الخاتمة
ما أنا متأكدة منه بأننا يومًا ما ربما نلتقى مجددًا لكن متى لا أعلم حقًا..
كل ما أدركه في ذاك الوقت تحديدًا أنني لن أكون نفس الشخص الذي كنت عليه قبلًا بل سيتغير شيء ما بداخلي ربما نضوج متأخر وفي بعض الأحيان سيكون التخلص من كل ما كان يؤذيني لكن تذكر بأن اللقاء سيكون حتمًا في النهاية.
بعد مرور عدة أسابيع على تلك الأحداث انتقلت رؤى من المشفى إلى منزل الجدة دون أن تتعرف على أي مما يحويه فقط عدة صور تجمعها بأخرى لم تتعرف عليها لكنها في نفس ذات الوقت تشعر نحوها باجتياح غريب لشيء مفقود من حياتها ولم تستطع العثور عليه بعد..
توالت الزيارات بالكثير من المعارف وهي لا تتعرف على أحد بل تخبرهم بمنتهى الوقاحة
- هل تقابلنا من قبل!
لغة فصحى استخدمتها مع الجميع حتى سمية نفسها لتتذكر الثانية ما حدث بعد استيقاظها من المشفى.. احتضنتها بحنان لتبعدها الأخرى عنها وهي تخبرها بغضب
- مَن تكونين؟
وتأملت المكان حولها باندهاش وهي لا تدري أي وضع جعلها تكون هنا لتكمل باستفهام حذر
- ماذا أفعل هنا وأنا لدي الكثير من المسؤوليات وجب علي إنجازها.
قالتها وانتزعت الإبرة المغروسة في يدها اليسرى لتحاول والدتها منعها لكنها أكملت بحنق بعدما أبعدتها بعصبية مفرطة
- مَن تكونين!
واختتمت كلماتها وهي تحاول الوقوف لكن هاجمها صداع عنيف لتشعر بعدم اتزان قبل أن تجلس ثانيةً على الفراش في محاولة منها لتقليل حدة تعبها تلك..
- إنتِ عارفة اسمك ايه؟
قالها الطبيب المتابع لحالتها بهدوء لتنظر له باستخفاف قبل أن تخبره بتأكيد
- بالطبع أعرف اسمي جيدًا مثل خطوط يدي هذه.
قالتها وهي تلوح به أمام وجهه ليومأ بهدوء وهي يخبرها بتشجيع
- طيب اسمك ايه بقى؟
- اسمي...
وصمتت بعدها لا تدري بالفعل ما اسمها، تتشابك ذكرياتها بين لحظات مموهة وأخرى مطموسة لكن ما تعرفه بأن هناك حلقات كثيرة مفقودة وهي لا تريد معرفتها بالتأكيد، ابتسمت وهي تهز رأسها بعد طول انتظار وأخبرته بهدوء
- أروى.
وتمددت على الفراش بهدوء بعدما فجرت قنبلتها في وجه الجميع لتنظر أمها مبهوتة قبل أن يأمرها الطبيب بأنه يريدها في أمر ما لتوافق بصمت قبل أن تتبعه للخارج.
وفي الخارج أخبرها بأنه ربما ابنتها تعاني من فقدان ذاكرة ووجب عليهم إجراء بعد الفحوصات للتأكد من سلامتها.. مع تأكيد بعدم الضغط عليها في التعرف على أحد.. فحينما تستعيد ذكرياتها ستصبح أفضل حتى لا تنتكس حالتها.
وبعد الاطمئنان على صحة الفتاة سمح الطبيب لها بمغادرة المشفى مع ضرورة الحرص على موعد الفحوصات بانتظام..
وبعدها توالى جميع معارفها حتى صديقتها آية لكنها لم تتعرف على أي منهم فقط تخبرهم بأنها لم ترهم قبلًا ووجب عليهم الرحيل لأنه داخل عقلها يوجد الكثير من المسؤوليات التي ترغب في التفكير بها.
وفي مساء أحد الأيام استقبلت سمية السيدة نهال مديرة الحضانة التي كانت بها ابنتها وهي صغيرة رحبت بها بحرارة ودعتها إلى داخل المنزل لتتسامر معها قليلًا عما يجب أن تفعلانه كحل لتستعيد الصغيرة ذاكرتها.
وفي خضم الحديث استمعتا إلى صوت باب غرفة جانبية يفتح تلاه صوت رؤى وهي تقول بسعادة
- ماما.
