الفصل الأول

61 5 2
                                    


على حافة الحب يقف العشّاق، بأمل لا ينتهي وبتصديق لا متناهي بأنهم وإن قفزوا فحتمًا ستنمو لهم أجنحة تمكنهم من الطيران، حتمًا ستخرج تلك الفراشات التي سكت القلب لأشهر طوال لتحملهم بخفة إلى بر الأمان، إلى عناق المحبوب وإلى السعادة الأبدية، ولكن حذارِ! قبل أن تلقى بحالك من حافة الحب، تأكد بأن محبوبك سيكون بإنتظارك بكامل الحب والاشتياق، فالحب أحيانًا يكون خدعة، ومدعيين المحبة كُثر!
                                      ***
في إحدى الشركات حيث يسود الصمت الأجواء على الرغم من التوتر المكلل لرؤوس الجميع، كان نهار عاصف وكأن حتى السحب ارهقها الكتمان فبكت، ووسط الأجواء الهادئة شُق سكون الأجواء بصوت شجار من طرف واحد، التفت الرؤوس جميعها نحو ذلك الصخب فأبصروا ياسر أحد أبناء عائلة الرفاعي المالكة للشركة ويوبخ أحد العاملين بقسوة، وعلى ما يبدو أن سبب التوبيخ كان أن القهوة الذي أعدها من أجله لم تكن محلاه بقدرٍ كافٍ! راقب الجميع ما يحدث بصمت، متقبلين نظرة الإنكسار بعين الرجل المسكين بصدرٍ رحب، وكأنهم قوم من الأطياف، كلٍ يلجأ للصمت مخافة التلاشي! وكأنهم على وشك الموت فيخشون ذنبًا قد يهلكهم! زاد التوبيخ أمام ازدياد صمت الرجل المنكسر، على الرغم من انه نال تعاطفًا في قلوب الجميع لكبر عمره وعينيه المنكسرة ولكن أحدٌ ابى ان يتدخل! حتى ينتهي ذلك الصخب لوهلات حينما اعتذر الرجل عما فعله، وكأنه لم يُظلم، وكأنه لم يهان، وكأنه لم يوبخ! رفع الجميع القبعات لتصرف الرجل الحكيم من نظرهم لإنهائه المشكلة، وتمتم البعض بأنه تصرف صائب للمحافظة على عمله ومصدر رزقه، حيا الجميع الظلم ووافقوه، فالصمت على الخطأ خطأ أكبر، وذنب تشارك الجميع به.. سواها! سوى إحدى الفتيات التي اشتعلت غضبًا وخصيصًا عندما أعتذر الرجل الذي تحمل له بقلبها بعض الإمتنان، ثار قلبها لرؤية الظلم ينتصر، فنهضت من مجلسها ضاربة بنظرات الجميع المحذرة عرض الحائط، وقفت بشجاعة محارب يمسك سيفه البتّار، تخلت عن كونها فردًا في جماعة الأطياف، وضربت بكل احتمالات فقدانها لعملها عرض الحائط، ثم نظرت نحو الرجل المسن وقالت :

-هو حضرتك بتعتذر على ايه يا عم حامد، لو في حد المفروض يعتذر فهو اكيد مش انت!

علت الشهقات والهمسات وكأنها قد تفوهت بإحدى السبّات التي لا ينبغي لها التفوه بها، وهنا شيعها البعض بنظراته المودعة، وهنا تبسم البعض بشماتة لرحيلها الذي بات وشيكًا، وهنا تحدث البعض عن كم كانت فتاة رائعة! نظر ياسر إليها بنظرات تملأها الغضب، وكأنه لم يكفِه ما فعله بالرجل المسكين بل أراد أن ينفث عن غضبه أكثر فأكثر، كاد العجوز أن يتحدث إلا أن ياسر قاطعه قائلًا إليها بحدة وغضب :

-انتي فاكرة نفسك مين عشان تتكلمي معايا بالشكل ده؟
-والله انا مش فاكرة نفسي أي حد غير إني واحدة ميعجبهاش الظلم، واللي انت عملته ده تصرف مش مقبول

اتسعت أعين الجميع من شجاعتها ولكنهم آسروا الصمت، إلا صديقتها وابنة عمها التي كانت تعمل برفقتها، نهضت هي الأخرى وامسكت بذراع الفتاة وحاولت جاهدة أن ترسم بسمة على شفتيها لتحد من سوء الموقف ثم قالت :

على حافة الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن