"الفصل الثاني"
الانتشال من بعض الدوامات بعد فوات الأوان غرق مع سبق الإصرار حتى لو كنت تجيد السباحة.
وهي لم تجد مَن ينتشلها من تلك الدوامات حتى امتلأت رئتيها بها لتُثقل كاهلها، تُدمي فؤادها وتقتل إنسانيتها بالبطئ.
أنثى انتظرت حتى أدماها الوقت بعلة التحمُل لكنها لم تدرك بأنها تحولت إلى بجعة انتظرت الأمير لتغيير مصير حياتها ولم تعلم بأنه لن يصبح سوى سبب هلاكها.
وضعت بطاقة الذاكرة في الحاسوب لتظهر لها محتوياته الواحدة تلو الأخرى، عدة مقاطع لأصدقائها القُدامى يبثونها بضرورة التحلي بالإصرار، ارتعشت يدها بوجود فيديو لآخر حفل راقص قامت به وكأنه كان وداعها الأخير لروحها.
أرادت محوه لكن اشتياقها دفعها لرؤيته لمرة بعد مؤكدة بأن الحياة لم تمنحها فرصة كافية لتوديع نجاحٍ لم تهنأ به بعد.
تأملت الحفل ولأول مرة تلاحظ بأنها لم تكن أميرة البجع بل امرأة بائسة أرادت التعلق بأمل زائف في وجود حبيب قادر على كسر لعنتها، تعلقت بأمل النجاة من بين براثن السِحر حتى تهنأ بحياتها مع حبيبها زُلَت قدمها في شباك وعد من السهل نقضه مادام الفؤاد يسبح بحرية.
انتظرت مَن وعدها باللقاء ذات يوم وأمِلت قُربه لتنضب بحار صبرها فالأمير سقط في العشق من بجعة ليست مسحورة.
سيغفريد خائن..
سيغفريد مختل..
سيغفريد أناني..
تدرك بأن الأمير به من صفات النُبل ما يجعله مؤهلًا لحكم البلاد ذات يوم لكن أميرها ليس بفارس بل ساذج اُنتزع منه النُبل في نظر إحداهن فأصبح حبه كالمحتل يقصف قلبها بنوبات هوس تجعله غير قادر على تخطي الأمر مهما حاولت لأن قلبها تعهد بعدم المُضي قِدمًا دونه.
تعلقت بأمل زائف لكن سلطان الهوى لا حُكم عليه..
اطمأنت بوجود حياة مختلفة تنتظرها لكنها لم تدرك بأنها لن تصبح سوى رمادًا تفنى داخله فصاحب الأمل قتلها غرقًا في قاع البؤس.
الأميرة أرادت أن تتحول من بجعة مسحورة إلى زوجة أمير يجمعهما الحب الأبدي لكنه وضع نهاية تُرضيه فقط بعدما رفضت الصفح والسبب..! أنه لا يستحقه.
أغلقت العرض بملل وهي تضع نفسها مكان الأميرة لكن سيغفريد المجهول خاصتها لم يُعطها وعدًا بالعودة بل أغرقها في قاع المعاناة وأغلق عليها بمائة قفل حتى لا تقف أمامه ثانية.
سيغفريد دمرها دون أن يدري عواقب فعلته وانتهى أمرها في حياة اللُطف لتصبح أخرى هي نفسها لم تتعرف عليها بعد.
استمعت لصوت الهاتف يصدح بوصول رسالة جديدة، وجدتها من صديقتها لتقرأ ما بها فالصديقة تُخبرها بأنها ذاهبة إلى المشفى لوجود عظَمة عالقة بحلق ابن شقيقتها، ردت عليها رؤى بضرورة طمأنتها بعد الانتهاء من هذا الأمر.
أغلقت الهاتف وانتزعت شريحة الذاكرة من حاسوبها تضعه جانبًا، أعادت رؤية تركيب الفيديو الخاص بها قبل رفعه على القناة الخاصة بها على موقع اليوتيوب.
أخذت تتجول بين المواقع المختلفة على هاتفها المحمول حتى يتم تحميل الفيديو وبعد نصف ساعة تم رفعه بنجاح، انتظرت عدة دقائق أخرى لتجد الكثير من ردود الفعل المختلفة، تفاعلت مع ما ظهر لها قبل إغلاق الحاسوب وحسم قرارها بالنوم حتى تعود آية من الخارج.
وعلى ذِكر الصديقة فقد كانت تجلس جوار ابن شقيقتها في المشفى منتظرة حتى يحين موعدهما وهو بدوره لم يتأخر في الصراخ جاذبًا الأنظار حولهما وكأنها قد اختطفته وليست خالته لتقول له بهدوء محاولة بائسة منها لجعله يهدأ ولو قليلًا
- خلاص بقى يا كيمو.
نظر لها بحزن طفولي قبل إشارته عند موضع الوجع واكتفى بالبكاء ثانيةً لتنظر له بألم قبل قولها بمرح محاولة تشتيت ذهنه
- ايه رأيك نروح الملاهي بعد ما تبقى كويس.
ابتسم من بين دموعه قبل انفجاره في البكاء مرة أخرى حينما تذكر وعدها بالذهاب إلى الملاهي معًا لكنها دومًا ما تعتذر في نهاية المطاف.