صعقت السيدتين مما تسمعان فيبدو بأن الصغيرة قد استعادت عافيتها وذاكرتها، ابتسمتا لها لتتجه صوبهم بخطى سريعة قبل أن تقف أمام السيدة نهال وهي ترتمي بين أحضانها بحنان
- اشتقتك كثيرًا ماما.
وشددت الأخرى من احتضانها بعدم فهم فيبدو بأن الصغيرة تعتقد بأنها أمها لا تلك المرأة جوارها.. ابتعدت عنها قليلًا وأكملت بهدوء
- سأرتب ملابسي لأغادر معكِ.
وصمت لثوان جعلت الجميع يدرك خطوتها التالية لتكمل بحماس
- كنت أعلم جيدًا بأنكِ لن تتخلي عني.
قالتها وغادرت لتنظر السيدتين إلى بعضهما البعض باندهاش فرؤى تعرفت على إحداهن لكن ما السبب يا تُرى..
وبعد كثير من المحايلة وافقت السيدة سمية على مضض مغادرة ابنتها من جوارها إلى منزل صديقتها نهال طالما انها مرتاحة ولا تدري بأنها تتركها للمرة الثانية بين يدي مجهول لكن إن أقسمت بأنها تثق في نهال فربما لن يصدقها أحد قط.. لكنها بالفعل تتمنى لابنتها الخير حتى لو كان في بُعدها عنها لأم قُربها منها في الماضي سبب لها الكثير من الأزمات النفسية على حد وصف الطبيب المعالج.
تنهدت بضيق وهي تشعر بأن خريف حياتها قد بدأ منذ اللحظة التي غادرت فيها الصغيرة ووجب عليها التعامل مع وحدتها بصبر حتى تعود الأمور إلى مجراها..
..............
على ناحية أخرى كان الخريف لازال يسيطر على روح أحدهم وحينما كان بيده أن يكتب كلمة الخاتمة تراجع جُبنًا خاصة بعدما زار الحضانة التي تمتلكها والدته نهال وعلم أن رؤى كانت موجودة في اليوم الذي سبقه لكن تحت صورته تركت له رسالة مفادها
"أتمنى أن يُزهر الربيع في قلبك مرة أخرى سيد سليم وكنت أتمنى لو كنَّا في ظروف أخرى لربما سقطت في عشقك دون تردد"
يومها تذكر كل ما حدث معه وللعجب لم يثور كما العادة بل ابتسم لأنه وجد هدف كان عليه مطاردته منذ زمن لذا قرر ترك العيادة التي افتتحها منذ سنوات واختار واحدة بالقرب من المبنى الذي كانت تقطن به رؤى مع إجراء تعديل بسيط بضرورة وجود طبيب علاج طبيعي لمساعدة المرضى مثل حالة رؤى، فعل ذلك على حد قولهم صديقه مازن رغبةً في التكفير عن ذنبه وهو بالفعل يؤكد كلامه لكن جزء منه يحاول الرفض حتى لو كان ذلك في سبيل المزاح على أمل بأن القادم سيكون أفضل بكل تأكيد فهو قد ألقى الماض وراء ظهره ولن يفكر فيه مجددًا.
.........
بعض الفصول لا يرغب أصحابها في تغييرها بسهولة فقد اعتادوا على فصل البهجة وحان الآن لوضع خاتمة تليق به..
فالخاتمة تمثلت في عروس بومة رفضت إقامة حفل زفاف حدادًا على ذكريات صديقتها والعريس بمساعدة الجميع حتى كريم جاهدوا على إقناعها لتوافق في النهاية على مضض مع التشديد على عدم إتمام الزواج حتى تستعيد صديقتها عافيتها..
وبالرغم من سخرية يوسف في تلك الحالة الا أنه ابتسم حتى لا يخسر كل شيء..
بالفعل تم الزفاف بعد طول انتظار وبمجرد أن رآها يوسف وتسلمها من زوج شقيقتها أمام الممر، احتضنها باشتياق وأخبرها هامسًا في أذنها حتى لا يستمع إليه البقية
- طول عمري بتخيل اليوم دا لكن مراتي تكون بالحلاوة دي اللهم بارك مجاش في بالي.
واختتم كلماته بطبع قبلة أعلى جبينها قبل أن يأخذها حيث الضيوف.. لتنقضي بعدها السهرة في سعادة وبعدها اصطحبها يوسف إلى منزل الزوجية وبعدما أغلق الباب بهدوء أخبرها بحب بعدما احتضنها من الخلف
- نورتي بيتنا وحياتي يا تويا القلب والروح.
ونثر عدة قبلات على جيدها لتبتعد عنه كما الملسوعة وهي تخبره بتحذير بألا يتمادى
- احنا اتفقنا يا يوسف إننا إخوات حتى إشعار آخر.
- انتِ اللي اتفقتِ.
قالها وهو يحرك كتفه بلامبالاة وبعدها أخبرها بتفاخر وهو يحرك حاجبيه بمشاكسة
- وبعدين يعني يرضيكِ يبقى نصيبي الحلو قدامي وأقول دي اختي.
وصمت لحظات وأكمل بعبث
- دا حتى اللي يرمي النعمة يبقى جاحد.
- يوسف إياك تقرب..
قالتها بتحذير وهي تهدده بباقة الورد التي لازالت بين يديها ليخبرها بحنان قبل أن ينقض عليها
- يرضيكِ يوسف يبقى جاحد.
واختتم كلماته وهو يحملها بين ذراعيه ويخبرها بعض من كلامه المعسول قبل أن يغلق الباب بقدمه وبعدها تعال أصوات ضحكاتهما سويًا لتصبح من بعد تلك الليلة زوجته قلبًا وقالبًا بعدما قررت شهريار الصمت في حُرم العشق..
........
بعض فصول حياتنا نحن مَن نختارها حتى لو كان ذلك سببًا في الهروب من كل شيء يدور في فلكنا..
- ممتاز يا تيا.
قالتها رؤى بحنان موجهة نظراتها إلى طالباتها في الحضانة بعدما قررت نهال فتح صالة لتدريب البالية علها تساعدها على استعادة جزء من ذكرياتها.. ابتسمت للصغيرات قبل أن ترى في انعكاس المرآة شخص يقترب منها لا تعلم هويته بعد.. التفتت له وأخبرت الفتيات بإكمال عمليات الإحماس قبل أن تتجه به إلى الخارج لتسأله بحذر
- مَن تكون!
- صديق قديم ممكن مش فاكراه.
أومأت بتفهم وابتسمت له بإشراق ليتأمل بسمتها بسعادة فهذه هي المرة الوحيدة التي رآها فيها تتعامل معه على سجيتها دون تكلف أو خوف من أي شيء، ابتسم لها وأكمل بهدوء
- هتبقي مدربة شاطرة يا أروى.
- أتمنى ذلك سيدي.
قالتها باقتضاب ليتساءل هو بهدوء
- إنتِ مش فاكرة حاجة خالص؟
نظرت له بحنق تحاول سبر أغواره علها تعرف لِم هذا السؤال تحديدًا لكنها فاجأته بهدوء
- بعض مقتطفات من ماض ربما عايشته لكنه يبدو كما الحِمل الثقيل يشعرني بالاختناق ويكبلني بالعجز لذا قررت عدم التقصي عنه حتى لو أصبحت هكذا طوال العمر.. لن يضر بشيء.
قالتها وغادرت ليتابع طيفها تمامًا حتى اختفت ليرتعد داخله حينما شعر بيد توضع على كتفه من الخلف ليلتفت لها ويجدها والدته التي أخبرها بنزق
- ست الحبايب اللي وحشاني.
رفعت نهال حاجبيها باستنكار وهي تأسر أذنه بين أصابعه وتجذبها بانتقام في نفس الوقت الذي أخبرته فيه بغضب وهي تضغط على أسنانها بغيظ
- قولت لك قبل كدا بلاش تيجي هنا كتير علشان خاطر رؤى وانت مفيش فايدة فيك.
- نفسي ترشي عليا بربع الحب اللي بتعطيه لرؤى دا.
قالها بمزاح لتخبره بحزم مازح
- بعينك يا جزمة.
وأخذته بعدها إلى المكتب بعيدًا عن مدار تلك الفتاة حتى لا يُسبب لها أي أذى خاصة بعدما اعترف لها أنه السبب في حادث الفتاة وهي قاطعته فترة من الزمن لكن عادت المياه لمجراها مرة أخرى فهو بالنهاية ابنها وليس لها غيره لتبتسم بسعادة وهي تهديه بعضًا من أكلته المفضلة.
- سليم.
قالتها تجذب نظره ليرفع عينيه لها دون حديث لتخبره بهدوء حذر
- أوعدني إنك هتبعد عن رؤى خالص.
