الفصل الثاني عشر

5 0 0
                                    


صفعات القدر المتتالية تُؤلم، بالكاد نستطيع استرداد توازنا حتى نباغت بصفعة أخرى، يصبح القدر أحيانًا قاسي للغاية فلا يرأف بحالنا، وكأن الدنيا بأكملها تخبرنا بأننا يجب علينا أن نصبح لحالنا كل شيء! وكيف للمرء أن يكون الداء والدواء في آنٍ واحد؟!
                                    ***
في ذلك المشفى اجتمعت عائلة الرفاعي سويًا بعد ساعاتٍ في الطريق، كتفًا بكتف كما اعتادوا دائمًا أن يكونوا، جلست عائشة تبكي وهي تدعو الله أن ينجي صغيرها ويعيده إلى احضانها سالمًا وكانت خديجة زوجة عليّ بجانبها تهون عليها وطأة الموقف بينما وقف عبد العزيز في هدوء يشبه هدوء الجبال، ذلك الجبل الذي أوشك على الإنهيار ليخرج حممًا بركانية قد تحرق الدنيا بأكملها! زفر ياسر بضيق وهو يجلس على مقعدٍ ما بعيدًا عنهم بقليل فقد أرهقه صوت البكاء وخصيصًا لأنه لم يأخذ قسطًا كافيًا من الراحة ولم ينم جيدًا، لولا نظرات أبيه الحارقة لما تكبد عناء مرافقتهم، وكم كان يشعر بالحقد على كريم الذي بقى في المنزل منعمًا الآن بعد شجارٍ امضاه برفقة عبد العزيز مصرحًا عن رغبته في الذهاب برفقتهم ولكن عبد العزيز أقسم انه لن يفعل، فلم يفعل! تأمل عبد العزيز الجميع من حوله وكم شعر أن الأرض تزلزل من تحت أقدامه كلما شعر بالدقائق تمر وصغيره مازال الأطباء يحاولون إنقاذ حياته، لطالما كان يحمد ربه على ما رزقه وأعطاه، رزقه بأربعة رجال يستند عليهم حين يشعر بالهوان ولكن أين هم الآن! أحدهم خارج البلاد والآخر يصارع لأجل البقاء على قيد الحياة والثالث مازال جرحه لم يبرأ شاعرًا بالعجز، نظر عبد العزيز إلى ياسر وليته لم يفعل، لأنه حينها أدرك كم كان وجوده كالسراب! ذلك السراب الذي لن يروي عطشه مهما حاول، لن ولم يصلح لأن يكون سندًا! زاد شعوره بالهوان لذلك قال ببعض الضعف :

-نزار!

التفت نزار إليه على الفور ثم هب من مجلسه يساند عمه على الوقوف، نظر إليهما ياسر لوهلة قبل أن يشيح بنظره عنهما وكأن شيئًا لم يكن، قال نزار في اهتمام :

-نعم ياعمي اؤمرني
-معلش يابني هتقل عليك، بس عايزك تشوفلنا مكان نبات فيه النهاردة، أديك شايف السكة كانت طويلة ازاي واكيد مش هنعرف نرجع النهاردة

حرك نزار رأسه بتفهم ثم قال :

-حاضر ياعمي متشلش هم، انا عايز حضرتك ترتاح بس شوية انت من ساعة ما جينا مرتاحتش خالص

ابتسم عبد العزيز إليه ثم ربت على كفه الممسك بذراعه وقال :

-ربنا يبارك فيك يابني

ابتسم نزار هو الآخر ثم سانده حتى اجلسه بجانب عليّ الذي ربت على كفه داعيًا لبدر، مر نزار بجانب ياسر قبل أن يغادر المشفى ممتثلًا لأوامر عبد العزيز ثم قال :

-تيجي معايا يا ياسر؟
-اجي معاك فين؟!
-هروح اشوف فندق ولا حاجة نقضي فيه اليوم
-لا روح انت انا قاعد معاهم

على حافة الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن