الفصل الثالث 🍁

8 1 0
                                    

الفصل الثالث

يقول أحدهم بأنك لن تستطيع معرفة النتائج إن لم تُبعثر الوسط برماد يذبذبه قليلًا لقياس أثر حديثك وهل توصلت إلى ما ترجوه أم أن ضوضائك عبث لن يفيد بشيء بعد الآن.
وآية تعلم تبعات ما تفكر به لكنها تتجاهل كل شيء في سبيل حماية صديقتها من شر نفسها، لتقرر ذات مساء بدء الحديث والبادي أظلم كما أخبرت روحها لتحمحم أملًا في جذب انتباه صديقتها التي تجيب عن التعليقات الكثيرة بحسابها لكن الأخرى لم تنتبه لها.
صوبت نحوها عدة ضربات متتالية بقدمها لتنظر لها الأخرى بحنق متحدثة بغضب
- فيه ايه يا تويا..
اختتمت كلماتها وعادت لما تفعله لتعتدل آية في جلستها قبل فصل شبكة الإنترنت تمامًا وما إن همت رؤى بالصراخ حتى أخبرتها بشجاعة زائفة
- عايزة رأيك في حاجة..
عقدت حاجبيها من كم الغموض الذي تتحدث به رفيقتها فهي تفعل وبعدها تخبرها لتقول بإقرار وقد أغلقت هاتفها
- سمعاكِ..
نظرت لها آية قليلًا لتخبرها بهدوء
- أوعديني الأول.
- نعم!
استنكار ونظرات حانقة كانت من نصيبها لتقول بعدها بغضب من اضطراب صديقتها
- مش هوعدك بحاجة غير لو عندي قدرة كافية إني فعلًا هقدر أعملها.
- هتقدري.
صمتت تستمع إليها بإمعان وما إن وصلت إلى حد معين حتى ثار بركان غضبها لتنتفض فزعة كالملدوغة من عقرب تزامنًا مع تحدثها بصوت غاضب
- إنتِ فاكراني مجنونة ومحتاجة اتعالج!
ورغم غضبها إلا أن حنقها لم يكن سوى استنكار مغلف بنظرات تهكم لتخبرها آية بصبر في محاولة منها لإقناعها بوجهة نظرها
- إنتِ محتاجة دا..
لتقاطعها الأخرى بغضب وقد فاض كيلها من ثرثرة تلك الحمقاء
- وانا مش طلبت دا لا منك ولا من غيرك.
- رؤى.
قالتها آية بتحذير من تمادي الأخرى في الحديث لتتبعها بجملة أخرى بإقرار حيث الآمر والناهي هي وفقط وما على تلك المغيبة سوى التصديق على حديثها ولا بأس من بعض الغضب لكن بالنهاية قررت أن تأخذ قيادة السفينة إلى مرسى آمن بعيدًا عن كل تلك الضغوط اللي تحيط بصديقتها. 
اتجهت للداخل لترسل رسالة إلى صديقها بحجز موعد في أقرب وقت ممكن لتغلق بعدها الهاتف وترتب بعض الأغراض منتظرةً رده عليه.
أما يوسف فقد كان يجلس أمام صديقه يقنعه بضرورة قبول المريضة من طرفه في عيادته الخاصة بعدما أغلقها منذ مدة وخاصةً بعد هروب خطيبته دون ترك أثر خلفها ليرد عليه سليم بحنق من إلحاحه الغير مشروط
- لا يا يوسف مش هيحصل.
قالها وجلس بتعب على المقعد خلفه لينظر له الآخر بعتاب وقد طفح الكيل من عناده اللامتناهي وتشبثه بسراب لن يعود عليه سوى بالضرر لينفجر به صائحًا بحنق
- مش عشان واحدة خانتك في نفس المكان يبقى تقفله للأبد. 
ثم صمت ينتظر رد فعله بفارغ الصبر ليخبره بعدها بإقرار
- هتفضل تتفرج على الماضي كدا كتير من غير ما تعمل حاجة!
تنهد بخفوت قبل إخباره مُذيلًا كلامه بتجريح يعلم أنه يؤذي صديقه لكن صدقًا طفح الكيل منه ومن عناده المذبذب بشأن حياته السابقة
- أنتَ جبان يا سليم..
تحرك من مقعده تجاه النافذة يتأمل الحركة بالأسفل مقررًا سحب قدمه من على اللغم لينفجر بهما دون ندم تلاه حديثه بإقرار
- وهتفضل عند نفس النقطة مهما حاولت لإنك مش عارف تتقبل الواقع وهي كملت حياتها بعيد عنك من غير ما تفكر حتى تبص وراها....
وقبل أن يهم بقول المزيد أخبره سليم بغضب وقد سأم من ثرثرة لن يجني منها سوى الألم
- اطلع برا يا يوسف.
قال كلماته وأخذ يدفعه للخارج قسرًا دون الاستماع للمزيد من الترهات رافضًا الأخذ بمبررات صديقه قائلًا بعدها بألم
- مش ناقصة تعب أعصاب.
أغلق الباب خلفه ليجلس أرضـًا مستندًا برأسه على الباب لتسبح ذاكرته إلى حيث حبه الأول أو خيبته الأولى، المُسمى مختلف لكن عائد على أنثاه البعيدة بُعد النجوم عن أيدينا ومهما حاولنا الوصول إليها نكتشف بأنها أبعد منا.
بدء الأمر من استلامه للعمل بعد نهاية دراسته في محافظة أخرى غير التي يسكن بها، التقاها هناك وتحدثا بثاني اجتماع بينهما خاصةً وأنهما تحت راية نفس المشفى، اتفقا على هدف واحد ألا وهو إنشاء مشروع يجمع بين مرضى التوحد وذويهم أصحاب الاضطرابات النفسية وهي تخصصت بالتركيز على مرضى التوحد لمتعتها في العمل معهم.
مرت الأيام تلتها شهور وبعد عام قررا افتتاح عيادة خاصة بهما ليعترف بعدها بمشاعره وهي أخبرته بكل سعادة الدنيا من وجهة نظره
- انتظرتك كثيرًا سليم لأني أعشقك أضعاف عشقكَ لي.
قالتها بالفصحى وحينما نظر لها باندهاش أخبرته بكونها لا تستطيع التعبير عما يجول بخاطرها سوى بلغة عربية صحيحة، اندهش وأخبرها بأنها فرت من أحد أفلام التسعينات لتُنير عالمه الخاص.
أحبها كثيرًا وبكل يوم يزداد تعلقه بها حتى قرر تحويل علاقتهما إلى مُسمى رسمي يتفاخر به أمام أولاده مستقبلًا، تمت الخطبة وبعد شهرين من عقدها صدمتها سيارة أثناء عبورها الطريق، تعافت بعد فترة ثم اختفت بعدها بأبحاثه دون أثر وبعدها تم نشر جزء من بحثه باسمها في أحد المجلات الطبية لكنه لم يعرف لها طريق لأنها أجادت لعبة التخفي بعيدًا عن عالمه بنجاح.
منذ اختفائها وحتى الآن لم يقو على الذهاب للعيادة أو حتى متابعة مرضاه بنفس الشغف السابق لكنه متأكد بأنه فقد بهجة عالمه وخيم عليه الظلام حتى إشعار آخر.
طرقات الباب تلاها صوت صديقه يخبره من خلفه بندم
- بعتذر يا سليم.
- ولا يهمك.
قالها باقتضاب قبل وقوفه ليقول بعدها بإقرار وقد أخذ قراره بضرورة البدء من جديد حتى لو كان ذلك على حساب حياته المدمرة بالفعل.
- المعاد النهاردة الساعة 8 مساءًا.
بعض البدايات متهالكة لا تصلح لبناء أخرى جديدة أو حتى البدء من نقطة التوقف حيث الدمار يزكم أنفاسك حد الاختناق وسليم اختنق حتى بات الموت يحاوطه من كل مكان والسبب أنه لم يُصلِح من قدره بل يَصلُح كوجبة على مأدبة الهلاك.
أما يوسف بمجرد استماعه لحديث صديقه ووعده الضمني بالبدء من جديد لأنه يستحق ذلك حتى تراقص داخله طربـًا من النهوض بعد تكاسل دام لفترة ليست بالقصيرة.
أرسل الموعد إلى آية وإرفاقه بعنوان العيادة قبل الذهاب إلى متابعة مرضاه حتى يحين الموعد.
******

نوفيلا "رُهاب"-"أسماء رمضان" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن