ملامحه بالجمود قائلاً ببرود (آسف ....لم أقصد!) هزت رأسها ثم قالت له بتوتر (أبحث عن إبراهيم!) عبس متعجباً من تأثر قلبه بصوتها ينساب كالحرير بدفئه عبر أذنيه، فتنحنحت من تحديقه بها، فرد عليها بارتباك قبل أن يكمل خطواته نحو الطابق الثالث (ستجدينه في الشرفة السفلية، تصبحين على خير.) وقفت للحظة تفكر في حالته الغريبة، والحزن في عينيه أثر بها وجعل قلبها يتلوى بإشفاق، فتنهدت بخفوت ثم جعدت ذقنها بتعجب، وهي تتوجه إلى الشرفة. أخبرت إبراهيم بما حدث في حضور شقيقه الذي منحه نظرة ذات معنى، فأوصاها الأول برجاء وتحذير (من فضلك لا تفارقي أختك لأي سبب كان، وإن شعرت بأي شيء مريب هاتفيني في أي وقت، ولا تدعيها تتعب نفسها، ولا تتركيها بمفردها مع أي شخص، هل أستطيع الاعتماد عليك؟) هزت رأسها بتأكيد ترد عليه (بالتأكيد! تصبحان على خير.) انسحبت فألقى بهاتفه الجديد على المائدة، يقول لشقيقه بتعب وهو يفتح أول زرين من قميصه (ألا تكفيني مشاكل ذاك الرجل كي تقرر أمي شن حربها في هذا الوقت بالذات، وكأن ما يحدث معها رد فعل متأخر لصدماتها!) لم يجبه شقيقه الصامت، فأردف بنفاد صبر (ساعدني! أنت المختص هنا!) صدق من قال شر البلية ما يضحك، استغرق إسماعيل بالضحك، وهو يرفع يديه باعتذار (آسف يا أخي، سامحني، لكن...) ارتمى إبراهيم على المقعد المجاور مبتسماً يومئ له بتفهم، وانتظره إلى أن تمالك نفسه ورد عليه (آه يا أخي لولا إيماني بالله لاعتقدت بأن الدنيا ترفض انصافنا، وحين أسمع العجب من المرضى أحمد الله على نعمه علينا وأستغفره!) هز شقيقه رأسه مؤكداً وأضاف (أنا كفيل بفضل الله وعونه بالمشاكل خارج البيت لكن أمور النساء هذه تربكني.) منحه نظرة مؤازرة وهو يطمئنه (لا تقلق! سنراقب الوضع جيداً، وأنت هون عليك واسترخي، لا تدع الوجه البشع من الدنيا ينال منك.) اتسعت بسمة إبراهيم مفارقاً مقعده، وهو يجيبه بسرور وكأن الهم انجلى بمجرد تذكره لانتظارها له في غرفتهما (أنت محق، سنكمل حديثنا غدا إن شاء الله، تصبح على خير.) تأمل ابتعاده ببسمة رائقة، يهمس له بما لا يود أن يسمعه (بارك الله لك، وجدت لجروحك بلسماً.)

حق بين يدي الحق .1.سلسلة نساء صالحات..منى لطيفي نصر الدينWhere stories live. Discover now