المقدمة

2.1K 71 5
                                    


حق بين يدي الحق

الجزء الأول من سلسلة نساء صالحات

منى لطيفي نصر الدين

• لا تؤجل صلاتك لأي سبب، اظفر بسلام روحك أولاً.

• أسماء الشخصيات النسائية الرئيسية متعلقة بمحور الروايات فقط، لذا تأكدوا من حكم التسمية بها شرعاً في حالة نالت إعجابكم.

• فضلاً من لديه النسخة القديمة من السلسلة ليحذفها مشكوراً.

• أسماء بعض الشخصيات تغيرت لتفادي تكرار الأسماء فلا تستغرب لو تذكرت الأسماء السابقة.

• آل طالب، آل عيسى إلخ (آل) لا تعني سلالة أحد إنما له قربى باللقب بانتماء أو أصل يعود لنفس المكان المشترك مع الشخصية المعروفة.

• من مر من هنا، لا تنسني من صالح دعائك وتجاوز عن أخطائي.

***

المقدمة

(لله أكبر، الله أكبر، لا إله الا الله.)

ارتفع آذان الفجر ليعلن عن بداية يوم جديد منهيا أحداث الذي قبله سوى حدث استمر و لم ينتهي مع بزوغ الفجر، صراخ زوجته المتألمة بولادة متعسرة. ابتلع لعابه فاقداً آخر ذرات صبره، فقام ليخطو ذهاباً وإياباً من هول ما يشعر به من الرعب؛ فحتى هو الحاج عبد الله آل طالب بقلبه الصلب تأثر بصراخها المفجع من شدة ما يُعبر عنه من ألم طال وامتد طوال الليل. (حاج عبد الله! حاج عبد الله!) تجمد مكانه وسط بهو بيته يتطلع إلى السيدة الأربعينية برداء أسود يحاكي لون أفكاره (لقد حاولت يا حاج، الولادة متعسرة، يجب إسعافها حالاً، لقد نزفت كثيراً.) رماها بنظرات ساخطة قبل أن يقترب منها قائلاً لها بغل وهو يرمي قلنسوة جلبابه أعلى ظهره (كنت سأفعل منذ البداية، لكنك تشدقت ببراعتك.) انتفضت المرأة بخوف تهتف بأسف (أنا آسفة يا حاج، ظننت أنها ستكون يسيرة كالولادة الأولى.) نحاها عن طريقه بظهر يده ساخطاً بشدة فركضت عائدة إلى الغرفة بينما هو يرفع سماعة الهاتف المعقوفة على علبتها ليتصل بالمركز الصحي ليرسلوا إليه سيارة الإسعاف في نفس اللحظة التي علت فيها صرخاتٍ ما كانت للسيدة بل لمولودتها التي تحررت من سجن مشيمتها أخيراً، لتعلن بكل فخر عن نفسها إنسانة قد منحها الله حق الحياة. أسرع إلى الغرفة بلهفة ما عهدها في نفسه، فهو من أهل مدينة الجبال، من أهل القوة والبأس، لا يستسلمون للمشاعر ولو كانت شفقة بذويهم إلا أن قلبه الصلب شعر بقرب فقدٍ لم يكن يحبذه مهما بلغ به الجفاء، فأسدل جفنيه بأسف دون أن يرمي المولودة بنظرة واحدة منشغلاً بمن أنجبتها للحياة ثم غادرتها هي وسلمت روحها لبارئها، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

(بعد 8 سنوات)

أمسك يدها مطبقاً عليها بحمية أكبر من عمره، متسللاً بها بين حشود من الناس المتجمعين وسط الصرح المبهج بزواياه المبهرجة بزينة متنوعة، كلٌّ حسب حرفته بين فرقة للأهازيج الشعبية وأخرى للمسرحيات الفردية الساخرة، وبضائع كثيرة معروضة للبيع محلية وأخرى جنبية. توقف لاهثاً حين شعر بتصلب أطرافها فالتفت إليها يخاطبها بنبرة بين الحزم والحنان؛ فالصبي على أعتاب النضوج متقهقر ما بين تربيته الجافة وفطرته البريئة (ما بكِ؟ يجب أن نسرع لأعود بك إلى البيت.) نظرت إليه بمقلتيها الشفافتين ببراءتهما بينما تدفع الحروف عبر حلقها بين أنفاسها المقطوعة (أرجوك أخي، أريد غزل البنات، لم أذقه من قبل.) زفر بتعب يرمي بائع الحلوى بنظرات حائرة، والحرب في أحشائه قائمة بين وصايا والده وبنات أفكاره الشخصية؛ بين الأعراف وتمرد طفولي يقف على أعتاب فراقه حتى تنفس بعمق يفكر بأن لا بأس في إسعاد فتاة صغيرة ستمضي بقية حياتها حبيسة أسوار الأعراف. انحنى إلى مستوى طولها ممسكا بكتفيها الصغيرين بينما يحذرها بحزم (قفي ها هنا! لا تتحركي! سأعود بسرعة.) قارن قوله بفعله كما فعلت هي، متأملة المكان حولها مأخوذة بكل ما فيه، فالمهرجان يُعد حدثاً غريباً يحمل إلى مدينتها الصغيرة رياح بهجةٍ تكسر عادتها الرتيبة والمملة. انبثقت على ثغرها الزهري الصغير بسمة حلوة مثلها حين تذكرت شيئا ما ودست كفها الصغير داخل جيب عباءتها الساترة لجسدها الطفولي الضئيل ثم سحبتها مضمومةً قبل أن تفتحها كما فتحت شفتيها بفرحٍ لتتأمل السكاكر الملونة بسعادة من وجد كنزاً ثميناً. حرّكتها بمرح تحاول اتخاذ قرارٍ مهم في حياتها البريئة، بأي لون تبدأ؟ أو ربما عليها تركها لوقت لاحق مستمتعة بامتلاكها لتلك السكاكر النادرة. ليس أنها من عائلة فقيرة معوزة لكن السكاكر مختلفة وذات علامة أجنبية، وهي طفلة مُهمَلة وحصولها عليها رفاهية لا تحدث إلا قليلاً. لم تقاوم شهيتها الطفولية فوقع اختيارها الشغوف على لونها المفضل؛ الحمراء. التقطتها ولم تكد تدسها بين شفتيها الصغيرتين حتى تجمدت أصابعها قرب فمها تحدق بفتى في عمر شقيقها تذكر رؤيته في إحدى الاجتماعات العائلية أو القبلية، فمدينتها الجبلية قبلية والجميع فيها يعرفون بعضهم لكن ما لفت انتباه الصغيرة واعتبرته أمراً جللاً دموع الفتى المتدفقة على خده الخشن؛ إنه حتماً مشهد ليس بمألوف لعينيها المحدقتين باستغراب.

حق بين يدي الحق .1.سلسلة نساء صالحات..منى لطيفي نصر الدينWhere stories live. Discover now