حاول الاعتراض لكنها ضغطت على يده وأكملت بتوضيح
- الحياة عطيتها فرصة تانيه علشان تعيش بسعادة وأنا مش عايزة أي حاجة من الماض تعكر حياتها لإنها تستحق كل سعادة وكفاية اللي كانت بتعانيه مع جوز أمها.. أومأ بتفهم مع وعده لها بأنه سيحاول حتى لو كان ذلك على حساب السير على فتات روحه.
أحيانــًا قد يتطلب منا الحب التضحية حتى لو لم نختر ذلك لإننا نتمنى في كل لحظة أن ينعم الأقربون إلى قلبنا بالكثير من السعادة.
............
بعد سنة وعدة أشهر كان هناك صياح من نوع خاص يصدح في أرجاء المنزل تلاه سقوط يوسف من على الفراش "ذاك الزوج المنكوب طوال فترة حمل زوجته متقلبة المزاج وهو مَن يدفع ضريبة المعاناة تلك" وحينما يخبرها بأي من اعتراضاته تخبره بغضب أنه كان يجب عليه الالتزام بوعده السابق..
بدَّل لها ملابسها على عجالة وأخذها للخارج.. وشكرًا لذكائع قبلًا على اختيار سكن بالقرب من مكان عمله "يفصله فقط عشر دقائق بالسيارة" فلم يدم الوقت طويلًا إلا وكان بها أمام المشفى وفي انتظاره بعض الأطقم الطبية من المشفى وقبل أن تتجه معهم إلى داخل غرفة العمليات جذبت يوسف من ياقة ملابسه وهي تخبره بغضب ناجم عن وجع تعايشه لأول مرة بحياتها
- منك لله يا ابن حماتي كنت هنومة في بيت ابويا وجيت بهدلتني في حوارات الجواز دي.
وبعدها اختفت في الداخل دون كلمة إضافية، أراد أن يضحك على كلماتها تلك لكن إن فعلها لكان في عداد الموتى الآن.. هاتف والدته وحماته وكذلك البقية يخبرهم بما حصل وما هي إلا أقل من ساعة وكان الجميع حوله يحاول طمأنته بأنها والجنين سيكونا بخير.
- مبارك جالك بنت قمر شبهك يا جو.
قالتها الممرضة التي خرجت للتو من غرفة العمليات ليخبرها مازن بمشاكسة
- نتلم يا سوسن علشان منزعلش من بعض.
وتلك السوسن صديقة لهم في ليالي الشتاء الكئيبة بين أركان المشفى.. ليقاطعهم سليم وهو يخبرها بتساؤل
- آية صحتها عاملة ايه هي والطفلة.
طمأنتهم عليها بأنه لا داعي للقلق وبضع لحظات فقط وستكون الصغيرة ووالدتها في غرفة عادية..
وفي المساء بعدما فاقت آية من تأثير البنج واستعادت جزء من وعيها أخبرها يوسف بأن الصغيرة تنتظرها واختتم كلماته وهو يضع الفتاة بين يدي والدتها ليقترب منهم كريم وهو يخبر خالته بسعادة
- رؤرؤ يا تويا.
وصفق بحماس وهو يقبل الصغيرة على وجنتها عدة مرات ليحاول يوسف إبعاده لتبهت ملامحه وكيمو يكمل باسترسال
- كيمو هيتجوز رؤرؤ لما تكبر.
فهو قرر تسميتها رؤى على اسم صديقته التي اختفت فجأة ليشعر بيدي يوسف زوج خالته ترفعه عن الأرض قليلًا وهو يخبره بتحذير
- ولا بنتي إياك تقرب منها أنا بحذرك.
لكن الصغير حاول التملص من بين يدي يوسف بحنق وهو يخبره بتحدي
- يا جو يا حبيبي بنتك من وقت ما شوفتها وهي هتبقى مراتي خلاص..
ليغمر الجميع عدوى ضحك من مشاجرة اثنين في نفس العمر العقلي على ما يبدو لكن حجم الجسد مختلف..#تمت_بحمد_الله_تعالى
#رُهاب
#أسماء_رمضان
تم البدء في كتابتها
15\2\2023
تم الانتهاء من كتابتها وتدقيقها
11\11\2023
أنت تقرأ
نوفيلا "رُهاب"-"أسماء رمضان"
Romanceماذا يحدث لو ظهر أمامك فجأة فتاة في الظلام ودون مقدمات تهوي على رأسك بعكازها ثم تخبرك بعدها بمنتهى البرود "أنها آسفة" وتهرب بين طيات الظلام كما أتت منه..