أدركت آية سبب حزنه لتقول ببساطة محاولة محو تلك الصورة المشينة عنها
- وعد.
ابتسم وما إن همت بقول المزيد حتى أتت الممرضة تخبرها بأن الطبيب بانتظارها، اصطحبت الصغير قبل ذهابها إلى غرفة الطبيب الذي اندهش كثيرًا من رؤيتها قبل قوله بمفاجأة
- آية.
ابتسمت باستغراب من تذكره لها رغم مرور العديد من السنوات لتقول بتعجب
- أخبار حضرتك دكتور يوسف!
وقبل أن يُجيبها جذب الصغير طرف ردائه لينظر له بعدم فهم خاصةً بوجود دموعه لتجيب آية بهدوء
- عظمة سمك في الحلق.
أومأ إيجابـًا قبل وضع الصغير على السرير الخاص بالمرضى لفحصه، أمره بفتح فمه ليتمكن من انتزاع تلك اللعينة، فعل الطفل ما أمره به وما هي إلا دقائق وكانت العظمة تسكنُ في طبق معدني جواره، تأملتها آية بغيظ فهي لم تكن كبيرة لتلك المندبة التي فعلها الصغير قبل قليل، نظرت له بغيظ ليخبرها ببراءة متنازلًا عن وعدها له
- خلاص مش هنروح الملاهي.
اضطرت لكتم غيظها حينما استمعت لصوت الطبيب يخبرها بأنه لا بأس مادام الصغير بخير، جلست جوار الصغير قبل قولها بارتياح وقد بلغ منها القلق قبل قليل
- كويس إنه بخير..
ثم صمتت تتنهد براحة قبل قولها بهدوء
- دي أهم حاجة.
صمتت ليضحك على هدوئها المفاجئ عكس صخبها السابق فالزائرة كانت أعز أصدقائه في فترة ما قبل الجامعة وحينما انتهت الثانوية فرقته الأقدار ليذهب كل منه بطريقه وتلاشت الاتصالات بينهما حتى تقابلا مرة أخرى بالمشفى.
نظر لها بهدوء قبل تساؤله باندهاش من إمكانية تعاملها مع الأمر بنجاح
- الموضوع بسيط وكان تقدري تتعاملي معاه.
ابتسمت على حديثه قبل تحدثها بقلة حيلة
- هو انا لحقت..
عدم فهم من نصيبه ما لبث أن زال بإخبارها بأن شقيقتها أيقظتها من النوم تخبرها بما حل بالصغير وحينما أخبرتها بأنها سوف تأتي وتفحصه رفضت مؤكدة بضرورة ذهابه إلى المشفى ليفحصه طبيب الأطفال، اختتمت كلماتها قائلة
- تقريبًا مش واثقين إني دكتور.
ضحك على حديثها المازح فهي بالفعل طبيبة لكن من طراز فريد فصديقته اختارت دراسة الطب البيطري طواعيةً لعشقها للحيوانات رغم رفض والديها إلا أنها أصرت وفي النهاية خنعوا لرغبتها فهي مَن ستدرس لا هم حسب قولها.
نظرة سريعة إلى ساعة يدها وما إن همت بالرحيل حتى أخبرها يوسف بهدوء
- هنتقابل تاني!
تساؤل مضطرب لتومئ له إيجابًا علامة الموافقة قبل قولها بهدوء
- أكيد لإني محتاجة أخد رأيك في حاجة مهمة.
تبادلا أرقام الهواتف قبل استئذانها لترحل مع الصغير، نظرت له بغيظ حينما أخبرها كيمو بهدوء
- هتتجوزي أنكل يوسف إمتى يا تويا!
لم تجاوبه على الفور بل التفت حولها عدة مرات تتأكد من عدم متابعة أحد له وحينما تأكدت من خلو الردهة من زائريها جلست أرضـًا أمامه قبل قولها من بين أسنانها بحنق
- اتلم يا كيمو.
تبعت كلماتها بتسليط لعبته المفضلة على هيئة أيس كريم أمام وجهه، ضغطت على الزر لتخرج كرة اصطدمت بوجه الصغير ليرتفع بكائه مجددًا لتقول بتساؤل وكأنها لم تفعل شيء قبل لحظات
- نأكل بيتزا ولا برجر.
أزالت دموعه بمحرمة ورقية تلاها منحه حلواه المفضلة ليُهديها قُبلة على وجنتيها، استقامت واقفة تعبث بهاتفها لإرسال رسالة موجزة لشقيقتها تفيد بأن الصغير بخير مع عودته غدًا لأنها بحاجة لقضاء المزيد من الوقت معه، رحبت أختها بالأمر لتُغلق الثانية هاتفها، عبست بملامحها ليبتسم كيمو قبل اتجاههم إلى الخارج للمرح.
*************
أنت تقرأ
نوفيلا "رُهاب"-"أسماء رمضان"
Romanceماذا يحدث لو ظهر أمامك فجأة فتاة في الظلام ودون مقدمات تهوي على رأسك بعكازها ثم تخبرك بعدها بمنتهى البرود "أنها آسفة" وتهرب بين طيات الظلام كما أتت منه..